سلطنة عُمان تشارك في المعرض الدولي في بينالي البندقية للعمارة
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
البندقية "العُمانية": افتتح اليوم الجناح الوطني لسلطنة عُمان بعنوان "أثر" في المعرض الدولي بينالي البندقية للعمارة 2025 في دورته التاسعة عشرة، والذي يأتي تحت عنوان "دمج تقنيات الذكاء الإنساني والاصطناعي في مجال الفن المعماري"، وذلك تحت رعاية صاحب السمو السيد نزار بن الجلندى آل سعيد سفير سلطنة عُمان لدى الجمهورية الإيطالية.
وقال سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة (المفوض العام لجناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية) خلال كلمة ألقاها في حفل الافتتاح: إن مشاركة سلطنة عُمان في بينالي البندقية للعمارةِ في النسخة التاسعة عشرة، تمثل انطلاقة نوعية نبرز من خلالها ملامح الهوية المعمارية العُمانية، المتجذرة في الأصالة، والمنفتحة على مفاهيم الحداثة، والاستدامة، والابتكار، فهي ليست مجرد مشاركة تصميمية، بل هي تجربة متكاملة لحياةِ المجتمع العُماني، بروح سردية وبصرية امتزجت تفاصيلها بالإبداع المعماري.
وأضاف سعادته: إن هذه المشاركة هي الأولى لسلطنة عُمان في هذا المحفل المعماري، وتعد محطة تاريخية في مسيرة حضورنا الثقافي والمعماري على الساحة الدولية، وقد سعينا أن يكون حضورنا تعبيرًا صادقًا عن روح الأرض العُمانية، وعلاقتها العميقة بالطبيعة، وتمسكها بالقيم الأصيلة، وتطلعاتها نحو مستقبل يستند إلى الاحترام والرؤية المتجددة، كل ذلك تعكسه مفردة السبلة العُمانية التي ارتكزت عليها مشاركتنا، والتي هي انعكاس للحياة العُمانية منذ القدم، فالسبلة العُمانية -بكل ما تعنيه- تمثل مساحة تواصلٍ واتخاذِ قراراتٍ وحوار.
ويسلط الجناح الضوء على مفهوم السبلة العُمانية، التي تعد ركيزة أساسية في الحياة الاجتماعية، والتي تعد نموذجًا مُلهمًا لعمارة الحاضر والمستقبل، أشرفت عليه مقيمةُ الجناح المهندسة ماجدة الهنائية التي صاغت تجربة تصميمية تمزج بين الحرفية العُمانية والسرد المكاني والابتكار المادي، بما يتماشى مع شعار بينالي البندقية لعام 2025 "دمج تقنيات الذكاء الإنساني والاصطناعي في مجال الفن المعماري"، ومن خلال إعادة تخيّل السبلة ضمن رؤية معمارية معاصرة، يُبرز الجناح دور السبلة كنموذج قابل للتكيّف، يربط بين الماضي والحاضر، ويعكس القيم العُمانية الأصيلة في الضيافة والحوار وروح الجماعة.
وصُمّم جناح "أثر" بهيكل مرن وقابل لإعادة التركيب بمساحة مائة متر مربع، دون حدود واضحة بين الداخل والخارج، مما يتيح للزوار التفاعل بحرية مع المساحة، وإعادة تشكيله بما يناسب تجاربهم الشخصية.
ويتضمن الجناح مقاعد قابلة للنقل مصنوعة من خامات طبيعية منسوجة من سعف النخيل، بألوان مستوحاة من طين الفخار والرمال العُمانية، ما يوجد بيئة دافئة ومرنة تُخصَّص لاستضافة الحوارات العامة واللقاءات الثقافية طوال فترة المعرض.
وتعد هذه المشاركة الأولى من نوعها لسلطنة عُمان في بينالي البندقية للعمارة، حيث سبق أن شاركت في بينالي الفنون من خلال مناسبتين آخرها كانت في العام 2024م، وتعد هذه المشاركة فرصة فريدة لعرض التراث الثقافي والمعماري العُماني أمام الجمهور العالمي، كما تأتي هذه المشاركة وفق مستهدفات رؤية "عُمان 2040"، التي تسعى إلى إيجاد بيئة ثقافية حيوية تعزّز من حضور الثقافة العُمانية عالمياً.
ويفتح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية للعمارة أبوابه للجمهور ابتداء من يوم غد حتى الأحد 23 نوفمبر القادم.
حضر الافتتاح عدد من المسؤولين والمعنيين بالشأن الثقافي والفني وعدد من الفنانين والمهتمين بالمجالات الفنية والإبداعية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه المشارکة الع مانیة
إقرأ أيضاً:
البندقية سلاح حق ونزعها تسليم للطغيان
خالد بن سالم الغساني
دعوات نزع سلاح المُقاومة ليست جديدة، إنِّها جزء من سرديات ومحاولات قديمة تهدف إلى إخضاع الشعوب وتجريدها من قدرتها على الدفاع عن نفسها، دعوات تُغلّف باستمرار بلافتات السلام والاستقرار، بينما تعمل على تكريس الهيمنة وإدامة الاحتلال.
المقاومة ليست مجموعة من الأفراد يحملون السلاح ويناوشون العدو بين الحين والآخر ليوقعوا به أو يوقع بهم بعض الخسائر تتداولها وسائل الإعلام، ويقوم الخبراء والمحللون بتفسير أبعادها وما يترتب عليها، ويتناولها الطابور الخامس للنيل من عزيمة المقاومة وتهويل خسائرها وضعفها أمام عدو لا تمتلك قدراته ومقدراته، وبالتالي فإنها تسجل على أساس أنها مغامرات لا توصل سوى إلى مزيد من القتل والدمار، تليها دعوات إلى الاستسلام والإقرار بالهزيمة والتخلي عن أي شكل من أشكال الخروج على طاعة الاحتلال والعيش تحت ظله وسلطاته بعد نزع ما تبقى من كرامة وإرادة وشرف، إنها في المحصلة إرادة شعب يرفض الخضوع ويتمسك بحقه في الحياة الكريمة، وتمثل البندقية رمزاً لتلك الكرامة والصمود، لتقف فاصلاً في قلب الصراع بين الحق والطغيان.
المطالبات بتسليم سلاح المقاومة دائماً ما تأتي من تلك القوى التي تحاول فرض رؤيتها السياسية، سواء كانت قوى خارجية تسعى للسيطرة أو أطراف داخلية تخدم أجندات ومصالح شخصية ولا تقترب بالمطلق مما يُمكن أن يكون في خدمة الشعب، أو تلامس مصالحه ووحدة وطنه وأراضيه. إنها تتجاهل السياق التاريخي والواقع الميداني والحياتي الذي أوجد المقاومة أصلاً. فالسلاح هنا لا يُمكن أن يكون غاية أو هدفاً لامتلاك أداة قمع لتحقيق مآرب ومبتغيات شخصية آنية وضيقة، إنه وسيلة حيوية وضرورية في غاية الأهمية لمواجهة الاحتلال والاستبداد أو أي شكل من أشكال الاستعمار. وعندما يُطالب المُقاوم بتسليم سلاحه، فإنَّ ذلك لا يعني سوى مطالبته بالتَّخلي عن قدرته على حماية نفسه وأرضه وعرضه، وهويته. إنها دعوة صريحة للاستسلام والخنوع، مُغلفة بوعود وهمية بالأمان والاستقرار، فأيُّ أمن بالله عليكم وأيُّ كرامة يمكن أن ينالها الفرد تحت حكم كيانٍ طاغٍ، قائم على النهب والتنكيل والقتل والتشريد؟!
إن المقاومة الحقة، المؤمنة بوعد الله، والتي قدمت في طوال مسيرتها النضالية، الآلاف من الشهداء، والقائمة على الحق والإيمان بقدراتها ومشروعية نضالها، هذه المقاومة، أينما وجدت وعلى اختلاف أشكالها، لابد أنها تدرك جيداً أنَّ السلاح هو خط الدفاع الأمثل، الأول والأخير ضد الطغيان، وهو الضمانة الحقيقية لصنع النصر أمام عدوٍ لا يعرف سوى لغة القتل سبيلاً لبقائه.
التاريخ يروي وبوضوح حكايا وقصص كثيرة عن ما يمكن أن يحدث حين تسلم الشعوب أسلحتها وما تواجهه بعد ذلك من الاضطهاد والتهميش والخسران. تجارب عديدة وغنية بالعبر، من فلسطين إلى غيرها من الأمم والشعوب التي قاومت، تؤكد أنَّ نزع السلاح لا يمكن أن يكون سوى مقدمة لتكريس السيطرة وإسكات صوت الحق وتسليم بالظلم والهوان. لذلك تمسك المقاومة الحقيقية، المؤمنة بقضيتها والمدركة لمعاني وتبعات اختياراتها؛ بسلاحها، ليس تعنتًا أو تهديدا لأحد، بل تعبير واعٍ عن إيمان راسخ لا يُمكن أن يتزعزع، بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، والانتزاع لا يتم سوى بالقوة.
رفض المقاومة تسليم سلاحها ينبع من وعي عميق بالمسؤولية التي تحملها، والتي سقط من أجلها آلاف الشهداء، وضحى من أجلها وعانى ولا يزال شعبٌ كامل، فالسلاح في أيديها لا يمثل أداة للعنف العشوائي أو التهديد لأي طرف، إنه رمزٌ حقيقي للكرامة والعزةِ والإرادة، إنه الضمانة الوحيدة للحفاظ على توازن القوى في مواجهة عدو يمتلك كل إمكانيات التفوق العسكري والسياسي والإعلامي، لكنه لا يملك الإيمان بالعقيدة والحق اللذين يمتلكهما المقاوم ويقاتل حتى الموت من أجلهما.
تدرك المقاومة بعد كل هذا الصراع الدامي والمدمر والمرير، أن تسليم السلاح يعني تسليم المستقبل، وأن الوعود بالسلام دون ضمانات حقيقية للعدالة، ليست سوى سراب قد خبرته في سياق نضالها الطويل وتضحياتها الجسيمة، فكيف يمكن لشعب يواجه الاحتلال وأقذر أنواع الظلم من كيان مغتصب وغاشم، أن يثق بدعوات نزع السلاح من أولئك الذين يدعمون الطغاة أو يستفيدون من استمرار الصراع؟!! أو من مجتمع دولي لم يستطع الحفاظ على وعوده أو الدفاع عن قراراته وجعلها أمرا واقعا لابد من التسليم به والخضوع لأجله؟!!
وفي المقابل فإنَّ التمسك بالسلاح لا يعني رفض الحوار أو السعي للسلام، بل إنه شرط لسلام لا يُمكن أن يتم حين يكون الطرف الآخر ضعيفاً ومجرداً من كل وسائل مقاومته، وأبسطها سلاحه، فالمقاومة الحقيقية هي تلك التي تجمع بين امتلاكها لأدوات القوة وأدوات السلام، قدرتها على الجمع بين البندقية والكلمة. لأن السلام الذي يُبنى على الإذعان ليس سلامًا، إنه استسلام، والمقاومة لا يمكنها إلا أن ترفض هذا النوع من السلام المزيف، وتختار طريق الكرامة حتى لو كان صعباً وشاقًا، فالبندقية في يدها صوت للحق في وجه الطغيان، ورسالة للعالم بأنَّ الشعوب الحرة لا تقبل أن تُسلب إرادتها، إن سلبت أراضيها.
إننا نؤمن بأن دعوات نزع سلاح المقاومة، مهما تعالت أصوات من ينادون بها أو يتبنونها، -مع حسن الظن بالبعض منهم- لا يمكن أن تنجح ما دام الظلم والقتل والتجويع والدمار والتشريد والاحتلال والاستيطان قائم. سيظل سلاح المقاوم تعبير عن إرادة لا تلين، وهو يدرك أنَّ التخلي عنه يعني التخلي عن الحلم بالحرية والعدالة. ولذلك ستبقى البندقية رمزًا للصمود، وستظل المقاومة متمسكة بها، لأنها تعلم أن الحق لا يُنتزع إلا بالقوة، وأن الطغيان لا يتراجع إلا أمام إرادة شعب مقاوم ويرفض الخضوع والخنوع.