تشو شيوان

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الأفلام المنتجة خارج الولايات المُتحدة، معتبرًا أنَّ هذه الخطوة ضرورية لحماية صناعة السينما الأمريكية التي وصفها بأنها "تموت بسرعة كبيرة" بسبب الحوافز التي تقدمها دول أخرى لجذب صناع الأفلام، وقد قوبل القرار بردود فعل متباينة داخل الولايات المتحدة وخارجها، وقد أعرب العديد من الخبراء وصناع السينما عن قلقهم من التأثيرات السلبية المحتملة على الصناعة، خاصة في ظل الطبيعة العالمية لإنتاج الأفلام الحديثة.

ومن وجهة نظري أجد هذه الخطوة كإطلاق النار على الذات، حيث تهدد بتقويض القوة الناعمة الأمريكية فالأفلام الأمريكية كانت ومازالت أحد الأساليب الناجعة في فرض القوة الناعمة الأمريكية، وقرار ترامب يُسرّع من تراجع هوليوود في الأسواق العالمية، وقد أعربت الممثلة ووبي غولدبرغ عن قلقها من أن هذه الرسوم قد تُقيد حرية الإبداع وتُقلل من فرص التعاون الدولي في صناعة السينما.

تُعتبر صناعة السينما جزءًا أساسيًا من القوة الناعمة الأمريكية، حيث تُستخدم الأفلام كوسيلة لنشر الثقافة والقيم الأمريكية حول العالم، ولكن فرض رسوم جمركية على الأفلام الأجنبية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يُنظر إليه كإجراء حمائي يُقيد حرية التعبير والتبادل الثقافي، وأيضًا يُفسر هذا القرار على أنه محاولة لفرض الهيمنة الثقافية، مما يُعزز من التوجه نحو دعم الإنتاج المحلي لدول العالم وتفضيله على الأفلام الأجنبية.

فنيًا يبدو قرار ترامب ليس مدروسًا وسيضر صناع السينما في الولايات المتحدة أكثر من غيرهم، فمرحلة ما بعد الإنتاج أرخص في أوروبا، وفيما يتعلق بالتصوير تقدم كندا إعفاءات ضريبية أفضل، وبالنسبة للمؤثرات البصرية فالهند والمملكة المتحدة تفعلان ذلك بتكلفة أقل، وتلجأ الاستوديوهات الأمريكية إلى الاستعانة بمصادر خارجية للبقاء، وإذا ردت أوروبا وآسيا بفرض حصص أو ضرائب مماثلة فقد تفقد أفلام مثل "مهمة مستحيلة" نصف إيراداتها بين عشية وضحاها.

كانت الصين حتى وقت قريب، سوقًا رئيسيًا لهوليوود؛ حيث استحوذت الأفلام الأمريكية على نسبة كبيرة من إيرادات شباك التذاكر، ولكن في السنوات الأخيرة، شهدت هذه النسبة تراجعًا حادًا حيث انخفضت من 36% في عام 2018 إلى 14% في عام 2024، وهذا التراجع يعود إلى عدة عوامل، منها التركيز المفرط على سلاسل الأفلام والتكرار في المحتوى، مما أدى إلى فقدان الجمهور الصيني للاهتمام بالأفلام الأمريكية.

أيضًا تستمر الصين في تعزيز مكانتها كقوة سينمائية صاعدة، فقد حقق فيلم الرسوم المتحركة الصيني "Ne Zha 2" إيرادات ضخمة تجاوزت 2.1 مليار دولار في غضون 12 أسبوعًا، متفوقًا على الأفلام الأمريكية في السوق الصينية، وهذا النجاح يُعزز من ثقة الصين في قدرتها على إنتاج محتوى سينمائي يُنافس على المستوى العالمي، وأيضًا تواجه الأفلام الأمريكية شبح المنصات الرقمية والتي بدأت في سرقة محبي هوليود من سوق السينما كما أن هناك مخاوف من أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة أسعار التذاكر للمستهلكين الأمريكيين وتقليل تنوع المحتوى المتاح لهم، ومثل هذه المخاطر يجب أن تقابل بالتعاون لا بالحمائية.

في ظل هذه التطورات، يبدو أن قرار الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية على الأفلام الأجنبية قد يأتي بنتائج عكسية، حيث يُهدد بتقويض القوة الناعمة الأمريكية ويُسرّع من تراجع هوليوود في الأسواق العالمية. من منظور صيني، يُعتبر هذا القرار فرصة لتعزيز الإنتاج المحلي وتوسيع النفوذ الثقافي على الساحة الدولية.

وتُوظِّف هوليوود 600 ألف شخص من سكان كاليفورنيا، وتُولّد نشاطًا اقتصاديًا بقيمة 100 مليار دولار، ومع فرض ترامب آخر رسوم جمركية، رفعت الولاية دعوى قضائية لمواجهة سياسات ترامب نفسها، فكيف سيكون ردها هذه المرة وهي معقل السينما الأمريكية والأكثر تضررًا من هذه السياسات، وهذا جانب أخر للمشاكل التي قد يواجهها ترامب مع هه السياسات الحمائية التي يتخذها يومًا بعد يوم، والتي تأتي بنتائج عكسية على الشعب الأمريكي والمستهلكين الأمريكيين واليوم على صناع السينما الأمريكية.

وفي النهاية يجب أن نقول إنه بينما تهدف الرسوم الجمركية المقترحة من قبل الرئيس ترامب إلى حماية صناعة السينما الأمريكية، فإنها تثير مخاوف كبيرة أولًا بشأن تأثيرها على التعاون الثقافي العالمي وتنوع المحتوى السينمائي، وثانيًا زيارة تكلفة الانتاج السينمائي، وثالثًا تهديدها للقوة الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن مطالب صناع السينما الأمريكيين هو حمايتهم لا تهديدهم، ولكن يبدو أن إدارة ترامب الحمائية تمارس أدوار الأكشن الهوليودية ولكن هذه المرة ستأتي بنتائج عكسية.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بنسبة 100%.. ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية على الأفلام المنتجة خارج الولايات المتحدة

يضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هوليوود في صدارة جولته القادمة من الرسوم الجمركية، مهددًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الأفلام المنتجة خارج الولايات المتحدة.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، اتهم ترامب دولًا أخرى بـ «سرقة قدرات صناعة الأفلام» الأمريكية، وقال إنه فوض وزارة التجارة والممثل التجاري الأمريكي بالبدء فورًا في عملية تطبيق ضريبة الاستيراد الجديدة هذه على جميع الأفلام الأجنبية، لكن لم تُقدم تفاصيل أو مواعيد إضافية.

وأكد البيت الأبيض أنه لم يتم اتخاذ أي قرارات نهائية حتى يوم الاثنين.

صرح ترامب لاحقًا بأنه سيجتمع مع مسؤولي الصناعة لمناقشة الاقتراح، لكن لا يزال هناك الكثير من الغموض حول كيفية تطبيق ضريبة استيراد على الإنتاجات الدولية المعقدة.

في حال فرضها، يحذر الخبراء من أن مثل هذه الرسوم سترفع تكاليف صناعة الأفلام بشكل كبير اليوم.

قد يُعرّض هذا الغموض صانعي الأفلام للركود، تمامًا كما هو الحال مع الصناعات الأخرى التي وقعت مؤخرًا في مرمى نيران الحروب التجارية الدائرة اليوم.

وعلى عكس القطاعات الأخرى التي استُهدفت مؤخرًا بالرسوم الجمركية، تتجاوز الأفلام السلع المادية، مما يُثير تساؤلات حول تبعات الملكية الفكرية الأوسع نطاقًا. إليكم ما نعرفه.

لماذا يُهدد ترامب بفرض هذه الرسوم الجمركية الباهظة على الأفلام؟

يُشير ترامب إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي، وهو تبريرٌ استخدمه بالمثل لفرض ضرائب استيراد على دول مُحددة ومجموعة من السلع الخاصة بقطاعات مُحددة.

في منشورٍ مساء الأحد على منصته الاجتماعية «تروث سوشيال»، زعم ترامب أن صناعة السينما الأمريكية «تشهد موتًا سريعًا» في ظلّ تقديم دول أخرى «شتى أنواع الحوافز» لجذب صناعة الأفلام بعيدًا عن الولايات المتحدة.

سبق أن أعرب ترامب عن قلقه بشأن انتقال إنتاج الأفلام إلى الخارج. وفي السنوات الأخيرة، واجه إنتاج الأفلام والتلفزيون الأمريكي صعوباتٍ بسبب الانتكاسات الناجمة عن جائحة كوفيد-19، وإضرابات نقابات هوليوود عام 2023، وحرائق الغابات الأخيرة في منطقة لوس أنجلوس. كما أثّرت برامج الحوافز طويلًا على أماكن تصوير الأفلام في الخارج وداخل الولايات المتحدة، حيث انتقل المزيد من الإنتاج من كاليفورنيا إلى ولايات مثل جورجيا ونيو مكسيكو، بالإضافة إلى دول مثل كندا.

لكن بخلاف القطاعات الأخرى التي استهدفتها الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب مؤخرًا، تعاني صناعة السينما الأمريكية حاليًا من عجز تجاري يصب في مصلحة الولايات المتحدة.

في دور السينما، تهيمن الأفلام الأمريكية على السوق المحلية بشكل كبير.

كما تُظهر بيانات جمعية الأفلام السينمائية أن الأفلام الأمريكية حققت صادرات بقيمة 22.6 مليار دولار، وفائضًا تجاريًا بقيمة 15.3 مليار دولار في عام 2023 - مع تقرير حديث أشار إلى أن هذه الأفلام "حققت ميزانًا تجاريًا إيجابيًا في جميع الأسواق الرئيسية في العالم" للولايات المتحدة.

في العام الماضي، شكلت الأسواق الدولية أكثر من 70% من إجمالي إيرادات شباك التذاكر في هوليوود، وفقًا لما ذكرته هيون كيم، الأستاذة المساعدة في الاستراتيجية بجامعة كورنيل. وحذرت من أن الرسوم الجمركية والإجراءات الانتقامية المحتملة من الدول الأخرى التي تؤثر على هذه الصناعة قد تؤدي إلى خسائر في الأرباح بمليارات الدولارات وآلاف الوظائف.

صرح التحالف الدولي لموظفي المسارح، الذي يمثل العاملين في مجال الترفيه خلف الكواليس في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا، في بيان يوم الاثنين أن ترامب «أدرك عن صواب» «التهديد المُلحّ من المنافسة الدولية» الذي تواجهه صناعة السينما والتلفزيون الأمريكية اليوم.

لكن الاتحاد قال إنه بدلاً من ذلك أوصى الإدارة بتطبيق حافز ضريبي فيدرالي للإنتاج وأحكام أخرى «لتكافؤ الفرص» مع عدم الإضرار بالصناعة ككل.

كيف يُمكن تطبيق ضريبة على الأفلام الأجنبية؟

تشير آن كوبوزا، المحامية ومحاضرة قانون الأعمال في كلية ليفي للأعمال بجامعة سانتا كلارا، إلى أن «الرسوم الجمركية التقليدية تُطبق على الواردات المادية العابرة للحدود، لكن إنتاج الأفلام يشمل في المقام الأول الخدمات الرقمية - التصوير والمونتاج وأعمال ما بعد الإنتاج التي تتم إلكترونيًا».

وأضافت كوبوزا أن إنتاج الأفلام أشبه بخدمة تطبيقية يمكن فرض ضرائب عليها، وليس فرض رسوم جمركية عليها.

لكن الضرائب تتطلب موافقة الكونجرس، وهو ما قد يُمثل تحديًا حتى مع وجود أغلبية جمهورية.

صناعة الأفلام عملية معقدة للغاية، ودولية الطابع. من الشائع أن تشمل الأفلام الكبيرة والصغيرة، على حد سواء، الإنتاج في الولايات المتحدة ودول أخرى. على سبيل المثال، تُصوَّر الأفلام ذات الميزانيات الضخمة، مثل فيلم "المهمة المستحيلة: الحساب الأخير"، حول العالم.

كثيرًا ما تُصوِّر الاستوديوهات الأمريكية في الخارج لأن الحوافز الضريبية قد تُخفِّض تكاليف الإنتاج. لكن كيم قال إن فرض تعريفة جمركية شاملة قد يُثبِّط ذلك أو يُحدِّ من الخيارات، مما يُضرُّ بأفلام هوليوود والصناعة العالمية التي تُساهم في إنتاجها.

وأضاف ستيفن شيفمان، الخبير المخضرم في صناعة الأفلام والأستاذ المساعد في جامعة جورج تاون: "عندما تُطبِّق هذه القواعد الشاملة، فإنك تُفوِّت بعض التفاصيل الدقيقة لكيفية عمل الإنتاج". أحيانًا، يكفي الذهاب إلى موقع التصوير، لأن مجرد محاولة إنتاج فيلم في استوديو صوتي أمرٌ مكلفٌ للغاية.

يشير شيفمان إلى أفلام شهيرة صُوّرت خارج الولايات المتحدة، مثل سلسلة أفلام "هاري بوتر" من إنتاج شركة وارنر براذرز، والتي صُوّرت بالكامل تقريبًا في المملكة المتحدة. ويضيف: "كانت تكلفة إنتاج هذه الأفلام ستتضاعف تقريبًا في ظل هذه التعريفة المقترحة".

اقرأ أيضاًترامب: إعلان وشيك عن هدنة محتملة وتبادل محتجزين فى غزة

ترامب: تعرضنا للاستغلال التجاري من قبل الجميع طوال 50 عاما

ترامب يفاجئ الجميع: لا أستبعد تأجيل حظر «تيك توك» مجددًا

مقالات مشابهة

  • شاب يطلق النار على والده لرفضة إعطائه مبلغ مالى لشراء المخدرات بالفيوم
  • عاجل | مصادر للجزيرة: الاحتلال يطلق النار على فلسطيني قرب مفترق عتصيون شمالي الخليل
  • شاب يطلق النار على والده بسبب رفضه منحه أموالًا لشراء المخدرات في الفيوم
  • «الخارجية الأمريكية »: إدارة ترامب تشعر بقلق بالغ إزاء الوضع الإنساني في غزة
  • غدا.. عرض أفلام قصيرة ومناقشات بنادي السينما المستقلة بالأوبرا
  • بنسبة 100%.. ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية على الأفلام المنتجة خارج الولايات المتحدة
  • جندي خدم بغزة يطلق على النار على إسرائيلية بعد إصابته بـنوبة بسبب الحرب
  • رسوم ترامب على الأفلام غير الأميركية.. هل تكتب نهاية هوليود؟
  • إعلام فلسطيني: الطيران الإسرائيلي يطلق النار بكثافة في وسط رفح