طهران- على وقع المواقف الأميركية بعيد مفاوضات مسقط، التي تراوحت بين التلويح بالخيار العسكري وحثّ الترويكا الأوروبية على تفعيل آلية الزناد والدعوة إلى الوقف الكامل لتخصيب اليورانيوم في إيران، أحرزت الجولة الثانية من المحادثات النووية في روما تقدما ملحوظا تمثل في إعطاء الضوء الأخضر لبدء المباحثات التقنية.

ورغم تباين المواقف عقب مفاوضات مسقط، حيث دعا كبير المفاوضين الأميركيين ستيفن ويتكوف إلى وقف برنامج طهران لتخصيب اليورانيوم، ورفضها على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي الذي اعتبره "غير قابل للتفاوض"، رسم تفاؤل الجانبين الإيراني والأميركي بعيد مفاوضات روما علامات استفهام كثيرة لدى الأوساط الإيرانية.

وبينما ذهب بعض المراقبين الإيرانيين بعيدا في تفسيرهم لنتائج الجولة الثانية من المباحثات النووية، التي عقدت السبت الماضي في العاصمة الإيطالية، يبحث طيف آخر عما يدور خلف الكواليس للعثور على سبب مقنع للتقدم السريع في مفاوضات "العدوين اللدودين"، في حين تستغرب شريحة ثالثة التطورات المتسارعة في هذا الملف بعد جلب حاملات الطائرات وقاذفات القنابل الأميركية إلى المنطقة.

تساؤلات

من ناحيته، يستغرب الناشط السياسي الإصلاحي أحمد زيد آبادي، التقدم السريع في المفاوضات النووية خلال فترة وجيزة جدا، موضحا أن ثمة تحديات تحيط بالمفاوضات عادة، لا سيما أن الهوة كانت كبيرة في مواقف الجانبين الإيراني والأميركي.

إعلان

وفي تعليق تحت عنوان "ما القصة؟" نشره في قناته على منصة تلغرام، تساءل زيد آبادي عما إذا كان الطرفان يتباحثان على الخطوط العريضة فحسب ولم ينتقلا إلى التفاصيل الدقيقة، أم إنهما لم يستوعبا مطالب الطرف المقابل ويفسرانها كما يحلو لهما.

وبينما يرى الناشط السياسي الإصلاحي في تعديل أحد طرفي المفاوضات أو كلاهما في مواقفه وإظهارهما "مرونة غير متوقعة" من أجل التوصل إلى اتفاق سريع، يرسم علامة استفهام كبيرة عما إذا اتفق الجانبان الإيراني والأميركي سرا بتسهيل من الوسطاء قبيل إطلاق المفاوضات الجارية.

من جانبه، عزا محمد مهدي شهرياري عضو لجنة الأمن القومي والسياسة والخارجية بالبرلمان الإيراني، سبب الأجواء الإيجابية التي سادت المفاوضات النووية إلى "ذكاء الخارجية الإيرانية التي سبق أن فعلت قنوات تواصل مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي الأميركيين منذ عامين، وناقشت معهما القضية النووية دون غيرها".

وتداولت وسائل الإعلام الإيرانية شريطا مصورا لشهرياري وهو يقول إن الجانب الإيراني الذي ارتبط بفريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان ينقل المستجدات -منذ أشهر- أول بأول إلى المرشد الأعلى علي خامنئي والجهات الدبلوماسية، مضيفا أن بلاده تتخذ قراراتها هذه الأيام بناء على المعلومات والبيانات التي جمعتها خلال السنوات الماضية.

في غضون ذلك، ترجع صحيفة "خراسان" الصادرة بالفارسية، سبب التقدم المتسارع في مفاوضات الجانبين الإيراني والأميركي إلى الرياح التي جاءت بما لا تشتهي سفينة ترامب وإطالة الأمد في تحقيق وعوده الانتخابية، لا سيما ما يخص إحلال السلام في الشرق الأوسط وإيقاف آلة الحرب في أوكرانيا، إلى جانب اصطدام حرب الرسوم الجمركية بعقبات جمة.

