اتجاهات التغير في وتيرة عمل الحكومات
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
«الجدران آخذة في الانهيار»، هكذا يصف تقرير Government Trends 2023 والصادر عن Deloitte الاتجاهات التسعة التي تغير عمل الحكومات خلال عام 2023. وتعتبر هذه الدورية من التقارير (الإضاءات) محط اهتمام كبير من الحكومات، ومختلف قطاعات الأعمال، ذلك أنها ترصد متغيرات البيئة الكلية Ecosystem التي تعمل فيها الحكومات؛ سواء فيما يتعلق بالتغيرات والضغوطات التي يشكلها النظام العالمي، أو فيما يتعلق بعلاقة الحكومات بالقطاع الخاص، أو علاقتها بالمجتمعات والأفراد، أو في سياق علاقتها بالالتزامات البيئية والجيلية وآليات الانتقال إلى الاستدامة وحفظ حقوق الأجيال.
وبالعودة إلى مقولة «الجدران آخذة في الانهيار» يشير التقرير إلى أن الخطوط الفاصلة بين القطاعات المتصلة بعمل الحكومات آخذة في التلاشي؛ سواء فيما يتعلق بمشاركة البيانات بين الحكومات والأطراف الأخرى، أو في التمويل، أو تبادل الخبرات في مجالات القوى العامة، أو تسخير الموارد والقدرات. يحرك هذا التغير بحسب Deloitte 6عناصر أساسية وهي: التكنولوجيا المتسارعة، والتقارب بين العوالم المادية والرقمية، وتراجع نظرية الشراكة وصعود نظرية النظام البيئي، وتقلص الحدود الفاصلة بين العام والخاص، بالإضافة إلى التحول إلى ما يُعرف بـ«ثقة الشبكة». يمكننا أن نفهم من ذلك استخلاصين أساسيين -إذا ما حاولنا إسقاط ذلك على الواقع- وهما: المشكلات اليوم لم تعد مشكلات «حكومية» وكذلك هي الإجراءات والتدخلات؛ فالقضايا المعقدة مثل قضايا الأمن السيبراني والأوبئة والتداعيات المناخية تستلزم عملا تضافريا؛ تقوده الحكومات شراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني وشبكات التعاون الدولي؛ ذلك أن أية أضرار مضاعفة ستتحمل عواقبها كافة الأطراف. ومن هنا فإن هذا التحدي يفرض مشاركة المعلومات والبيانات وآليات التمويل وشبكات الرصد بالإضافة إلى الموارد والقدرات والخبرات البشرية، بدون حواجز فاصلة، لمواجهة التحديات سوية. والأمر ذاته ينطبق على استثمار الفرص التي تلوح في الأفق. الأمر الآخر الذي يمكن استخلاصه أن جزءا من تكوين رصيد الثقة للحكومات وديمومة أعمالها الاستراتيجية إنما يتصل بقدرتها على تطوير «شبكات الثقة»، وهذا يرتهن بشكل أساسي في قدرتها على الاستجابة السريعة والفاعلة والمرنة لما ينشأ من مشكلات اجتماعية أو ضغوطات شعبية، وفي ذكاء التعامل مع ذلك بالشراكة مع الأطراف المكملة التي ذكرناها سابقا.
في المقابل يحلل تقرير Global Trends in Government Innovation 2023 الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 1084 مبادرة مبتكرة من 94 دولة حول العالم، وذلك لمعرفة الاتجاهات التي يركز عليها الابتكار الحكومي لمواجهة التحديات العميقة القائمة في عمل الحكومات. يرى التقرير أن هناك 4 اتجاهات كبرى يركز عليها الابتكار في العمل الحكومي راهنًا، وهي:
- تطوير أشكال جديدة للمساءلة: عبر أجهزة الاستشعار لإنترنت الأشياء، وتطوير الشفافية الخوارزمية.
- أساليب جديدة للرعاية: تتركز على الرعاية التعاطفية والتمحور حول المرضي، وتصعيد الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية.
- أساليب جديدة للحفاظ على الهويات وتعزيز العدالة: تركز على تمكين الأسر ورفع رفاهيتها وحماية التراث المعنوي وتعزيز ارتباط المجتمعات به.
- طرق جديدة لإشراك المواطنين والمقيمين: من خلال إدماجهم المباشر في المبادرات الحكومية، كمبادرات التخضير. بالإضافة إلى تعزيز ارتباط اللجان البرلمانية بالمواطنين.
تقودنا مثل هذه التقارير والتحليلات إلى التفكير في السياق الخليجي، ونقصد هنا كيف يمكن لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية استشراف «مستقبل الحكومات» فيها؛ ذلك أن بنية النظم القائمة، وأنماط الإدارة، وطبيعة تركيب المجتمعات، بالإضافة إلى أولويات التنمية وتحدياتها تحمل الكثير من المتقاطعات في السياق الخليجي. مما يمثل فرصة محتملة في سياق «استشراف مستقبل عمل الحكومات الخليجية». ندرك أن بعض الدول قد قطعت أشواطًا جيدة في هذا السياق، ولكن نرى أن العمل المشترك أيضًا يمثل أهمية نسبية. بحسب قراءتنا لمشهد التحولات والتغيرات التي تواجهها الدول الخليجية؛ فإن هناك 4 استحقاقات تواجه عملها وهي:
- الالتزامات البيئية ورهان الانتقال الطاقي ودوره في تغيير تركيبة الاقتصاد الخليجي.
- الانتقال إلى أنماط جديدة من المشاركة المجتمعية مع المجتمعات تتواكب وتوقعات المجتمع الشاب الصاعد.
- الحفاظ على الاندماج والتناغم المجتمعي في ظل استحقاقات الاندماج والتأثير في الشبكات العالمية.
- الانتقال من كفاية الخدمات العامة وتعميمها إلى مستقبل جودة الحياة المتكاملة للأفراد والمجتمعات في مختلف أشكالها (الصحة – التعليم – السلوكيات المستدامة – الثقافة).
تتيح هذه الاستحقاقات مزيدا من العمل المشترك والقائم على (الأدلة) فيما يتصل بالتعامل معها. وهنا يمكن أن تكون هناك مؤسسة/ مؤسسات معنية بـ «استشراف مستقبل الحكومات» سواء كان بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أو في أي هيكل أنسب؛ بحيث تكون مهمتها وضع التحليلات ورصد وتطوير السيناريوهات فيما يتعلق بمستقبل عمل الحكومات الخليجية، وخاصة فيما يتصل بالتداعيات الناشئة في التكنولوجيا والبيئة والمجتمع والاقتصاد، ويمكن أن تطور هذه الوحدة كذلك مرصدا للمبادرات والابتكار الحكومي، ويمكن تعميم مخرجاته على دول الخليج للاستفادة والاسترشاد بها في سبيل تجويد العمل الحكومي. إن الاعتماد على السياق الخاص لدول الخليج، اقتصادًا وثقافة ومجتمعا من الممكن أن يسهم في رسم مسارات أكثر دقة لكفاءة العمل الحكومي ومرونته واستدراكه لمتغيرات المستقبل، والانتقال بتنافسية الدولة في الخليج إلى مستويات أعلى وأكثر ديمومة وشمولا.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بالإضافة إلى لدول الخلیج فیما یتعلق
إقرأ أيضاً:
بعد تفوقها على تسلا وجنرال موتورز وفولكسفاغن.. شركات السيارات الصينية تتنافس فيما بينها
تشهد سوق السيارات الصينية تنافسًا شديدًا بين الشركات المحلية، في وقتٍ بات فيه اللحاق بها من قِبل المنافسين الأجانب أمرًا بالغ الصعوبة. اعلان
ويؤكد خبراء في القطاع أن بكين، بعد أن "أزاحت من دربها" الشركات الغربية في العالم، دخلت مرحلة من التنافس الداخلي بين عمالقتها المحليين، وفي مقدمتهم شركة "شيري"، التي تتطور بسرعة مذهلة، وشركة BYD، الرائدة في مجال السيارات الكهربائية، التي تُعد المنافس الأبرز لها على المدى البعيد
ويعزى الصعود اللافت لصناعة السيارات الصينية إلى قدرتها على "تقليص مدة تطوير السيارة الجديدة أو المعاد تصميمها إلى 18 شهرًا فقط"، أي أكثر من النصف مقارنة بالمعايير التقليدية العالمية.
