هل تنجح طهران في احتواء التوتر الباكستاني الهندي؟
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
طهران- في تحرك دبلوماسي يعكس قلق طهران من التصعيد بين الجارتين النوويتين في جنوب آسيا، بدأ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أمس الاثنين، زيارة رسمية إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد، على أن تشمل لاحقا العاصمة الهندية نيودلهي.
وأوضح عراقجي أن الزيارة تهدف إلى "خفض التوتر بين الهند وباكستان"، مشيرا إلى أن إيران "ستجري مشاورات وثيقة مع السلطات الباكستانية لمناقشة القضايا الإقليمية الراهنة".
وأضاف أن "الهند وباكستان دولتان صديقتان لإيران، وبالطبع باكستان بلد جار وشقيق لنا، وكان من المهم أن نطلع على مواقف أصدقائنا في إسلام آباد قبل التوجه إلى نيودلهي".
علاقات متوازنةتسعى طهران إلى لعب دور الوسيط الإقليمي لتهدئة الأجواء انطلاقا من قناعتها بأن أي تصعيد بين نيودلهي وإسلام آباد ينعكس سلبا على أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية. فالتوتر في جنوب آسيا يهدد أمن حدودها الشرقية مع باكستان، ويعرقل مشاريع الربط الإقليمي والتعاون في مجالات الطاقة والنقل، التي تشكل ركيزة أساسية في السياسة الخارجية الإيرانية.
إعلانوعلى الرغم من التوترات المتكررة بين الهند وباكستان، حافظت طهران على علاقات قوية ومتوازنة مع الطرفين. فمع إسلام آباد، تجمعها حدود طويلة وتعاون أمني واقتصادي وثيق. ومع نيودلهي، تربطها شراكات إستراتيجية خاصة في مشروعات مثل ميناء "تشابهار"، الذي يُعد بوابة حيوية للهند نحو آسيا الوسطى عبر الأراضي الإيرانية.
كما أشار عراقجي إلى أنه أطلع الجانب الباكستاني على آخر مستجدات المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، مما يعكس رغبة بلاده في تنسيق أوسع مع حلفائها الإقليميين وسط متغيرات دولية متسارعة.
في السياق، قال الباحث في قضايا الأمن الدولي عارف دهقاندار إن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى إسلام آباد تحمل أبعادا إستراتيجية تعكس الأهمية المتزايدة التي توليها طهران لجارتها النووية باكستان في سياق التفاعلات الإقليمية المتشابكة.
ولفت -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن من أبرز أهداف الزيارة بحث التطورات المتسارعة في العلاقة المتوترة بين الهند وباكستان، حيث تسعى إيران، باعتبارها طرفا مؤثرا في معادلات الأمن الإقليمي، إلى فهم دقيق لمواقف الطرفين والعمل على خفض منسوب التوتر، تجنبا لأي تصعيد قد يهدد الاستقرار في شبه القارة الهندية، وهي منطقة حيوية لطهران نظرا لارتباطها بمصالح اقتصادية وأمنية مباشرة.
وأوضح أن عراقجي يحمل أيضا رسالة سياسية واضحة مفادها أن طهران تسعى إلى الشفافية مع إسلام آباد فيما يتعلق بمسار المفاوضات غير المباشرة مع واشنطن، وذلك بهدف طمأنة الجانب الباكستاني بأن أي تفاهم مستقبلي مع الولايات المتحدة لن يكون على حساب توازن القوى الإقليمي أو الشراكات الثنائية، بل إن إيران تضع تعزيز العلاقات في صدارة أولوياتها.
???? وزير الخارجية الباكستاني يتمنى النجاح للمحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة
أشاد وزير الخارجية الباكستاني، خلال لقائه نظيره الإيراني، بزيارة الدكتور السيد عباس عراقجي إلى إسلام آباد، وقال إن طهران وإسلام آباد وقفتا دائما في تضامن مع بعضهما البعض ونتمنى النجاح… pic.twitter.com/MdT2VWoyjT
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) May 5, 2025
تبديد المخاوفووفق الباحث دهقاندار، فإن القلق الباكستاني المحتمل من تداعيات التفاهم الإيراني-الأميركي على أمن المنطقة هو أمر تدركه طهران جيدا، ومن هنا تأتي أهمية هذه الزيارة في تبديد المخاوف، وفتح قنوات تشاور منتظمة بين الجانبين.