ملفات خلافية

وفي مقال بقلم الكاتب السياسي صابر كل عنبري، رأت الصحيفة أن ترامب يبدو على عجلة من أمره بشأن التوصل إلى اتفاق مع طهران، وأنه إثر بلوغ الملفات أعلاه طريقا مسدودا يرغب بتسجيل إنجاز كبير لإدارته انطلاقا من اعتقاده بأن حلحلة الملف النووي الإيراني أسهل من الملفات الأخرى، ذلك لأن الجانب الأميركي هو أحد طرفي المفاوضات النووية خلافا للنزاع في أوكرانيا وغزة، مما يشجعه على عدم إثارة قضايا إضافية غير البرنامج النووي وعدم المطالبة بتفكيكه.

إعلان

ومع ذلك، فإن فئة أخرى من الإيرانيين تعتقد أن الوقت مبكر للحكم على نجاح أو فشل المفاوضات بين طهران وواشنطن، رغم قبول الجانبين بمبدأ الحوار والتخلي عن المواقف السابقة وعدم طرحهما مطالب من شأنها توتير الأجواء وتعيين موعد للجولة الثالثة.

وإن كانت هذه الأمور تبعث رسائل إيجابية عن المسار الدبلوماسي حتى الآن، غير أن السفير الإيراني الأسبق في ليبيا جعفر قناد باشي، يرى أن طريق المفاوضات لا يزال ملغما، وأن ثمة تحديات كبيرة قد تنسف طاولة الحوار بين عشية وضحاها.

وفي مقابلته مع صحيفة "ستاره صبح"، يسلط الدبلوماسي الإيراني السابق، الضوء على الملفات الخلافية بين وفدي التفاوض حول رفع العقوبات والتحقق من الوفاء بالتعهدات وطبيعة البرنامج النووي الإيراني وغيرها، مؤكدا أن الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة لم تتفقا بعد على العديد من النقاط وأن مباحثاتهما خلال جولتي مسقط وروما لا يمكن أن تضمن الوصول إلى النتيجة النهائية.

ولدى إشارته إلى المساعي الإسرائيلية للدفع بالعلاقات الإيرانية الأميركية نحو التصادم العسكري، والتطورات الإقليمية والدولية المعقدة، وتهديد الجانب الأوروبي بتفعيل آلية الزناد في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، يؤكد قناد باشي أن أي اتفاق محتمل سيبقى معلقا حتى التوقيع عليه، وأن الطريق سيبقى ملغما حتى ذلك الحين.

سيناريوهات محتملة

في المقابل، يلمس الأكاديمي مهدي مطهر نيا، رئيس معهد "سيمرغ باريخ" للدراسات المستقبلية، في مفاوضات 2025 تقاربا في المواقف الإيرانية الأميركية من شأنها أن ترتقي بالعلاقات المتوترة إلى "الشراكة الإستراتيجية" خلال السنوات المقبلة.

وفي مقال تحت عنوان "أجواء المفاوضات بين طهران وواشنطن" نشره في صحيفة "آرمان ملي"، يكتب مطهر نيا، أن المسار الدبلوماسي سيستمر حتى التوصل إلى اتفاق أو قناعة لدى كل من الجانبين بضرورة طي ملف المفاوضات، مؤكدا ضرورة استغلال الظروف الواعدة الراهنة تمهيدا لوصول البيت الأبيض إلى تفاهم مع طهران في إطار ما يسمى بالنظام العالمي الحديث.

إعلان

وبين متفائل ومتشائم بشأن مستقبل المفاوضات النووية المتواصلة بين طهران وواشنطن برعاية مسقط، يعدد الأكاديمي المختص في التجارة الدولية مصطفى كوهري فر -في مقاله بصحيفة "دنياي اقتصاد"- السيناريوهات المترتبة على المسار الدبلوماسي الجاري وفق التالي:

اتفاق شامل وطويل الأمد يرفع العقوبات عن إيران ويمهد لاستثمار الشركات الأميركية فيها. اللجوء إلى الخيار العسكري إثر تشبث الجانبين بمطالبهما، وهذا ما ترغب به إسرائيل. اتفاق مؤقت على غرار خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي المبرم عام 2015).

