تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ليس من السهل أن تكتب عن صوتٍ صار وطنًا. أن تروي حكاية امرأةٍ تجاوزت جسدها وصارت تجسيدًا لعصر، وذاكرة جمعية لعشاقٍ، وثوّار، وملوك، ومهزومين. لكن حسن عبد الموجود لم يدخل إلى أم كلثوم من بوابة التوثيق، بل من نوافذ الحنين، ومن ممرات الحكاية، ومن شرفات اللغة. في كتابه "أم كلثوم: من الميلاد إلى الأسطورة"، لا نجد السرد التقليدي لسيرة فنانة، بل نصًا هجينًا بين الأدب والتاريخ، بين القصيدة والأرشيف، بين النشيد والمناجاة.

 

هذا الكتاب لا يسير على خطى الزمن، بل يعيد ترتيبه على إيقاع خاص، كما لو أن الكاتب أعاد توزيع حياة أم كلثوم على خمسين مقامًا سرديًا، حيث يتكرر اللحن، لكن لا تتكرر الحكاية. إنه لا يكتب عن سيدة الغناء العربي بقدر ما يستحضرها كأيقونة تتقاطع فيها العاطفة والفن والسياسة والقدر.

 

لا يبدأ حسن عبد الموجود من القاهرة، ولا من الميكروفون، بل من الطمي. من قريتها طماي الزهايرة، كأنه يبحث عن بذور الصوت، عن الماء الأول الذي شربته الحنجرة، عن الحقول التي سمعت ترتيلها الطفولي. لا يتعامل الكاتب مع الريف كمعلومة، بل كفضاء شعري، كأرضٍ تمهّد لقدَر. وهناك، في الحكايات الأولى، تبدأ أم كلثوم كامرأة لا تعرف أنها ستحكم السمع والمزاج العربي لعقود، بل كابنة إمام، تسكنها البدايات لا النهايات.

 

ومع تقدم الفصول، يتغير الإيقاع، لكن لا تفقد اللغة شغفها. يرصد الكاتب لحظات التحوّل: انتقالها إلى القاهرة، مواجهتها الأولى مع الذكور الذين يحرسون الميدان الفني، توترها بين الشرقي الأصيل والتجديد، وقبل كل ذلك، حذرها من الحب، من الرجل، من الضعف.

 

يأخذ عبد الموجود على عاتقه تفكيك صورة أم كلثوم الأسطورية دون أن يمسّ بهالتها، يعريها ليزيدها رهبة. يقترب منها لا كناقد بل كعاشق، يشكّك أحيانًا، يندهش غالبًا، ويترك الباب مفتوحًا للتأويل دائمًا. يظهر الجانب الإنساني الذي نادرًا ما يُرى: صرامتها، حساباتها الدقيقة، حسّها السياسي، وربما حتى وحدتها. يكتب عنها لا ليُحاكمها، بل ليجعلنا نفكر فيها على نحوٍ أعمق: ماذا يعني أن تكون صوتًا لجيل؟ كيف تحتمل امرأة أن تصبح رمزًا بلا لحظة ضعف علني؟

 

ومن هذا المنطلق، لا يفصل الكاتب بين أم كلثوم الفرد وأم كلثوم المؤسسة. هي التي غنّت للثورة كما غنّت للغرام، غنّت للزعيم كما غنّت للدمعة التي تنام على خدّ أرملة في قريةٍ لا تعرف أسماء الوزراء. بذلك، تصبح أم كلثوم مرآة عصرها، لا مجرد موسيقاه.

 

ما يميز هذا العمل ليس فقط ما يقوله، بل كيف يقوله. اللغة هنا ليست وسيلة نقل، بل أداء فني بحد ذاته. جملٌ طويلة كجملة موسيقية تتهادى، واستعارات تنبت من قلب الحكاية، وصور تتراكم مثل نغمات "ألف ليلة وليلة". لا نجد الحياد الصحفي، بل التورط الأدبي، ولا نجد الخطابة، بل همس عاشق يعرف أن الأسطورة لا تكتب بمداد الحبر فقط، بل بارتجاف القلب.

 

يتركنا الكتاب كما تتركنا أم كلثوم في نهاية كل حفل: مشبعين، لكن غير مكتفين. نغلق الصفحة، ونشعر أن الصوت لا يزال في الداخل. ربما لأن الكاتب لم يكتب النهاية، بل ترك الأسطورة مفتوحة. وربما لأن أم كلثوم نفسها لا تنتهي: كلما ظننا أننا سمعناها بما يكفي، فاجأتنا مرة أخرى من عمق الذاكرة.

 

"من الميلاد إلى الأسطورة" هو كتاب لا يُقرأ مرة واحدة، ولا يُقرأ كوثيقة، بل يُقرأ كما يُستمع إلى أغنية طويلة تُحيا كلما أُعيد غناؤها. حسن عبد الموجود كتب شيئًا لا نعرف كيف نصنّفه، لكنه كتب ما يشبه أم كلثوم: لغزًا، صوتًا، ذاكرة، ومقامًا لا يُعاد.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: عبد الموجود أم کلثوم

إقرأ أيضاً:

أسرة أم كلثوم تشيد بفيلم «الست»

أشادت أسرة أم كلثوم بالمستوى الفنى والدرامى لفيلم «الست» الذى يقدم حياة كوكب الشرق برؤية مختلفة تعتمد على الدقة والاحترام، مؤكدين أن العمل استطاع أن يقترب من روح جدتهم دون مبالغة أو تشويه، وأن الفنانة منى زكى قدمت فى الفيلم واحدًا من أهم أدوارها على الإطلاق، واستطاعت أن تجسد الشخصية بعمق كبير أثار إعجاب الأسرة لأنها بذلت مجهوداً كبيراً لتجسيد الشخصية.

