في أقصى شمال تشيلي، وتحديدا وسط امتداد صحراء أتاكاما القاحلة، ينبض قلبٌ اقتصادي جديد للعالم، حيث تُستخرج واحدة من أثمن ثروات الأرض الحديثة، وهو الليثيوم، المعدن الأبيض الذي بات يُلقب بـ"ذهب القرن الحادي والعشرين".

وتحت أشعة الشمس الحارقة وسكون الطبيعة الموحشة، يشتد التنافس بين القوى الكبرى على السيطرة على ما تبقى من هذا المعدن الحيوي الذي أصبح محركا رئيسيا لاقتصاد المستقبل.

في هذا المشهد المثير، اصطحبنا مراسل الجزيرة، حسان مسعود، في رحلة ميدانية إلى حيث تُستخرج هذه الثروة، موثقا بالكاميرا والكلمات ملامح معركة دولية تدور رحاها في قلب صحراء تبدو في ظاهرها ساكنة، لكنها في باطنها تعج بالحراك السياسي والاقتصادي المحموم.

البرك الاصطناعية في حقل "سالار دي أتاكاما" لا توحي للوهلة الأولى بأنها ساحات نفوذ، لكنها في الحقيقة تمثل خطوط تماس حقيقية بين عمالقة الاقتصاد العالمي.

هناك، حيث تُستخرج مادة "البرايم" من المياه الجوفية المالحة، وتُعالج تحت أشعة الشمس في برك تبخير عملاقة، تتحول تدريجيا إلى أكثر أنواع الليثيوم كثافة، وهي المادة الأساسية المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف الذكية وأجهزة الحوسبة.

إعلان بداية القصة

لكنّ القصة لم تبدأ اليوم، فجذور الاستغلال المنظم لهذا المعدن في تشيلي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، حين بدأ استخدامه في مجالات صناعية وطبية محدودة، فآنذاك، وتحت حكم الجنرال أوغستو بينوشيه، صُنّف الليثيوم كـ"ثروة وطنية"، مما قيد تصديره وجعل استغلاله حكرًا على شركات مختارة.

غير أن المشهد تغيّر لاحقا مع التحول الديمقراطي في البلاد، حيث حصلت شركتان على حقول الليثيوم، وهما شركة ألبيمارلي الأميركية، التي امتنعت عن التصريح للجزيرة، وشركة SQM التشيلية، التي فتحت أبوابها لمراسلنا لتوثيق عمليات الإنتاج الدقيقة والمثيرة.

داخل منشآت SQM، بدا أن العمل يسير وفق نسق علمي محكم، لكن ما يثير الانتباه أكثر هو الجانب الجيوسياسي لما يجري هناك، ففي عام 2018، باعت الشركة 24% من أسهمها لشركة تانكي الصينية، وهو ما فُسر دوليا كإعلان دخول بكين الرسمي على خط المنافسة للهيمنة على هذا القطاع الحساس.

وفي حين تسعى الصين لتأمين احتياجاتها المستقبلية من الليثيوم، تراقب واشنطن هذا الحراك بحذر بالغ، فالمعركة هنا لا تتعلق فقط بصفقات تجارية، بل بمن يتحكم في مفاتيح صناعة الطاقة النظيفة لعقود قادمة.

سباق دولي

السباق الدولي على المعادن الإستراتيجية، وعلى رأسها الليثيوم، لم يعد خفيا، وباتت صحراء أتاكاما ساحة تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع الحسابات الجيوسياسية، وسط تساؤلات محلية حول مدى استفادة تشيلي من هذه الثروة الهائلة.

وبينما تواصل الشركات العالمية ضخ الاستثمارات في هذه الصحراء النائية، يطرح المواطنون والنشطاء أسئلة صعبة، إلى أي مدى ستحمي الحكومة حقوق المجتمعات المحلية؟ وهل سيُعاد توزيع العائدات بشكل عادل؟ وماذا عن التأثيرات البيئية لهذه العمليات واسعة النطاق؟

وتبقى أسئلة مفتوحة في ظل ضجيج الحفارات وصمت الملح المتراكم فوق الأرض، فالمستقبل يُكتب هنا، حبةً بحبة، في ذرات الليثيوم التي تشكل اليوم العمود الفقري لتحولات اقتصادية هائلة، وتحمل في طياتها آمالًا لمجتمعات، ومخاوف من استغلال جديد للموارد، على طريقة القرن الحادي والعشرين.

إعلان

ومع تنامي الطلب العالمي على الطاقة النظيفة، يبدو أن قصة الليثيوم في تشيلي لا تزال في بدايتها، وأن فصلها التالي سيُكتب بين عواصم العالم الكبرى، لكن مداده سيظل يستخرج من أعماق هذه الصحراء الصلبة الصامتة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

«وردة» تستهدف يوم «أبطال بريطانيا» في أسكوت

عصام السيد (أبوظبي)

أخبار ذات صلة «أنماط» يتألق «تحت المطر»! مهرات شادويل الأنيقة تخضع للراحة استعداداً لـ«حملات الخريف»

حققت المهرة «وردة» لسمو الشيخ أحمد بن راشد آل مكتوم، تقدماً ملحوظاً في فئتها ومسافتها في جودوود، بعدما تأقلمت مع كليهما بشكل جيد، متغلبةً على دانييل بنصف طول، حيث بات من المقرر أن تكون مشاركتها القادمة ضمن المجموعة الأولى.
وستشارك المهرة البالغة من العمر ثلاث سنوات في سباق بيرتيمبس نيتورك يوركشاير أوكس بعد أسبوعين، لكن يبدو أن سباق المهرات والأفراس في يوم أبطال بريطانيا كيوبكو هو هدفها الرئيسي.
وقال المدرب أون بوروز في حديثه لبرنامج ديلي بودكاست: «لقد خرجت من هذا السباق بشكل جيد للغاية، فهي تقفز وتأقلمت مع الأمر بشكل جيد للغاية، مع الأخذ في الاعتبار أن المسافة كانت ميلاً وستة أميال على أرض قديمة رديئة».
وأضاف: «إنها ليست فرساً بطيئة، ولن تواجه أي مشكلة في العودة إلى سباق ميل ونصف، لكنني شعرت أنها فرصة جيدة للحصول على سعر مناسب، وهي فرس من سلالة الأب «بوسبونيد»، ومن ناحية الأم «نيو أبروتش»، وبالعودة إلى أمها الثالثة، هناك الكثير من الخيول العريقة من عائلة مزرعة باليماكول. سيكون سباق المهرات والأفراس هدفنا الرئيسي، أعتقد أنها ستبدأ بالتحضير جيداً، لديها بالفعل تسجيل في سباق يوركشاير أوكس، لكن قد يكون ذلك قريباً، وبالنظر إلى الأسبوع المقبل، أعتقد أننا نواجه موجة حر شديدة أخرى، لذا أعتقد أن مشاركة يورك غير مرجحة، لكنها تجاوزت هذه المرحلة بنجاح كبير، وسأراقب الطقس لأرى ما إذا كان هناك أي تغيير بعد الأسبوع المقبل، لكنني أتوقع سباق أسكوت، فهو يناسبها تماماً». 
ولدى بوروز مهرة واعدةٌ أخرى، وهي المهرة «طولين» لشادويل، التي حققت فوزاً ساحقاً في أول مشاركة لها في نيوبري، كانت ابنة «لوب دي فيجا» قويةً في سباق المهرات المبتدئة، وهيمنت على السباق لمسافة 1400 متر، متغلبةً على «سيكريت فيكتوري» بفارق طولين وربع الطول.

مقالات مشابهة

  • اختتام سباق «لهيب العُلا» الصحراوي وسط منافسة دولية واسعة
  • «وردة» تستهدف يوم «أبطال بريطانيا» في أسكوت
  • العراق ولبنان كساحات اختبار للنفوذ الإيراني
  • طومسون يُسقط لايلز في «سباق السرعة»
  • الليثيوم.. المعدن الحيوي يشعل سباقا عالميا في عصر الطاقة المتجددة
  • شهادة حية من خطوط النار.. الصحفي القاضي يقدم شهادة حية عن الحرب ولعبة النفوذ الدولية
  • وول ستريت جورنال: الاقتصاد الصيني يُظهر علامات تباطؤ.. وبكين تعاني من زيادة الضغوط
  • مالي تعلن إحباط محاولة انقلاب.. وتوقيف متورطين بينهم فرنسي
  • اتهام لفرنسا وتحالف مع روسيا.. مالي تفتح جبهة جديدة في صراع النفوذ بالساحل
  • بكاء طفل يشعل شجارًا بين ركاب طائرة .. فيديو