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المفاوضات النوویة

إقرأ أيضاً:

أبو القنبلة النووية الأمريكية والإسرائيلية.. ماذا تعرف عن روبرت أوبنهايمر؟

يتمحور فلم "أوبنهايمر"، الذي عرض عام 2023، حول ملحمة سباق الذرة العلمية في القاعدة السرية في لوس ألاموس (ولاية نيو مكسيكو)، حيث انكب علماء وعسكريون أعضاء في “مشروع مانهاتن” في خضمّ الحرب العالمية الثانية على الانتهاء من القنبلة قبل النازيين،  ويتناول الفيلم الذي تبلغ مدته ثلاث ساعات المحطات الرئيسية في حياة الفيزيائي روبرت أوبنهايمر (1904 – 1967) الذي طبع تاريخ الولايات المتحدة والقرن العشرين، وساهم في إدخال العالم عصرا جديدًا هو العصر النووي.

Oppenheimer (2023) is Nolan at his most ruthlessly precise. Three hours that move with the momentum of a thriller, every scene sharpened to purpose. Not a wasted beat anywhere, just immaculate craft driving a story that never loosens its grip.
pic.twitter.com/CYwm8bU5MC https://t.co/cA33YqccJK — cinesthetic. (@TheCinesthetic) December 11, 2025
"الآن جاء دورك لمواجهة عواقب إنجازك"، جملة وردت في الفلم، قالها أينشتاين لزميله روبرت أوبنهايمر في واحد من أبرز المشاهد الختامية لـ"أوبنهايمر" الذي يحكي كيف أصبح الأخير "أبا" القنبلة الذرية في أربعينيات القرن الماضي من خلال ترؤسه مشروع الحكومة الأمريكية الذي أطلق عليه اسم "مشروع مانهاتن".

من هو روبرت أوبنهايمر؟
هو عالم فيزيائي يهودي أمريكي من أصول ألمانية، ولد عام 1904، وتوفي عام 1967. أشرف على مشروع إنتاج القنبلة النووية الأمريكية التي ألقيت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين (سمي مشروع "لوس ألاموس")، ولقب بألقاب عدة منها "أبو البرنامج النووي الأمريكي" و"أبو القنبلة الذرية".



المولد والنشأة
ولد جوليوس روبرت أوبنهايمر يوم 22 نيسان/أبريل 1904 بمدينة نيويورك الأميركية، ونشأ في كنف عائلة يهودية علمانية تنحدر من بلدة هاناو الألمانية، هاجرت أواخر القرن الـ19 إلى الولايات المتحدة وتبنت تقاليد سكانها وأفكارهم، كان والده جوليوس ثريا وتاجرا للنسيج والأقمشة، وعضوا في جمعية "الثقافة الأخلاقية"، أما والدته إيلا فريدمان فكانت رسامة مشهورة.

تزوج أوبنهايمر عام 1940 زميلته الناشطة في الحزب الشيوعي الأمريكي كاثرين كيتي بيونينغ، وجلب له هذا الزواج اتهامات بالعمالة مع ما كان يعرف آنذاك بالمعسكر الشيوعي، في إشارة إلى دول شيوعية كانت معادية للولايات المتحدة، وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي.



منذ صغره، كان روبرت أوبنهايمر عبقريًا، لكنه خجول يميل إلى العزلة، لم تكن دراسة الفيزياء ضمن أولوياته العلمية في بداية شبابه، جال بين اختصاصات عدة، بينها الأدب الإنجليزي والفرنسي والكيمياء والفلسفة اليونانية والهندوسية، ليستقر لاحقا في دراسة الفيزياء النووية التي قادته ليصبح "المكافئ الموضوعي للموت.. مدمر العوالم"، حسب تعبيره.

