عودة الحوار بين واشنطن وطهران| هل تنجح مفاوضات روما في كبح الطموح النووي الإيراني؟
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والقلق الدولي المتنامي من البرنامج النووي الإيراني، تستأنف الولايات المتحدة وإيران، يوم السبت المقبل، جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة في العاصمة الإيطالية روما، وذلك بعد جولة أولى عقدت في العاصمة العُمانية مسقط قبل أسبوع، والتي وصفها الطرفان بأنها "بنّاءة"، رغم استمرار الخلافات العميقة حول جوهر الأزمة.
تأتى هذه المحادثات في وقت حساس يشهد فيه الملف النووي الإيراني تصعيدًا على مستويات متعددة، وسط تحذيرات من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة مفتوحة، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية في تحقيق أي اختراق ملموس.
الوفد الإيراني الذى يقوده نائب وزير الخارجية عباس عراقجي، وصل إلى روما مساء يوم الجمعة، في مهمة دبلوماسية تُعد من بين الأكثر تعقيدًا في ظل الجمود المستمر منذ انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي في عام ٢٠١٨.
وتُجرى هذه الجولة من المحادثات بوساطة سلطنة عمان، التي تواصل لعب دور الوسيط بين الجانبين، بينما يترأس الوفد الأمريكي الموفد الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. ولا تُجرى المباحثات بشكل مباشر بين الوفدين، بل من خلال وسطاء، في ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ عام ١٩٨٠.
عراقجى بدا حذر في تصريحاته قبيل الاجتماع، إذ أعرب عن وجود "شكوك جدية" لدى طهران إزاء نوايا واشنطن، لكنه أضاف أن بلاده قررت المشاركة في هذه الجولة على أي حال، مع إدراكها أن الطريق لن يكون سهلًا نحو اتفاق شامل.
أما من الجانب الأمريكي، فالمواقف تتأرجح بين الدعوات للعودة إلى المسار التفاوضي والتهديد باستخدام القوة في حال لم تسفر المفاوضات عن نتائج.
وقد صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذى انسحب من الاتفاق قبل سبع سنوات، بأنه "ليس في عجلة" لاستخدام الخيار العسكري ضد إيران، لكنه في الوقت ذاته لوّح بإمكانية اللجوء إليه إذا ما استدعت الضرورة. وتعود الأزمة الراهنة بجذورها إلى انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الموقع عام ٢٠١٥، المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والذى نصّ على رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على إيران مقابل التزامها بتقييد برنامجها النووي.
بعد الانسحاب، أعادت إدارة ترامب فرض حزمة من العقوبات القاسية على طهران، ضمن سياسة "الضغوط القصوى"، ما دفع إيران إلى التراجع تدريجيًا عن التزاماتها، وتوسيع أنشطتها النووية.
ورفعت إيران مستوى تخصيب اليورانيوم إلى ٦٠٪، وهو ما يُعد خطوة خطيرة تقترب من مستوى ٩٠٪ المطلوب لصنع أسلحة نووية، رغم تأكيدها المتكرر أن برنامجها يهدف فقط إلى الاستخدامات المدنية والسلمية.
قبل أيام فقط من استئناف المحادثات فى روما، أدلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بتصريحات حذّر فيها من أن إيران باتت "ليست بعيدة" عن امتلاك القدرة التقنية لإنتاج قنبلة نووية.
وعززت هذه التصريحات المخاوف الغربية، فى وقت تواصل فيه طهران إنكار أى نية لتطوير سلاح نووي، مؤكدة أن كل أنشطتها تقع ضمن الإطار السلمي، وتتم تحت رقابة الوكالة الدولية.
مع ذلك، تشدد إيران على أن المفاوضات يجب أن تركز فقط على الملف النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، رافضة بشكل قاطع مناقشة برنامجها الصاروخي أو نفوذها الإقليمي، وتعتبر هذه الملفات "خطوطًا حمراء".
وكان عراقجى قد حذر من تقديم مطالب "غير واقعية"، فى إشارة إلى دعوة المبعوث الأمريكي إلى تفكيك شامل للبرنامج النووي، بما في ذلك الجوانب المدنية. كذلك، أكد الحرس الثوري الإيراني أن قدرات إيران العسكرية، خصوصًا برنامج الصواريخ الباليستية، غير قابلة للتفاوض.
