كان هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 "سكينا ذبح روح المجتمع الإسرائيلي"، وفق وصف مبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، لينهار الردع، إحدى الركائز الأساسية للإستراتيجية العسكرية للاحتلال وأحد الضمانات الرئيسية لحماية أمنه.

وجدت إسرائيل نفسها وللمرة الثالثة في تاريخها أمام تهديد وجودي أقرب ما يكون إلى ذلك الذي واجهته خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وحرب أكتوبر/تشرين الأول (يوم الغفران) عام 1973، وربما أشد، وذلك على الرغم من أن مؤتمر "هرتسيليا" الإستراتيجي كان قد أعلن عام 2018 أن إسرائيل "باتت أبعد ما يكون عن أي خطر يهدد وجودها".

ولذلك، تنشغل الدولة العبرية، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، بالسعي لمعرفة ما الذي حدث خلال ذلك اليوم، ليس فقط من أجل استخلاص الدروس والعبر اللازمة، بل من أجل إعادة بناء جسور الثقة المهدمة بين الجيش والجبهة الداخلية، وترميم جدران الردع مع أعدائها التي تصدعت وكانت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الكامل.

فلسطينيون يحتفلون باحتراق مركبة عسكرية إسرائيلية خلال هجمات السابع من أكتوبر (رويترز) تحقيقات مجزأة تثبت حقيقة واحدة

رفض رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي خلال الأشهر الأولى من القتال الكشف عن أي نتائج للتحقيقات التي كان يجريها الجيش قبل الانتهاء من عملية عنيفة أطلق عليها مراقبون "كي الوعي" لمحو الأثر الذي أحدثه هجوم الطوفان على كل من حاضنتي الاحتلال والمقاومة.

فهذه الخطوة كانت ضرورية وحتمية قبل الانتقال إلى الخطوة التالية، مرحلة التحقيقات والمكاشفة والمراجعة، والتي تعتبر خطوة تكميلية وضرورية لتثبيت ما تم إنجازه من أعمال الترميم خلال المرحلة الأولى.

فمشهد غزة المدمرة الغارقة في جراحها، سيخفف نسبيا من وطأة ما ستكشف عنه التحقيقات من إخفاقات معيبة ومخزية لدولة الاحتلال وجيشها المأزوم وإنجازات كبيرة ومبهرة للمقاومة.

إعلان

ومنذ يوليو/تموز 2024، أجرى جيش الاحتلال تحقيقات مفصلة في ما يزيد على 40 معركة وقعت خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، منها الهجوم على شاطئ زيكيم، والهجوم على كيبوتسي بئيري ونير عوز، والهجوم على مستوطنات كفار عزة وسديروت والهجوم على حفل نوفا الموسيقي، بالإضافة إلى تحقيقات لشعبة العمليات والاستخبارات وسلاح الجو.

ثم اختتم الجيش تحقيقاته بالكشف عن نتائج تحقيق كبير وشامل في 27 فبراير/شباط 2025، والذي مثل صدمة كبيرة للجبهة الداخلية، على الرغم من التمهيد الطويل الذي قام به الجيش من خلال التحقيقات المفصلة الصغيرة.

اشتركت أغلب التحقيقات التي أجراها الجيش في 3 مخرجات ونتائج محورية رئيسية هي:

الثقة الزائدة في المفاهيم والتصورات الإستراتيجية الكبرى التي تشكلت حول حركة حماس وعقلانيتها ونواياها تسببت في فشل استخباري وإستراتيجي كبير، وأدت إلى الخروج بتفسيرات خاطئة للوقائع والشواهد والتحركات التكتيكية المتناقضة مع تلك المفاهيم. هذه الثقة الزائدة والقناعة الراسخة حول حماس لم تتبنها القيادة العسكرية فقط، بل كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على رأس المروجين لها، وهو ما كشفت عنه تحقيقات جهاز الشاباك التي صدرت في مارس/آذار 2025، وحملت نتنياهو والجيش المسؤولية الكاملة عن الإخفاق. الاعتماد المفرط على الوسائط والقدرات التكنولوجية في الدفاع والإنذار المبكر، تسبب في إخفاقين كبيرين:
الأول، تقليص عدد القوات اللازم وجودها في كافة النقاط والمواقع والمستوطنات.
والثاني أن مقتل العديد من القادة في الساعات الأولى للهجوم مع نجاح المقاومة في تعطيل شبكات الاتصالات، تسبب في تعطل منظومة القيادة والسيطرة، وبالتالي كانت التصرفات الميدانية للجنود فردية وعشوائية، ونجم عنها تأخر في اتخاذ القرارات.

لماذا يكشف الجيش عن نتائج التحقيقات؟

ذهبت المقاومة إلى طوفان الأقصى وفي صدر أهدافها، هدم سردية دولة الاحتلال عن تفوقها المزعوم، وتحطيم كبريائها وغرورها، وتدمير معنويات جبهتها الداخلية.

إعلان

فإذا كانت تلك هي أهداف الطوفان، فلماذا يقوم الجيش بالكشف عن إخفاقاته الفادحة، بشكل يبدو للوهلة الأولى وكأنه يحقق ما أرادت المقاومة إثباته؟

بحسب الخبراء، هناك عدة أسباب قد تفسر منفردة أو مجتمعة توجه الجيش للإعلان عن نتائج تحقيقاته:

تحميل نتنياهو وحلفائه مسؤولياتهم

لم تكن مسألة تشكيل لجان رسمية من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للتحقيق في قضايا أو إخفاقات للدولة أمرا غريبا أو استثنائيا، وكافة تلك اللجان تشترك في كونها "لجانا رسمية"، تشكلت وفق قانون لجان التحقيق الصادر عام 1968، والتي ينبغي وفق القانون ذاته أن يترأسها إما رئيس المحكمة العليا أو قاض تنتدبه المحكمة لهذا الأمر ويشاركه عضوية اللجنة أعضاء آخرون.

والإشكالية أن نتنياهو في صراع دائم مع المحكمة العليا التي يسعى منذ أكثر من 3 أعوام إلى تقويض صلاحياتها، ومن غير الممكن أن يطلب منها التحقيق في إخفاقاته، بل يريد أن تظل أصابع الاتهام موجهة لقائد الجيش السابق هرتسي هاليفي ورجاله، بشكل يمكنه من ابتزازهم ودفعهم إلى المضي معه في تنفيذ رؤيته وخططه، وهو ما لم يقبله هاليفي.

وقام هاليفي في يناير/كانون الثاني 2024 بتشكيل لجنة خاصة من طرفه من خارج الجيش، للتحقيق في الأحداث، وذلك بعضوية كل من رئيس الأركان الأسبق شاؤول موفاز، والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية آرون فاركاش، والقائد الأسبق للقيادة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان.

لكن نتنياهو عطل عملها، فاضطرت إلى الخروج بتقرير مبدئي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أدانت فيه نتنياهو بشكل مباشر وحملته مسؤولية الفشل والإخفاق.

ولم يجد رئيس الأركان مفرا سوى اللجوء إلى تشكيل فرق تحقيق متعددة داخل الجيش تتقاسم فيما بينها عملية التحقيق.

نتنياهو في محور نتساريم بغزة (الجيش الإسرائيلي) سياسة الاقتصاد بالنفقات إعلان

وفي التحقيقات المتعلقة بالهجوم على كيبوتس بئيري، أقر الجيش بعدم وجود أي استعدادات مسبقة لديه للتعامل مع اختراق للسياج الأمني التكنولوجي متعدد النقاط، وأنه "لم يكن يملك العدد الكافي من القوات للزج بها في المعركة"، كاشفا عن عدم وُجود سوى 26 جنديا فقط في مواجهة أكثر من 340 عنصرا من حماس هم عدد من اخترقوا السياج بشكل متزامن من نقاط متعددة.

وهنا يلقي الجيش باللوم أيضا على نتنياهو ورجاله الذين تبنوا فكرة السياج التكنولوجي في محاولة منهم للاقتصاد في أعداد الجنود المكلفين بالحراسة والحماية على طول حدود قطاع غزة.

واعتبروا تلك الخطوة أحد الحلول غير التقليدية لعلاج أزمة تراجع الحافزية للتجنيد، لا سيما في ظل احتياج الجيش لحشد جنوده على الجبهات الأكثر أولوية وخطورة مثل جبهتي لبنان والضفة الغربية.

جدير بالذكر أن أحد كبار قادة الجيش الذين تبنوا وروجوا لخيار الجدار التكنولوجي آنذاك هو رئيس الأركان الحالي "إيال زمير" إبان فترة خدمته كقائد للمنطقة الجنوبية وعقب شغله لمنصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء نتنياهو لمدة 3 سنوات.

ويبرز مظهر آخر للإدانات المبطنة للقيادة السياسية بوضوح في نتائج تحقيقات الجيش في أحداث شاطئ زكيم، ففي الوقت الذي تضمنت فيه النتائج إدانة مباشرة لجنود لواء غولاني "بالهروب والتخلي" عن المدنيين، حملت لوما مبطنا للقيادة السياسية، حيث لطالما اشتكى جيش الاحتلال على مدار السنوات الماضية من تراجع في نوعية وكفاءة الجنود والضباط وتدني حافزيتهم للخدمة، لا سيما الحريديين الذين يحظون بحصانة وحماية دائمة من نتنياهو وحلفائه اليمينيين.

ترميم صورة الجيش

مثَّل جيش الاحتلال طوال تاريخه، نقطة الاتفاق التي يجتمع عليها المختلفون والمتناحرون، والبوتقة التي يتم فيها صهر الاختلافات الطبقية والاجتماعية والثقافية لأمة تعاني من عدم تجانس كبير، واحتفظ الجيش لنفسه كمؤسسة بمكانة لم تحظ بها حكومة أو رمز وطني.

إعلان

بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تصدعت صورة الجيش بشكل غير مسبوق، على نحو يجعل من المستحيل على المؤسسة العسكرية التستر على الإخفاق أو محاولة التهوين من حجمه، مما يفرض على الجيش أن يتوجه إلى جمهوره بمصارحة شفافة، يعترف فيها بما جرى، ويعمل على ترميم الثقة التي تزعزعت، لا أن يزيد من هشاشتها.

واستخدمت المؤسسة العسكرية نهجا خاصا في صياغتها لنتائج التحقيقات، إذ سعت إلى عدم التركيز كثيرا على بعض الإخفاقات، والتركيز بدلا من ذلك على مشاهد الشجاعة والإقدام التي أبداها بعض الجنود، في محاولة لإعادة تماسك الصورة المعنوية أمام الرأي العام.

وفي إطار تحقيق الجيش في أحداث شاطئ زكيم، سمى الجيش عملية إنزال المقاومة على شاطئ زكيم، التي نفذها أقل من 40 مقاوما، "المعركة البحرية الإسرائيلية" بما تحمله من معاني التعظيم والتضخيم لمشهد افتراضي أكبر من حقيقة الحدث.

حملت أيضا نتائج تحقيقات الجيش حول الهجوم على مستوطنة سديروت لوما مبطنا لسكان المستوطنة "اليمينيين"، الذين لم يطلعوا على الرسائل التحذيرية التي أرسلها لهم الجيش عبر هواتفهم المحمولة بسبب "التزامهم الديني بتعاليم السبت"، وفق رواية الجيش.

وفي كافة التحقيقات التي أجراها الجيش، عزا حالة الشلل التي أصابت القوات على الأرض إلى مقتل أغلب قادة الوحدات في الساعات الأولى للهجوم، وتعطل منظومة القيادة، والسيطرة لبعض الوقت، وهو وضع لن يختلف فيه سلوك أي جيش مهما كان كبيرا أو محترفا عن سلوك جيش الاحتلال.

التقَيُّد بقوانين حرية المعلومات

على الرغم من أن الجيش يمتلك الصلاحية الكاملة وفق الدستور والقانون للرقابة على ما يتم نشره في وسائل الإعلام، فإن قانون حرية المعلومات الصادر عام 1998، يعتبر أن المعلومات التي تحتفظ بها السلطة تعتبر أيضا ملكا للشخص العادي، وأنه من حق المواطن "الإسرائيلي" الحصول على المعلومات كما هي في المجال العام وفي حدود القانون.

إعلان

وعليه، فإن الجيش لا يمتلك صلاحية إخفاء "كل" المعلومات، وإنما حجب "بعضها" الذي قد يضر "يقينا" بالأمن القومي، مقيدا في ذلك بالقرار الصادر عن محكمة العدل العليا عام 1989، والذي قضى بأنه لا يجوز فرض الرقابة على تداول المعلومات إلا إذا كان هناك "يقين" بوجود ضرر حقيقي يمس بأمن الدولة.

ومع قدوم رئيس الأركان الجديد إيال زمير رجل نتنياهو والمقرب منه، يكون نتنياهو قد تخلص من عقبة المعارضة داخل الجيش، ليصبح الطريق أمامه مفتوحا لتحقيق أهدافه السياسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أکتوبر تشرین الأول رئیس الأرکان جیش الاحتلال

إقرأ أيضاً:

لهذه الأسباب نتنياهو خائف

#سواليف

شهدت الأيام والأسابيع الماضية حراكًا مهمًا، في محاولة لاستئناف المفاوضات العالقة بين حركة #حماس و #الاحتلال الإسرائيلي، بعد انقلاب #نتنياهو على اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي، وتطوير تصوّره حول وقف العدوان على غزة باشتراطه تسليم #الأسرى، ونزع #سلاح_المقاومة، وإعادة انتشار جيش الاحتلال داخل القطاع، وإعادة رسم مستقبل القطاع وفق هذه الشروط، ما قد يفتح الباب أمام استدامة الاحتلال وتنفيذ فكرة التهجير.

أمام هذا الجدار من الشروط الإسرائيلية التعجيزية، تقدّمت حركة حماس باقتراح الرزمة الشاملة، والتي تعني إطلاق كافة الأسرى دفعة واحدة شرط وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الكامل من القطاع، وفتح المعابر لدخول المساعدات وبدء الإعمار مع موافقتها على لجنة تكنوقراط فلسطينية لإدارة القطاع وفق المقترح المصري.

محاولة تحريك المياه الراكدة

مقالات ذات صلة أوقعت قتلى وجرحة .. المقاومة تستدرج قوة صهيونية بواسطة دمية تصرخ العبرية 2025/05/08

قامت حركة حماس وعبر مجلسها القيادي برئاسة محمد درويش بزيارات مكوكية ولقاءات مهمّة في الدوحة وأنقرة والقاهرة، في محاولة منها لدفع عجلة #المفاوضات استنادًا إلى مقترح (الرزمة الشاملة)، الذي يتقاطع مع رغبة أغلبية الرأي العام الإسرائيلي، ورؤية الإدارة الأميركية التي عبّر عنها مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الأسرى الأميركيين السيد آدم بولر.

هذا الجهد السياسي للحركة أفضى لمناقشة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، أثناء زيارته لواشنطن، ملفَّ مفاوضات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة، حيث التقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ومبعوث ترامب السيد ستيف ويتكوف.

بالتوازي مع ذلك بَذَلت أنقرة جهدًا باتصالاتها المباشرة مع الإدارة الأميركية، للضغط من أجل إدخال المساعدات وتحريك المياه الراكدة للمفاوضات. بعد أيّام قليلة خرج الرئيس ترامب وصرّح بأنه اتصل بنتنياهو وطلب منه إدخال المساعدات والأدوية إلى غزة.

في هذا السياق قام نتنياهو بخطوتين:

1- مناقشة إدخال المساعدات مع حكومته بناء على طلب الرئيس الأميركي:

حيث برز في نقاشات الحكومة رأيان؛ الأول أن يقوم الجيش الإسرائيلي بنفسه بعملية توزيع المساعدات، وقد تبنّى هذا الرأي وزير المالية سموتريتش لتوريط الجيش في إدارة غزة مستقبلًا، والرأي الثاني يتمحور حول إيجاد طرف ثالث (شركة أميركية) تعمل تحت عين الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وتقوم بتوزيع المساعدات في محور موراغ الفاصل بين رفح وخان يونس.

وهناك أفكار تدور حول جعل مدينة رفح منطقة خيام لإيواء النازحين، تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وهي المدينة المحصورة عمليًا بين محور صلاح الدين جنوبًا مع مصر، ومحور موراغ الفاصل بين رفح ومدينة خان يونس شمالًا.

خطورة تحويل مدينة رفح إلى منطقةِ خيام معزولة ومخصّصة للنازحين، ومصدرٍ لتوزيع المساعدات تحت إشراف جيش الاحتلال؛ أن ذلك سيؤدي إلى فرز الفلسطينيين أمنيًا، واعتقال الاحتلال من يريد تحت سيف الحاجة للمساعدات، ناهيك عن المعاناة الإنسانية لكافة سكان القطاع المنتشرين في الوسط والشمال.

من جانب آخر، هذا التصوّر يُراد منه إغلاق الباب أمام الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ومنعها من القيام بدورها الإغاثي.

الأخطر من ذلك، هو قيام الاحتلال بسيناريو قصف هذه المنطقة، بعد تكديس المدنيين فيها، ودفعهم بالقوّة للتوجه نحو سيناء المصرية.

2- إرسال رئيس الموساد ديفيد برنيع إلى الدوحة، وإرسال وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر إلى القاهرة:
ويبدو أن تلك اللقاءات، لم تفضِ إلى نتيجة عملية، حيث بقي الطرف الإسرائيلي يُصرّ على عدم وقف الحرب على غزة، وهذا ما أشار له رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أثناء مؤتمره الصحفي مع وزير خارجية تركيا هاكان فيدان في الدوحة، عندما قال إن حركة حماس لديها مقترح وشروط، ونتنياهو يرفض تلك الشروط، وهو يريد الأسرى، ولكنه لا يملك رؤية لنهاية الحرب على غزة.

ما يشير إلى أن نتنياهو أرسل رُسُله إلى الدوحة والقاهرة لتنفيس الضغط الداخلي والخارجي، واستهلاك الطاقة والوقت دون الوصول إلى نهاية.

#الحرب والانتخابات

أمام هذا الاستعصاء في مسار المفاوضات، قام الإعلام الإسرائيلي بتسريبٍ على لسان مسؤول إسرائيلي بأن الحرب ستستمرّ حتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول القادم، كما صرّح وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر بأن الحرب على غزة ستنتهي خلال 12 شهرًا.

هذه التسريبات والتصريحات، في حال دقّتها، تعني أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خائف من القادم وهذا يدفعه إلى الحرص على استمرار العدوان على غزة حتى قُبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المتوقع انعقادها منتصف العام 2026، بهدف السعي لتحقيق أحد أمرين:

العمل على هزيمة المقاومة واستسلام الفلسطينيين، ما يسمح له بإعلان النصر المطلق.
رسم مستقبل قطاع غزة كما يشاء بدءًا من إعادة احتلال القطاع وحتى تهجير الفلسطينيين، بغطاء أميركي.

إن لم ينجح في هزيمة الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو الأمر المرجّح بعد هذا التماسك والصمود الأسطوري خلال أكثر من 18 شهرًا، فإنه حينها قد يلجأ للمفاوضات لوقف إطلاق النار، وتسويق ذلك أمام الرأي العام الإسرائيلي؛ بأن المفاوضات جاءت عقب القضاء على المقاومة الفلسطينية وكتائب القسام، وأن غزة لم تعد تشكل تهديدًا لإسرائيل، وأنه حقّق أهداف الحرب.

وفي كلتا الحالتين سيستخدم أيًا من السيناريوهين، كرافعة له بين يدي الانتخابات البرلمانية، إما بإعلان النصر المطلق، أو أنه حقّق للرأي العام الإسرائيلي رغبته بوقف الحرب، واستعادة الأسرى.

المشهد يبدو معقّدًا وغامضًا إلى حد ما، قياسًا إلى صعوبة التحكّم في مسار ونتائج استمرار العدوان على غزة حتى نهاية العام الجاري، لا سيّما إذا نجحت المقاومة في استنزاف جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يعاني من الإنهاك، ويعاني من النقص العددي، حيث يرفض نحو 50% من الاحتياط العودة إلى القتال في غزة، ناهيك عن ازدياد رفض الرأي العام الإسرائيلي الحربَ خشية مقتل الأسرى، ولأن الحرب باتت مصلحة شخصية لنتنياهو لاستدامته في السلطة، وليست حربًا لأجل إسرائيل.

هذا، في وقت قد تندلع فيه مواجهات عسكرية، أو يزداد منسوب التوتّر بين إسرائيل وسوريا على خلفية استمرار احتلال إسرائيل أراضيَ سورية، وتحريضها تيارًا من الدروز للتمرّد المسلح على دمشق، ودعمها أيَّ مجموعات انفصالية أخرى؛ حرصًا منها على إضعاف دمشق لبقاء سيطرتها على جنوب سوريا بالحد الأدنى، وهو سلوك لا يروق أيضًا لتركيا التي تربط بين أمنها القومي واستقرار سوريا ووحدة أراضيها.

هذا السياق، الذي تتسارع فيه الأحداث في حالة من الغموض في سوريا ولبنان، واليمن المستمر في اشتباكه مع القوات البحرية الأميركية وإسناده لغزة، وإيران التي ما زالت تفاوض واشنطن بشأن برنامجها النووي، وغيرها من الأحداث التي قد تنبت فجأة، يجعل من قدرة إسرائيل المحتلة على التحكّم في المآلات أمرًا محل شكّ، فليس كل من يشعل حربًا يمكنه التحكّم في مخرجاتها ونتائجها، وإسرائيل ليست استثناءً.

مقالات مشابهة

  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن تجاه الأراضي الإسرائيلية
  • توقيف 3 سوريين داخل سيارة رباعية الدفع في مارينا الضبية.. هذا ما كشفته التحقيقات بشأنهم (صور)
  • الحبل الأميركي الذي قد يشنق نتنياهو
  • نتنياهو يرفض التحقيق في هجوم 7 أكتوبر قبل نهاية حرب غزة
  • إذاعة الجيش الإسرائيلي: ترامب قرر قطع الاتصال مع نتنياهو
  • لهذه الأسباب نتنياهو خائف
  • وزير الدفاع (الإسرائيلي) الأسبق يفتح النار على نتنياهو:يختبئ خلف الجيش ويدفع الجنود لارتكاب جرائم حرب
  • يعالون: نتنياهو يختبئ خلف الجيش ويدفع الجنود لارتكاب جرائم حرب