"أصبحت الموت.. أصبحت محطم العوالم".
منذ عام 1942، أشرف أوبنهايمر -الرجل الذي لا يستطيع إدارة محل همبرغر على حد قول الجنرال ليزلي غروفز- بكفاءة على مختبر لوس آلاموس الشديد السرية في صحراء نيو مكسيكو، ونفّذ تجربة ترينيتي "trinity" (الثالوث)، 

بينما كانت سحابة الفطر الهائلة ترتفع جراء إلقاء قنبلتي "الولد الصغير" و"الرجل البدين" الذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين يومي السادس والتاسع من آب/أغسطس 1945، لم يصدق أوبنهايمر وهو على بعد كيلومترات من نقطة التفجير، قوة التدمير الهائلة التي تولدت، يذكر لاحقا كيف انتابته أول وخزة ضمير، وبدأ يردد بعض العبارات من نص "بهاغافادا غيتا" الهندوسي: "الآن أصبحت الموت، أصبحت محطم العوالم".

بدا أول الأمر مبتهجًا بالإنجاز العلمي الأبرز في التاريخ، لكن في الأيام التالية يروي أصدقاؤه أنه أصبح شديد الاكتئاب، وكان يردد أحيانا بصوت عال: "هؤلاء الفقراء الصغار، هؤلاء الفقراء الصغار"، في إشارة إلى الضحايا اليابانيين والأهوال التي تسببت بها القنبلتان.

ارتباطات بالنووي الإسرائيلي
يعد روبرت أوبنهايمر من أوائل العلماء اليهود الذين هرولوا إلى دولة الاحتلال بعد إعلان تأسيسها عام 1948، للمشاركة في وضع اللبنات الأولى لبرنامجها النووي، وكشفت محاضر اجتماعات وزيارات وخطابات موثقة في مكتبة رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون وزعيم الصهيونية العالمية حاييم وايزمان أن أوبنهايمر دعم المشروع النووي الإسرائيلي، حتى قبل تأسيس إسرائيل إبان نكبة عام 1948.

ففي عام 1947، اجتمع مع ألبرت آينشتاين ووايزمان بمعهد الدراسات المتقدمة في برينستون بولاية نيوجيرسي الأمريكية، بهدف استكشاف إمكانية تطوير مفاعل نووي في إسرائيل قبل تأسيسها، لكن أوبنهايمر رأى صعوبة تحقيق ذلك.

وفي عام 1952، اجتمع مع بن غوريون لاستكشاف إدارة احتياطات إسرائيل من البلوتونيوم، وفي أيار/مايو 1958، شارك في افتتاح قسم الفيزياء النووية بمعهد وايزمان للعلوم في إسرائيل، وألقى خطابًا أشاد فيه بالمعهد وقال إنه "مركز مستقبلي للعلماء في أنحاء العالم".

وأثناء الزيارة اجتمع به بن غوريون وقال عنه "لمست لدى أوبنهايمر شرارة يهودية وجوهرا يهوديا أصيلا وتشجيعا على سعي إسرائيل للخيار النووي"، وبعدها بـ7 سنوات عاد إلى دولة الاحتلال لحضور اجتماع إدارة معهد وايزمان، الذي اختاره وقتئذ زميلًا فخريا وعضوا في مجلس إدارته.

زميلان مقربان برؤى مختلفة
في فيلم "أوبنهايمر"، يظهر أينشتاين في المرحلة الأخيرة من حياته، عندما كان يعمل هو وأوبنهايمر بمعهد برينستون للدراسات المتقدمة، حيث شغل الأخير منصب مدير المعهد بين عامي 1947 و1966، ورغم أن أينشتاين وأوبنهايمر كانا من أهم العلماء في ذلك الوقت، لكن كانت هناك اختلافات مهمة بينهما، فيما يتعلق بفهم كل منهما للفيزياء وبالطريقة التي كان يعتقد أحدهما أن باستطاعته خدمة العالم – أو إيذائه، وفي مؤتمر عقد في باريس عام 1965 بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لرحيل أينشتاين، قال أوبنهايمر: "لقد كنا زميلين مقربين وكنا إلى حد ما صديقين". وفق تقرير لشبكة "بي بي سي".



حياتان متوازيتان
عندما تخرج الشاب روبرت أوبنهايمر وتخصص في الفيزياء النظرية في عشرينيات القرن الماضي، كان أينشتاين قد فاز بالفعل بجائزة نوبل للفيزياء، كما كان شخصية مهمة في وسط العلم والعلماء، بفضل نظرية النسبية العامة التي صاغها عام 1915، وغيرها من الأعمال التي أثرت على عالم الفيزياء الأمريكي.

وسط الاضطهاد المتزايد لليهود في ألمانيا، غادر أينشتاين أوروبا واستقر في برينستون بولاية نيو جيرسي عام 1932، حيث واصل أبحاثه، وبعد عدة سنوات، وتحديدًا في آب/أغسطس عام 1939، وقع أينشتاين على خطاب موجه إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت، نبه فيه البيت الأبيض إلى أن ألمانيا قد تطور قنبلة ذرية نتيجة للتقدم العلمي الذي أحرزته تلك الدولة الأوروبية في مجال الانشطار النووي لليورانيوم، ويعتقد أن ذلك أدى إلى البَدْء في مشروع مانهاتن، والذي عينت الحكومة الأمريكية بموجبه أوبنهايمر رئيسًا له عام 1942، وكان حينها واحدًا من أبرز العلماء في ذلك المجال.

بسبب أصوله الألمانية.. استبعاد أينشتاين من المشروع
وفقا للعديد من المصادر، لم يتم إشراك أينشتاين، الذي كان يبلغ من العمر 64 عاما آنذاك، في المشروع بسبب أصوله الألمانية وأفكاره اليسارية، لكن المفاهيم المختلفة لنظريات الفيزياء بينه وبين أوبنهايمر كان لها أثر هي الآخرى على ذلك القرار.

يقول كل من كاي بيرد ومارتين جاي شِروين في كتابهما الذي يروي سيرة حياة أوبنهايمر: American Prometheus: The Triumph and Tragedy of J. Robert Oppenheimer (الذي يستند إليه فيلم كريستوفر نولان) إن عالم الفيزياء الأمريكي كان ينظر إلى أينشتاين بوصفه "قديسًا حيا راعيا للفيزياء، وليس كعالم منخرط في العمل والبحث".

هل شارك أينشتاين في ابتكار القنبلة النووية؟
مع بدء مشروع مانهاتن، يصور الفيلم أوبنهايمر كعالم تساوره شكوك بشأن مدى وحجم الأثر الذي قد يحدثه تفجير قنبلة ذرية كتلك التي كان يعكف على تطويرها، يذهب العالم الأمريكي لاستشارة أينشتاين، بيد أن ذلك لا يعدو كونه من نسج خيال المخرج، لأن تلك الحوارات التي تظهر في الفيلم لم تجر على أرض الواقع.

يشرح المخرج نولان في حوار مع صحيفة ذا نيويورك تايمز، قائلًا: "من بين الأشياء التي غيرتها هي أن أوبنهايمر لم يستشر أينشتاين في ذلك الأمر، بل استشار أرثر كرومبتون الذي كان يدير فرع مشروع مانهاتن بجامعة شيكاغو"، وأضاف نولان: "لكن أينشتاين هو الشخصية التي يعرفها الجمهور".

ومع عمل أوبنهايمر بين عامي 1943 و1945 في مختبر لوس ألاموس في ولاية نيو مكسيكو، على بعد آلاف الكيلومترات من برينستون، إلا أنه ليس واضحًا ما إذا كان الفيزيائي الأمريكي قد عقد أي اجتماعات أو مشاورات مع أينشتاين.

لكن في عام 1965، علق أوبنهايمر نفسه على مزاعم أن أينشتاين أسهم بطريقة ما في ابتكار سلاح الدمار الشامل ذاك، حيث قال في مؤتمر باريس الذي عقد في ذلك العام: "مزاعم أنه شارك في ابتكار القنبلة الذرية، في رأيي، خاطئة"، ويرى أوبنهايمر أن الخطاب الذي أُرسل في عام 1939 إلى الرئيس روزفلت للفت انتباهه إلى قدرات ألمانيا على تطوير قنبلة ذرية لم يكن له تأثير يذكر على الحكومة الأمريكية.

"مشكلة أخلاقية"
بعد الاختبار الناجح الذي أجري على أول قنبلة ذرية، واجه أوبنهايمر مشكلة أخلاقية تتمثل في استخدام أعماله في صنع سلاح دمار شامل، وليس فقط على سبيل التهديد، كما تبين من خلال تفجيري هيروشيما وناغازاكي عام 1945، حيث أدان العديد من العلماء، ومن بينهم أينشتاين وسيلارد وغيرهما  إلقاء قنابل ذرية على مدن يابانية، إذ اعتبروا أن البلاد كانت بالفعل قد هُزمت جزئيًا.

يحاول أوبنهايمر في فيلم نولان إقناع حكومة واشنطن بالحاجة إلى الحد من استخدام التقنية التي طورها، لكن السياسيين ينقلبون عليه ويثيرون علامات استفهام حول علاقته السابقة بالشيوعيين، ويعتبرون أنه يشكل خطورة على الأمن القومي، وهو ما يضطره إلى الإدلاء بشهادته أمام لجنة حكومية.

أينشتاين يصف أوبنهايمر .. "إنه أحمق"
يروي بيرد وشِروين في كتابهما أن أينشتاين أخبر أوبنهايمر بأنه "لا ينبغي أن يواجه حملة شرسه لأنه خدم بلاده بشكل جيد"، وفق محادثة كانت فيرنا هوبسون سكرتيرة عالم الفيزياء الأمريكي شاهدة عليها، وقال له أينشتاين: "إذا كانت هذه هي المكافئة التي تعرضها عليك الولايات المتحدة، ينبغي أن تدير ظهرك لها".

غير أن هوبسون زعم أن أوبنهايمر "كان يحب أمريكا"، وأن حبه لها كان "عميقًا كحبه للعلم"، وقال أوبنهايمر لهوبسون إن "أينشتاين لا يفهم ذلك"، كان العالم الحاصل على جائزة نوبل يرى أن أوبنهايمر لا ينبغي أن يتوقع الكثير من واشنطن، وقد أخبر سكرتيرته، مشيرًا إلى أوبنهايمر بإصبعه بعد تلك المحادثة: "إنه أحمق"، وفق بيرد وشِروين.

دعا لحظر استخدامه.. سلاح سيقتل الملايين في العالم
ومن منصبه في هيئة الطاقة الذرية، حذر من تطوير الأسلحة النووية، وقال إن "استخدامها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة"، وشجع على الرقابة الدولية على استخدام الطاقة النووية، ودعا إلى تقييد العمل بها، وحث أيضا الولايات المتحدة على تأجيل تجربتها الأولى للقنبلة الهيدروجينية، والسعي إلى حظر التجارب النووية الحرارية مع الاتحاد السوفياتي، لأن هذا السلاح سيؤدي إلى ملايين القتلى في العالم عند استخدامه، وبسبب عدم استجابة الولايات المتحدة لنداءاته ومضيها في مشروع القنبلة الهيدروجينية، انسحب أوبنهايمر من جميع مناصبه وتفرغ لإدارة معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برنستون.

مقالات مشابهة

  • أبو القنبلة النووية الأمريكية والإسرائيلية.. ماذا تعرف عن روبرت أوبنهايمر؟
  • طهران: إجراءات تعيين السفير الإيراني الجديد في لبنان جارية ونأمل أن تسير بشكل طبيعي
  • مفاوضات سرية بين الأهلي وديانج.. الاتفاق النهائي لم يحسم بعد
  • الدولار يقترب من 130 ألف تومان .. العملة الإيرانية تواصل تسجيل الأرقام القياسية
  • أجواء إيجابية تسود مفاوضات مسقط
  • منها اتساع العين .. كيف تقرأ الحالة النفسية للشخص من لغة الجسد؟
  • أفضل سورة تقرأ بعد صلاة الفجر .. اقضِ حاجتك بـ 83 آية
  • ما أسباب الانهيار غير المسبوق للعملة الإيرانية؟
  • 5 فرق تضمن «الملحق» في «يوروبا ليج»
  • روما يكتسح سيلتك بثلاثية نظيفة ويواصل التقدم في الدوري الأوروبي