بالتزامن مع المحادثات، تتخذ القوى الدولية الأخرى مواقف متفاوتة. ففى حين دعت أمريكا شركاءها الأوروبيين إلى اتخاذ موقف أكثر حزمًا، من خلال تفعيل "آلية الزناد" التى تسمح بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران تلقائيًا، فإن بعض الدول الأوروبية لا تزال تتردد فى اتخاذ مثل هذه الخطوة، خشية أن يؤدى ذلك إلى تقويض أى أمل فى العودة إلى المسار الدبلوماسي.
كان وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، قد دعا الاتحاد الأوروبى إلى اتخاذ "قرار حاسم"، محذرًا من تبعات التقاعس عن مواجهة ما وصفه بـ"التهديد الإيرانى المتزايد". فى المقابل، تراقب إسرائيل عن كثب ما يجرى فى روما، وسط مخاوف من أن تؤدى أى تسوية تُبقى على البرنامج النووى الإيرانى إلى تهديد مباشر لأمنها. وقد أكدت الحكومة الإسرائيلية التزامها بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي "بأي وسيلة ممكنة"، مشيرة إلى أنها تملك "خطة تحرك واضحة"، وهو ما يُفهم منه أن الخيار العسكري لا يزال مطروحًا في الحسابات الإسرائيلية.
وتتعقد المفاوضات أكثر بفعل الأبعاد الإقليمية المرتبطة بها، إذ تُعد إيران فاعلًا رئيسيًا في ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، الذى يضم جماعات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وفصائل مسلحة في العراق. ويُثير هذا النفوذ الواسع قلق الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ويزيد من تعقيد المشهد التفاوضي.
رغم الأجواء المشحونة، فإن مجرد استئناف المحادثات يُعد مؤشرًا على وجود نية، ولو ضئيلة، لتفادى التصعيد والعودة إلى طاولة التفاهم.
لكن الفجوة العميقة بين الجانبين، وانعدام الثقة المتراكم، يجعلان من إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مهمة صعبة، وربما مستبعدة في المستقبل القريب.
وفى حال فشلت مفاوضات روما، فإن المنطقة قد تكون مقبلة على جولة جديدة من التصعيد، في وقت لم تتعافَ فيه بعد من آثار أزمات سابقة، وسط واقع إقليمي شديد الهشاشة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الملف النووي الايراني العاصمة الإيطالية البرنامج النووي الإيراني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخصيب اليورانيوم الصواريخ الباليستية
إقرأ أيضاً:
الصراع الإيراني الإسرائيلي بين مبادرات بوتين وسيناريوهات التصعيد .. هل تنجح الدبلوماسية في تفادي الحرب؟
في خضم التصعيد المتواصل بين إيران وإسرائيل، تتعالى التحذيرات من انزلاق المنطقة نحو مواجهة إقليمية شاملة قد تعصف باستقرار الشرق الأوسط بأكمله. لكن وسط هذه الأجواء المتوترة، يطل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليطرح بصيص أمل، معلنًا عن مبادرات روسية قد تساهم في نزع فتيل الأزمة، بالتوازي مع تحركات دبلوماسية أمريكية وبريطانية، وسيناريوهات متعددة يطرحها الخبراء بشأن المستقبل القريب.
بوتين: لسنا وسطاء لكننا نطرح حلولًافي كلمة ألقاها خلال الجلسة العامة لـ"منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي"، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده تطرح "أفكارًا" للمساعدة في حل الصراع القائم بين إيران وإسرائيل، مؤكدًا أن موسكو ليست بصدد لعب دور الوسيط، لكنها تسعى لتقديم رؤى يمكن البناء عليها لتحقيق التهدئة.
وأضاف بوتين أن "روسيا على تواصل يومي مع الأصدقاء الإيرانيين"، معبرًا عن أمله في تنفيذ الأفكار المطروحة. كما علّق على تهديدات إسرائيلية سابقة باغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي، مؤكدًا أن بلاده لطالما نادت باحترام سيادة الدول والحفاظ على أمنها دون المساس بسلامة الآخرين.
واشنطن ولندن تبحثان التصعيد.. وتنسيق مشتركعلى الجانب الغربي من المشهد، اجتمع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بنظيره البريطاني ديفيد لامي في واشنطن، حيث ناقشا تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، وعلى رأسها الصراع الإيراني الإسرائيلي. البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية أشار إلى أن الجانبين تناولا سبل التهدئة، إلى جانب ملف الحرب في أوكرانيا وقمة الناتو المقبلة.
اللقاء أكد أهمية تعزيز التعاون الدفاعي، وزيادة الإنفاق العسكري ضمن إطار حلف شمال الأطلسي، في ظل التوترات المتصاعدة في أكثر من جبهة حول العالم.
يرى الخبير الاستراتيجي اللواء نبيل السيد أن السيناريو الأول المتمثل في العودة إلى طاولة المفاوضات لا يزال قائمًا، رغم التصعيد. ويعزو ذلك إلى احتمال تدخل دولي قوي، سواء من الولايات المتحدة أو من قبل الاتحاد الأوروبي، للضغط على الطرفين. ويشير السيد إلى أن إسرائيل، رغم حدة خطابها العسكري، لا تسعى لحرب شاملة قد تفتح عليها جبهات في أكثر من مكان، خصوصًا في ظل التوازنات الدولية المعقدة.
ويرى أن هذا السيناريو مرهون بوجود وساطة دولية فعالة، وتقديم تنازلات متبادلة، مثل تعليق إيران لأنشطتها النووية الأكثر حساسية، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية والحد من التصعيد على الجبهات.
سيناريو الضربات المحدودة.. الأكثر ترجيحًافيما يرى اللواء السيد أن السيناريو الأقرب إلى الواقع حاليًا هو استمرار الضربات الجوية والصاروخية المحدودة، سواء من قبل إسرائيل أو عبر أذرع إيران الإقليمية، وذلك بهدف تحقيق مكاسب ميدانية أو سياسية دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة. هذه الاستراتيجية، كما يصفها، تعتمد على التحرك تحت سقف الخطوط الحمراء المتعارف عليها.
سيناريو التدخلات الخارجيةويضيف السيد أن السيناريو الثالث ينطوي على تدخلات خارجية أوسع، في حال تعذر احتواء التصعيد أو إذا قامت إسرائيل بتوجيه ضربة كبيرة إلى منشأة نووية إيرانية. في مثل هذه الحالة، من المرجح أن ترد إيران بشكل أوسع، مما قد يستدعي تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر، أو تفتح جبهات إقليمية عبر حزب الله في لبنان والميليشيات الموالية لإيران في العراق واليمن، مما يعقد المشهد ويجعله أقرب إلى مواجهة إقليمية شاملة.
السيناريو النووي.. الكارثة الكبرىأما السيناريو الأخطر، بحسب اللواء السيد، فهو استخدام السلاح النووي أو التهديد به. ويؤكد أن هذا الاحتمال لا يزال بعيدًا نسبيًا، لكنه قد يصبح واقعًا إذا انهارت كل المسارات التفاوضية، أو في حال تأكد امتلاك إيران لسلاح نووي، أو قيام إسرائيل بمحاولة استهداف منشآت نووية مدفونة تحت الأرض بأسلحة خارقة أو نووية تكتيكية.
ويحذر من أن حدوث ضربة نووية، إن حصلت، سيكون بمثابة زلزال جيوسياسي، لن يقتصر أثره على المنطقة فحسب، بل سيدفع قوى كبرى كروسيا والصين للتدخل، ويعيد تشكيل خريطة التحالفات والنظام العالمي.
في ظل تشابك هذه السيناريوهات وتعقيداتها، تبقى المنطقة معلقة بين احتمالات التهدئة والتصعيد، فيما يراقب العالم بحذر تطورات قد تحمل معها تحولات تاريخية. وعلى الرغم من قتامة الموقف، إلا أن نافذة الحلول السلمية لا تزال مفتوحة، وإن كانت تحتاج إلى قرارات شجاعة وضغوط دولية فاعلة لتغليب صوت العقل على دوي السلاح.