تنديدات دولية و إقليمية وداخلية حول مقتل وجرح المئات في هجوم لمليشيا الدعم السريع على الفاشر عاصمة إقليم دارفور ، غربي السودان، وشلالات الدماء في مخيم زمزم للنازحين وأم كدادة.

أيقظت تلك الهجمات الوحشية للمليشيا الضمير الإنساني، وسط تجدد المطالب بتصنيف مليشيا الدعم السريع ” منظمة إرهابية”، ومحاسبة قيادات المليشيا التي لم تنصاع لمجلس الأمن الدولي بوقف قتال المدنيين واستهدافهم عبر الطائرات المسيرة والتدوين العشوائي.

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي أبدى يأسه من استجابة المجتمع الدولي لنداءاته المتكررة بشأن حماية المدنيين في دارفور، وأرسل عبر حسابه في منصة إكس نداء إلى “شباب دارفور الأبطال” يحثهم فيها على “التحرك فوراً لنفك الحصار عن مدينة الفاشر ومحلية ام كدادة ، لنستجمع قوتنا وإرادتنا و لنظهر للعالم أن لدينا القدرة على تغيير واقعنا”.

تطهير عرقي

من جانبها أدانت حركة تحرير السودان – قيادة مصطفى تمبور بأشد العبارات الجريمة البشعة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع بحق النازحين الأبرياء في معسكر زمزم بولاية شمال دارفور، والتي راح ضحيتها عدد من المدنيين العزّل، وفق بيان الحركة إطلع عليه “المحقق”

وقال: “تؤكد الحركة أن ما جرى يمثل جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان، تهدف إلى تفريغ الإقليم من مكوناته السكانية الأصلية، في انتهاك سافر لكل المواثيق والأعراف الدولية”.

وأشار البيان إلى أن المجتمع الدولي لم ينهض حتى الآن بمسؤوليته القانونية والأخلاقية في تصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية، وهو تقاعس شجّع هذه المليشيا على الاستمرار في ارتكاب المزيد من الفظائع والانتهاكات بحق المدنيين في دارفور ومناطق أخرى من السودان.

تصفية المدنيين

وأعرب “مرصد مشاد” عن بالغ صدمته وإدانته للمجزرة المروعة التي ارتُكبت في مدينة أم كدادة بولاية شمال دارفور، والتي أسفرت عن تصفية أكثر من 56 مدنيًا بدم بارد، إلى جانب إصابة ما يزيد عن 17 آخرين، من بينهم نساء وأطفال، في اعتداء وحشي يُعد من أبشع صور الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وخرقًا فاضحًا لقواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تكفل حماية المدنيين في أوقات النزاع المسلح.

وأكد المرصد ، وفق بيان اطلع عليه المحقق ، بأن ما جرى في أم كدادة يرقى إلى جريمة تطهير عرقي ممنهج، لكونه جاء في سياق اعتداء متكرر يُعد الثالث من نوعه ضد سكان المنطقة، في ظل غياب كامل لأي وجود عسكري نظامي يضطلع بواجب الحماية، وهو ما يشير إلى تعمد استهداف المدنيين من قبل قوات الدعم السريع في انتهاك صارخ لكافة المواثيق والمعايير الدولية.

حركة المستقبل

من جانبه أدان القطاع الصحي لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية بأشد العبارات الجريمة البشعة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع صباح الجمعة ،والتي تمثلت في اغتيال الدكتور نور الدين آدم عبد الشافع، المدير الطبي لمستشفى أم كدادة، أثناء تأديته لواجبه المهني والإنساني داخل المستشفى.

وقال بيان للحركة اطلع عليه المحقق:” استهداف الكوادر الطبية وهم في مواقعهم يؤدون رسالتهم الإنسانية النبيلة، يُعد جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاكًا صارخًا لكل المواثيق الدولية، ويؤكد الطبيعة الإجرامية لهذه المليشيا التي جعلت من ترويع المدنيين وانتهاك الحرمات أسلوبًا ممنهجا”.

الحزب الاتحادي الأصل

وعبر الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل عن إدانته الشديدة للهجوم الإرهابي الذي شنته مليشيا الدعم السريع المتمردة على معسكر زمزم للنازحين في ولاية شمال دارفور، ووصف بيان للحزب، إطلع عليه “المحقق”، بأنه هجوم يعكس بشاعة الجرائم التي ترتكبها هذه المليشيا بحق المدنيين الأبرياء.

وتابع :”تشير بعض التقارير الصادمة إلى أن هذا الهجوم قد أوقع مئات الشهداء و اعداد كبيرة من الجرحي من سكان المعسكر، في جريمة مروّعة تهزّ الضمير الإنساني ، وتكشف عن مدى استخفاف هذه المليشيا بأرواح الأبرياء و المدنيين العزل”.

وأشار البيان الممهور بتوقيع الناطق الرسمي للحزب عمر خلف الله يوسف، إلى إن الدعوة إلى “إخراج النازحين” ليست سوى محاولة لتبرير التهجير القسري والتغطية على الجرائم التي ترتكبها المليشيا بحق هؤلاء المدنيين.

قلق بالغ:

وقالت الأمانة العامةِ لحزب الأمة القومي بأنها تتابع بقلق بالغ تصاعد حدة العنف وتدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في ولاية شمال دارفور، لاسيما عقب تجدّد المعارك الدامية داخل معسكر زمزم للنازحين، والتي أسفرت عن سقوط ضحايا من المدنيين، بينهم أفراد من الطواقم الطبية العاملة في المعسكر.

وتابع بيان الأمانة العامة: “حزب الأمة القومي يدين بأشد العبارات هذه الانتهاكات البشعة التي تطال المدنيين الأبرياء في معسكر زمزم، ومعسكر أبو شوك، ومدينة الفاشر، ويحمّل قوات الدعم السريع، كامل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن استمرار استهداف المدنيين، ويطالبهم بالوقف الفوري للعمليات العسكرية في محيط المعسكرات والمناطق السكنية، والوفاء بالتزاماتهم لحماية المدنيين، وفتح ممرات إنسانية آمنة لتوصيل المساعدات العاجلة للمتضررين”.

السعودية تدين

و أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة واستنكارها للهجمات التي تعرضت لها مخيمات للنازحين حول مدينة الفاشر (زمزم وأبوشوك) غرب السودان، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العديد من الأشخاص، في انتهاكٍ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

وأكدت الوزارة رفض السعودية لهذه الانتهاكات، مشددةً على ضرورة توفير الحماية للعاملين في المجال الإغاثي والإنساني، وأهمية وقف الهجمات وتجنب استهداف المدنيين وتنفيذ ما تم التوقيع عليه في إعلان جدة (الالتزام بحماية المدنيين في السودان) بتاريخ 11 مايو (أيار) 2023م.

الأمم المتحدة

وكانت ممثلة الأمم المتحدة في السودان، قد بادرت بإدانة ما حدث في مدينة الفاشر بأشد العبارات، وحملت مسؤوليته لمليشيا الدعم السريع.

العطا و وزير المعادن

وكان عضو مجلس السيادة الفريق أول ركن ياسر العطا قد أكد خلال لقائه وزير المعادن الأستاذ محمد بشير عبد الله أبو نمو ووالي الخرطوم أن ما يحدث في معسكر زمزم ومدينة الفاشر من استهداف مباشر للمواطنين الأبرياء يمثل “جريمة مكتملة الأركان”، مشدداً على التزام الدولة بتقديم الدعم الإنساني العاجل لمواطني الفاشر.

وأكد وزير المعادن في اللقاء بأن مدينة الفاشر لا تزال صامدة بفضل تماسك الجيش والقوات المشتركة والمواطنين، مشدداً على إدانته الشديدة لجرائم المليشيا في معسكر زمزم، والتي طالت المدنيين الأبرياء والطواقم الطبية، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي

بورتسودان – المحقق – طلال اسماعيل

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع بأشد العبارات فی معسکر زمزم مدینة الفاشر هذه الملیشیا المدنیین فی شمال دارفور فی انتهاک

إقرأ أيضاً:

الكيان الصهيوني ومشروع تقسيم السودان

بعد السيطرة على مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور غربي السودان، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ودخول إقليم شاسع وكبير بحجم مساحة فرنسا في نفق مظلم ومستقبل مجهول، تتعالى الأصوات الانفصالية من داخل صفوف متمردي مليشيا الدعم السريع، وتُرفع شعارات منادية بتكريس واقع جديد، خاصة بعد الإعلان عما يسمى "حكومة تأسيس"، وهي حكومة موازية لا تحظى بأي اعتراف خارجي.

تتخوف جهات سودانية تمثل مختلف المشارب والمنابت الفكرية والسياسية من حدوث صدوع جديدة في التراب السوداني، واقتطاع جزء من البلاد في ثاني انفصال بعد فصل جنوب السودان عام 2011.

