فورين بوليسي: أمريكا ستفتقد بشدة زمن الوصاية والنفوذ على أوروبا
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
واجه دعاة الدفاع الأوروبي المشترك رحلة صعبة على مدار العقود الماضية؛ سعيا لامتلاك القدرة على العمل المستقل، وتوفير الأمن للقارة العجوز، مع الاستجابة للأزمات الدولية المختلفة .
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن أهمية هذا الملف زادت مؤخرا مع قناعة الدول الأوروبية بأن الولايات المتحدة لم تعد تريد تقديم أي تمويل لتوفير الأمن للقارة الأوروبية لاسيما في ظل الأزمة الأوكرانية الراهنة.
وترى المجلة الأمريكية أن المصاعب الحالية في العلاقات الأمريكية الأوروبية ليست سوى البداية، متساءلة: ماذا سيحدث إذا لم يكتف البيت الأبيض بالانسحاب من دعم أوكرانيا، بل اعتبر الغزو الروسي القادم لأوروبا (وفقا للمجلة) مجرد "مناوشة حدودية" لا تستحق التدخل الأمريكي؟ والأسوأ من ذلك، ماذا لو عارض البيت الأبيض المتحالف (حينها) مع روسيا بشدة أي تدخل أوروبي لمساعدة الدولة التي غزتها؟ بمعنى تعطيل واشنطن لاستخدام أي أسلحة بها تكنولوجيا أمريكية متقدمة، ومنع الوصول إلى الأقمار الصناعية وغيرها من البنى التحتية الحيوية، وغلق مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن أوروبا واستشعارا منها بخطورة الوضع، بدأت تخطو خطوات جادة وإحداث إنفراجة حقيقية في المحادثات بشأن اتفاقية دفاع وأمن جديدة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، والتي ستنهي أزمة استمرت تسع سنوات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث من المرجح توقيع هذه الاتفاقية في مايو المقبل. كما أن الدول الأعضاء الكبرى في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا، أصبحت الآن أكثر استعدادا لرؤية المفوضية الأوروبية - بقيادة وزيرة الدفاع الألمانية السابقة أورسولا فون دير لاين - تتولى زمام المبادرة.
وأوضحت المجلة أن أوروبا تشعر بأن عمليات بيع الأسلحة أمريكية الصنع أو أي نوع من الأنظمة عالية التقنية في أوروبا تمر بوقت عصيب، خاصة وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفكر فعليا بشأن تقييد ميزات طائرات الجيل السادس المقاتلة الجديدة من طراز F-47 المباعة للحلفاء، قائلا: "نود تخفيفها بنسبة 10% تقريبا، وهو أمر منطقي على الأرجح لأنهم قد لا يصبحون حلفاءنا يوما ما، أليس كذلك؟"
وبينت المجلة أن التوجهات الأمريكية الأخيرة دفعت دولا أوروبية وحلفاء لواشنطن لإعادة التفكير بشأن صفقات الأسلحة الأمريكية. فعلى سبيل المثال، أفادت تقارير أن البرتغال وكندا تدرسان إلغاء جزءا من صفقة شراء مقاتلات "الشبح إف-35 لايتنينج 2" من شركة لوكهيد مارتن. كما تراجعت إيطاليا عن صفقة الاستحواذ على ستارلينك بعد حجب إيلون ماسك خدمة الأقمار الصناعية عن أوكرانيا، فيما يناقش الدانماركيون ما إذا كانت تهديدات ترامب لجرينلاند تعني أن عليهم اختيار نظام الدفاع الجوي الفرنسي الإيطالي "سامب/تي إن جي" بدلا من صواريخ باتريوت الأمريكية، وذلك قبيل توقيع عقد بهذا الشأن في وقت لاحق من هذا العام .
ولفتت " فورين بوليسي" إلى أن خطط إنشاء أداة مالية أوروبية رئيسية لتمويل الدفاع تتقدم هي الأخرى حاليا، حيث سيتم بموجبها تمويل العقود مع مصنعي الأسلحة الأوروبيين فقط، وهو الأمر الذي لن يُكلف الولايات المتحدة وظائف وأرباحا وضرائب فحسب، بل سيقوض نفوذها في أوروبا أيضا.
ونبهت المجلة إلى تضرر مجال آخر من مجالات النفوذ الأمريكي في أوروبا جراء التطورات الأخيرة، وهو تبادل المعلومات الاستخباراتية. فعلى مدى عقود، منحت القدرات الهائلة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ووكالة استخبارات الدفاع، ووكالة الأمن القومي، وغيرها من الوكالات، الجانب الأمريكي اليد العليا في علاقاته مع نظرائه الأوروبيين. وقد ساعدت معلومات من الجانب الأمريكي دولا مثل ألمانيا وإستونيا في القبض على جواسيس روس. وفي المقابل، كانت الوكالات الأوروبية سعيدة بالمساعدة في أي قدرات متخصصة قد تكون مفيدة.
