كشفت القمة التي عُقدت يوم الجمعة في أنكوراج، أكبر مدن ولاية ألاسكا، بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، أن أوروبا لم تكن في قلب المفاوضات بشأن أوكرانيا، لتتأكد مجددا حقيقة أن القارة مطالَبة ببناء استقلالها الأمني بعيدا عن واشنطن، بحسب صحيفة التايمز البريطانية.

وفي تحليل إخباري، أشار جوش غلانسي مساعد رئيس تحرير صحيفة تايمز البريطانية، إلى أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وغيره من القادة الأوروبيين شعروا ببعض الطمأنينة بعد إعلان ترامب في ألاسكا استعداد الولايات المتحدة لتقديم ضمانات أمنية كجزء من اتفاق سلام في أوكرانيا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ترامب ينقل لزيلينسكي شروط بوتين لوقف الحرب في أوكرانياlist 2 of 2هل تبنى ترامب مطالب بوتين في قمة ألاسكا؟end of list

لكن ما لاحظه من مخرجات الاجتماع أن توجه الولايات المتحدة بدا واضحا وهو أن ابتعادها تدريجيا عن أمن أوروبا مستمر، وأصبح جليا أن القارة العجوز إذا أرادت أن تتحكم في مصيرها فعليها أن تعيد صياغة مقاربتها الدفاعية بالكامل.

وبالنسبة لستارمر، فإن القمة أكدت مجددا أن مساعيه لبناء منظومة أمنية أوروبية أكثر اعتمادا على الذات باتت أشد إلحاحا من أي وقت مضى.

مترددة ومتشظية

يقول غلانسي إنه منذ الإعلان عن لقاء أنكوراج، كان واضحا أن القمة لا تعدو أن تكون اختبارا لمقدار ما حققه القادة الأوروبيون في مواجهة عصر ترامب، ومؤشرا على حجم العمل الذي ما زال ينتظرهم.

ويضيف أن خبر لقاء القمة بين ترامب وبوتين كان من شأنه أن يُحدث انهيارا دبلوماسيا في أوروبا لو أنه أُعلن عنه قبل 6 أشهر.

لكن زعماء القارة -بحسب تحليل التايمز- تعلموا التكيف مع أسلوب ترامب "المندفع وغير المتوقع". فكان أن تحركوا سريعا، مؤكدين "الخطوط الحمراء" الأوكرانية وضرورة وقف إطلاق النار قبل أي اتفاق.

وقال إن هذه الاستجابة المنسقة أظهرت أن أوروبا باتت في وضع دبلوماسي أقوى من السابق، إذ أصبحت لديها خطة تقدمها لإدارة ترامب وآلية لدعم أوكرانيا.

إعلان

لكن غلانسي يتساءل: "هل يكفي هذا؟ هل تملك أوروبا المترددة والمتشظية القدرة والصبر الكافي لمواجهة بوتين على المدى البعيد، أم إن تقديرات الرئيس الروسي ستثبت أن القارة ستتراجع أمام الضغوط؟".

بوتين يأمل أن يتمكن من دق إسفين بين الولايات المتحدة وأوروبا، وأن تنهار أوروبا وحدها، فهي التي تنوء بخلافات حول قضايا الهجرة، وتعاني من ضعف النمو الاقتصادي، وهي المترفة برفاهيتها بعد عقود من الرفاه

سباق التسلح

الواقع أن أوروبا دخلت مرحلة غير مسبوقة من إعادة التسلح، كما توضح الصحيفة. فالتعهدات بمليارات اليوروهات، والتوجه البريطاني لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي، كلها مؤشرات تعكس إدراكا متزايدا بأن الأمن لم يعد سلعة أميركية مضمونة.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي بنجامين حداد القول إنه "لا عودة إلى الوراء، وعلى الأوروبيين إعادة التسلح وتولّي مسؤولية أمنهم، هذا التزام أجيال".

وأشار مساعد رئيس تحرير التايمز إلى بروز تكتلات أمنية خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، مثل "فايمار بلس" (الذي يضم فرنسا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا)، إضافة إلى "تحالف الراغبين" المكوّن من 30 دولة داعمة لأوكرانيا.

وفي اعتقاده، فإن ذلك يدل على ولادة بنية دفاعية أوروبية جديدة أكثر مرونة، لافتا إلى أن أوروبا ترسل اليوم أموالا ومعدات عسكرية إلى أوكرانيا أكثر من الولايات المتحدة.