إعلانوحذر من أن استمرار التوتر بين نيودلهي وإسلام آباد قد تكون له تبعات خطيرة على أمن إيران، خاصة في ما يتعلق بحدودها الشرقية وخطوط التجارة الإقليمية، فضلا عن التهديدات المرتبطة بنشاط الجماعات "المتطرفة" وشبكات تهريب المخدرات، مما قد ينعكس سلبا على مشاريع إستراتيجية مثل خط أنابيب الغاز الإيراني-الباكستاني-الهندي، وعلى مجمل التعاون الاقتصادي الإقليمي.
وأكد دهقاندار أن إيران تنظر إلى الاستقرار في شبه القارة باعتباره جزءا لا يتجزأ من أمنها القومي، وأن دورها كوسيط محايد في النزاعات الإقليمية لا يهدف فقط إلى تعزيز مكانتها الجيوسياسية، بل أيضا إلى تحصين المنطقة من تدخلات خارجية قد تعقّد الأزمات وتزيدها اشتعالا.
من جانبه، قال الدبلوماسي الإيراني السابق محسن روحي صفت إن باكستان جارة لإيران وتشترك معها في حدود تمتد لنحو 800 كيلومتر، كما أن الهند -حتى الحرب العالمية الثانية– كانت جارة مباشرة لطهران ولا تزالان تعتبران بعضهما جارتين حتى اليوم.
وأضاف للجزيرة نت أن طهران ترتبط مع نيودلهي وإسلام آباد بروابط ثقافية واجتماعية ولغوية وحضارية عميقة، حيث تُعد شبه القارة الهندية جزءا من الهضبة الحضارية الإيرانية، ولذلك فإن أي توتر أو اضطراب في هذه المنطقة ينعكس مباشرة على أمن واستقرار إيران.
ضغوطوحسب روحي صفت، فإن الحرب بين الهند وباكستان في الستينيات والسبعينيات أوجدت ضغوطا على إيران وأجبرتها على اتخاذ مواقف، رغم أنها لم تكن طرفا مباشرا في النزاع.
وحذر من أن امتلاك الطرفين للسلاح النووي يجعل من أي مواجهة محتملة تهديدا مباشرا لإيران، لما قد تسببه هذه الأسلحة من تلوث للماء والتربة والبيئة الطبيعية نتيجة انتشار المواد المشعة مثل اليورانيوم. كما نبه إلى أن صراعا نوويا ستكون له آثار جيوسياسية بعيدة المدى على المنطقة والعالم، ويؤثر في السياسات الدولية والإقليمية لعقود، ولن تكون طهران بمنأى عن هذه التداعيات.
إعلانولفت الدبلوماسي السابق إلى البعد السكاني في المعادلة، مشيرا إلى أن عدد سكان باكستان يزيد بأكثر من 3 أضعاف عدد سكان إيران، وأي حرب أو أزمة اقتصادية أو بيئية قد تدفع بأعداد كبيرة من المهاجرين نحو الحدود الإيرانية، في وقت لا تمتلك فيه البلاد القدرة الاقتصادية أو الديموغرافية على استيعاب موجات لجوء جديدة.
وقال إن المنطقة لا تتحمل حربا جديدة، وشعوب الهند وباكستان بحاجة إلى الاستقرار للنمو الاقتصادي، و"لا يمكن أن تشتعل النيران في دار الجار دون أن يتأثر الجيران بدخانها، خصوصا في ظل الأزمات المتراكمة في أفغانستان، والتوترات المستمرة في الشرق الأوسط، والحرب المفتوحة في أوكرانيا".
