عند النظر إلى التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون ووسائل إعلامهم خلال الأسابيع الأخيرة، وإلى الهجمات التي شنّوها داخل الأراضي السورية، يتضح أنهم باتوا يضعون تركيا ضمن دائرة أهدافهم.
فإسرائيل، التي ترى في اتفاقيات التعاون الدفاعي التي قد تُبرم بين تركيا وسوريا تهديدًا مباشرًا، تنظر إلى احتمال قصف مواقع القواعد العسكرية التركية المحتملة في سوريا بوصفه فعلًا عدائيًا صريحًا.
وهذا ما أثار قلقًا كبيرًا في الأوساط السياسية والعسكرية داخل تركيا، وسط تساؤلات عميقة حول طبيعة الرد التركي على هذا التصعيد العدواني.
ماذا تريد إسرائيل؟منذ اندلاع حرب غزة، أضحى واضحًا للجميع أن إسرائيل لم تعد تتحرك وَفقًا لمقتضيات "الواقعية السياسية"، بل وفقًا لـ"اللاهوت السياسي" (Theopolitics).
وهذا يعني ببساطة أنها تسعى لتحقيق حُلم إقامة "إسرائيل الكبرى" وتفعيل خطة "أرض الميعاد" (أرض إسرائيل الكبرى كما وردت في العقيدة الصهيونية)، وهي في هذا الصدد قد أبرمت تفاهمات مع بعض التيارات المتحالفة معها داخل الولايات المتحدة.
وبناءً على هذا التوجّه اللاهوتي، راحت إسرائيل توسّع حدودها باحتلال أراضي الدول المجاورة. فقد احتلت جزءًا من غزة والضفة الغربية وبعض مناطق جنوب لبنان. ومنذ الثورة السورية، زادت من وجودها الاحتلالي داخل سوريا، ولن تتوقف عند هذا الحد.
إعلانلقد هدّدت الأردن ومصر والسعودية، وتحاول فرض مشروع تهجير الفلسطينيين على هذه الدول. ويكمن جوهر هذا المشروع التوسعي في نظرية "دول الجوار غير المستقرّة".
فإسرائيل لا تريد أن ترى حولها أي دولة قوية، مستقرة، ذات اقتصاد متين. إنها تدكّ البنية التحتية العسكرية في سوريا عبر قصف متواصل، ولا تسمح ببناء بديل لها.
فهي ترى في أي قاعدة عسكرية تركية داخل سوريا، أو في أي دعم عسكري تركي للجيش السوري، أو حتى في أي جهد تركي لتدريب القوات السورية، تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. ولهذا فهي الآن مستعدة لأن تفعل كل ما يلزم لمنع أي وجود عسكري تركي داخل سوريا.
الرد التركي عبر الدبلوماسية والضغط على واشنطنترى تركيا أن الخطابات والتصرفات العدائية الإسرائيلية تشكّل اعتداءً مباشرًا عليها. وكانت أنقرة تنتظر من إسرائيل بعض الإشارات الدالة على التراجع، لكنها لم تتوقع أن تصل الأمور إلى حد قصف قاعدة "T4" العسكرية، ولا أن ترتفع نبرة التصريحات بهذا الشكل. وقد أدّى ذلك إلى موجة غضب عارمة في الشارع التركي، وفي دوائر صنع القرار.
وكان الردّ الأول لتركيا عبر وزير خارجيتها، هاكان فيدان، الذي صرّح لوكالة "رويترز" قائلًا: "إن سلوك إسرائيل هذا لا يستهدف سوريا فحسب، بل يزعزع استقرار المنطقة بأسرها…".
خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي روبيو في الولايات المتحدة، أثار هاكان فيدان الموقف العدواني لإسرائيل في سوريا، وأعرب بشكل واضح عن انزعاج تركيا من هذا الوضع.
وهذا التصريح يمكن فهمه ضمن إطار الجهود التركية لخفض التصعيد. فأنقرة تدرك أن أي صدام عسكري مباشر مع إسرائيل، في ظلّ هشاشة الوضع السوري، لن يؤدي سوى إلى مزيد من الدمار لسوريا.
أما الخيار العسكري، فيظل محفوفًا بالمخاطر، لأنه قد يجرّ الولايات المتحدة إلى ساحة المعركة، ويفتح الباب أمام حرب كبرى، وهو ما تتفاداه تركيا حاليًا. ولهذا، فهي تحاول معالجة الأمر عبر القنوات الدبلوماسية وعبر الضغط على واشنطن.
إعلانوعلى الرغم من أن علاقات تركيا مع إدارة ترامب تسير بشكل جيد حاليًا، فإن تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية يجعل من الصعب التنبؤ بكيفية تعاطي واشنطن مع هذه الأزمة في المستقبل.
إسرائيل ليست في موقع قوة فعليًافي واقع الأمر، إسرائيل غير قادرة على فعل أي شيء دون الدعم الأميركي المباشر. فالقدرات العسكرية التركية تتفوق بشكل واضح على إسرائيل من حيث الحجم والعتاد. كما أن السياسات العدوانية التي تتبعها إسرائيل- من حروب واحتلالات وعمليات عسكرية- أثقلت كاهل اقتصادها بشكل غير مسبوق.
فقد انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 25٪ خلال عام واحد فقط، ومن المتوقع أن تبلغ كلفة الحرب الراهنة نحو 400 مليار دولار. أما حجم المساعدات الأميركية لإسرائيل، فهو غير معروف بدقة، إذ يتم تقديم جزء كبير منها بطرق سرّية، لكن المعروف أن إسرائيل حصلت على 20 مليار دولار من الأسلحة خلال عام 2024 وحده.
وفي ظلّ الانهيارات الاقتصادية العالمية، من الصعب أن تتمكن إسرائيل من مواصلة هذه الحرب المكلفة إلى أجل غير مسمى. عاجلًا أم آجلًا، ستمارس الولايات المتحدة ضغوطًا لإيقافها.
وفوق ذلك، فإن إسرائيل التي تفتقر إلى عدد كافٍ من السكان والقوى البشرية العسكرية، لا يمكنها أن تخوض حربًا على أربع جبهات في آن واحد، ولا أن تحافظ على تماسك جيشها بنفس القدر من الانضباط.
أما الخلافات بين المؤسسة الأمنية ونتنياهو، فهي وإن لم تظهر إلى السطح بوضوح، إلا أنها موجودة وتتصاعد. ومع تدهور الاقتصاد وازدياد معاناة الناس، فإن الاحتجاجات الشعبية، التي بدأت بالفعل، ستزداد شراسة، وسيجد نتنياهو نفسه في نهاية المطاف خارج السلطة.
أوروبا ستبتعد عن إسرائيلدخلت أوروبا في نزاع تجاري محتدم مع الولايات المتحدة، وهي تقف الآن، فيما يخص السياسة السورية، إلى جانب تركيا لا إسرائيل، كما تظهر تصريحاتها.
إعلانومع تصاعد السخط الأوروبي تجاه الولايات المتحدة، من المتوقع أن يتحول هذا الغضب إلى موقف أكثر صرامة ضد إسرائيل. فالاتحاد الأوروبي، الساعي للانتقام من واشنطن على ما سبّبته له من أزمات اقتصادية، قد يتخذ خطوات ضد السياسات العدوانية الإسرائيلية.
من الممكن أن نشهد تعاونًا فرنسيًا- تركيًا في سوريا. كما قد تصدر مواقف مماثلة من إسبانيا، وإيطاليا، وبريطانيا.
وهكذا، فإن الأزمة الاقتصادية وتدهور العلاقات، يدفعان أوروبا إلى انتهاج سياسات مخالفة لسياسات أميركا وإسرائيل.
نتنياهو لم يحصل على ما أراده من ترامبتُعدّ القضية السورية أولوية قصوى لدى الرأي العام بالشرق الأوسط، وخاصة في إسرائيل، وتركيا، لكنها ليست كذلك في الولايات المتحدة. فالموضوع لم يُدرج بعد على طاولة ترامب.
وفي محاولة لتغيير هذا الوضع، قام نتنياهو مؤخرًا بزيارة إلى الولايات المتحدة لطرح قضية سوريا أمام ترامب وطلب دعمه من أجل كبح النفوذ التركي في سوريا.