وأكد أفراد الأسرة أنهم دخلوا قاعة العرض وهم يشعرون بالخوف من الهجوم الكبير الذى سبق طرح الفيلم، لكنهم خرجوا منه بإعجاب من مستوى الفيلم، خاصة بعدما اكتشفوا أن العمل قدم سيرة فنية وإنسانية راقية، ولم يسعَ إلى الإثارة أو استغلال اسم أم كلثوم فى سياق غير لائق. وقالوا إن أكثر المشاهد تأثيرًا بالنسبة لهم كان مشهد الجنازة، الذى أعاد إليهم ذكريات حزينة عاشها أفراد العائلة قبل عقود طويلة، ما جعلهم ينفجرون فى البكاء داخل قاعة العرض، تقديرًا للصدق الذى ظهر فى المشهد.

وكان فريق العمل قد أقام عرضًا خاصًا حضرته أسرة كوكب الشرق أم كلثوم ممثلة فى أحفاد شقيقتها سيدة، بحضور صناع الفيلم وعدد كبير من النجوم والفنانين. وقد حضر من أحفاد شقيقة كوكب الشرق كل من حبيبة عزب ابنة حفيدتها، إضافة إلى نادين الدسوقى ودينا الدسوقى وشيرين الدسوقى ونيرمين الدسوقى وخالد الدسوقى وزوجته نيرمين سلامة، حيث عبّروا جميعًا عن فخرهم بالمشاركة فى هذه اللحظة التى اعتبروها تاريخية. وفى نهاية العرض، وقف أفراد العائلة ليوجهوا تحية خاصة لصُنّاع الفيلم، تقديرًا للمجهود الضخم المبذول فى تقديم عمل يقدم جانبًا إنسانيًا وفنيًا من حياة واحدة من أعظم الأصوات العربية.

ومن جانبها، أوضحت الفنانة منى زكى أن فيلم «الست» يسعى لإظهار أم كلثوم بصفتها إنسانة قبل أن تكون أسطورة، مشيرة إلى أن العمل يركز على مشاعرها ونقاط ضعفها إلى جانب قوتها وصلابتها التى عرفها الجمهور. وأكدت أن الهدف من الفيلم هو تقديم صورة أكثر واقعية وصدقًا عن حياتها، بعيدًا عن الصورة النمطية المثالية التى كثيرًا ما رسمها الجمهور فى مخيلته. واعتبرت منى زكى أن هذا الطرح الواقعى قد يثير الجدل، لأن الجمهور تعود على رؤية أم كلثوم باعتبارها رمزًا كاملًا لا تشوبه شائبة، لكن احترام الحقيقة الفنية يفرض على المبدعين الجرأة فى الاقتراب من إنسانية الشخصية.

وكشفت منى زكى أن التحضير للدور استغرق سنة وثلاثة أشهر كاملة، تضمنت تدريبات نفسية وصوتية مكثفة، إضافة إلى دراسة دقيقة لحركات ام كلثوم وتطور سلوكياتها على مدار حياتها، مؤكدة أن هذا العمل اليومى الشاق كان ضروريًا للوصول إلى أقرب صورة ممكنة للشخصية. وأشارت إلى أن أصعب مرحلة فى التحضير كانت تجسيد أم كلثوم فى سنواتها الأخيرة، وهى المرحلة التى كان عليها خلالها أن تتفاعل مع مشاعر وتجارب معقدة عاشتها الفنانة الراحلة، وما مثّله ذلك من مسؤولية فنية وثقيلة. وقالت: «كلما حاولت الابتعاد عن المشاعر التى راودتنى أثناء التصوير أعود إليها، والتجربة غيرتنى بشكل كبير على المستوى الشخصى والفني».

وفيلم «الست» مستوحى من قصة كوكب الشرق، وهو من سيناريو وحوار أحمد مراد، وإخراج مروان حامد، ويشارك فى بطولته احمد حلمى وكريم عبد العزيز واسر ياسين ومجموعه كبيرة من ضيوف الشرف انتاج احمد بدوى مع هيئة الترفيه السعودية.ومن المقرر عرضه فى دور السينما فى مصر والعالم العربى بدءًا من 10 ديسمبر، ليكون أحد أبرز الأعمال المنتظرة فى نهاية العام، وسط توقعات بأن يصبح من أهم الأعمال السينمائية التى تناولت حياة رموز الفن العربى فى السنوات الأخيرة.

 

مقالات مشابهة

  • جامع الرفاعي.. مقام الأولياء ومسجد «العائلة المالكة»
  • أسرة أم كلثوم تشيد بفيلم «الست»
  • الإثنين.. حفل تأبين الكاتب الصحفي الراحل حازم عبدالرحمن
  • الكاتب ونصوصه في مواجهة السطوة الرقمية
  • تولى منصب الإفتاء بقرار جمهوري.. سيرة فضيلة الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل
  • وزارة البترول تنعي الكاتب الصحفي ثروت شلبي
  • "تولى الإفتاء 10 سنوات".. سيرة الدكتور محمد سيد طنطاوي
  • حقيقة انتشار الدواجن السردة في الأسواق.. الشعبة تحذر والزراعة تنفي | تفاصيل
  • "حصل على العالمية من الأزهر ".. سيرة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني
  • وفاة شقيق الكاتب الصحفي إسلام عفيفي