وأكد أن أي تصعيد في شبه القارة سيعقد المشهدين الإقليمي والدولي أكثر من ذي قبل، وسيجد الجميع أنفسهم في قلب هذه التعقيدات، و"إيران ليست استثناء".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بین الهند وباکستان وزیر الخارجیة وإسلام آباد إسلام آباد شبه القارة على أمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا رشّحت باكستان ترامب لجائزة نوبل للسلام؟
إسلام آباد- أعلنت الحكومة الباكستانية، السبت الماضي، عن ترشيحها للرئيس الأميركي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2026، وذلك على خلفية ما وصفته بـ"جهوده الدبلوماسية لوقف التوتر" بين باكستان والهند في مايو/أيار الماضي، بعد أيام من التصعيد العسكري بين البلدين.
وجاء في بيان صادر عن الحكومة الباكستانية أنه "بعد العدوان الهندي غير المبرر، أظهر الرئيس ترامب بُعد نظر إستراتيجيا كبيرا وحنكة سياسية فذة من خلال تواصل دبلوماسي قوي مع كل من إسلام آباد ونيودلهي، مما أسهم في تهدئة الوضع المتدهور بسرعة، وتأمين وقف إطلاق النار في نهاية المطاف، وتفادي صراع أوسع بين الدولتين النوويتين".
كما أضافت الحكومة أنها "تقدّر الجهود والعروض التي قدمها الرئيس ترامب للمساعدة في حل النزاع الطويل الأمد حول جامو وكشمير الذي يُعتبر الأساس الفعلي للعداوة بين البلدين".
وكانت باكستان قد أعلنت ترشيحها لترامب قبل يوم واحد من مشاركة الولايات المتحدة في الهجوم الإسرائيلي على إيران، وتوجيه ضربة عسكرية لـ3 مفاعلات نووية إيرانية، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة حول العالم.
كيف تفاعل الباكستانيون مع ترشيح بلادهم ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام؟أعرب سياسيون باكستانيون، أمس الأحد، عن رفضهم قرار الحكومة ترشيح ترامب للجائزة، وذلك بعد قصف واشنطن إيران.
وطالب فضل الرحمن، زعيم "جمعية علماء الإسلام"، حكومة بلاده بإلغاء قرارها، قائلا "لقد ثبت زيف ادعاء ترامب بالسلام، ويجب سحب اقتراح جائزة نوبل"، وذلك في خطاب له وفقا للحساب الرسمي للجمعية على منصة "إكس".
وأوضح أن ترامب رغم تدخله لوقف التوتر الباكستاني الهندي، فإنه دعم الهجمات الإسرائيلية على فلسطين وسوريا ولبنان وإيران، متسائلا "كيف يمكن أن يكون هذا دليلا على السلام؟ ومع دماء الأفغان والفلسطينيين على أيدي أميركا، كيف يمكنه أن يدّعي أنه من دعاة السلام؟".
إعلانمن جهته، قال السيناتور السابق مشاهد حسين في تغريدة على منصة "إكس"، "بما أن ترامب لم يعد صانع سلام محتملا، بل قائدا أشعل حربا غير شرعية عمدا، فيجب على الحكومة الباكستانية الآن مراجعة ترشيحه لجائزة نوبل وسحبه نهائيا".
كما انتقد أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، حافظ نعيم الرحمن، السبت الماضي، قرار الحكومة ووصفه "بالأمر المخزي الذي يمس الكرامة الوطنية الباكستانية"، معللا السبب وراء ذلك بدعم الرئيس الأميركي علنا "المذبحة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة". بينما طالب النائب في البرلمان والقيادي البارز في حزب إنصاف الباكستاني علي محمد خان، الحكومة بمراجعة القرار، مشيرا إلى الهجوم الأميركي على إيران.
من جانبها، انتقدت السفيرة الباكستانية السابقة لدى الولايات المتحدة مديحة لودهي قرار الحكومة، عادّة إياه "تملقا سياسيا".
وقالت إنه "من المؤسف أن تُرشح الحكومة ترامب للجائزة كونه رجلا دعم حرب إسرائيل و"الإبادة الجماعية" في غزة، ووصف هجوم إسرائيل على إيران بأنه ممتاز". وأكدت أن هذه الخطوة لا تعكس آراء الشعب الباكستاني.