ركبت مليشيا الدعم السريع على سرج الدعوات الانفصالية بسرعة، وغطى غبار المشهد المضطرب الرؤية أمامها، وهي تتنكب في سيرها لتنفيذ مخطط تقسيم السودان، وبدت- رغم خلو وفاضها من أي مشروع سياسي- مثل ببغاء تائه وسط غابة السياسة، يردد الأقوال والشعارات السابقة للدعوات الانفصالية، والعبارات الاحتجاجية التي عبرت الفضاء السوداني منذ الاستقلال في 1 يناير/كانون الثاني 1956.

برزت إلى السطح الأفكار والاتجاهات الانفصالية والخطاب الاحتجاجي في منطقة دارفور منذ نهاية عقد الخمسينيات من القرن الماضي، وتبلورت بفعل النشاط السياسي لطلاب دارفور وخريجي الجامعات من أبناء المنطقة في الوقت نفسه، ومطلع الستينيات من القرن المنصرم، وترافق ذلك مع بقاء بقية آثار استقلال دارفور حتى عام 1916، حيث ظلت تحت حكم مستقل بقيادة السلطان علي دينار الذي حافظ على سلطنته وناصر دول المحور في الحرب العالمية الأولى، وكان ذلك سببا في زحف الجيش الاستعماري الغازي لإسقاط حكمه وضم المنطقة إلى حدود الدولة السودانية مرة أخرى، حيث كانت جزءا منها منذ عهد الخديوية وحكم أسرة محمد علي في مصر.

وربما كان هناك عامل آخر عضد نشوء التيارات الانفصالية، هو أن مناطق أخرى في غرب دارفور، وهي سلطنة المساليت، وحاضرتها مدينة الجنينة، التي ظلت لما يقارب المائة عام بعد خضوعها للمستعمر "معتمدية مستقلة" تتبع الحاكم العام الإنجليزي، ثم رأس الدولة في فترات الحكم الوطني، بموجب اتفاقية تم توقيعها عام 1898، حتى أُلغيت في السنوات الأولى من حكم الرئيس عمر البشير.

إعلان

عملت بعض النخب السياسية في دارفور على فترات مختلفة بجد وكد، ومن خلفها دوائر غربية، على تبني خطاب انفصالي جهوي مناطقي انفعالي مشتط.
كان أول تحرك بعد الاستقلال الوطني عندما حاولت هذه النخب استقطاب بعض الجنود والعسكريين السابقين من أبناء دارفور للانخراط في حركتين احتجاجيتين جهويتين، هما: (اللهيب الأحمر – ظهرت للعلن ما بين الأعوام 1956 – 1958)، و(حركة سوني – تأسست عام 1962).

ولم تستطع هاتان الحركتان تحقيق شيء يُؤبه له، رغم تبنيهما الثورة المسلحة والعمل العسكري، لكنهما حفزتا النخبة السياسية من أبناء الإقليم، خاصة خريجي الجامعات ومنسوبي بعض الأحزاب السياسية، وحاولوا جمع العسكريين والجنود من أبناء دارفور، وخططوا لانقلاب عسكري عام 1964، ثم عدلوا عن تنفيذه لأسباب، قالها أحد رموز ذلك الانقلاب د. علي حسن تاج الدين، عضو مجلس رأس الدولة في الديمقراطية الثالثة (1985- 1989)، عندما استحضر واستذكر في اجتماع لأبناء دارفور بنادي الضباط بالخرطوم في عام 2006، وقال:

"خططنا وقتئذ للانقلاب، وقبيل التنفيذ شعرنا أننا لا نملك الكوادر الكافية لإدارة الدولة، خاصة الأطباء والمهندسين وكبار الموظفين والإداريين، فعدلنا عن الانقلاب".

استعاضت النخب السياسية من دارفور عن العمل العسكري، بالعمل السياسي الاحتجاجي، وتبني النهج الجهوي، على غرار الحركة السياسية في جنوب السودان ومؤتمر البجا في شرق السودان وتنظيم كومولو في جبال النوبة، فأُعلن عن تأسيس (جبهة نهضة دارفور)، التي قادها عدد من الخريجين والطلاب وقيادات سياسية ناشطة، أبرزها أحمد إبراهيم دريج، زعيم المعارضة في البرلمان في نهاية ستينيات القرن الماضي، وحاكم إقليم دارفور في عهد الرئيس السابق جعفر نميري فيما بعد، وكان معه القيادي الإسلامي الشهير د. علي الحاج محمد وآخرون، وخفت صوتها بعد انقلاب مايو/أيار 1969، واستمرت الجبهة خاملة حتى استنقذها الأستاذ عبدالله آدم خاطر، وعمل على إحيائها في عام 1985، لكنها سرعان ما طواها الغياب.

خلال كل هذه الفترات، كانت النخب المتعلمة من أبناء القبائل العربية في دارفور هي الأقل مساهمة في الحراك السياسي الاحتجاجي والعمل العسكري، وهي قبائل ذات امتدادات اجتماعية في أفريقيا جنوب الصحراء، لكنها ظلت تعيش على هامش التفاعلات في تلك الفترة، منذ نهاية الخمسينيات حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.

وتحت وطأة الصراعات القبلية في دارفور، وتقاعس حكومة الصادق المهدي (1986- 1989) عن تحقيق مطالب لها، قامت هذه المجموعات السياسية من أبناء القبائل العربية بالإعلان عن تكتل سياسي تحت مسمى (التجمع العربي)، وأصدروا بيانا سياسيا وُزع في مدينتي نيالا والفاشر عام 1988، ووقع عليه عدد من القادة السياسيين، للضغط على حكومة السيد الصادق المهدي، وزيادة مشاركة أبناء هذا الكيان في حكم دارفور، وفي الحكومة المركزية.

تتعالى الأصوات الانفصالية من داخل صفوف متمردي مليشيا الدعم السريع، وترفع شعارات منادية بتكريس واقع جديد، خاصة بعد الإعلان عما يسمى حكومة تأسيس

ولكن لم يتبلور هذا التجمع العربي كحركة سياسية مستقلة وفاعلة، وصاحب إعلان هذا التجمع اندلاع صدامات أهلية طاحنة بين بعض القبائل العربية وقبيلة الفور، انتهت بمؤتمر صلح شهير مع الأسبوع الأول من وصول الرئيس عمر البشير للسلطة، عُقد في مدينة الفاشر مطلع يوليو/تموز 1989.

إعلان

عادت دارفور إلى المواجهات المسلحة في عام 1992، عندما قاد القيادي المنشق عن الإسلاميين، المهندس داؤود يحيى بولاد، بعد انضمامه للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، تمردا مسلحا، ودخل دارفور مع عبدالعزيز الحلو على رأس حملة عسكرية انطلاقا من جنوب السودان لاحتلال الإقليم وإعلانه كيانا مستقلا، لكن تم دحر تلك الحركة المسلحة، وقُبض على بولاد وأُعدم في العام نفسه، وفر عبدالعزيز الحلو، الذي ينتمي في الأصل لغرب دارفور.

ولم تكن حركة بولاد – الحلو منفصلة عن تحالف نشأ بين مجموعات عرقية دارفورية غير عربية مع حركة قرنق، وراج أن اتفاقا تم بين قيادات من أبناء هذه المجموعات العرقية وقيادات الدينكا والنوبة ومتمردي النيل الأزرق، تحت رعاية جون قرنق، لدعم المشروع السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان، تحت مسمى "السودان الجديد".

مع ذلك، لم يبلغ الخطاب الاحتجاجي، ووراءه الرغبة في الانفصال، أوج فورانه إلا في عام 2003، عندما تمردت حركات من دارفور:(حركة تحرير السودان – حركة العدل والمساواة)، اللتان تعرضتا خلال مسيرتهما من 2003 حتى 2006، ثم في عام 2012 بعد توقيع اتفاقيتين في أبوجا والدوحة، لانقسامات داخلية حادة، ثم توالت عملية التشظي حتى بلغ عدد الحركات بضعا وسبعين حركة خرجت من رحم الحركتين الرئيسيتين.
وتعد هذه الفترة هي عملية التخصيب والولادة لنوع جديد ذي خصائص متفردة في الخطاب الاحتجاجي الانفصالي لدارفور، وكان دور الحركة الشعبية لتحرير السودان والقادة الجنوبيين كبيرا في إدخال أبناء الحركات الدارفورية في جب كراهية المركز والمناداة بالانفصال.

