البندقية سلاح حق ونزعها تسليم للطغيان
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
خالد بن سالم الغساني
دعوات نزع سلاح المُقاومة ليست جديدة، إنِّها جزء من سرديات ومحاولات قديمة تهدف إلى إخضاع الشعوب وتجريدها من قدرتها على الدفاع عن نفسها، دعوات تُغلّف باستمرار بلافتات السلام والاستقرار، بينما تعمل على تكريس الهيمنة وإدامة الاحتلال.
المقاومة ليست مجموعة من الأفراد يحملون السلاح ويناوشون العدو بين الحين والآخر ليوقعوا به أو يوقع بهم بعض الخسائر تتداولها وسائل الإعلام، ويقوم الخبراء والمحللون بتفسير أبعادها وما يترتب عليها، ويتناولها الطابور الخامس للنيل من عزيمة المقاومة وتهويل خسائرها وضعفها أمام عدو لا تمتلك قدراته ومقدراته، وبالتالي فإنها تسجل على أساس أنها مغامرات لا توصل سوى إلى مزيد من القتل والدمار، تليها دعوات إلى الاستسلام والإقرار بالهزيمة والتخلي عن أي شكل من أشكال الخروج على طاعة الاحتلال والعيش تحت ظله وسلطاته بعد نزع ما تبقى من كرامة وإرادة وشرف، إنها في المحصلة إرادة شعب يرفض الخضوع ويتمسك بحقه في الحياة الكريمة، وتمثل البندقية رمزاً لتلك الكرامة والصمود، لتقف فاصلاً في قلب الصراع بين الحق والطغيان.
المطالبات بتسليم سلاح المقاومة دائماً ما تأتي من تلك القوى التي تحاول فرض رؤيتها السياسية، سواء كانت قوى خارجية تسعى للسيطرة أو أطراف داخلية تخدم أجندات ومصالح شخصية ولا تقترب بالمطلق مما يُمكن أن يكون في خدمة الشعب، أو تلامس مصالحه ووحدة وطنه وأراضيه. إنها تتجاهل السياق التاريخي والواقع الميداني والحياتي الذي أوجد المقاومة أصلاً. فالسلاح هنا لا يُمكن أن يكون غاية أو هدفاً لامتلاك أداة قمع لتحقيق مآرب ومبتغيات شخصية آنية وضيقة، إنه وسيلة حيوية وضرورية في غاية الأهمية لمواجهة الاحتلال والاستبداد أو أي شكل من أشكال الاستعمار. وعندما يُطالب المُقاوم بتسليم سلاحه، فإنَّ ذلك لا يعني سوى مطالبته بالتَّخلي عن قدرته على حماية نفسه وأرضه وعرضه، وهويته. إنها دعوة صريحة للاستسلام والخنوع، مُغلفة بوعود وهمية بالأمان والاستقرار، فأيُّ أمن بالله عليكم وأيُّ كرامة يمكن أن ينالها الفرد تحت حكم كيانٍ طاغٍ، قائم على النهب والتنكيل والقتل والتشريد؟!
إن المقاومة الحقة، المؤمنة بوعد الله، والتي قدمت في طوال مسيرتها النضالية، الآلاف من الشهداء، والقائمة على الحق والإيمان بقدراتها ومشروعية نضالها، هذه المقاومة، أينما وجدت وعلى اختلاف أشكالها، لابد أنها تدرك جيداً أنَّ السلاح هو خط الدفاع الأمثل، الأول والأخير ضد الطغيان، وهو الضمانة الحقيقية لصنع النصر أمام عدوٍ لا يعرف سوى لغة القتل سبيلاً لبقائه.
التاريخ يروي وبوضوح حكايا وقصص كثيرة عن ما يمكن أن يحدث حين تسلم الشعوب أسلحتها وما تواجهه بعد ذلك من الاضطهاد والتهميش والخسران. تجارب عديدة وغنية بالعبر، من فلسطين إلى غيرها من الأمم والشعوب التي قاومت، تؤكد أنَّ نزع السلاح لا يمكن أن يكون سوى مقدمة لتكريس السيطرة وإسكات صوت الحق وتسليم بالظلم والهوان. لذلك تمسك المقاومة الحقيقية، المؤمنة بقضيتها والمدركة لمعاني وتبعات اختياراتها؛ بسلاحها، ليس تعنتًا أو تهديدا لأحد، بل تعبير واعٍ عن إيمان راسخ لا يُمكن أن يتزعزع، بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، والانتزاع لا يتم سوى بالقوة.
رفض المقاومة تسليم سلاحها ينبع من وعي عميق بالمسؤولية التي تحملها، والتي سقط من أجلها آلاف الشهداء، وضحى من أجلها وعانى ولا يزال شعبٌ كامل، فالسلاح في أيديها لا يمثل أداة للعنف العشوائي أو التهديد لأي طرف، إنه رمزٌ حقيقي للكرامة والعزةِ والإرادة، إنه الضمانة الوحيدة للحفاظ على توازن القوى في مواجهة عدو يمتلك كل إمكانيات التفوق العسكري والسياسي والإعلامي، لكنه لا يملك الإيمان بالعقيدة والحق اللذين يمتلكهما المقاوم ويقاتل حتى الموت من أجلهما.
تدرك المقاومة بعد كل هذا الصراع الدامي والمدمر والمرير، أن تسليم السلاح يعني تسليم المستقبل، وأن الوعود بالسلام دون ضمانات حقيقية للعدالة، ليست سوى سراب قد خبرته في سياق نضالها الطويل وتضحياتها الجسيمة، فكيف يمكن لشعب يواجه الاحتلال وأقذر أنواع الظلم من كيان مغتصب وغاشم، أن يثق بدعوات نزع السلاح من أولئك الذين يدعمون الطغاة أو يستفيدون من استمرار الصراع؟!! أو من مجتمع دولي لم يستطع الحفاظ على وعوده أو الدفاع عن قراراته وجعلها أمرا واقعا لابد من التسليم به والخضوع لأجله؟!!
وفي المقابل فإنَّ التمسك بالسلاح لا يعني رفض الحوار أو السعي للسلام، بل إنه شرط لسلام لا يُمكن أن يتم حين يكون الطرف الآخر ضعيفاً ومجرداً من كل وسائل مقاومته، وأبسطها سلاحه، فالمقاومة الحقيقية هي تلك التي تجمع بين امتلاكها لأدوات القوة وأدوات السلام، قدرتها على الجمع بين البندقية والكلمة. لأن السلام الذي يُبنى على الإذعان ليس سلامًا، إنه استسلام، والمقاومة لا يمكنها إلا أن ترفض هذا النوع من السلام المزيف، وتختار طريق الكرامة حتى لو كان صعباً وشاقًا، فالبندقية في يدها صوت للحق في وجه الطغيان، ورسالة للعالم بأنَّ الشعوب الحرة لا تقبل أن تُسلب إرادتها، إن سلبت أراضيها.
إننا نؤمن بأن دعوات نزع سلاح المقاومة، مهما تعالت أصوات من ينادون بها أو يتبنونها، -مع حسن الظن بالبعض منهم- لا يمكن أن تنجح ما دام الظلم والقتل والتجويع والدمار والتشريد والاحتلال والاستيطان قائم. سيظل سلاح المقاوم تعبير عن إرادة لا تلين، وهو يدرك أنَّ التخلي عنه يعني التخلي عن الحلم بالحرية والعدالة. ولذلك ستبقى البندقية رمزًا للصمود، وستظل المقاومة متمسكة بها، لأنها تعلم أن الحق لا يُنتزع إلا بالقوة، وأن الطغيان لا يتراجع إلا أمام إرادة شعب مقاوم ويرفض الخضوع والخنوع.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الشيخ نعيم قاسم: لا سلام في لبنان دون توافق… ولا سلاح يُسلّم للعدو
يمانيون |
حذر نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، من الانخراط في المشروع الأمريكي الصهيوني الهادف إلى تفكيك لبنان من الداخل ودفعه نحو حرب أهلية جديدة، مؤكداً أن الحل في لبنان لا يكون بالإملاءات الخارجية، وإنما عبر التوافق الوطني الشامل الذي يحفظ كرامة البلاد وسيادتها.
وفي كلمة له خلال أربعينية الشهيد اللواء محمد سعيد إيزيدي (الحاج رمضان)، شدد الشيخ قاسم على أن وقف العدوان الصهيوني على لبنان، وطرد الاحتلال من الأراضي اللبنانية، والإفراج عن الأسرى، تمثل شروطاً أساسية لأي نقاش داخلي جاد، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى استقرار لبنان، بل إلى تجريده من أسباب القوة، وفي مقدمتها سلاح المقاومة.
