جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-28@15:23:48 GMT

الكتاب الورقي.. حيٌّ يُرزق

تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT

الكتاب الورقي.. حيٌّ يُرزق

 

 

 

 

د. ذياب بن سالم العبري

 

ليس غريبًا أن يتجدد الإقبال سنويًا على معرض مسقط الدولي للكتاب، وأن نرى القاعات تغُص بأطفال وشباب وكهول، يتحركون بين الأرفف كما لو أنهم يتنقلون بين أبواب مدينة قديمة، يعرفونها جيدًا، ويحنّون إلى تفاصيلها، رغم كل ما توفره التطبيقات والمنصات الإلكترونية من خيارات قراءة رقمية.

الكتاب الورقي لا يُختزل في محتوى يُقرأ، بل هو أثرٌ ملموس، ونسقٌ بصريٌّ ونفسيٌّ ووجداني، يشكل حضورًا داخل البيت، والمجلس، والذاكرة. وهو في عُمان ليس مجرد سلعة ثقافية، بل جزءٌ من منظومة تربوية مُتجذرة، بدأت من ألواح المساجد، ونسخ المصاحف بخط اليد، ووصلت إلى مكتبات المدارس والمجالس الأهلية ومبادرات النشر الفردية.

صحيحٌ أن العالم يشهد تحولًا رقميًا كبيرًا، وأن الأجهزة الذكية اختزلت آلاف الكتب في راحة اليد، لكن ذلك لم يُلغِ حضور الورق، بل أعاد تعريف دوره في الحياة المعاصرة. فقد أظهرت دراسة نرويجية أن الطلبة الذين يقرؤون من الكتب الورقية يتمتعون بفهمٍ أعمق وقدرةٍ أعلى على تذكّر التفاصيل، مقارنة بمن يقرؤون النصوص نفسها عبر الشاشات.

الكاتبة العالمية مارجريت أتوود قالت ذات مرة: "الكتاب الورقي لا يحتاج إلى بطارية، ولا يتعطل، ولا يُغلق بسبب تحديث"، وهذه المقارنة البسيطة تختصر جانبًا مهمًا من ثبات الورق أمام تقلّب التقنية. بل إن بعض الجامعات الكبرى في العالم، مثل أوكسفورد وهارفارد، ما تزال تُلزم طلاب الدراسات العليا بالرجوع إلى المراجع الورقية في أبحاثهم، باعتبارها أوثق مصادر التوثيق العلمي.

أما محليًا، فإن المتتبع لحركة النشر في عُمان خلال السنوات الأخيرة، يدرك أن هناك وعيًا متزايدًا لدى الكتّاب والباحثين بأهمية الطباعة الورقية، ليس فقط لأجل النشر، ولكن لحفظ الحقوق، وتأصيل الفكرة، وترسيخ الذاكرة الوطنية. مبادرات كثيرة، بعضها أهلية وأخرى برعاية مؤسسات، صدرت كتبًا توثق التاريخ المحلي، وتحفظ الأمثال الشعبية، وتدوّن التجارب الشخصية والمجتمعية بأسلوب علمي وتربوي.

إنَّ الحفاظ على الكتاب الورقي لا يعني الوقوف في وجه التطور؛ بل يعني بناء جسر متين بين المعلومة والتأمل، بين الفكرة والإنسان، بعيدًا عن ضجيج المحتوى السريع؛ فالكتاب الورقي يُعلِّم الصبر، ويُؤنس الوحدة، ويُربي عادة التدرج في الفهم، ويمنح القارئ إحساسًا حقيقيًا بالانتماء للمعرفة.

واليوم، في ظل عالمٍ يفيض بالمحتوى العابر، والتطبيقات التي تُسابق الزمن، هل ما زلنا نملك الشجاعة لتخصيص وقتٍ لكتابٍ يُفتح، وتُشمّ رائحته، وتُقلّب صفحاته ببطء، لنحيا داخله لا خارجه؟

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الرقابة الإدارية تتابع ملف طباعة «الكتاب المدرسي» وتحذّر من التلاعب بالمستقبل التعليمي

ترأس رئيس هيئة الرقابة الإدارية، عبد الله قادربوه، اجتماعًا موسعًا بمقر الهيئة في طرابلس، بحضور وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون التربوية، ومدير عام مركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية، إلى جانب عدد من مديري الإدارات عن الجهتين، وذلك لمتابعة آخر مستجدات إجراءات طباعة الكتاب المدرسي للعام الدراسي 2025–2026.

وشدّد رئيس الهيئة خلال الاجتماع على ضرورة الالتزام الكامل بالملاحظات والتوجيهات الصادرة عن الهيئة فيما يخص التعاقدات مع الشركات المكلّفة بالطباعة، وضمان خضوعها لأحكام لائحة العقود الإدارية. وأشار إلى استبعاد عدد من الشركات المتقدمة نتيجة عدم استيفائها الشروط القانونية، ومنها ضعف رأس المال، ومخالفات تتعلق بإبرام عقود باطنية مع شركات أجنبية في تجاوز صريح للتشريعات النافذة.

وأكد قادربوه، أن الهيئة لن تتهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يثبت تورطه في استغلال عقود طباعة الكتاب المدرسي لتحقيق مكاسب غير مشروعة، مشددًا على أن المساس بالعملية التعليمية ومستقبل الأجيال خط أحمر لن يُسمح بتجاوزه، وأن الهدف هو ضمان تعليم نوعي في إطار من الشفافية والالتزام بالقانون.

مقالات مشابهة

  • افتتاح معرض الكتاب الدائم بمجمع البحوث الإسلامية بحضور وكيل الأزهر.. صور
  • الإعلام الرقمي.. بين سرعة النشر وغياب الدقة
  • أنشطة تثقيفية وورش فنية متنوعة للأطفال في لقاءات ثقافة الفيوم
  • محافظ ميسان يضع حجر الأساس لمشروعين حيويين بقطاعي الصحة والبلديات
  • محلل سياسي: داليا زيادة مصرية على الورق فقط.. وصلة مشبوهة تربطها بإسرائيل
  • الرقابة الإدارية تتابع ملف طباعة «الكتاب المدرسي» وتحذّر من التلاعب بالمستقبل التعليمي
  • المنتدى السعودي للإعلام يعقد ورشة عمل “من الفكرة إلى الأثر” ضمن استعداداته لإطلاق نسخة 2026
  • الهند تحتضن… ومجلاتنا تتعثّر!
  • راحت السكرة وجاءت الفكرة متأخرة
  • هيئة الكتاب تصدر السبنسة لسعد الدين وهبة