يمانيون../
تُثبت الوقائع، مرارًا وتكرارًا، أن العدوان الأمريكي على اليمن لم يكن يومًا مشروعًا عسكريًا عقلانيًا، بقدر ما هو تعبير صريح عن حالة هستيرية من الفشل المركب، الذي يتحوّل في كل مرة إلى نزعة انتقامية سوداء لا تستثني أحدًا: لا حيًّا ولا ميتًا، لا مسجدًا ولا سوقًا، ولا حتى مقبرة يأوي إليها جسد شهيد أو فقيرٌ منسيّ.

لقد أصبح واضحًا للعالم أن الإدارة الأمريكية، في ظل الهزائم المتتالية التي مُنيت بها منظومتها السياسية والعسكرية، لم تعد تملك سوى خيار الإرهاب المفتوح، عبر قصف الأسواق الشعبية والمرافق المدنية وحتى المقابر، في دلالة ساطعة على حالة التيه والتخبط، التي تعكسها ضربات عبثية فاقدة للبوصلة، ولأدنى المعايير الأخلاقية أو القانونية.

المقابر.. الوجه الأكثر انكشافًا للعدوان
إن استهداف طيران العدوان الأمريكي، خلال هذا الأسبوع، لمقبرتين في أمانة العاصمة صنعاء، وتدمير ما يزيد على 240 قبرًا، هو أكثر من مجرد اعتداء مادي. إنه إهانة متعمّدة لحرمة الموتى، ورسالة بالغة القسوة موجهة للأحياء: لا ملاذ لكم حتى في قبوركم.

وإذا كان منطق الحرب قد يبرر، زيفًا، استهداف مواقع يزعم العدو أنها عسكرية، فما هو التبرير لاستهداف قبور وساحات موتى؟ ما هو الذنب الذي اقترفه هؤلاء الراقدون في سلام، حتى تنهال عليهم القذائف الأمريكية؟! إنها الصورة العارية لحربٍ لا تستهدف الجيوش، بل تستهدف الذاكرة والكرامة والإنسان في عمقه الروحي.

إنه العدوان الذي بلغ من الدناءة أن يُطلق صواريخه على شواهد القبور، وكأنها منصات دفاعية، أو مخازن صواريخ خفية. إنها عقلية استعمارية عارية من أي ضمير، تعيد للأذهان مشاهد الغزاة الذين لا يكتفون بتدمير الحاضر، بل يحرصون على محو الماضي أيضًا.

الأسواق.. موضع الرزق والرزينة تحت نيران الحقد
ولم يكتفِ العدوان الأمريكي بهذه البشاعة، بل امتد إرهابه إلى أحد الأسواق الشعبية في حي فروة، حيث سقط عشرات الضحايا بين شهيد وجريح، في مجزرة جديدة تضاف إلى سجل واشنطن الأسود. ومثل هذه الأسواق، ليست سوى تجمعات بشرية متواضعة، يذهب إليها البسطاء يوميًا لقضاء حاجاتهم، وشراء ما يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة.

فماذا تريد واشنطن من هذه السوق؟ أكانت ترى فيه ثكنةً عسكرية؟! أكان الباعة المتجولون هدفًا مشروعًا لطيرانها الحربي؟! لا تفسير منطقيًا سوى أنها سياسة العقاب الجماعي، التي دأبت أمريكا على استخدامها حين تفشل في المواجهة المباشرة مع القوى الحرة.

الفشل العسكري الأمريكي… حين يصبح القتل هو التعبير الوحيد
لا يحتاج المرء إلى كثير من التمحيص ليُدرك أن العدوان الأمريكي يعاني من فشل ذريع على المستوى الاستراتيجي. فبعد أشهر من التصعيد المباشر، لم تحقق واشنطن أي من أهدافها المعلنة أو الخفية. لم تُوقف العمليات اليمنية النوعية في البحر الأحمر، ولم تثنِ صنعاء عن موقفها الثابت من دعم غزة، ولم تنجح في ترهيب الشعب اليمني رغم القصف والتدمير.

ولهذا، فإن العدوان الأمريكي أخذ يتحول تدريجيًا من مشروع عسكري إلى عملية انتقام عشوائي، يحاول من خلاله الاحتلال الأمريكي تغطية عجزه بإشعال الحرائق في أي مكان، حتى لو كان مقبرة أو سوقًا شعبيًا. وهو ما أكّده رئيس المجلس السياسي الأعلى، اللواء الركن مهدي المشاط، الذي شدد على أن هذا العدوان، ورغم همجيته، لم يُحدث أثرًا يُذكر في قدرات اليمن العسكرية، التي ما تزال على أتم الجهوزية والاستعداد.

الإعلام الأمريكي… شريك في الجريمة
وفي خضم هذا الجنون العسكري، يأتي دور الإعلام الأمريكي والغربي بوصفه شريكًا مباشرًا في الجريمة. إذ يسعى، كما هي عادته، إلى تزييف الحقائق، وتبرير الجرائم، بل واختلاق سرديات عبثية عن “أهداف عسكرية” في المقابر والأسواق.

