فضحت تصريحات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قبل أيام، تقاعس محمد بن سلمان وعبد الفتاح السيسي عما يحدث لسكان غزة من إبادة، وكشفت مدى اطلاع الولايات المتحدة على الغليان والغضب الشعبي المستتر في مصر والسعودية، فهناك هدوءٌ يسبق العاصفة يمكن له أن يتحول إلى اضطرابات من المحتمل جدا أن تؤثر سلبا على أهداف نتنياهو في السيطرة على غزة بعد تهجير أهلها.



وإن كان ويتكوف قد فرّق بين أسباب الغليان في مصر والسعودية، إذ إن البطالة والمديونية والأزمة الاقتصادية الخانقة قد تمثل دافعا للمصريين لاكتساح الشوارع، بينما قد يحرك التطرف الشباب السعودي للتعبير عن رفضه لما يحدث في غزة باتجاه انتهاج أساليب عنيفة، فإن سياق تصريحات ويتكوف أهم من فضحه لهشاشة الأنظمة العربية وانكشافها أمام شعوبها.

ويقع على رأس هذا السياق إصرار حماس على موقفها من عدم تسليم سلاحها ورفض سكان غزة للتهجير وإصرارهم على الصمود والبقاء، ثمّ الحالة المأزومة التي يوجد عليها نتنياهو المهدد داخليا بينما يضرب صفحا عن المسار التفاوضي ويستأنف حرب الإبادة؛ ليس فقط في سبيل الضغط على حماس حتى يرغمها على التنازل والقبول بشروطه التفاوضية، بل إنّ ما يدفعه لشنّها محاولته المستميتة الحفاظ على حكومته المتطرفة من الانهيار، تجنبا لتبعات المساءلة القانونية عن دوره في حرب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، على الأقل إلى غاية 2026 موعد الانتخابات النيابية في إسرائيل، وهي قبضة حديدية تؤشر إلى تصدّع داخل المجتمع الصهيوني ينذر بحرب أهلية وشيكة.

نتنياهو الهارب من ضغط الداخل يُلقي برجليه إلى المجهول، لا يهمه كثيرا على أيّ أرض سيضعهما ولا يلتفت إلى كونه مقدما على خطوات سبق له وأن خطاها وأوصلته إلى طريق مسدود، فمنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وإلى اليوم وهو يبيد غزة ويهجر سكانها، وجيشه يتلقى ضربات المقاومة الموجعة التي ضعضعت ألويته وخاصة قواته البرية، التي يتوجس خيفة من إعادة إقحامها في جحيم غزة خشية من أن يفتح على نفسه جبهات جديدة؛ ليس مع المقاومة في غزة أو اليمن أو حتى إيران فحسب، بل مع ضباطه وجنود الاحتياط الرافضين للعودة إلى جوّ المعارك المرعب، والحريديم المصرين على الوضع الاستثنائي الذي يعفيهم من المشاركة في القتال، إلى جانب المعارضة المتربصة به بينما تنزلق به قدماه نحو الهاوية.

وفي وسط هذا الجو المشحون يكتفي نتنياهو بإلقاء الحمم النارية من السماء عبر سلاح الجو، لعله يكتشف بين الفينة والأخرى في لحظة إدراك، أنه يكرّر نفس الدرس بالعقل ذاته الذي رسب في امتحانه قبل شهرين، فسكان غزة يرفضون التهجير مهما كانت الأثمان ويتشبثون بأرضهم بصمود أسطوري يؤكّد من جديد أنهم لن يفرطوا فيها ولو كان الموت نهاية لهذه الملحمة الدامية. ويأبى نتنياهو الغبي إلا أن يعيد تكرار نفس الدرس غير مبالٍ بانقضاء الوقت من سنتيه اللتين سيظلهما على رأس الحكومة، ولا بضغط أهالي الأسرى والمتعاطفين معهم إلى جانب احتدام الشارع الرافض إقالته لرئيس الشاباك والمستشارة القضائية للحكومة.

سياق آخر لا يقل أهمية عن سابقيه أعقب تصريحات ويتكوف، تمثل في لقاء طحنون آل نهيان مع ترامب الذي تلاه إعلان الإمارات ضخ 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي في شكل استثمارات، ثم زيارة محمد بن زايد لمصر ولقائه السيسي.

ويبدو أنّ ترامب من خلال تصريحات ويتكوف سعى إلى تهديد الإمارات التي تخشى على أمنها القومي أكثر من غيرها من سقوط نظام السيسي، ففي حال انتفض الشعب المصري فإن مصالح الإمارات في مصر لن تظل على حالها كما في السابق، إلى جانب أنّ أي سلطة جديدة تمثل إرادة هذا الشعب المنتفض ستسعى إلى استعادة ما غنمه ابن زايد من مصر طوال السنوات التي تلت سقوط حكم الإخوان والعمل على إنهاء تدخلاته في شؤونها مستقبلا، والأهم أنه سيخسر دورها الجيوسياسي المستمد من محورية القاهرة في العالم العربي، كما أنه وبخسارته لمصر سيخسر ليبيا إلى جانب خسارته المدوية في السودان، بل إن الإمارات ستصبح في موقف دفاع لأن الجميع سيهاجمها هذه المرة حكوماتٍ وشعوبا.

أما عن السبب وراء عدم تحرك الشعب المصري الذي قد يشكل في حال حدوثه بداية سقوط أحجار الدومينو في المنطقة، لا سيما في بعض اللحظات الحاسمة خاصة غزة، فإن ذلك يعود لسببين أساسيين هما القبضة المحكمة للجيش المصري المدعوم أمريكيا والمسنود إماراتيا، وغياب نخبة أو تنظيم يؤطر الشارع بعد تصفية نظام السيسي لجماعة الإخوان المسلمين، والتي كانت بمثابة عملية إخصاء حقيقية، ليس للشعب المصري فحسب، بل للشعوب العربية قاطبة.

مصر ليست هي قاطرة الأمة العربية فحسب، بل إنّها أقرب بوابة إلى غزة وشعبها يفوق المائة وعشرة ملايين نسمة، وإذا حدث أيّ تغيير على مستوى أنظمتها الاجتماعية والسياسية فإن ذلك سيعني انتقال موجاته الاهتزازية إلى بقية البلدان العربية التي ستشهد هي الأخرى زلزالا يهز أركانها، كما أنها أول من يتلقى صوت التغيير إن حدث في الجوار لتعيد ردّ صداه إلى دول أخرى.

زيارة ابن زايد إلى مصر أثبتت أنه لا يزال من خلال دولة الإمارات التي يحكمها، يسيطر على شؤونها الداخلية والخارجية عبر توجيهه لرئيسها عبد الفتاح السيسي ونقل ما رشح من مساومات وتوجيهات دارت بين طحنون بن زايد وترامب إلى الجانب المصري في شكل إملاءات وتحذيرات، مشهدٌ يؤكّد أنّ الشقيقة الكبرى للدول العربية لا تزال تغوص في أعماق الخذلان العربي المفضي إلى مزيد من المعاناة سيعيشها سكان غزة.

الواقع يقول إن العرب تجردوا من عروبتهم وإسلامهم وحتى من إنسانيتهم ومروءتهم ونخوتهم، ودخلوا سوق النخاسة القذرة تجارا يبيعون ويشترون ويفاوضون ترامب ويساومونه في كم يجب عليهم أن يدفعوا له من أموال ودماء في غزة حتى يحمي كراسيهم وجيوشهم الكرتونية من شعوبهم، التي حتى وإن ظلت تغلي على نار الخذلان والحسرة من عجزهم عن نصرة إخوانهم المطحونين تحت جحيم نتنياهو، يبدو أنّها قد كُتب عليها أن تشاهدهم وهم يرتقون شهداء دون أن يتحوّل غليانها ذاك إلى ثورة تحرق عروش حكامها الخانعين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات غزة مصر الإمارات مصر غزة الإمارات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى جانب

إقرأ أيضاً:

ساندرز: يجب وقف دعم حكومة نتنياهو التي تبيد وتجوع سكان غزة

قال السيناتور الأميركي بيرني ساندرز في تصريح لصحيفة الغارديان إن الوقت قد حان لأن توقف الولايات المتحدة دعمها غير المشروط لحكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، التي وصفها بأنها "تنفذ سياسة إبادة جماعية بحق سكان غزة من خلال القتل والتجويع الجماعي".

وأكد ساندرز أن الدعم الأميركي المستمر لهذه الحكومة، في ظل ما تشهده غزة من حصار وتجويع وقتل للمدنيين، يتعارض مع القيم الإنسانية والمبادئ التي يفترض أن تقوم عليها السياسة الخارجية الأميركية.

وشدد على أن "واشنطن يجب أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، وألا تكون شريكة في الجرائم التي تُرتكب بحق شعب بأكمله"، داعياً إلى إعادة النظر بشكل جذري في طبيعة العلاقات العسكرية والدبلوماسية مع إسرائيل ما دامت هذه السياسات مستمرة.


 

وتأتي تصريحات ساندرز في وقت تتزايد فيه الضغوط داخل الولايات المتحدة وبين صفوف الحزب الديمقراطي على إدارة ترامب لإعادة تقييم دعمها الكامل لإسرائيل، خاصة في ظل التدهور الإنساني الخطير الذي يشهده قطاع غزة منذ اندلاع الحرب الأخيرة.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية استطلاع إسرائيلي : ارتفاع شعبية نتنياهو بعد حرب إيران زامير : قوات كوماندوز شاركت بالحرب على إيران الإيعاز لجيش الاحتلال بإعداد خطة لمنع حماس من السيطرة على المساعدات الأكثر قراءة سعر صرف الدولار مقابل الشيكل اليوم الخميس 19 يونيو 16 شهيدا و100 مصاب في مجزرة جديدة بحق منتظري المساعدات وسط قطاع غزة شاهد: 65 إصابة وأضرار جسيمة في تجدد القصف الصاروخي الإيراني على إسرائيل مـن يفشـل في غــزة هل ينجح في إيران؟ عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • السيدة انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بالعام الهجري الجديد
  • السيدة انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري بحلول رأس السنة الهجرية
  • السيدة انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بمناسبة العام الهجري الجديد 1447 هـ
  • السيدة انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بحلول رأس السنة الهجرية
  • الرئيس السيسي يهنئ الشعب المصري والشعوب العربية والإسلامية بالعام الهجري الجديد
  • الرئيس السيسي يهنيء أبناء الشعب المصري بمناسبة حلول العام الهجري
  • ساندرز: يجب وقف دعم حكومة نتنياهو التي تبيد وتجوع سكان غزة
  • المصريين الأحرار يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بحلول العام الهجري الجديد
  • رئيس الوزراء يهنئ الشعب المصري وشعوب الأمتين العربية والإسلامية بمناسبة العام الهجري الجديد
  •  لماذا حظرت أمريكا واتساب وما البدائل التي قدمتها؟ (ترجمة خاصة)