البلاد – رام الله
بينما يحتفل الكوكب في الثالث من مايو كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، ويُكرّم أصحاب الكلمة الحرة بصفتهم حماة الحقيقة، كانت شوارع غزة شاهدو على إراقة دماء الصحافيين، ومكاتبهم مدمرة، وكاميراتهم مكسورة تحت الركام. ففي وقتٍ يُفترض أن يُصان فيه القلم، اختارت آلة الحرب الإسرائيلية أن تُسكت الصوت الفلسطيني بإبادة منهجية للصحافة والصحافيين، في واحدة من أفظع الجرائم ضد الإعلام المعاصر.


210 شهيدًا من الصحافيين والصحافيات قضوا نحبهم خلال قرابة 19 شهرًا من العدوان الإسرائيلي، فيما أُصيب 409 آخرون، بعضهم فقد أطرافه، وجميعهم فقدوا الإحساس بالأمان. لم ينجُ حتى ذووهم، إذ قُتلت عائلات بكاملها، ودُفنت معهم الكاميرات والأقلام تحت أنقاض المنازل المستهدفة.
الاستهداف لم يتوقف عند الإنسان، بل طاول البنية التحتية الإعلامية بشكل شامل. فقد دُمّرت 143 مؤسسة إعلامية في غزة وحدها، منها 12 صحيفة ورقية، و23 صحيفة إلكترونية، و11 إذاعة، و4 قنوات فضائية، إلى جانب مقرات 12 فضائية عربية ودولية، وسط خسائر تتجاوز 400 مليون دولار. كما دُمّرت 44 منزلًا لصحافيين، وقُتل 21 ناشطًا إعلاميًا على منصات التواصل. وعلى الأرض، تم اعتقال 177 صحافيًا منذ السابع من أكتوبر، لا يزال 55 منهم في سجون الاحتلال، يتعرض كثيرون منهم للتعذيب والإهانة.
ورغم كل ذلك، لم تنطفئ شرارة الحقيقة. الصحافيون الفلسطينيون ما زالوا هناك، في الميدان، تحت النار، ينقلون بالصوت والصورة وجع الناس، ويواجهون القصف بالكاميرا، والعتمة بالميكروفون، والموت بالكلمة. هم لا يسكنون مكاتب محصّنة، بل يتنقلون بين الركام والمقابر الجماعية، يبحثون عن جملة تُنقذ ذاكرة شعب، أو صورة تُدين جلادًا.
هذه الانتهاكات التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، تُعد خرقًا فاضحًا لكل المواثيق الدولية. فبموجب القانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف، يُصنف الصحافي كمدني يجب أن يتمتع بالحماية التامة أثناء النزاعات. أما استهدافهم المتعمد، فهو انتهاك صارخ لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويستلزم تحركًا دوليًا عاجلًا لمحاسبة المرتكبين.
في ظل هذه المأساة، يحلّ اليوم العالمي لحرية الصحافة كتاريخ موجِع لا مُفرح. فقد تقرر هذا اليوم في الثالث من مايو من كل عام، تخليدًا لإعلان “ويندهوك” الصادر عام 1991 عن صحافيين أفارقة طالبوا بإعلام “حر، مستقل، وتعددي”، في وجه الرقابة والقمع. وتبنّت الأمم المتحدة هذا التاريخ عام 1993، ليُصبح مناسبة دولية لتكريم الصحافة، وتذكير العالم بأن لا حرية بلا إعلام حر، وأن الكلمة الصادقة ليست رفاهية، بل حقٌّ وضرورة.
لكن في غزة، الكلمة لا تجد احتفاء، بل يُطلق عليها النار. فهناك، لا يحمل الصحافي الكاميرا فقط، بل يحمل الحقيقة. لا يكتب ليُعجب، بل ليُبلّغ، ويُعرّي، ويصرخ من تحت الحصار بأن هناك شعبًا يُباد، وقضية تُغتال، وعدالة تُدفن.
إن ما يتعرض له الصحافيون في فلسطين ليس استهدافًا فرديًا، بل سياسة ممنهجة لكتم الصوت الفلسطيني، ومحو الذاكرة الجماعية، وتغييب الشهود عن الجريمة. والصمت العالمي أمام هذه المذابح الإعلامية هو مشاركة في الجريمة بصيغة الصمت.
في زمنٍ تُحتفى فيه الكلمة، يُقتل أصحابها في غزة، ويُدفنون مع الحقيقة. في اليوم العالمي لحرية الصحافة، لا نملك إلا أن نُحيّي أرواح الذين ارتقوا وهم يحملون الكاميرا والقلم، ونشدّ على أيادي من بقوا يُصارعون الموت لينقلوا الحياة. هذا النزيف لن يُنسى، وهذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، وهذه الأرض ستكتب بدم صحافيّيها تاريخًا لا يُزوّر.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: الیوم العالمی لحریة الصحافة