لكن التحدي لا يزال هائلا، حسب ظن غلانسي، مشيرا إلى أن القدرات الأميركية في مجال الاستخبارات والاستطلاع وتحديد الأهداف لا تزال فريدة، واستبدالها سيكلف كثيرا. أما بخصوص الضمانات الأمنية، فقد أبدى ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعدادهما لإرسال قوات إلى أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار.

أحلاهما مر

ويوضح الكاتب أن أخطر معركة تواجه أوروبا ليست على حدود أوكرانيا فحسب، بل داخل مجتمعاتها. فزيادة الإنفاق الدفاعي تعني تقليص برامج الرعاية الاجتماعية، وهو ما يصطدم بثقافة رفاه متجذّرة وشارع أوروبي لا يشعر بتهديد مباشر كما يشعر به مواطنو فنلندا أو بولندا.

ويعتقد الكاتب أن بوتين يأمل أن يتمكن من دق إسفين بين الولايات المتحدة وأوروبا، وأن تنهار أوروبا وحدها، فهي التي تنوء بخلافات حول قضايا الهجرة، وتعاني من ضعف النمو الاقتصادي، وهي المترفة برفاهيتها بعد عقود من الرفاه. ويستشهد بتصريح للمتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال فيه: "بدأ تفتت الغرب بشكل جماعي".

كما نقل غلانسي عن الجنرال السير ريتشارد بارونز، القائد السابق للقوات المشتركة في بريطانيا، القول إن "الأمر يتعلق بالاختيار بين الحرب والرفاه. قبل كل شيء، نحن بحاجة للتحرك بسرعة. لكننا عالقون في نقاش حول كيفية زيادة الإنفاق الدفاعي من دون المساس ببرامج الرفاه السخي التي نقدمها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات الولایات المتحدة أن أوروبا

إقرأ أيضاً:

كاتب صحفي: على الولايات المتحدة وقف الحرب.. وترامب قادر على لجم نتنياهو

طالب الكاتب الصحفي جميل عفيفي الإدارة الأمريكية بلعب دور فاعل في وقف العمليات العسكرية الجارية في قطاع غزة، محمّلًا واشنطن مسؤولية رئيسية في منع اتساع رقعة الصراع في المنطقة.

جميل عفيفي: ما يحدث في غزة تصفية للقضية الفلسطينية وسط أوضاع إنسانية كارثيةباحثة سياسية: فشل المفاوضات خلال 48 ساعة يؤدي إلى تصعيد عسكري شامل في غزة

وأشار عفيفي، في تصريحات لـ"إكسترا نيوز"، إلى أن الدور الأمريكي يظل حاسمًا، خاصة في ظل ما وصفه بـ"التباين بين التصريحات الرسمية الأمريكية والواقع الفعلي على الأرض"، حيث تستمر المجازر اليومية بحق المدنيين في غزة دون تدخل حاسم.

وأكد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمتلك القدرة السياسية على إجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقف الحرب، كما يسعى ترامب لإحلال السلام في عدة مناطق ساخنة بالعالم، منها روسيا وأوكرانيا وجورجيا وأرمينيا، مضيفًا: “لماذا لا يمتد هذا السعي إلى غزة؟”.

طباعة شارك قطاع غزة غزة التصريحات الرسمية بنيامين نتنياهو دونالد ترامب

مقالات مشابهة

  • كاتب صحفي: على الولايات المتحدة وقف الحرب.. وترامب قادر على لجم نتنياهو
  • الولايات المتحدة توقف منح تأشيرات الزيارة لسكان غزة بعد احتجاجات يمينية
  • دبلوماسي أمريكي سابق: بوتين يحاول كسب الوقت.. والوضع في أوكرانيا يتطلب إصلاحًا جذريًا
  • قادة أوروبا يؤكدون دعم أوكرانيا بعد قمة "ترامب–بوتين" في ألاسكا
  • ألاسكا.. بوتين يطالب أوروبا بعدم "خلق عقبات" أمام السلام في أوكرانيا
  • بوتين : لو كان ترامب رئيسا لما حصلت الأزمة في أوكرانيا
  • بوتين : ترامب لديه رغبة حقيقية بحل النزاع مع أوكرانيا ويفهم موقفنا
  • لافروف: نتوقع أن ترفع الولايات المتحدة بعض العقوبات عن روسيا بعد قمة بوتين وترامب
  • لافروف: نتوقع رفع الولايات المتحدة بعض العقوبات عن روسيا بعد لقاء بوتين وترمب