لكن الأمور لم تجرِ كما كان نتنياهو يأمل. فقد تصرّف ترامب معه ببرود وتحفّظ بشكل عام. وعندما طلب نتنياهو من ترامب إصدار تصريح داعم لإسرائيل بشأن أمنها في سوريا، تلقى ردودًا لم تُرضِه إطلاقًا.
قال ترامب:
"لدي صديق كبير، اسمه أردوغان. أنا أحبه، وهو يحبني. لم تحدث بيننا أي مشكلة على الإطلاق. مررنا معًا بالكثير. نتنياهو، إذا كان لديك مشكلة مع تركيا، فأنا مؤمن بأنني أستطيع حلها. آمل ألا تكون هناك مشاكل.. لكن يجب أن تكون معقولًا".
لقد أزعجت هذه التصريحات نتنياهو كثيرًا. لكن تحذير ترامب بـ"أن تكون معقولًا" يحمل دلالة مهمة، إذ يبدو أن مطالب إسرائيل ونتنياهو لا تنتهي، وترامب بدأ يشعر بالضيق منها.
تركيا ستُعيد تعريف قواعد الاشتباكمن الواضح أن الاقتصاد والدبلوماسية والاتصالات السياسية وحدها لن تكون كافية لردع العدوان الإسرائيلي في سوريا أو تجاه تركيا. ولذلك، فمن المرجّح أن تُقدم أنقرة على إعادة صياغة قواعد الاشتباك التي تنظّم وجودها العسكري خارج حدودها. فعلى سبيل المثال، عندما تتعرض القوات التركية في العراق لهجوم من جماعات إرهابية، فإن تركيا ترد فورًا.
لكن، ماذا إذا كان الهجوم صادرًا من دولة؟ أي، في حال قصفت إسرائيل مواقع عسكرية تركية داخل سوريا، كيف سيكون الرد؟ وهل سيتدخل الناتو حينها؟ وما موقفه من ذلك؟
كل هذه الأسئلة تفرض على تركيا إعادة النظر في قواعد الاشتباك. وفي الوقت الحالي، تدور نقاشات مكثّفة في الأوساط العسكرية والدبلوماسية والسياسية في أنقرة حول هذه المسألة. وإن كان القرار النهائي لم يُتخذ بعد، فإن المؤكد أن تركيا ليست في وارد التراجع أو التنازل في هذه المرحلة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة داخل سوریا فی سوریا
إقرأ أيضاً:
هذا هو عقاب هارفارد والجامعات التي خانت طلابها
تبنّت وسائل الإعلام والجامعات والحزب الديمقراطي والليبراليون فكرة "معاداة السامية المتفشية"، فمهّدوا الطريق لهلاكهم بأنفسهم. جامعتا كولومبيا وبرينستون، حيث درّست، وجامعة هارفارد، التي درستُ فيها، ليست حواضن للكراهية تجاه اليهود.
وصحيفة نيويورك تايمز، التي عملت بها لمدة خمسة عشر عامًا، والتي يصفها ترامب بأنها "عدو الشعب"، تخضع طوعًا للرواية الصهيونية. ما تشترك فيه هذه المؤسسات ليس معاداة السامية، بل الليبرالية. وهذه الليبرالية، بعقيدتها القائمة على التعددية والشمول، مستهدفة من نظامنا السلطوي للمحو التام.
إن الخلط بين الغضب من الإبادة الجماعية ومعاداة السامية هو حيلة دنيئة لإسكات الاحتجاج، وإرضاء المتبرعين الصهاينة، وطبقة المليارديرات والمعلنين.
هذه المؤسسات الليبرالية، من خلال تسليح مصطلح "معاداة السامية"، قمعت وطردت النقّاد، وحظرت مجموعات طلابية مثل "الصوت اليهودي من أجل السلام"، و"طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وسمحت للشرطة باعتقال المئات من المحتجين السلميين في الحرم الجامعي، وفصلت أساتذة، وتذللت أمام الكونغرس. استخدم مصطلحات مثل "أبارتهايد" أو "إبادة جماعية"، وسيتم فصلك أو تشويهك.
في هذه الرواية الخيالية، يُصوَّر اليهود الصهاينة كمضطهدين. أما اليهود الذين يحتجون على الإبادة الجماعية، فيُشوَّهون ويُعاقبون. هناك "يهود جيدون" و"يهود سيئون". فئة تستحق الحماية، وأخرى تُقدّم للذئاب. هذا الانقسام الكريه يفضح المسرحية كلها.
إعلانفي أبريل/ نيسان 2024، أدلت رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، بشهادتها أمام لجنة التعليم في مجلس النواب الأميركي، برفقة عضوين من مجلس الأمناء وأستاذ قانون. قبلت شفيق فرضية أن معاداة السامية تمثّل مشكلة كبيرة في كولومبيا ومؤسسات التعليم العالي الأخرى.
وعندما قال ديفيد غرينوالد، الرئيس المشارك لمجلس أمناء كولومبيا، إن شعارات مثل "من النهر إلى البحر" و"تحيا الانتفاضة" معادية للسامية، وافقته شفيق، وقامت بالتخلي عن الطلاب والأساتذة، بمن فيهم البروفيسور يوسف مسعد.
في اليوم التالي لجلسة الاستماع، أوقفت شفيق جميع الطلاب المشاركين في الاحتجاجات، واستدعت شرطة نيويورك (NYPD)، التي اعتقلت ما لا يقل عن 108 طلاب. كتبت شفيق في رسالتها للشرطة: "لقد قررت أن المخيم والاضطرابات المرتبطة به تمثل خطرًا واضحًا ومباشرًا على الوظيفة الأساسية للجامعة".
لكن رئيس شرطة نيويورك، جون تشيل، قال للصحافة: "الطلاب الذين تم اعتقالهم كانوا سلميين تمامًا، ولم يُبدوا أي مقاومة، وكانوا يعبّرون عن آرائهم بطريقة سلمية".
في الجلسة، سألت النائبة إليز ستيفانيك: "ما الإجراء التأديبي الذي اتُخذ ضد تلك الأستاذة؟"، مشيرة إلى أستاذة القانون كاثرين فرانكي. فأجابت شفيق بأن فرانكي، وهي يهودية وقد درّست في كلية القانون 25 عامًا، طُلب منها مغادرة منصبها، وأنها، إلى جانب أساتذة آخرين، تخضع للتحقيق.
وأشارت كذلك إلى البروفيسور الزائر محمد عبدو، وقالت إنه "تم فصله"، وتعهدت بأنه "لن يُدرّس في كولومبيا مرة أخرى". عبدو يقاضي الجامعة بتهم التشهير والتمييز والتحرش والخسائر المالية والمهنية.
كتب مركز الحقوق الدستورية عن خيانة فرانكي: "في هجوم صارخ على حرية الأكاديميا والدعوة لحقوق الفلسطينيين، دخلت جامعة كولومبيا في "اتفاق" مع كاثرين فرانكي لمغادرة منصبها التدريسي بعد مسيرة حافلة استمرت 25 عامًا. هذه الخطوة -بحسب فرانكي- كانت فصلًا تم تغليفه بعبارات مقبولة".
إعلانوقد ارتكبت "جريمتها"، حين أعربت عن قلقها من فشل الجامعة في التصدي لتحرشات طلاب إسرائيليين قادمين من الخدمة العسكرية بمؤيدين لحقوق الفلسطينيين، بعد أن رش الإسرائيليون المتظاهرين بمادة كيميائية سامة.
على إثر ذلك، تم التحقيق مع فرانكي بتهمة التحرش، وتقرر أنها انتهكت سياسات كولومبيا. السبب الحقيقي لإقصائها كان قمع المعارضة في الجامعة عقب احتجاجات تاريخية ضد إبادة الفلسطينيين في غزة. وقد تم حسم مصير فرانكي عندما تخلّت عنها شفيق خلال شهادتها الجبانة أمام الكونغرس.
رغم خضوعها للوبي الصهيوني، استقالت شفيق بعد عام وبضعة أشهر من توليها المنصب. لكن القمع استمر؛ تم اعتقال نحو 80 شخصًا، وتعليق أكثر من 65 طالبًا في أوائل مايو/ أيار بعد احتجاج في مكتبة الجامعة. رئيسة الجامعة المؤقتة، الصحفية السابقة كلير شيبمان، أدانت الاحتجاج بقولها: "لن يتم التسامح مع أي تعطيل للأنشطة الأكاديمية.. كولومبيا تدين بشدة العنف في حرمها، ومعاداة السامية وكل أشكال الكراهية والتمييز".
بالطبع، الاسترضاء لا ينفع. لم تكن هذه الحملة، سواء تحت إدارة بايدن أو ترامب، قائمة على حسن النية. بل كانت تهدف لقطع رؤوس منتقدي إسرائيل، وتهميش الطبقة الليبرالية واليسار. إنها مدفوعة بالأكاذيب والتشهير، التي لا تزال هذه المؤسسات تتبناها.
مشاهدة هذه المؤسسات الليبرالية، التي تعادي اليسار، وهي تُشهر بها إدارة ترامب بتهم "الماركسيين المجانين" و"اليساريين المتطرفين" و"الشيوعيين"، تكشف فشلًا إضافيًا لهذه الطبقة. كان بإمكان اليسار إنقاذ هذه المؤسسات أو على الأقل تزويدها بالتحليل والشجاعة لاتخاذ موقف مبدئي. اليسار على الأقل يسمّي الأبارتهايد أبارتهايد، والإبادة الجماعية إبادة جماعية.
تنشر وسائل الإعلام مقالات وآراء تقبل دون تمحيص مزاعم طلاب وأكاديميين صهاينة. لا تميز بين اليهودي والصهيوني، وتشيطن المحتجين، ولا تغطي المخيمات الطلابية بصدق، حيث اتحد يهود ومسلمون ومسيحيون من أجل قضية واحدة. شعارات مناهضة للصهيونية ومؤيدة للتحرر الفلسطيني تُصنّف باعتبارها خطاب كراهية أو معاداة للسامية أو سببًا لشعورالطلاب اليهود بعدم الأمان.
إعلان أمثلة من الصحف: نيويورك تايمز: "لماذا تُقلق الاحتجاجات في الحرم الجامعي؟"، "أنا أستاذ في كولومبيا. ما يحدث ليس عدالة"، "ما الذي يجعل احتجاجًا معاديًا للسامية؟". واشنطن بوست: "سمّوا الاحتجاجات الجامعية كما هي"، "اعذروا الطلاب، لا الأساتذة". ذي أتلانتيك: "المخيمات الاحتجاجية غير أخلاقية"، "مشكلة كولومبيا مع معاداة السامية". سلايت: "متى تتجاوز الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين حدود معاداة السامية؟". فوكس: "موجة متصاعدة من معاداة السامية في الجامعات خلال احتجاجات غزة". ماذر جونز: "كيف أشعلت الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين معاداة السامية في الجامعات؟". ذا كت: "مشكلة احتجاجات فلسطين في الحرم الجامعي". ديلي بيست: "طفرة في معاداة السامية خلال احتجاجات الجامعات الأميركية".ووفقًا لمذكرة داخلية حصل عليها موقع ذا إنترسبت، طلبت صحيفة نيويورك تايمز من مراسليها تجنّب استخدام كلمات مثل: "مخيمات اللاجئين"، "الأراضي المحتلة"، "مجزرة"، "ذبح"، "إبادة جماعية"، و"تطهير عرقي" عند الحديث عن فلسطين. بل إنها تثني عن استخدام كلمة "فلسطين" في النصوص والعناوين.
في ديسمبر/ كانون الأول 2023، أرسلت حاكمة نيويورك الديمقراطية كاثي هوشول رسالة لرؤساء الجامعات تحذر فيها من الفشل في إدانة معاداة السامية، متوعدة بعقوبات شديدة.
وفي أكتوبر/ تشرين الثاني 2024، قالت في مناسبة تأبينية: "هناك قوانين – قوانين حقوق إنسان، قوانين فدرالية وولائية – سأطبقها إذا سمحتم بالتمييز ضد طلابنا، حتى باستخدام عبارات مثل: "من النهر إلى البحر"، فهي دعوات صريحة لإبادة اليهود".
وضغطت هوشول بنجاح على جامعة مدينة نيويورك لإلغاء وظيفة دراسات فلسطينية بسبب مصطلحات مثل: "استعمار استيطاني"، و"إبادة جماعية"، و"أبارتهايد".
