الليثيوم يشعل سباق النفوذ بين واشنطن وبكين في صحراء تشيلي
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
الجديد برس|
في أقصى شمال تشيلي، وتحديدا وسط امتداد صحراء أتاكاما القاحلة، ينبض قلبٌ اقتصادي جديد للعالم، حيث تُستخرج واحدة من أثمن ثروات الأرض الحديثة، وهو الليثيوم، المعدن الأبيض الذي بات يُلقب بـ”ذهب القرن الحادي والعشرين”.
وتحت أشعة الشمس الحارقة وسكون الطبيعة الموحشة، يشتد التنافس بين القوى الكبرى على السيطرة على ما تبقى من هذا المعدن الحيوي الذي أصبح محركا رئيسيا لاقتصاد المستقبل.
هناك، حيث تُستخرج مادة “البرايم” من المياه الجوفية المالحة، وتُعالج تحت أشعة الشمس في برك تبخير عملاقة، تتحول تدريجيا إلى أكثر أنواع الليثيوم كثافة، وهي المادة الأساسية المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف الذكية وأجهزة الحوسبة.
لكنّ القصة لم تبدأ اليوم، فجذور الاستغلال المنظم لهذا المعدن في تشيلي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، حين بدأ استخدامه في مجالات صناعية وطبية محدودة، فآنذاك، وتحت حكم الجنرال أوغستو بينوشيه، صُنّف الليثيوم كـ”ثروة وطنية”، مما قيد تصديره وجعل استغلاله حكرًا على شركات مختارة.
غير أن المشهد تغيّر لاحقا مع التحول الديمقراطي في البلاد، حيث حصلت شركتان على حقول الليثيوم، وهما شركة ألبيمارلي الأميركية، التي امتنعت عن التصريح للجزيرة، وشركة SQM التشيلية، التي فتحت أبوابها لمراسلنا لتوثيق عمليات الإنتاج الدقيقة والمثيرة.
وفي حين تسعى الصين لتأمين احتياجاتها المستقبلية من الليثيوم، تراقب واشنطن هذا الحراك بحذر بالغ، فالمعركة هنا لا تتعلق فقط بصفقات تجارية، بل بمن يتحكم في مفاتيح صناعة الطاقة النظيفة لعقود قادمة.
السباق الدولي على المعادن الإستراتيجية، وعلى رأسها الليثيوم، لم يعد خفيا، وباتت صحراء أتاكاما ساحة تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع الحسابات الجيوسياسية، وسط تساؤلات محلية حول مدى استفادة تشيلي من هذه الثروة الهائلة.
وبينما تواصل الشركات العالمية ضخ الاستثمارات في هذه الصحراء النائية، يطرح المواطنون والنشطاء أسئلة صعبة، إلى أي مدى ستحمي الحكومة حقوق المجتمعات المحلية؟ وهل سيُعاد توزيع العائدات بشكل عادل؟ وماذا عن التأثيرات البيئية لهذه العمليات واسعة النطاق؟
وتبقى أسئلة مفتوحة في ظل ضجيج الحفارات وصمت الملح المتراكم فوق الأرض، فالمستقبل يُكتب هنا، حبةً بحبة، في ذرات الليثيوم التي تشكل اليوم العمود الفقري لتحولات اقتصادية هائلة، وتحمل في طياتها آمالًا لمجتمعات، ومخاوف من استغلال جديد للموارد، على طريقة القرن الحادي والعشرين.
ومع تنامي الطلب العالمي على الطاقة النظيفة، يبدو أن قصة الليثيوم في تشيلي لا تزال في بدايتها، وأن فصلها التالي سيُكتب بين عواصم العالم الكبرى، لكن مداده سيظل يستخرج من أعماق هذه الصحراء الصلبة الصامتة.
المصدر: الجديد برس
إقرأ أيضاً:
مالي تعلن إحباط محاولة انقلاب.. وتوقيف متورطين بينهم فرنسي
أعلنت السلطات الانتقالية في مالي، مساء أمس الخميس، عن تنفيذ موجة جديدة من الاعتقالات شملت ضباطا كبارا في الجيش، إلى جانب مواطن فرنسي قالت إنه يعمل لصالح أجهزة الاستخبارات في بلاده، وذلك في إطار ما وصفته بـ"إحباط محاولة لزعزعة استقرار البلاد".
وجاء في بيان تلي على التلفزيون الرسمي، أن المحاولة "خطط لها عسكريون ومدنيون تلقوا دعما من دولة أجنبية"، مؤكدا توقيف جنرالين اثنين وعدد من الضباط، إضافة إلى الفرنسي المتهم بالتجسس.
وكانت وسائل إعلام دولية قد نقلت عن مصادر أمنية وحكومية أن ما بين 36 و40 عسكريا تم توقيفهم خلال الأيام الأخيرة، في ظل تصاعد الشكوك حول وجود انقسامات داخل المجلس العسكري الحاكم.
وبين الموقوفين الجنرال عباس ديمبيلي، القائد السابق في شمال البلاد قبل أن يتولى منصب حاكم موبتي، والعميد نعمة ساجارا، عضو أركان القوات الجوية، والذي ينتمي إليها وزير المصالحة الوطنية الجنرال إسماعيل واغي.
هذه التطورات يُنظر إليها داخليا بمثابة مؤشر على "حرب باردة" بين الرئيس الانتقالي، الجنرال عاصيمي غويتا، ووزير دفاعه ساديو كامارا، وسط خلافات بشأن ملفات التعاون الدولي، خصوصا مع الدول الغربية. ويأتي ذلك في سياق مرحلة انتقالية شائكة تعيشها مالي منذ الإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا عام 2020، حيث تعهد المجلس العسكري بتنظيم انتخابات، لكنه يواجه ضغوطا داخلية وخارجية بسبب تأجيل الاستحقاقات وتنامي النفوذ العسكري في السلطة.
وفي سياق متصل، شهد اليوم ذاته انعقاد أول اجتماع رسمي بين روسيا وقادة مالي والنيجر وبوركينا فاسو، انتهى بتوقيع مذكرة تفاهم دفاعية، في خطوة تعزز المحور العسكري الجديد في منطقة الساحل. وقال وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف إن المشاورات "تفتح فصلا جديدا في التعاون الدفاعي"، فيما أكد وزير الدفاع المالي أن "الدفاع هو حاليا أكبر مجال للشراكة بين البلدين".
ويأتي هذا التوجه بعد انسحاب القوات الفرنسية وقوات "برخان" من مالي ودول الساحل، الأمر الذي منح موسكو فرصة لتوسيع حضورها العسكري والسياسي في المنطقة، على حساب النفوذ الفرنسي التقليدي.
ولا يمكن فصل اتهام السلطات المالية للمخابرات الفرنسية بالتورط في محاولة انقلابية، عن الصراع الأوسع على النفوذ في الساحل، حيث تسعى باريس لاستعادة موطئ قدم بعد خسارتها لعدد من قواعدها الاستراتيجية، فيما تراهن باماكو وحلفاؤها الجدد في نيامي وواغادوغو على الدعم الروسي لتعزيز استقلال قرارهم العسكري والسياسي، في ظل تحولات عميقة قد تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.