فاطمة عطفة
في البندقية، حيث تتناثر الأجنحة الثقافية في زوايا المدينة العائمة، تحلّ دولة الإمارات العربية المتحدة ضيفاً حاضراً بثقله الإبداعي ورؤاه المعمارية التي تلامس نبض الأرض واحتياجات الإنسان.
تحت عنوان شاعري بليغ: «على نار هادئة»، يقدّم الجناح الوطني لدولة الإمارات في الدورة التاسعة عشرة من المعرض الدولي للعمارة رؤيةً تأملية في أكثر قضايا العصر إلحاحاً والتي تتمثل في الأمن الغذائي.


في زمن تتأرجح فيه موائد العالم بين الفقر والوفرة، وبين الجوع والإفراط، تختار الإمارات أن تخاطب هذا القلق الكوني بلغة العمارة، ليس بوصفها حجارةً صامتة أو جدراناً تُبنى، بل كأداة للتفكير، وسلاح ناعم لإنتاج الحياة، في بيئة تزداد فيها التحديات المناخية، وتضيق فيها فسحة الزراعة التقليدية.
مشروع «على نار هادئة» ليس مجرد معرض، بل حكاية تُروى بتأنٍ، تتسرب كالماء في ثنايا الطين، وتدعو الزائر إلى إعادة التفكير في العلاقة الأزلية بين الإنسان والطعام، وبين المكان والزرع، وبين العمارة والغذاء.
يأتي هذا الحضور بدعم من مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، التي لطالما مثّلت جسراً بين الإبداع والمعرفة، وبين الطموح المجتمعي والمشاريع الثقافية المستدامة، وتشرف وزارة الثقافة على توفير الدعم الاستراتيجي وتنسيق الجهود لإنجاح هذه المشاركة الوطنية التي انطلقت في 10 مايو الجاري وتستمر حتى 23 نوفمبر المقبل.
تتقدّم الأكاديمية والمهندسة الإماراتية عزة أبوعلم، الأستاذة المساعدة في كلية الفنون والصناعات الإبداعية بجامعة زايد، القيِّمة الفنية لمشاركة جناح دولة الإمارات، بخطى واثقة في هذا الحيز العالمي، موضحةً لـ «الاتحاد» أن جناح دولة الإمارات أصبح بمثابة مختبر للأفكار المعمارية التي تتصل بالهوية المحلية والبيئة الطبيعية والتراث العمراني، وإعادة التفكير في مفاهيم الاستدامة والتصميم المعاصر والبحث المتعمق في البيئة الإماراتية. 
وتشير أبوعلم إلى أن مشروع جناح الإمارات يقدّم رؤية معمارية مبتكرة تستلهم من الماضي لتخاطب المستقبل. 
وتذكر أن «العمارة القديمة»، مثل استخدام «البارجيل»، أثرت بشكل واضح على التفكير المعماري في المشروع، إذ إن استخدام العمارة لسبل التهوية الطبيعية يمثل كيفية تعايش العمارة مع البيئة. أما من ناحية «العمارة الحديثة»، فقد لعبت دوراً في كيفية التفكير في المساحات العامة والانتقال من المباني التقليدية المغلقة إلى نماذج أكثر انفتاحاً ومرونة، تستجيب للحاجات المجتمعية المتغيرة. 

أخبار ذات صلة «مُقتنيات أبوظبي الفنية».. إرثٌ حيٌّ مستدام للإبداعات العالمية الجناح الوطني لدولة الإمارات يفتتح أبوابه للزوار

وتلفت أبوعلم إلى أن بعض النماذج التي يقدمها المشروع تعتمد على مفاهيم مثل الظل كعنصر معماري، والتبريد الطبيعي، وإعادة تصور العلاقة بين الكتلة والفراغ بطريقة توازن. وهناك نماذج أخرى تعيد النظر في استخدام الأفنية المنزلية، وتعيد تصورها عبر هياكل خفيفة الوزن وتقنيات بناء مستدامة تناسب تحديات البيئة المستقبلية. ولا يعيد مشروع «على نار هادئة» بناء الماضي كما هو، بل يستخدمه كأداة لفهم ما هو ضروري وجوهري، ثم يعيد صياغته بلغة معمارية معاصرة، تحترم التراث وتتطلع إلى المستقبل بابتكار وإبداع.
ويلقي مشروع معرض جناح دولة الإمارات هذا العام، الضوء على موضوع «الأمن الغذائي»، باعتباره تحدياً استراتيجياً محلياً وعالمياً، وذلك من خلال النهج البحثي الثلاثي للمشروع: «البحث الأرشيفي»، و«الميداني»، و«التصميم والبناء». 
وتؤكد المهندسة عزة أبوعلم، أن الدراسات البحثية الأرشيفية أثبتت علاقة إنتاج الغذاء والعمارة في الإمارات منذ القرن السادس عشر في الفجيرة. 
تلا ذلك استكشاف مشاريع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وسعيه المستمر في الأمن الغذائي المحلي. 
واستُكمل ذلك بالبحث الميداني الذي وثق 155 مزرعة وابتكارات مالكيها وسبل الزراعة المتجذرة في البيئة الصحراوية وتطورها عبر الزمن. 
وبُحث في مشاريع حول الأمن الغذائي الحضري تؤكد أهمية إنتاج الغذاء في المدن، ما يعزز استدراج تركيبات البيوت المحمية المبتكرة من خلال المشروع باستخدام الإمارات كدراسة حالة. 
دور «الاتحاد» 
أوضحت المهندسة عزة أبوعلم، أهمية الأرشيف في البحوث المعاصرة، حيث لم يكن تطور البحث العلمي المرتبط بالأمن الغذائي والزراعة المحلية في المشروع ممكناً دون الاعتماد على المصادر التاريخية التي يوفرها الأرشيف الوطني. 
وأكدت أن الأرشيف ساهم في توثيق تقنيات الزراعة التقليدية مثل الأفلاج وإدارة موارد المياه في البيئات الصحراوية، بالإضافة إلى توفير خرائط تاريخية للأراضي الزراعية والمناطق المحمية في الإمارات، ونسخ من صحيفة الاتحاد.  ولعب الأرشيف، خاصة «صحيفة الاتحاد»، دوراً مهماً في كتابة المقال التاريخي في المنشور المصاحب للجناح الوطني لهذا العام، حيث يروي قصص تلاقي العمارة وإنتاج الطعام في الإمارات في ثلاث حقبات زمنية مختلفة تتضمن تصفح الصحيفة من عام 1969 وحتى 1999.  وقد أظهرت الصحيفة، في تلك الأعوام، مدى حرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على الزراعة المحلية، وكان الأمن الغذائي دائماً أولوية، حيث تمثل هذه الفترة طفرة في إنتاج الغذاء وانبثاق مفاهيم الأمن الغذائي. 
 وأشارت المهندسة عزة أبوعلم إلى أن المشاريع الغذائية التي استحدِثت في تلك الآونة لم تعمل على إعادة تشكيل المشهد الزراعي فقط، بل شملت أيضاً البيئة المبنية، وبالتالي المدن الإماراتية ككل.  وبذلك يصبح الأرشيف أكثر من مجرد سجل للماضي، بل أداة استراتيجية لرسم مستقبل زراعي مستدام، يعزز الأمن الغذائي للإمارات.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الأمن الغذائي الزراعة البندقية الإمارات المعرض الدولي للعمارة الأمن الغذائی دولة الإمارات على نار هادئة

إقرأ أيضاً:

صوان: ليبيا تعفي البرازيل من رسوم الاستيراد لدعم الأمن الغذائي

السفير صوان: إعفاء البرازيل من رسوم الاستيراد يعكس متانة التعاون مع ليبيا

ليبيا – سلطت مقابلة صحفية أجراها القسم الإنجليزي في “وكالة الأنباء العربية البرازيلية” مع السفير الليبي في البرازيل، أسامة صوان، الضوء على تحسن العلاقات التجارية بين طرابلس وبرازيليا، في ظل إجراءات تسهيلية اتخذتها الحكومة الليبية مؤخراً.

???? تعزيز الميزان التجاري والتعاون الثنائي ????
قال السفير صوان في المقابلة التي تابعتها وترجمتها صحيفة المرصد، إن قوة الميزان التجاري والتعاون في مجال الأمن الغذائي، كانت من الدوافع الرئيسية لإعفاء ليبيا للمنتجات البرازيلية من الضريبة الجديدة على الاستيراد.

???? توضيح بشأن الضريبة الجديدة ????
وأوضح صوان أن حكومة الدبيبة أعلنت مؤخرًا عن فرض “ضريبة استهلاك” على السلع المستوردة التي يُنتج مثيل لها محليًا، أو تلك التي تتجاوز وارداتها حاجة السوق الليبي، مؤكدًا أن الصادرات البرازيلية ستظل معفاة من هذه الرسوم.

???? الإعفاء يعكس الثقة في الشراكة الاقتصادية ????
وأكد السفير أن الإعفاء الممنوح للبرازيل لا يعكس فقط حجم التعاون الثنائي، بل يعزز الأمن الغذائي في ليبيا من خلال ضمان تدفق واردات استراتيجية بأسعار تنافسية.

ترجمة المرصد- خاص

مقالات مشابهة

  • الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم في بينالي البندقية 2025
  • الجناح الوطني لدولة الإمارات يفتتح أبوابه للزوار
  • عاجل- مدبولي يتفقد مشروعات استراتيجية في مجال الأمن الغذائي والتجارة اللوجستية
  • الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم عبر “مدرسة أم سليم” في بينالي البندقية 2025
  • الإبل في الحدود الشمالية ثروة طبيعية تعزز الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي
  • تتجاوز 7.5 مليون رأس.. الإبل في الحدود الشمالية ثروة طبيعية تعزز الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي
  • جناح قطر في بينالي البندقية ينظم معرض "بيتي بيتك" لتسليط الضوء على دور العمارة في تلبية احتياجات المجتمعات
  • صوان: ليبيا تعفي البرازيل من رسوم الاستيراد لدعم الأمن الغذائي
  • افتتاح جناح الإمارات في «بينالي البندقية»