ما علاقة ترشيح باكستان لترامب بالتوتر بين إسلام آباد ونيودلهي؟من الواضح من بيان الحكومة الباكستانية، ومن ردود الفعل الغاضبة على ترشيح ترامب لجائرة نوبل، أن الحكومة ركزت في قرارها على جهود الرئيس الأميركي لوقف التوتر الباكستاني الهندي، دون التركيز على أبعاد أخرى.
في هذا السياق، تقول عضو مجلس الشيوخ الباكستاني عن حزب الشعب الباكستاني سحر كامران، إن الترشيح جاء في الوقت الذي شهد تصعيدا كبيرا وكان البلدان في حالة حرب حقيقية، وحينها تدخّل ترامب ولعب دورا في وقف المزيد من التصعيد.
وقالت كامران للجزيرة نت إن ما يعطي أهمية أكبر للترشيح، هو أن الحرب بين دولتين نوويتين يمكن أن تصل إلى أي مدى، وكان "العدوان والهجوم الهندي غير المبرر" على إسلام آباد عملا غير مسؤول وخطيرا للغاية.
وبرأيها، فإن قرار الحكومة كان تقديرا أيضا لعرض ترامب حل قضية كشمير وللجهد "الذي لم ينقذ فقط البلدين من المزيد من التصعيد، بل المنطقة بأكملها".
من ناحيته، يقول الدبلوماسي الباكستاني السابق السفير جاويد حفيظ، في حديث مع الجزيرة نت، إن ترامب بتدخله قد احتوى صراعا أوسع نطاقا ومدمرا بين دولتين نوويتين. ولذلك، تعتبره باكستان "رجل سلام"، ولذا، فإن ترشيحه يتعلق بالهند تحديدا.
ما مكاسب باكستان السياسية من وراء ترشيحها ترامب لجائزة نوبل للسلام؟
ترى كامران، أن باكستان لم تسعَ لأية مكاسب من ترشيح ترامب للجائزة، وإنما هو نوع من التقدير على جهوده لوقف التوتر مع الهند، في حين كان التوتر يمكن أن يأخذ منعطفا خطيرا له تأثير على المنطقة والعالم أيضا.
وبالنسبة للهجوم الأميركي على إيران، قالت إنه رغم ترشيح إسلام آباد لترامب، فإنها أدانته، وأكدت أن باكستان تدين أي عمل غير قانوني ينتهك القوانين الدولية من أي دولة كانت.
وأضافت كامران أن إسلام آباد ليست الجهة التي ستُقرر منح الجائزة، فهناك لجنة ستنظر في جميع الجوانب وتتخذ القرار. وتابعت أن توصية باكستان واحدة وخاصة تحديدا بجهود ترامب في وقف التوتر مع الهند.
كما أعربت عن شكوكها من موقف ترامب تجاه "الإبادة الجماعية" في غزة. وقالت إنه فاز في الانتخابات بشعار إنهاء الصراع في غزة، "لكن الوقوف الآن مع إسرائيل هو أمر خطير جدا".
إعلانمن جهته، يقول السفير جاويد حفيظ إن باكستان حصلت على فائدتين من ترشيحها لترامب:
الأولى: أن ترامب سيبقى صديقا لإسلام آباد وسيستخدم مساعيه "الحميدة" مع الهند للحفاظ على السلام في جنوب آسيا. الثانية: أن المقترح الباكستاني محرج للهند التي تُصر على عدم مشاركة أي طرف ثالث في ترتيب وقف إطلاق النار.وأضاف حفيظ أن ترامب لا يُمكن التنبؤ بتصرفاته، حيث استخدم عنصر المفاجأة ضد إيران، واعتدى عليها، منتهكا القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وقد أدانت باكستان ذلك رسميا.
وبرأيه، لم يكن قرار ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام صائبا لـ3 أسباب:
انحيازه العلني لإسرائيل سياسيا وماليا في عدوانها على الشعب الفلسطيني. بعد عدوانه "السافر" على إيران، لم يعد ترامب "رجل سلام". باكستان جمهورية إسلامية، وهذا القرار لن يلقى استحسانا من المسلمين في جميع أنحاء العالم.