مع ازدحام القاموس السياسي بأدبيات انفصالية جديدة، ومع قوة دفع خارجية هائلة من جهات أميركية وأوروبية وأفريقية، كان شركاء الإقليم من القبائل العربية في ذلك الوقت قد شمروا عن سواعدهم، وبدؤوا التعاون مع حكومة الرئيس البشير في محاربة الحركات المتمردة في دارفور واستئصال شأفتها وكسر شوكة تمردها.

وكان قائد التمرد الحالي محمد حمدان دقلو (حميدتي) هو الحصان الأسود في مضمار محاربة التمرد، وبمثابة سيف البشير ويده الباطشة لوأد تلك الدعوات الانفصالية، وكان قد امتلأ حتى فاض بالخطاب السياسي وموجهات البشير في الحرب على دعاة التمرد والانفصال في دارفور.

مع تبدل الأحوال وذهاب نظام البشير، ثم ما حدث بعد ذلك من تحولات مفاجئة ودراماتيكية، حتى تمرد حميدتي وقواته التي أنشأها نظام الإنقاذ وحظيت برعاية خاصة من البشير، وجد حميدتي وقواته المتمردة وداعموه السياسيون أنفسهم منغمسين بلا هدي بين دفتي كتاب القاموس الاحتجاجي الانفصالي لحركات دارفور، منذ النشأة الأولى في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي حتى اتفاق جوبا عام 2020، وخاضت مليشيا الدعم السريع في ذات الوحل اللزج، على مظنة أن هذا الخطاب المستلف هو الخِضاب الذي سيزين بنان تمردها، ويقربها زلفى إلى مواطني دارفور.

غير أن الجهات الغربية وأجهزة الكيان الصهيوني ظلت تراقب الأوضاع من كثب، ووجدت أخيرا أن مشروع تقسيم السودان وفصل دارفور، كما هو مخطط له منذ عقود بعيدة، قد أزف، وحان قطافه، ووجدت أن ضالتها المفقودة هي تمرد الدعم السريع ومليشياتها العابرة للحدود والمرتزقة الجوالين.

وليس لدى صناع المشروع التقسيمي وداعميه أفضل من التوجهات الانفصالية الاحتجاجية للإيعاز لتمرد الدعم السريع باستخدامها وتوظيفها، وهو ما تقوم به الدعم السريع، وما يسمى بمجموعة وحكومة تأسيس من ترديد طائش ونشاز لنشيد الإنشاد الانفصالي.

ومن نافلة القول، أن جوقة الانفصال الجديدة، التي تردد الشعارات المطاطية البلاستيكية التي فقدت صلاحيتها منذ بروزها خلال سبعة عقود مضت، لا ترى أفقا جديدا، ولا تمتلك مشروعا سياسيا حقيقيا، أو توجها واقعيا لصناعة مستقبل لدارفور، سواء كانت جزءا من السودان الواحد المتحد، أو – لا قدر الله – تم بترها وقطعها عن بقية أجزاء الوطن الأم.

إعلان

والأدهى، أنها لا تمتلك في كل مستوياتها القدرة على إنتاج أفكار جديدة تواجه أسئلة السياسة والاجتماع، دعك عن الاقتصاد وتفاعلات التحولات في الجيوستراتيجية لأفريقيا جنوب الصحراء، ولا المعرفة والإلمام بطبيعة ما يُحاك في النظام العالمي لتغيير الجغرافيا السياسية لدول المنطقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ما أبرز التقارير الصادرة بشأن الأوضاع في دارفور والفاشر؟
  • شبكة أطباء السودان: 19 ألف محتجز بسجون الدعم السريع بجنوب دارفور
  • شبكة أطباء السودان: ميليشيات الدعم السريع تحتجز أكثر من 19 ألف شخص في دارفور
  • مقتل فنان الدعم السريع إبراهيم إدريس صاحب الأغنية الشهيرة “كروزر الحوامة” في معارك كردفان وصفحات المليشيا تنعيه وتصفه بالبطل
  • هل أصبحت الفاشر مدينة موت بعد سقوطها في يد الدعم السريع؟
  • طبيب سوداني: نجوت من الفاشر وأعتني الآن بالنازحين مثلي
  • إدريس: قصف المستشفيات ورياض الأطفال «جريمة حرب».. «الدعم السريع» يواصل جرائمه ويستهدف المدنيين
  • «الدعم السريع» يقصف المدنيين في كردفان
  • ما يزال وصول المنظمات الدولية إليها ممنوعاً.. الفاشر تتحول إلى “مسرح جريمة هائل”
  • الكيان الصهيوني ومشروع تقسيم السودان