وكشف قاسم أن المسؤولين الأمريكيين عرضوا إملاءات واضحة تتضمن نزع سلاح المقاومة خلال ثلاثين يوماً، وتفكيك 50% من قدراتها خلال شهر، في سياق صفقة تخدم العدو الصهيوني بشكل مباشر، مشدداً بالقول: “نحن لا نقبل أن نكون عبيداً لأحد، ومن يتحدث عن التنازلات بحجة التمويل، فليُعرّف لنا عن أي تمويل يتحدث؟”.
وأضاف: “لو سلّمنا سلاحنا، فلن يتوقف العدوان، وهذا ما يعترف به المسؤولون الصهاينة جهاراً، فالمخطط لا يستهدف المقاومة وحدها بل قدرة الشعب اللبناني بأكمله على حماية نفسه”.
وأشار الشيخ قاسم إلى أن العدو الصهيوني انقلب على اتفاق وقف إطلاق النار، مبدياً رفضه لأي تدخل خارجي في الشأن اللبناني، ومؤكداً أن “ما يخص لبنان يُناقش في لبنان، ولا حل خارج التوافق”.
وتناول نائب الأمين العام خمس نقاط جوهرية تتعلق بالوضع السياسي في لبنان، أبرزها ضرورة الشراكة الداخلية والوحدة الوطنية في بناء خارطة طريق تحمي السيادة، وترتيب الأولويات الوطنية بمعزل عن وصاية أمريكية أو غربية تُفقد لبنان إنجازاته ومقومات صموده.
وأشار إلى أن التعاون بين الدولة والمقاومة خلال الترتيبات المرتبطة باتفاق وقف إطلاق النار شكّل نموذجاً يُحتذى في الانسجام بين مؤسسات الدولة وقوى المقاومة، معتبراً أن المقاومة أثبتت مرونتها العالية في إنجاح المهام السيادية دون فرض أو تأجيل.
وأكد الشيخ قاسم أن أي عدوان صهيوني واسع على لبنان لن يكون في مصلحة العدو، قائلاً: “إذا أشعلوا الحرب، فإن المقاومة ستدافع، والجيش سيدافع، والشعب أيضاً، ولن تمرّ ساعة حتى تنهار المنظومة الأمنية التي بناها العدو خلال ثمانية أشهر”.
ودعا الدولة اللبنانية إلى تحصين الداخل وتحصيل أدوات الردع، بدلاً من السعي إلى تجريد المقاومة من سلاحها، مشدداً على أن المقاومة جزء من مخرجات اتفاق الطائف، ولا يمكن نقاشها كعنصر قابل للتصويت، بل كمكوّن تأسيسي يجب أن يحظى بتوافق جامع.
أما في سياق العدوان الصهيوني على غزة، فقد حيّا الشيخ نعيم قاسم صمود الشعب الفلسطيني، واصفاً إياه بالشعب العظيم الذي يواجه القتل والتجويع والإجرام المنهجي الأمريكي الصهيوني، مشيراً إلى أن ما يجري هو استهداف مباشر للأطفال والنساء بهدف إفراغ غزة من أهلها، في سياق مخطط يستهدف فلسطين والمنطقة بأكملها.
وتحدث الشيخ قاسم في ختام كلمته عن سيرة الشهيد اللواء محمد سعيد إيزيدي “الحاج رمضان”، مشيداً بصفاته القيادية وتواضعه وارتباطه الكبير بقادة المقاومة، وذكر أنه شارك في معارك تموز ومعركة أولي البأس في سوريا، ووضع نفسه تحت تصرف حزب الله عقب استشهاد الحاج قاسم سليماني، مؤكداً أن الصهاينة يفتخرون باغتياله، في دليل على أهمية دوره ومكانته.
كما دعا إلى تسريع المحاكمات المرتبطة بانفجار مرفأ بيروت، بعيداً عن التسييس والتدخلات الأجنبية، مؤكداً أن الحقيقة يجب أن تُكشف وأن الجناة يجب أن يُحاسبوا دون مواربة أو انصياع للضغوط الخارجية.