إقرأ أيضاً:

ترامب ووسائل الإعلام.. حرب قانونية تهدد حرية الصحافة في أميركا

البوابة -في بلد يتغنّى بديمقراطيته، يشنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما سمّته بعض الأوساط الإعلامية الأمريكية "حربًا قانونية" على عدد من المنابر الإعلامية البارزة، على رأسها محطة "سي إن إن".

ولم يكتفِ ترامب بالسخرية من الصحفيين والمراسلين، بل بات يستعمل أدوات حكومية لترهيب وسائل الإعلام التي تنشر أخبارًا وقصصًا لا تروقه، ووصفت تلك الخطوة بأنها "دنيئة في بلد حر يتمتع بحرية الصحافة".

"سي إن إن" لم تسلم

تأتي هذه التهم ضد ترامب، بعد عزم إدارته على مقاضاة قناة "سي إن إن" لنشرها تقريرًا عن تطبيق رقمي يُسمّى "آيسبلوك" يتيح للمستخدمين تحديد المواقع التي رُصدت فيها تحرّكات وكلاء إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك.

في المقابل، ردّت الصحيفة بالقول إن سلوك الحكومة في هذه الحالة غير قانوني، لأن شبكة "سي إن إن" لا تدير تطبيق "آيسبلوك"، ونشرت فقط تقريرًا عن وجوده واستعماله في أوساط المهاجرين غير النظاميين لتجنّب وكلاء إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك.

كما لوّحت إدارة ترامب بمقاضاة صحفيي "سي إن إن" على خلفية تغطية الضربات الجوية الأميركية لمنشآت نووية في إيران، وقال ترامب إنهم "قد يُحاكمون أيضًا لتقديمهم تقارير كاذبة عن الهجوم في إيران"، وأصرّ مجددًا على أن تلك المنشآت "دُمّرت".

وخلصت الصحيفة إلى أن هذه الوقائع تُعتبر سابقة مقلقة تُؤشّر لانحدار الثقافة السياسية أكثر فأكثر نحو حرب قانونية.

المصدر: وول ستريت جورنال

كلمات دالة:ترامب ووسائل الإعلام:أمريكاصحافةترامب

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

رولا أبو رمان

عملت رولا أبو رمان في قسم الاتصال والتواصل لدى جمعية جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي، ثم انتقلت إلى العمل كصحفية في موقع "نخبة بوست"، حيث تخصصت في إعداد التقارير والمقالات وإنتاج الفيديوهات الصحفية. كما تولت مسؤولية إدارة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي.

انضمت رولا لاحقًا إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" كمحررة وناشرة أخبار على الموقع وسوشال ميديا، موظفة في ذلك ما لديها من مهارات في التعليق...

الأحدثترند ترامب ووسائل الإعلام.. حرب قانونية تهدد حرية الصحافة في أميركا رئيس الوزراء الإثيوبي يعلن إنجاز العمل في سد النهضة ضربة قاتلة للقيادة الروسية.. نائب قائد الأسطول الروسي يسقط بهجوم أوكراني مباغت فضيحة احتيال غير مسبوقة تهز الرعاية الصحية الأميركي حزب الله يرفض الضغوط: لا تسليم للسلاح ولا مساومة على الأرض Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • نقل ودفن (3800) جثة في الخرطوم حتى الآن
  • الأغذية العالمي» يحذِّر من خطر المجاعة في غزة
  • وزارة البيئة تنظم فعاليات توعوية بمناسبة اليوم العالمي للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية
  • تغيرات البحر المتوسط تثير الجدل .. خبير مناخ يوضح الحقيقة|فيديو
  • نقابة الصحافة حددت عطلة الصحف لمناسبة ذكرى عاشوراء
  • مجلس الحكومة يصادق على مشاريع قوانين الصحافة رغم انتقادها 
  • النصيرات 274.. وثائقي يكشف تفاصيل جديدة لمجزرة ارتكبت بوضح النهار
  • المُقرّرة الأممية لحقوق الإنسان في فلسطين: حان الوقت لحظر السلاح على إسرائيل
  • ترامب ووسائل الإعلام.. حرب قانونية تهدد حرية الصحافة في أميركا
  • حرب ترامب القضائية ضد الصحافة الحرة