عودة الإسلاميين عبر الحرب- خطر داهم يهدد السودان
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
مع استمرار الحرب في السودان منذ أبريل 2023، تتزايد المخاوف من عودة الإسلاميين إلى المشهد السياسي والعسكري عبر استغلال الصراع لتحقيق مكاسب جديدة. لم تكن هذه العودة مجرد تطور عابر، بل تعكس استراتيجية مدروسة لاستثمار الفوضى وغياب الدولة كوسيلة لإعادة التمكين.
الظهور المتكرر لقادة الكتائب الإسلامية، وعلى رأسهم قائد "كتيبة البراء" المصباح طلحة، ليس مجرد مصادفة، بل مؤشر واضح على محاولات الإسلاميين استغلال الصراع العسكري كجسر للعودة إلى السلطة.
الإسلاميون وسباق المليشيات نحو السلطة
منذ اندلاع الحرب، سعت الجماعات الإسلامية المسلحة إلى إعادة تموضعها، مستغلة حالة الانهيار الأمني وضعف مؤسسات الدولة. كان ظهور المصباح طلحة في القصر الجمهوري بعد انسحاب قوات الدعم السريع، محاطًا بعسكريين وضباط رفيعي المستوى، علامة فارقة في تحول موازين القوى داخل الحرب. لم يعد الصراع مجرد مواجهة بين أطراف سياسية متنازعة، بل تحول إلى سباق بين المليشيات المختلفة على انتزاع السلطة بأي ثمن.
يرى المحلل السياسي الأمين بلال أن تكاثر المجموعات المسلحة يشكل الخطر الأكبر على السودان، حيث أصبحت الدولة رهينة لصراعات "الكل ضد الكل"، وسط غياب رؤية موحدة لبناء سودان مستقر. هذا الواقع يعزز فرص الإسلاميين للعودة، خصوصًا في ظل تفكك الجبهة المدنية، وانعدام مشروع وطني متكامل قادر على مواجهة تمددهم.
الإسلاميون واستراتيجية العودة بالقوة
لطالما كان سجل الإسلاميين في السودان مرتبطًا بالفشل السياسي والانهيار الاقتصادي. بعد أن أسقطهم الشارع في الثورة، يحاولون اليوم العودة عبر القوة العسكرية، مستخدمين خطابًا دينيًا لتبرير وجودهم في ساحة المعركة.
تصريحات القيادي عبد الحي يوسف، الذي أقر بأن الكتائب الإخوانية المقاتلة مع الجيش "تستحق نصيبًا في السلطة"، تعكس بوضوح مشروع إعادة التمكين. هذا السيناريو يعيد للأذهان انقلاب 1989، حين استخدم الإسلاميون الجيش للوصول إلى الحكم، قبل أن يحولوا البلاد إلى ساحة للقمع والاستبداد. عودتهم اليوم، تحت أي مسمى، تعني تكرار نفس المآسي وإجهاض أي فرصة لبناء دولة مدنية ديمقراطية.
تحالف الإسلاميين والمليشيات الفوضى في خدمة السلطة
وجود الإسلاميين في المشهد العسكري لا يقتصر على القتال، بل يمتد إلى تشكيل تحالفات معقدة مع المليشيات الأخرى، مما يضاعف من حالة عدم الاستقرار. تعتمد هذه الجماعات على شبكات الولاء الأيديولوجي، مما يجعلها أخطر من غيرها من القوى المسلحة.
الصحفي محمد المختار يؤكد أن منح الإسلاميين منصات عسكرية وإعلامية داخل القوات المسلحة يضر بسمعة الجيش، ويؤكد انحرافه عن دوره المهني. فهذه الكتائب متهمة بارتكاب جرائم شبيهة بممارسات تنظيم داعش، مما يعكس طبيعة الخطر الذي يشكله وجودهم في ساحة القتال.
رفض شعبي وسياسي لعودة الإسلاميين
لا يمكن بناء السودان الجديد بإعادة تدوير نفس القوى التي قادت البلاد إلى الهاوية. الإسلاميون الذين دمروا الدولة واستغلوا الدين لتحقيق مكاسب سياسية لا يمكن السماح لهم بالعودة عبر الحرب. الحل لا يكمن في عسكرة الصراع أو تمكين المليشيات، بل في إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية حقيقية، تضمن مشاركة جميع القوى المدنية بعيدًا عن العنف والتطرف.
على السودانيين اليوم أن يدركوا خطورة عودة الإسلاميين تحت أي ذريعة. فالسودان يستحق مستقبلًا بلا حروب، وبلا جماعات تتغذى على الدماء والفوضى. بناء الدولة المدنية الديمقراطية يتطلب إبعاد كل القوى التي تستغل الدين للوصول إلى السلطة، وخلق نظام سياسي قائم على العدالة والمساواة للجميع.