وهذا النوع من التبرير يعكس أحد أخطر أوجه العدوان: ليس فقط إسقاط القنابل، بل إسقاط الأخلاق والمعايير الإنسانية. منابر إعلامية تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، تتحوّل إلى أدوات دعاية للقتل، تواكب كل غارة ببيان رسمي يُجمّل الجريمة، ويحاول تغليفها بغلاف “الدفاع المشروع” أو “الردع الوقائي”، متناسية أن المستهدف هذه المرة، هو جثمان راقد في قبر، أو أم تشتري الخبز لطفلها.

لماذا يُستهدف اليمن؟
إن السؤال الكبير الذي يجب أن يُطرح بإلحاح هو: لماذا يستهدف العدوان الأمريكي اليمن بهذه الضراوة؟ والإجابة تخرج من جوف المعركة ذاتها: لأن اليمن خرج عن النص الأمريكي، وتجرأ على الوقوف في خندق المقاومة، ورفض أن يكون تابعًا للبيت الأبيض أو عواصم التطبيع.

ولأن اليمن، بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، قد أعلنها بوضوح: “لن نقف مكتوفي الأيدي إزاء ما يتعرض له شعبنا في فلسطين”، فقد تحولت صنعاء إلى هدف مباشر لهذا العدوان، تمامًا كما كانت غزة هدفًا دائمًا للعدو الصهيوني.

نصرٌ يقترب… وعدالة لا تموت
إن استهداف المقابر والأسواق، وإن بدا في لحظته فعلًا جبانًا وعدوانيًا، إلا أنه يكشف حجم الارتباك الأمريكي، وقُرب نهاية مشروعه في المنطقة. فالذين يقصفون القبور لا يملكون مشروعًا للحياة، بل يعترفون ضمنيًا بفشلهم الكامل في معركة الإرادات.

وها هو الشعب اليمني، رغم كل هذا القصف، يزداد صلابة. وها هي القوات المسلحة اليمنية، رغم الاستهداف، تزداد ثباتًا ورباطة جأش، وتؤكد أن الرد لن يتأخر، وأن الثمن سيكون مكلفًا للعدوان. فالصبر اليمني ليس إذعانًا، بل استعداد للضربة الأشد، في الزمان والمكان المناسبين.

أما أبواق الإعلام الغربي، فلن تنفع واشنطن في التملص من جرائمها. فالتاريخ لا ينسى، والكاميرات لم تعد تحتكرها شبكات الغرب، بل بات صوت الشعوب اليوم أقوى وأوضح. وإن غابت العدالة اليوم، فلن تغيب غدًا. فجرائم أمريكا في اليمن، كما في فلسطين، مسجلة في ذاكرة الأرض، ولن تمر دون حساب.

الخاتمة
العدوان الأمريكي على اليمن، وقد بلغ إلى استهداف المقابر والأسواق، يضع نفسه في موقع لا يُحسد عليه أخلاقيًا وإنسانيًا. إنها حربٌ لم تعد تملك هدفًا عسكريًا، بل صارت مجرد غريزة انتقام مفضوحة، يُديرها جنرالات فقدوا عقولهم أمام صلابة اليمنيين، وإصرارهم على النصر.

لكن، أليس الصبح بقريب أيها المجرمون؟!
بلى، إن النصر آتٍ، ما دام في اليمن رجال، ومادام في صنعاء قائد يرفع راية الكرامة، ويُمهّد الطريق لمستقبل تتحرر فيه الأرض من دنس الاحتلال… الأمريكي منه والصهيوني سواء.

السياسية – صلاح المقداد

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: العدوان الأمریکی

إقرأ أيضاً:

تصاعد التضامن ’’العالمي’’ مع غزة تنديداً بجرائم الإبادة الصهيونية بحق الأطفال والنساء .. اليمن نموذجًا للموقف المشرّف

يمانيون /

يشهد العالم موجةً غير مسبوقة من التضامن مع الشعب الفلسطيني، ولا سيما في قطاع غزة، في ظل استمرار العدوان الصهيوني الوحشي الذي لم يفرّق بين مدني ومقاتل، وارتكب جرائم إبادة مروّعة بحق الأطفال والنساء. هذا التضامن شمل احتجاجات شعبية واسعة، بيانات شجب من منظمات حقوقية، وتحركات قانونية دولية متزايدة. وسط هذا المشهد، يبرز الموقف اليمني كأحد أكثر المواقف دعمًا ووضوحًا في الانتصار للقضية الفلسطينية، متجاوزًا ما قدمته العديد من الدول والشعوب الأخرى.

الجرائم الصهيونية ضد الأطفال والنساء في غزة
منذ بداية العدوان في أكتوبر 2023، وثّقت تقارير حقوقية أعدادًا صادمة للضحايا المدنيين في قطاع غزة، حيث أفاد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن أكثر من 14,000 طفل وامرأة استشهدوا جراء القصف الإسرائيلي هذه الإحصائية مسجلة حتى أبريل 2024 فقط .
كما أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش استخدام إسرائيل لأسلحة متفجرة ثقيلة في مناطق مكتظة بالسكان، ما أدى إلى تدمير عشرات المدارس والمستشفيات، ووصفت هذه الممارسات بأنها “جرائم حرب”
في تقرير آخر نشرته منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children)، تم توثيق معاناة أكثر من 1.1 مليون طفل في غزة من آثار الصدمة النفسية، والجوع، والتشريد القسري.

التضامن العالمي: بين الغضب الشعبي والتخاذل الرسمي
شهدت العواصم العالمية مظاهرات ضخمة رفضًا للعدوان على غزة. ففي لندن وحدها، خرجت مظاهرات عدة تجاوز عدد المشاركين فيها مئات الآلاف ، وفي الولايات المتحدة، وثّقت شبكة CNN خروج احتجاجات طلابية داخل أكثر من 60 جامعة أمريكية ضد دعم واشنطن لكيان الاحتلال الصهيون ، ورفعت شعارات تطالب بوقف تمويل الحرب وفرض العقوبات على الاحتلال ، وتوالت الاحتجاجات والتنديدات الغاضبة ضد كيان العدو ودعماً لغزة في عدد من الدول الغربية ..
وفي المقابل، جاءت مواقف العديد من الحكومات الغربية والعربية ضعيفة، واكتفت بعضها بدعوات عامة إلى “التهدئة” دون أي خطوات ملموسة، وسط استمرار شحنات السلاح المرسلة للعدو الإسرائيلي من الولايات المتحدة وألمانيا.

الموقف اليمني: صوت مقاوم لا يُشترى 
في مشهد يختلف عن الغالبية، برز اليمن كأكثر الدول العربية وضوحًا في دعم فلسطين، لا سيما من العاصمة صنعاء التي تشهد مليونيات شعبية ضخمة أسبوعيًا منذ بداية العدوان.

 تميز الموقف اليمني:
توثق وسائل الإعلام المحلية والدولية الصورة الأسبوعية للدعم الشعبي العارم بخروج الملايين في صنعاء وكل المحافظات يرفعون شعارات التحدي للعدو الصهيوني ، متوجاً بموقف القيادة السياسية الحازم الذي عبر عنه  رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط  في خطابه التاريخي في العام ’’2024’’ الثاني والعشرون من فبراير بقوله : أن “فلسطين هي قضية الأمة المركزية، والرد قادم في الوقت المناسب”،لتعلن بعده القوات المسلحة اليمنية تنفيذ ضربات بحرية بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية على سفن إسرائيلية وأمريكية في البحر الأحمر، دعمًا لغزة  وهو موقف يؤكد الربط بين المعركة في اليمن وغزة ، وهو موقف أكده السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله في خطابه التاريخي في السابع عشر من مارس 2024م بقوله : أن المعركة ضد التحالف السعودي-الأمريكي هي امتداد للصراع ضد الهيمنة الصهيونية. 

خاتمة
كشف العدوان الصهيوني على غزة نفاق الأنظمة العالمية التي تتشدق بحقوق الإنسان، وأظهر في المقابل مواقف مشرفة لشعوب حرة، وعلى رأسها الشعب اليمني. لقد أثبت اليمن، رغم ظروفه الصعبة، أن الانحياز للحق لا يحتاج إلى إمكانيات بل إلى إرادة وكرامة.
وبينما تسكت أنظمة كبرى أمام جرائم إبادة جماعية موثقة، يخرج صوت اليمن عاليًا: “لن تكون فلسطين وحدها أبدًا”.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية يؤكد لـ «مبعوث الرئيس الأمريكي» الأهمية البالغة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة
  • انتهى الوقت الذي تقول فيه “أنا آسف” وتذهب… قوانين جديدة في تركيا تُلزم سائقي السكوتر بتحمّل المسؤولية
  • الحوثيون يهددون بالرد على دول في المنطقة في حال تورطها مع إسرائيل بإستهداف اليمن
  • برعاية سعودية وإماراتية .. عصابات الارتزاق تنهب تاريخ اليمن وتغتال موروثه الحضاري
  • المشاط: أنباء سارة قريباً بشأن الطائرات الصهيونية المشاركة في العدوان على اليمن
  • قفزا من الطابق الخامس… ما الذي اشتعل داخل مركز تجاري في أضنة؟
  • تحرير 200 محضر لمخالفات بالمخابز والأسواق في حملات تموينية ببني سويف
  • تكلفة الغموض الأمريكي في اليمن
  • تصاعد التضامن ’’العالمي’’ مع غزة تنديداً بجرائم الإبادة الصهيونية بحق الأطفال والنساء .. اليمن نموذجًا للموقف المشرّف
  • قبور مسكونة بالسحر.. ما الذي يُدفن مع الموتى في الجزائر( فيديو)