وقد نقلت وكالة "رويترز" عن شركة الاستشارات AlixPartners، قولها إن متوسط عمر طراز السيارة الكهربائية أو الهجينة الصينية في السوق المحلية لا يتجاوز 1.6 سنة، مقارنة بـ 5.4 سنوات لدى العلامات التجارية الأجنبية، وهذا دليل على التجدد السريع.
وفي مقابلة مع وكالة "رويترز"، قال ريكاردو تونيلّي، كبير خبراء ديناميكيات المركبات في "شيري": "إنه من المستحيل على الشركات الأوروبية أن تنجز بسرعة شيري".
Relatedسهم تسلا يرتفع مع هدوء الخلاف بين ترامب وماسك واقتراب موعد إطلاق الروبوتاتتحول تسلا إلى "سهم سياسي": هل يؤدي خطاب ماسك إلى إضعاف شركته؟تراجع أسهم شركة سيارات BYD بعد تخفيض الأسعار ب 34% وتفوق تاريخي على تسلا في أوروباوقالت الوكالة، إنها أنجزت تحقيقًا، يؤكد تفوق السيارات الصينية في العالم، وستند إلى مقابلات مع أكثر من 40 خبيرًا في القطاع، شملت مدراء تنفيذيين وموظفين ومستثمرين في خمس شركات صينية وسبع شركات عالمية، إلى جانب زيارات ميدانية لمقرات شركات مثل BYD وZeekr وNio، ومراكز البحث والتطوير التابعة لها في الصين وأوروبا.
في عام 2024، حققت شركتا BYD و"تشيري" نموًا عالميًا بنحو 40%، فيما سجّلت "تسلا" أول تراجع سنوي في مبيعاتها، نتيجة قِدم طرازاتها وانخراط رئيسها التنفيذي إيلون ماسك في السياسة.
وبين عامي 2020 و2024، تراجعت مبيعات كبرى الشركات الأجنبية ( فولكسفاغن، تويوتا، هوندا، جنرال موتورز، ونيسان) في الصين، من 9.4 مليون إلى 6.4 مليون سيارة، فيما تضاعفت صناعة الشركات المحلية من 4.6 مليون إلى 9.5 مليون مركبة خلال نفس الفترة.
التفوق التقني والتنظيميوتنقل "رويترز" عن الخبراء الذين قابلتهم قولهن إن التفوق الصيني يعود إلى سرعة البنية التنظيمية، خاصة لدى BYD، التي تستفيد من انخفاض تكاليف اليد العاملة في الصين، وتوظف نحو 900,000 موظف، وهو عدد يقارب مجموع العاملين في تويوتا وفولكسفاغن معًا.
كما أن الشركة تُنتج معظم مكونات سياراتها داخل مصانعها، ما يُقلل من الاعتماد على الموردين، ويُسرّع عجلة الإنتاج، فضًلا عن أنها توفّر لموظفيها خدمات سكن ونقل وتعليم مدعومة.
ويضيف هؤلاء أن هناك فائضًا في القدرة الانتاجية في السوق الصينية، ما يدفع الشركات إلى تعزيز صادراتها، حيث تباع سياراتها في الخارج بأسعار تضاهي نظيراتها العالمية، بل إن أسعارها غالبًا ما تكون ضعف أسعار البيع داخل السوق الصينية.
ومع اشتداد المنافسة، يرى خبراء أن الشركات التقليدية باتت في موقع دفاعي، إذ لا يمكنها مجاراة الأسعار الصينية، رغم احتفاظها بأفضلية نسبية في فهم الأسواق الخارجية واستثمارها في الابتكار والجودة طويلة الأمد.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة