تونس.. أحكام قاسية تطال قادة الرأي والمعارضة
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
في تطور دراماتيكي يلقي بظلاله على المشهد السياسي التونسي، أصدرت محكمة مساء الجمعة أحكاماً قاسية بالسجن، تراوحت بين 13 و66 عاماً، بحق نخبة من قادة المعارضة ووجوه بارزة في عالم المال والقانون، وذلك في القضية التي أثارت جدلاً واسعاً والمعروفة بـ”التآمر على أمن الدولة”.
وكالة الأنباء التونسية الرسمية، والتي نقل عنها موقع “عين ليبيا”، كشفت عن لسان مسؤول قضائي رفيع أن الدائرة الجنائية المختصة بقضايا الإرهاب نطقت بالحكم في ساعة متأخرة من الليل، ليشمل القرار متهمين قيد التوقيف وآخرين لا يزالون فارين من العدالة، مؤكداً أن أحكام الغائبين ستنفذ فوراً.
التهم الموجهة للمدانين ترسم صورة قاتمة، حيث شملت “التآمر على أمن البلاد الداخلي والخارجي”، و”تأسيس والانضمام إلى وفاق إرهابي مرتبط بجرائم إرهابية”، فضلاً عن “محاولة تغيير نظام الحكم بالقوة، أو تحريض السكان على الاقتتال الداخلي وإثارة الفوضى والنهب المرتبط بالإرهاب، وتهديد الأمن الغذائي والبيئة”.
في أول رد فعل غاضب، دوّنت المحامية دليلة مصدق، أحد أعضاء فريق الدفاع عن المعتقلين السياسيين، كلماتها بمرارة قائلة: “احكموا بما شئتم، فضيحتكم ستلاحقكم، ودعواتنا ستؤرقكم، وأصوات المظلومين ستصمّ آذانكم مدى الحياة، بل وبعد الممات ستلعنكم أجيال، ويوم الحساب قادم لا محالة، والتاريخ خير شاهد”.
المحامي سمير ديلو، وهو أيضاً من فريق الدفاع، دق ناقوس الخطر مساء الجمعة، واصفاً ما جرى في القضية بأنه “سابقة خطيرة”، مؤكداً أن مسار القضية منذ بدايته وحتى نهايته شهد “عبثاً قانونياً” وصل ذروته في الجلسة الختامية بـ “جنون قانوني”. وأوضح أن القضية انطلقت بشكوى من وزارة العدل ولفها التعتيم الإعلامي بقرار “منع التداول”، لتختتم بجلسة عن بعد للمتهمين وتضييق غير مسبوق على المحامين ومنع للإعلاميين من حضور جلسة يفترض أنها علنية.
شهادات حصرية تكشف الكواليس، حيث أوضح ديلو أنه في غضون 30 ثانية فقط، تليت بضعة أسطر من قرار دائرة الاتهام، ليُعلن بعدها عن حجز الملف للمداولة وإصدار الحكم فوراً، وسط احتجاجات صاخبة من المحامين الحاضرين، وذلك دون استجوابات أو مرافعة أو إمهال أو حتى تلاوة لقرار الاتهام.
من جهتها، رفعت تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين الصوت عالياً، مؤكدة في بيان شديد اللهجة أن “التجاوزات” التي شهدتها جلسة الجمعة تؤكد أن الأحكام “الجائرة” ما هي إلا “قرارات جاهزة صدرت من جهات سياسية لا صلة لها بالقضاء”.
وشددت التنسيقية على أن ما يجري هو الفصل الأخير من “مسرحية” ما يسمى بـ”التآمر على أمن الدولة”، والذي هو في حقيقته “تآمر السلطة على قيادات المعارضة”، مؤكدة أن هذه “المسرحية” قامت أساساً على “الاستهانة بكل القوانين والإجراءات”.
وفي سياق متصل، استعرضت متحدثة باسم العائلات تفاصيل “المحاكمة الصورية”، قائلة: “لقد اغتُصب حق الدفاع، واعتُدي على حق الشعب التونسي في معرفة الحقيقة، حيث كانت التضييقات والإخلالات تتفاقم يوماً بعد يوم، بدءاً من الاعتقال التعسفي والاحتجاز القسري دون أدلة أو تحقيق، مروراً بمنع التداول الإعلامي، وحرمان المعتقلين من حقهم في الدفاع والحضور، وصولاً إلى التضييق على العائلات والمنظمات الحقوقية والصحافيين ومنعهم من دخول قاعة المحكمة العلنية، وانتهاءً برفض جميع الطلبات الشكلية للمحامين والإخلالات الإجرائية الصارخة وإصدار الحكم دون استنطاق أو مرافعة”.
هذه الأحكام التاريخية تأتي في ظل مناخ سياسي واجتماعي مشحون في تونس، لتفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات جوهرية حول استقلالية القضاء وحماية الحقوق وضمانات المحاكمة العادلة، ومن المرجح أن تزيد هذه القضية من عمق الانقسام والاستقطاب الذي تشهده البلاد.
ما هي تداعيات هذه الأحكام على مستقبل المشهد السياسي في تونس؟ وهل ستشعل هذه القضية فتيل احتجاجات جديدة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: أحكام قضائية تونس سجن قادة الرأي محكمة
إقرأ أيضاً:
«لِنَتَسِعْ بَعْضُنَا بَعْضًا… ونُعَلِّم قلوبنا فنّ احترام الرأي الآخر»
في كل مجتمع حيّ، يظل الاختلاف علامة صحة لا علامة خلاف، ودليل نضج لا دليل صدام. فالآراء المتعددة مثل الألوان، لا يكتمل الجمال إلا بتجاورها، ولا تكتمل الصورة إلا بتكاملها.
ومع ذلك، لا تزال بعض العقول – للأسف – تنظر إلى الرأي المخالف على أنه غزوٌ لفكرتها، أو تهديدٌ لهيبتها، أو مساسٌ بمكانتها، بينما الحقيقة أن الاختلاف لا يجرح إلا القلب الضيق، ولا يزعج إلا العقل المغلق، أما الصدور الواسعة فتتعامل مع التنوع باعتباره غنى للفكر ومساحة للتعلم.
إننا اليوم في حاجة إلى أن ننقل ثقافة احترام الاختلاف من كونها شعارات مثالية، إلى كونها ممارسة يومية في بيوتنا، ومساجدنا، ومؤسساتنا، ومدارسنا، ووسائل إعلامنا. لأن المجتمعات لا تُبنى بالاتفاق الكامل، وإنما تُبنى بإدارة الاختلاف إدارة راقية.
■ القرآن الكريم… مدرسة الاحترام قبل الحوار
حين نفتح كتاب الله تعالى، نجد قيمة احترام الرأي والحوار الحضاري راسخة منذ أول يوم.
يقول سبحانه وتعالى:
﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
لم يقل: "جادلهم بالعنف"، ولم يقل: "بالغلظة"، بل قال: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ… أي بأفضل وأرقى ما يمكن.
وهذا دليل عظيم على أن الحوار لا بد أن يكون قائمًا على الأدب قبل الفكرة، وعلى الهدوء قبل الحدة، وعلى الفهم قبل الرد. فكيف إذا كان القرآن يأمرنا بذلك مع المخالف في العقيدة؟ فكيف بمن يخالفنا في الرأي داخل الوطن الواحد والبيت الواحد؟
والله سبحانه يعلّمنا كذلك أدب الاختلاف في قوله:
﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾،
وهذا إقرار صريح بحق الآخرين في عرض ما لديهم، وحقنا في مناقشته دون تسفيه أو تجريح.
■ السنّة النبوية… قمة الأخلاق في إدارة الاختلاف
لقد قدّم النبي ﷺ نموذجًا راقيًا في احترام الرأي حتى مع أصحابه وهم في قمة الخلاف.
ولنا في موقفه يوم غزوة بدر خير شاهد، حين قال للصحابة:
"أشيروا عليّ أيها الناس"،
فأخذ برأي الحباب بن المنذر، وهو رأيٌ عسكري يخالف رأي النبي الأول، ومع ذلك قبله النبي بكل صدر رحب.
هذا هو الأدب النبوي… وهذا هو احترام العقول.
وفي حديث آخر قال ﷺ:
«رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى»،
والسماحة خلق لا يولد إلا من صدر واسع يقبل الآخر ولا يتضايق من اختلافه.
بل إن النبي ﷺ علّمنا ألا نُقصي المخالف ما دام لا يخالف الثوابت، فقال:
«إنما بُعثتم مُيسرين ولم تُبعثوا مُعسرين».
■ أدب الاختلاف… مسؤولية مجتمع كامل
إن احترام الرأي الآخر ليس وظيفة المثقفين وحدهم، ولا واجب الدعاة وحدهم، بل هو مسؤولية مجتمع بأكمله.
فالأب في بيته حين يفرض رأيه بالقوة يخسر الحوار مع أبنائه، والمعلم حين يسخر من رأي تلميذه يخسر احترامه، والمسؤول حين يضيق بالنقد يخسر ثقة الناس.
والحقيقة أن قوتنا لا تُبنى من خلال الصوت الأعلى، بل من خلال القدرة على الاستماع، ولا من خلال الإقصاء، بل من خلال الاحتواء.
فنحن أمة جعلها الله أمة وسطًا، والوسطية ليست رأيًا واحدًا جامدًا، بل فضاء واسع يتسع للجميع.
■ لماذا نخاف من الاختلاف؟
نخاف لأننا لم نتربَّ على ثقافة السؤال.
نخاف لأننا نتصور أن اختلاف الآخر يعني ضعف موقفنا.
نخاف لأننا نخلط بين الرأي والفكرة… وبين الشخص والفكرة.
بينما الحقيقة أن الفكرة التي لا تتحمل النقد هي فكرة لم تُبنَ جيدًا من البداية.
إن المجتمعات التي تتسع قلوب أفرادها للآراء المختلفة هي المجتمعات التي تطور نفسها، وتتعلم من بعضها، وتبني جسورًا لا جدرانًا.
■ فلنتسع لبعضنا… ولنربِّي في قلوبنا أدب الاختلاف
علينا أن نؤمن بأن الاستماع للآخر لا يعني التراجع، وأن قبول اختلافه لا يعني التنازل، وأن احترام رأيه لا يعني الانسحاب.
بل يعني أننا نملك وعيًا وإيمانًا بأن الحقيقة أكبر منّا جميعًا.
وفي الختام…
إن احترام الرأي الآخر ليس مجرد خُلق، بل هو مشروع حضاري يعيد للمجتمع توازنه، وللإنسان قيمته، وللنقاش روحه.
فدعونا نتسع لبعضنا، ونسمع لبعضنا، ونقترب من بعضنا…
فالوطن لا يبنيه رأي واحد… وإنما تبنيه قلوب تتسع للجميع.