معركة السودان ليست عسكرية فقط، بل سياسية وأيديولوجية
الحرب في السودان ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي أيضًا معركة سياسية وفكرية تحدد مستقبل البلاد. عودة الإسلاميين عبر بوابة الحرب تمثل خطرًا داهمًا، إذ تعيد إنتاج نفس التجربة التي دفعت السودان إلى الفشل. رفض عودتهم يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية شاملة لبناء دولة ديمقراطية حقيقية، قادرة على تجاوز حقبة الحروب والمليشيات والتطرف.
السودان يستحق مستقبلًا أفضل، مستقبلًا خاليًا من الإسلاميين والعنف، قائمًا على العدالة والمواطنة والسلام.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عودة الإسلامیین مستقبل ا
إقرأ أيضاً:
العراق: الميليشيات وحرب الموارد!
تسبب قرار إداري بتغيير مدير زراعة بغداد، وهي وظيفة مدنية تتبع لمجلس محافظة بغداد، في مواجهة مسلحة بين الميليشيات التي يتبع اليها مدير الزراعة المقال (وهي ميليشيا كتائب حزب الله) والميليشيات التي يتبع اليها المدير الجديد (وهي ميليشيا كتائب الإمام علي)، وأدى إلى تدخل القوات الأمنية وقد نتج عن هذه المواجهة سقوط قتيل و14 عشر جريحا منهم.
في العراق، لا يمكن فهم المواجهة المسلحة بين الميليشيات، والتي يفترض أنها تتبع القائد العام للقوات المسلحة، وأنها تنتمي إلى هيئة الحشد الشعبي، إلا في سياق حقيقة أن هذه الميليشيات لا تتبع سوى أوامر «عرابيها»، وأنها تستخدم كأدوات للسيطرة على الموارد، عبر ما يسمى بالمكاتب الاقتصادية التابعة لها، والمستنسخة من المكاتب الاقتصادية للأحزاب. وأن دورها الرئيسي هو ضمان الحاكمية الشيعية في العراق وضمان فرض هوية أحادية على الدولة والمجال العام، وضمان سيطرة القوى الحليفة لإيران على السلطة في العراق في مواجهة القوى الشيعية الأخرى (بشكل خاص التيار الصدري)، ثم استخدامها بطبيعة الحال لتحقيق مصالح شخصية لعرابيها، وللمجموعات الزبائنية المحيطة بهم!
منذ 2014 وأنا شخصيا أقول إن الحشد الشعبي، الذي أعلن عن تشكيله في حزيران 2014 دون إطار قانوني (بعد تحريف فتوى المرجع الديني السيد علي السيستاني التي دعت إلى الجهاد الكفائي عبر التطوع في القوات الأمنية حصرا)، كان خيارا إيرانيا، وإن القوى السياسية الشيعية وأجنحتها المسلحة والميليشيات الشيعية (التي أعاد رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي تفعيل نشاطها في منتصف عام 2012، كرد فعل على محاولة سحب الثقة عنه، ولاستخدامها لدعم نظام بشار الأسد من جهة ثانية) ظلت عصية على الضبط طوال السنوات اللاحقة.
فبعد ما يقارب ثلاثين شهرا من التشكيل الفعلي للحشد الشعبي، صدر قانون هيئة الحشد في تشرين الثاني 2016، وكان قانونا مهلهلا غايته توفير الغطاء القانوني والمالي للميليشيات العاملة فعليا على الأرض، ومع ذلك تضمن مادة نصت على أن «يتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضمون الى هذا التشكيل عن كافة الاطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه». لكن هذا لم يحدث مطلقا، وأقصى ما حصل هو استبدال أسماء تلك الميليشيات بألوية ذات أرقام محددة، مع معرفة الجميع بأن كل لواء من هذه الألوية هو ميليشيا تابعة لهذه الجهة أو تلك، وبقاء ارتباطها الكامل بعرابيها (على سبيل المثال اللواء 45 و46 اللذان شاركا في المواجهة التي تحدثنا عنها بداية المقالة، يتبعان لكتائب حزب الله)!
ولمواجهة هذا الانفلات، أصدر رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي عام 2018 أمرا ديوانيا في محاولة منه لضبطها، وتضمن فقرة تنص على أنه «يشترط لمن يشغل منصب آمر تشكيل فما فوق [أي قادة المناطق ونائبا رئيس هيئة الحشد الشعبي] أن يكون خريج دورات كلية القيادة او كلية الأركان التابعة لوزارة الدفاع، ولا يكون إشغال المناصب المذكورة إلا بموافقة القائد العام للقوات المسلحة، وله حق استثناء من لا تتوفر فيه الشروط المذكورة لمن لديه خبرة عملية وأثبتت كفاءة في الميدان وباقتراح من رئيس الهيئة». لكنه عجز عن تنفيذ ذلك، وأصرت الميليشيات، ومن خلفها إيران والقوى السياسية الشيعية، على إبقاء الوضع على ما هو عليه!
عام 2019 أصدر رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي أمرا ديوانيا آخر، أكثر شدة، لضبط الميليشيات التي أصبحت فاعلا سياسيا رئيسيا، فلم تعد الأحزاب الشيعية الرئيسية لديها أجنحة مسلحة، بل أصبح لكل ميليشيا جناح سياسي يمثلها في مجلس النواب.
تضمن هذا الأمر الديواني التخلي نهائيا عن جميع المسميات التي عملت بها فصائل الحشد الشعبي في سياق الحرب على داعش، واستبدال ذلك بتسميات عسكرية (فرقة، لواء، فوج، الخ)، كما يحمل أفرادها الرتب العسكرية المعمول بها في القوات المسلحة، وأن تقطع هذه الميليشيات افرادا وتشكيلات أي ارتباط سياسي أو عقائدي، وتضمن الأمر الديواني «غلق جميع المكاتب الاقتصادية أو السيطرات أو التواجدات أو المصالح المؤسسة خارج الإطار الجديد لعمل وتشكيلات الحشد الشعبي كمؤسسة تعتبر جزءا من القوات المسلحة» لكنه فشل أيضا في تنفيذ هذا الأمر الديواني للأسباب نفسها!
بعد احتجاجات تشرين، لم تعد هذه الميليشيات مجرد دولة موازية، بل فرضت سطوتها على الدولة نفسها، وبدا هذا واضحا عندما اضطُر رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، حينها، إلى الإذعان الكامل لها. وبعد انتخابات 2021 أصبحت هذه الميليشيات الفاعل الرئيسي في الدولة بعد سيطرتها على مجلس النواب بعد استقالة التيار الصدري، وسيطرتها على الدولة بضوء أخضر إيراني!
بعيدا عن السلطة والدولة، كانت المكاتب الاقتصادية لهذه الميليشيات، قد بدأت بأخذ حصتها من الاستثمار في المال العام، لكن سلاحها مكنها هذه المرة من تجاوز المكاتب الاقتصادية للقوى السياسية، خصوصا في المناطق التي تنتشر فيها؛ بمحافظات بغداد ونينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك.
حيث استحوذت على الحصة الأكبر في المشاريع والمقاولات فيها، وفرضت إتاوات على الجميع، وسيطرت على مساحات واسعة من الأراضي المملوكة للدولة. ولم تكتف بذلك، بل أصبحت تبتز المواطنين عبر التهديد بالتهم الكيدية، وعلى رأسها الإرهاب، أو الانتماء إلى حزب البعث، أو عبر التهديد بالتهجير القسري لدفع مالكي البساتين والأراضي الزراعية بالتخلي عنها لمصلحتهم.
لا يمكن أيضا التعويل على موقف للفاعلين السياسيين السنة في هذه المسألة، بسبب خضوعهم الكامل لإرادة الفاعل السياسي الشيعي
ويحرص الفاعلون السياسون الشيعة، ومن خلفهم إيران، على الإبقاء على الميليشيات، خاصة بعد التغيير الذي حدث في سوريا، لاعتقادهم أنها الضامن الوحيد ليس لضمان الحاكمية الشيعية وحسب، بل لاستمرار وجودهم نفسه، لهذا يرفضون الحلين الوحيدين المنطقين وهما حلها أو دمجها في القوات المسلحة العراقية، فالجميع يدرك أنه لا إمكانية لإعادة هيكلة هذه الميليشيات وإنهاء طبيعتها المزدوجة (قوات رسمية وغير رسمية)، وولائها المزدوج (العراقي -الإيراني)، ونطاق عملها المزدوج أيضا (في الداخل وخارج الحدود)، ولا إمكانية لضمان التزامها بالقانون أو بسياقات الدولة، والتخلي عن تكوينها العقائدي الطائفي.
ولا يمكن أيضا التعويل على موقف للفاعلين السياسيين السنة في هذه المسألة، بسبب خضوعهم الكامل لإرادة الفاعل السياسي الشيعي، كما أن الانقسام الكردي بين السليمانية الحليفة للميليشيات، وأربيل التي تواجه صواريخهم ومسيّراتهم، يمنعهم من اتخاذ موقف حاسم، ومن ثم لم يبق سوى الموقف الأمريكي الذي يصر على دمجها في القوات المسلحة، وهو الموقف الوحيد الذي سيحدد مستقبلها، بل ومستقبل الدولة العراقية ككل لاسيما أن المجتمع الدولي لديه تجربة مرة مع العراق، بسبب الممارسات السياسية الطائفية التي أدت إلى ظهور داعش، والتداعيات الخطيرة التي نتجت عن ذلك.
وعلى العقلاء في الطبقة السياسية العراقية، إن وجدوا، أن يتعلموا من دروس الماضي، وأن يصححوا الخطايا التي ارتكبوها؛ بينها خطيئة صناعة الدولة الموازية التي شكلتها هذه الميليشيات، وأن الإصرار على استمرار هذه الخطايا لغرض فرض الحاكمية الشيعية، وتقويض الدولة، لا يمكن إلا أن يكون إصرارا على الخراب.
القدس العربي