في كتابه الجديد؛ "معاداة السامية في أميركا: تحذير"، يقود زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر حملة الحزب الديمقراطي لإدانة المحتجين على الإبادة الجماعية باعتبارهم يمارسون "افتراء دمويًا ضد اليهود". ويكتب: "بغض النظر عن وجهة نظرك بشأن الحرب في غزة، لم تكن سياسة الحكومة الإسرائيلية أبدًا إبادة الشعب الفلسطيني"، متجاهلًا مئات التصريحات من مسؤولين إسرائيليين تدعو إلى محو الفلسطينيين.
إعلانلكن الحقيقة؛ الوحشية مختلفة تمامًا، ومعترف بها من مسؤولين إسرائيليين أنفسهم. قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش: "نحن نفكك غزة، ونتركها كأنقاض، دمار شامل لا سابقة له عالميًا. والعالم لا يوقفنا". وقال عضو الكنيست زفي سوكوت للقناة 12: "قتلنا نحو 100 فلسطيني الليلة الماضية… ولا أحد يهتم. تعوّد العالم على قتل 100 فلسطيني في ليلة واحدة خلال الحرب دون أن يكترث أحد".
الاستمرار في ترويج خرافة معاداة السامية المنتشرة- التي توجد، ولكن لا تُغذى أو تُشجع من هذه المؤسسات- ورفض قول الحقيقة الموثقة على الهواء مباشرة، حطّم ما تبقى من سلطة أخلاقية لتلك المؤسسات والليبراليين، ومنح مصداقية لمساعي ترامب لتدمير مؤسسات الديمقراطية الليبرالية.
يحيط بترامب متعاطفون مع النازيين الجدد، وفاشيون مسيحيون يدينون اليهود لأنهم صلبوا المسيح. لكن معاداة السامية من اليمين تمرّ دون مساءلة لأن هؤلاء "المعادين الجيدين للسامية" يدعمون المشروع الصهيوني الاستيطاني للإبادة: مشروع يرغب هؤلاء الفاشيون في تطبيقه على السود والملونين باسم "نظرية الاستبدال العظيم". ويروج ترامب لفكرة "إبادة البيض" في جنوب أفريقيا. وفي فبراير/ شباط، وقّع أمرًا تنفيذيًا يُسرّع هجرة الأفريكانيين (البيض الجنوب أفريقيين) إلى الولايات المتحدة.
جامعة هارفارد، التي تحاول إنقاذ نفسها من هجوم إدارة ترامب، كانت متواطئة تمامًا في هذه الحملة. فقد أدانت رئيسة الجامعة السابقة كلودين غاي شعار: "من النهر إلى البحر" بوصفه يحمل "دلالات تاريخية محددة توحي لكثيرين بإبادة اليهود".
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، شدّدت الجامعة قواعد الاحتجاجات، وزادت الوجود الأمني، ومنعت 13 طالبًا من التخرج، ووضعت أكثر من 20 آخرين في "إجازة قسرية"، وطردت بعضهم من السكن الجامعي.
إعلانهذه السياسات انتشرت في جامعات أخرى. ورغم كل هذه التنازلات والقمع لحرية التعبير والنشاط المؤيد لفلسطين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم تسلم الجامعات من الهجوم.
منذ تولي ترامب منصبه، تم تعليق أو تجميد ما لا يقل عن 11 مليار دولار من المنح والعقود الفدرالية البحثية، بما في ذلك 3 مليارات لهارفارد، و400 مليون لكولومبيا، و175 مليونًا لجامعة بنسلفانيا، و6-7.5 ملايين سنويًا لجامعة برانديز.
وفي 22 مايو/ أيار، صعّدت إدارة ترامب من هجومها على هارفارد بإلغاء قدرتها على تسجيل طلاب دوليين (يشكّلون نحو 27% من عدد الطلاب).
قالت كريستي نويم، وزيرة الأمن الداخلي، على منصة إكس: "هذه الإدارة تحاسب هارفارد على تحريضها على العنف، ومعاداة السامية، وتنسيقها مع الحزب الشيوعي الصيني في حرمها". وأضافت: "ليكن هذا تحذيرًا لجميع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في البلاد".
لقد أساءت هارفارد، مثل كولومبيا والإعلام والحزب الديمقراطي والطبقة الليبرالية، قراءة موازين القوة. ومن خلال رفض الاعتراف بالإبادة الجماعية في غزة، واضطهاد من يفعل، قدمت الذخيرة لجلاديها.
وها هي تدفع ثمن غبائها وجبنها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline