من اليمن إلى فلسطين: المشروع القرآني يفرض معادلاته
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
محمد الجوهري
الاتفاق الأخير بين صنعاء وواشنطن لم يكن وليدَ ضعفٍ أو تراجع، بل هو نتيجةٌ طبيعية لمسار طويل من العمليات البطولية التي فرضت على العدو الأمريكي إعادة حساباته، والقبول بالمهادنة مقابل الحفاظ على مصالحه الخاصة، حتى لو كلّفه ذلك التخلي عن حماية الكيان الصهيوني، حليفه التقليدي. وهذه سابقة غير معهودة في تاريخ السياسة الأمريكية، التي طالما قدمت مصالح “إسرائيل” على حساب شعوبها ومبادئها، لكن يبدو أن الموازين قد تبدلت، وأن الزمن قد أذن بمرحلة جديدة، عنوانها التحرر والاستقلال، وبوّابتها بإذن الله تحرير الأقصى.
هذا التحول يعيد إلى الأذهان اتفاقاً مشابهاً حصل قبل نحو عقدين، وتحديدًا خلال الحرب الثالثة على صعدة، أواخر عام 2006. فقد اضطر حينها نظام علي عبدالله صالح، ولأول مرة، إلى وقف عدوانه عبر اتفاق مباشر مع المجاهدين، في سابقة كسرت غرور السلطة وغيّرت قواعد المواجهة. ذلك الاتفاق الذي قاده السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – كان بمثابة إعلان هزيمة للسلطة العميلة رغم تفوقها العددي والتسليحي، بعدما عجزت عن تحقيق نصر عسكري حاسم. وتضمّن الاتفاق حينها الإفراج الكامل عن مئات الأسرى من المجاهدين، في خطوة مثلت ضربة قاصمة لنظام صالح وأدواته من الخونة المحليين، الذين انخرطوا في العدوان بدوافع نفاقية بحتة.
وكما هي عادتهم، لجأ الخونة بعد تلك الهزيمة إلى تبرير موقفهم بترويج فرضية “المسرحية”، واعتبار الحرب مؤامرة استهدفتهم هم لا غيرهم، في محاولة بائسة للتنصل من نتائج الفشل. فاضطر كثير منهم إلى الرضوخ للمشروع القرآني، وقبوله كأمر واقع، فيما اختار آخرون الهروب بعدما أدركوا أن الحسم العسكري لم يعد مطروحاً، وأن المشروع القرآني لم يعد فكرة قابلة للإجهاض، بل أصبح واقعاً قائماً يتعذر تجاوزه.
واليوم، تتكرر مأساة الخونة، ولكن هذه المرة على نطاقٍ أوسع بكثير وأكثر فداحة. فلم يعد الخونة مجرد زعامات محلية أو شيوخاً مأجورين من أبناء صعدة، بل أصبحوا أنظمة بأكملها، يقودها حكام أغلب الدول العربية الذين باعوا قضايا الأمة في سوق الذل والتطبيع، وارتموا في أحضان العدو الصهيوني، ظنًّا منهم أن الولاء له يحمي عروشهم من السقوط. ومعهم، أيضاً، جحافل من الفصائل المسلحة المرتزقة، ممن ارتضوا أن يكونوا أدوات للعدوان وأذرعاً عسكرية تخدم أجندات الاستكبار العالمي.
هؤلاء الخونة، على اختلاف مواقعهم ومسمياتهم، وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف أمام حقيقة واحدة لا تقبل الجدل: أن المشروع القرآني الذي ولد من رحم المعاناة والتضحيات، لم يعد ظاهرة محلية أو حركة مقاومة محاصرة، بل تحوّل إلى قوة إقليمية عظمى، لها كلمتها ومشروعها وأهدافها، وتتمدد بثباتٍ في وعي الأمة وساحات المواجهة. لقد أدركوا – مكرهين – أن لا مفر من التعايش مع هذه القوة الجديدة، بل والخضوع لمعادلاتها، لأنها ببساطة باتت تمسك بزمام المبادرة وتفرض شروطها على الأرض، كما فعلت في اليمن، وفي البحر الأحمر، وعلى أبواب فلسطين.
فالمعادلة انقلبت، والمشروع القرآني بات في موقع المهاجم، لا المدافع، والمبادر، لا المنتظر. أما هم، فانتقلوا من موقع السيادة إلى خانة الترقب والارتهان، يحسبون كل صيحة عليهم، ويراقبون كل بيان، وكل عملية، وكل موقف، لأنهم يعلمون جيدًا أن هذا المشروع لا يعرف المهادنة مع الخيانة، ولا يقبل التعايش مع الاحتلال، وأن أول تحركاته الحاسمة – والتي بدأت فعلياً – هي فتح الطريق نحو تحرير فلسطين من دنس الصهاينة، وإعادتها إلى حضن الأمة، طاهرةً محرّرة، مرفوعة الراية.
إن ما جرى ويجري اليوم، ليس مجرد تحولات سياسية عابرة، بل هي دلائل قاطعة على اقتراب وعد الله لعباده الصادقين، وتبدل سننه في الأرض. فالأقصى اليوم أقرب من أي وقت مضى، والخونة، في كل مكان يعيشون أسوأ لحظات الانكسار والتهميش. لقد سقطت الأقنعة، وتكشفت النوايا، وباتت الأمة قادرة – بمشروعها القرآني – أن تصنع التاريخ بيدها، وأن تعيد العزّة والكرامة إلى ديارها، وما النصر إلا من عند الله.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: المشروع القرآنی لم یعد
إقرأ أيضاً:
من أمانة العاصمة إلى الحديدة وذمار وريمة.. المولد النبوي يوحّد الساحات اليمنية
يمانيون | تقرير
شهدت مختلف المحافظات والمديريات اليوم، انطلاقة واسعة لفعاليات وأنشطة إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، في مشهد وطني وإيماني متكامل جمع بين بهجة المناسبة وقدسيتها، ورسالة الصمود والمواجهة في وجه العدوان والحصار.
لم يكن الاحتفال مجرد مظاهر إنشادية وزينة للأحياء والشوارع، بل حمل أبعادًا سياسية وروحية، أعادت التأكيد على ارتباط اليمنيين الوثيق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى ثبات موقفهم الداعم للشعب الفلسطيني ومواجهة الغطرسة الصهيونية، في الوقت الذي يخوض فيه اليمن معركة الدفاع عن أرضه وكرامته.
أمانة العاصمة.. انطلاقة روحية وتحضيرات واسعة
في مديرية آزال بأمانة العاصمة، دشّنت الفعاليات بلقاءات رسمية ومجتمعية، أكد خلالها وكيل أمانة العاصمة لشؤون الأحياء الدكتور قناف المراني، ومدير المديرية محمد الغليسي، ومسؤول التعبئة أبو حسين البحيري، أن إحياء المولد النبوي الشريف يعكس الوفاء للرسالة المحمدية، ويجسد التمسك بالقرآن ونهج الرسول في مواجهة أعداء الأمة ونصرة المستضعفين.
وشددت الكلمات على ضرورة الحشد الشعبي وتزيين الشوارع والمباني، وربط المناسبة بأعمال الإحسان والتكافل الاجتماعي، بما يعكس ثقافة الأمة التي أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور.
همدان.. المولد النبوي في قلب الجبهة التربوية
في محافظة صنعاء، دشّن القطاع التربوي بمديرية همدان فعاليات المولد النبوي، حيث أشار وكيل المحافظة لقطاع التربية والشباب طالب دحان إلى أن المناسبة فرصة لترسيخ قيم الولاء والانتماء، بينما أكد مدير المديرية فهد عطية أن التمسك بالنهج المحمدي هو الضمانة الحقيقية لبقاء الأمة قوية وعزيزة في مواجهة التحديات، وفي مقدمتها المشروع الصهيوني.
وتزينت الفعالية بفقرات إنشادية لطلاب مدارس الوحدة العربية، عكست مكانة الرسول الأعظم في نفوس الأجيال الجديدة.
ذمار.. الأمن في خدمة الرسالة المحمدية
في محافظة ذمار، أحيت إدارة الأمن ذكرى المولد النبوي بفعالية توعوية، أكد خلالها العميد محمد المهدي على الارتباط بسيرة النبي الكريم كمنهج حياة، مشيرًا إلى فتح 50 مركزًا لدورات “طوفان الأقصى” لمنتسبي الأمن، في دلالة على تلاقي المعركة الأمنية مع معركة الأمة الكبرى ضد المشروع الصهيوني.
وتحدث العلامة إسماعيل الوشلي عن مكارم النبي وشجاعته في مواجهة أعداء الله، داعيًا إلى استلهام دروس الصمود والثبات.
الحديدة.. لواء من الفعاليات يتقدم نحو الحفل المركزي
شهدت محافظة الحديدة سلسلة واسعة من الفعاليات في الدريهمي وجبل رأس والميناء وزبيد، حيث ركزت الكلمات على أن الاحتفال بالمولد النبوي هو إعلان ولاء متجدد للرسول الأكرم، وتأكيد على موقف اليمن الثابت من فلسطين، في ظل ما يتعرض له شعبها من حصار وعدوان.
في جبل رأس، ربطت الكلمات المناسبة بوحدة الصف اليمني في مواجهة العدوان، فيما شدد وكيل المحافظة محمد حليصي في فعالية الميناء على أن المناسبة رسالة صمود وتجديد للعهد بالسير على نهج النبي.
أما في زبيد، فقد تحولت الأمسية الاحتفالية إلى منبر لتأكيد الهوية الإيمانية ورفض الهيمنة، وللتذكير بأن الاحتفال بالمولد النبوي في زمن الحصار والعدوان هو موقف مقاوم بامتياز.
البعد الأمني في الحديدة.. المولد النبوي جبهة أخرى
إدارة أمن الحديدة بدورها نظمت فعالية خطابية تحت شعار “لبيك يا رسول الله”، تحدث فيها المحافظ عبدالله عطيفي عن أن الفعاليات هذا العام ستجمع بين الابتهاج بالمناسبة وبرامج الإحسان والتكافل، تعزيزًا للجبهة الداخلية.
ورأى الشيخ علي عضابي أن نصرة فلسطين تنسجم تمامًا مع نهج الرسول، فيما أكد المقدم بسام اللاعي أن الأمن في الحديدة جزء من معركة الأمة ضد المشروع الصهيوني، وأن أي اختراق أمني هو خط أحمر.
الأوقاف والعلماء.. المولد النبوي عهد ووحدة صف
في فعالية نظمتها الأوقاف وقطاع الإرشاد وجامعة دار العلوم الشرعية بالحديدة، شدد محافظ المحافظة عبدالله عطيفي على أن الاحتفاء بالمولد النبوي هو وفاء لنعمة الله على الأمة، فيما دعا مدير مكتب الأوقاف عبدالله شايم ومسؤول قطاع الإرشاد عبدالرحمن الورفي إلى جعل المناسبة فرصة لتعزيز الوحدة والاصطفاف في مواجهة التحديات، وفي مقدمتها العدوان على غزة.
أما العلامة درويش الوافي، فقد قارن بين موقف الأنصار مع رسول الله في المدينة، وموقف اليمنيين اليوم مع فلسطين، باعتباره امتدادًا تاريخيًا للقيم والمبادئ.
ريمة.. انطلاقة تعكس عمق الارتباط بالمناسبة
وفي محافظة ريمة، دشنت السلطة المحلية فعاليات المولد النبوي وسط حضور رسمي وشعبي، أكد خلاله أمين عام المجلس المحلي حسن العمري أن المناسبة تعبر عن عمق الارتباط برسول الله، وعن تمسك اليمنيين بسيرته في مواجهة الطغيان ونصرة المستضعفين.
المولد النبوي في اليمن.. منصة للمشروع المقاوم
لم يعد المولد النبوي الشريف في اليمن مجرد ذكرى دينية عابرة، بل تحول في السنوات الأخيرة إلى منصة جامعة لمشروع ثقافي وسياسي متكامل، يواجه ما يصفه اليمنيون بـ”الحلف الصهيوأمريكي” الذي يستهدف الأمة في دينها وهويتها واستقلال قرارها.
وتجسد هذه الفعاليات، التي تنطلق من الأحياء والمدارس والمساجد وصولًا إلى الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية، رؤية تعتبر الثقافة القرآنية والاقتداء بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أساسًا لبناء المجتمع القادر على الصمود.
كما أن تحويل الاحتفالات إلى ساحات توعية وتعبئة، مع ربطها بمشاريع التكافل الاجتماعي والإسناد للجبهات، يعكس الفهم العميق لدور المناسبات الدينية في بناء الجبهة الداخلية وتوحيد الصفوف.