ولكن حاليا لم يعد الأمر كذلك فكبار مسؤولي الاستخبارات الأوروبيون يفكرون الآن مرتين قبل مشاركة أدق المعلومات مع نظرائهم الأمريكيين، خشية من تقلبات الإدارة الأمريكية. فعلى سبيل المثال، توقفت عمليات تبادل المعلومات الاستخباراتية الأمريكية مع أوكرانيا لمعاقبة حكومة كييف على ترددها في الالتزام بخطط وقف إطلاق النار الأمريكية .
وعن فرص الاعتماد الأوروبي على الذات حاليا، ترى "فورين بوليسي" أن عملية الانتقال ستكون فوضوية، حيث لا تزال أوروبا تعاني من نقص حاد في القوات والدبابات والمدفعية والذخائر واللوجستيات ووسائل المراقبة وغيرها من الأصول اللازمة لدفاع تقليدي قوي؛ كما تفتقر إلى القوة الجوية والأسلحة بعيدة المدى اللازمة للردع التقليدي الفعال. لذا، فإن توفير قوة طمأنة حتى ولو كانت متواضعة في أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار يبدو ضربا من الخيال بدون الدعم اللوجستي الأمريكي وغيره.
وتؤكد المجلة الأمريكية أنه رغم هذه الصعوبات، إلا أن المسار واضح، فكلما زاد ترامب من إعلانه "أمريكا أولا"، كلما سمع الأوروبيون عبارة "لا أحد يستطيع"، وكلما اندفعوا بعيدا عن حطام تحالف اعتبروه على سبيل الخطأ أمرا مفروغا منه. وأن كل خطوة أمريكية في هذا الاتجاه تزيد من نفوذ أوروبا وتضعف نفوذ الولايات المتحدة.
وخلصت المجلة إلى أن الأمور تسير حاليا في اتجاه ينتهي بالولايات المتحدة إلى ما طالما رغبت في تجنبه، وهو: أوروبا ماكرة ومتنامية القوة ومستقلة في التفكير، فيما لن يكون من المبالغة حينها بناء نصب تذكاري لترامب في وسط بروكسل، ليُضاف إلى مؤسسي الوحدة الأوروبية أمثال جان مونيه، وروبرت شومان، وسيمون ويل؛ وذلك لدوره في دفع أوروبا لتجاوز خلافاتها والوحدة.
وربما لن يكون هذا الأمر سيئا تماما حسب المتصور، حيث قد يكون الكيان الجديد (أوروبا قوية وموحدة) شريكا كفؤا وفعالا للإدارات الأمريكية المستقبلية في التعامل مع الصين، ومكافحة تغير المناخ، وغيرها. لكنه سيكون أقرب إلى شراكة بين أنداد، بمعنى أن الأوروبيين سيكون لهم أفكارهم وأولوياتهم الخاصة في قضايا أخرى مثل الإدارة المالية العالمية، والصراع في الشرق الأوسط، والقانون الدولي. لذا، فإن الأمريكيين سيتفقدون بلا شك لعصر الوصاية على أوروبا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: أوروبا الدفاع روسيا الاتحاد الأوروبی فورین بولیسی
إقرأ أيضاً:
في ظل تصاعد التوتر مع روسيا: الناتو والاتحاد الأوروبي يسرّعان بناء جدار المسيرات ويوسعان دعم كييف
وزراء دفاع الناتو يجتمعون في بروكسل لمناقشة تحسين الدفاع ضد الطائرات المسيّرة الروسية، مع خطة لإنشاء "جدار مسيرات". اعلان
اجتمع وزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل يوم الأربعاء لمناقشة تعزيز الرد على التهديدات الجديدة، بعد سلسلة اختراقات جوية روسية للأجواء الأوروبية. وركز الاجتماع على استراتيجية مواجهة الطائرات المسيّرة وتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا، في ظل التوتر الأمني في المنطقة.
"جدار المسيرات" لحماية الدول الأعضاءأعلن الأمين العام للناتو، مارك روته، أن الحلف والاتحاد الأوروبي يعملان معًا على إنشاء ما يعرف بـ"جدار المسيرات" لحماية الدول الأعضاء من اختراق الطائرات المسيّرة. وأوضح أن الناتو سيوفر القدرات العسكرية، بينما يمتلك الاتحاد الأوروبي النفوذ الاقتصادي والتمويل اللازم، بما في ذلك ضمان توفر الموارد ضمن السوق الداخلية الأوروبية.
وقال روته إن دول الحلف تعهدت بالفعل بتقديم ملياري يورو ضمن برنامج المشتريات الدفاعية الموجّهة لأوكرانيا، مؤكداً أن الهدف هو استمرار الدعم العسكري لكييف عند مستويات مماثلة للعام الماضي، وضمان بقائها في المعركة "بأقوى شكل ممكن".
وسائل "أكثر كفاءة" لإسقاط الطائرات المسيّرةشدّد وزير الدفاع الهولندي روبن بريكلمانز على ضرورة إيجاد وسيلة "أكثر كفاءة" للتعامل مع الطائرات المسيّرة بدلاً من الاعتماد على مقاتلات F-35 المكلفة.
وأوضح أن هولندا ستخصص 90 مليون يورو لتزويد أوكرانيا بطائرات مسيرة، ودعا باقي الدول الأعضاء إلى زيادة مساهماتها ضمن "قائمة المتطلبات الأوكرانية ذات الأولوية".
Related وسط اتهامات بانتهاكات بحق الأسرى والمعتقلين.. روسيا تنسحب من معاهدة منع التعذيب الأوروبيةأوروبا تتحصّن: قمة كوبنهاغن تبحث إنشاء "جدار مسيّرات" لمواجهة روسياالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تلزم روسيا بدفع 253 مليون يورو لجورجياوأضاف بريكلمانز أن الابتكار في أساليب إسقاط الطائرات المسيّرة أصبح أمرًا حيويًا بعد الاختراقات الأخيرة للأجواء البولندية والإستونية، والتي اعتبرها عدة "إنذارًا حقيقيًا لقدرة روسيا على اختبار حدود دفاعات الحلف".
تشديد المراقبة على الحدود الشرقيةفي رد فعل سريع على هذه التطورات، أطلق الناتو عملية "الحارس الشرقي" لتقوية المراقبة على الحدود الشرقية للحلف. وتستهدف العملية تكثيف القدرات الدفاعية للحلف ضد الطائرات المسيّرة والهجمات المحتملة على البنية التحتية الحيوية في الدول الأعضاء.
وأكد وزراء الدفاع أن هذه الخطوات تهدف إلى ضمان قدرة الحلف على اتخاذ إجراءات عاجلة ومرنة، وتخفيف القيود التي تحد أحيانًا من رد الفعل السريع بسبب تعدد أنظمة الدفاع والقواعد المعقدة في الدول الأعضاء.
دعم أوكرانيا.. التمويل والأسلحة ذات الأولويةخلال الاجتماع، التقى وزراء الدفاع بنظيرهم الأوكراني دينيس شميغال لمناقشة الدعم العسكري، بما في ذلك مبادرة أمريكية تتيح لكييف شراء أسلحة أمريكية بتمويل أوروبي. وقال السفير الأمريكي لدى الناتو، ماثيو ويتاكر، إن البرنامج "حيوي" ويجب تكثيف الجهود لضمان قدرة أوكرانيا على مواجهة موسكو.
وتلقت كييف دفعتين من المساعدات بقيمة نحو ملياري دولار، بدعم من هولندا ودول اسكندنافية، فيما تعهدت ألمانيا وكندا بتمويل دفعتين إضافيتين بقيمة 500 مليون دولار لكل منهما.
كما أكد وزراء الدفاع الأوروبيون أهمية مساهمة كل دولة بنصيبها العادل من الدعم العسكري لأوكرانيا، في وقت يدرس الرئيس دونالد ترامب إمكانية تزويد كييف بعدد أكبر من صواريخ توماهوك بعيدة المدى.
روسيا تواجه ضغوطا متزايدةأشار وزير الدفاع الفنلندي إلى أن روسيا استنزفت جزءًا كبيرًا من مواردها العسكرية وأصبحت أكثر اعتمادًا على الصين. من جانبه، قال وزير الدفاع الإستوني إن بلاده ستساهم في الحزمة الرابعة من الأسلحة ذات الأولوية لأوكرانيا، مع ملاحظة "تراجع المساعدات العسكرية المقدمة مؤخرًا".
وقال وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث إن الحلف "يتعلم تطبيق السلام من خلال القوة"، في إشارة إلى النهج الذي يتبعه الرئيس دونالد ترامب في دعم أوكرانيا وتقوية الردع ضد موسكو.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة