محمد الجوهري

الاتفاق الأخير بين صنعاء وواشنطن لم يكن وليدَ ضعفٍ أو تراجع، بل هو نتيجةٌ طبيعية لمسار طويل من العمليات البطولية التي فرضت على العدو الأمريكي إعادة حساباته، والقبول بالمهادنة مقابل الحفاظ على مصالحه الخاصة، حتى لو كلّفه ذلك التخلي عن حماية الكيان الصهيوني، حليفه التقليدي. وهذه سابقة غير معهودة في تاريخ السياسة الأمريكية، التي طالما قدمت مصالح “إسرائيل” على حساب شعوبها ومبادئها، لكن يبدو أن الموازين قد تبدلت، وأن الزمن قد أذن بمرحلة جديدة، عنوانها التحرر والاستقلال، وبوّابتها بإذن الله تحرير الأقصى.

هذا التحول يعيد إلى الأذهان اتفاقاً مشابهاً حصل قبل نحو عقدين، وتحديدًا خلال الحرب الثالثة على صعدة، أواخر عام 2006. فقد اضطر حينها نظام علي عبدالله صالح، ولأول مرة، إلى وقف عدوانه عبر اتفاق مباشر مع المجاهدين، في سابقة كسرت غرور السلطة وغيّرت قواعد المواجهة. ذلك الاتفاق الذي قاده السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – كان بمثابة إعلان هزيمة للسلطة العميلة رغم تفوقها العددي والتسليحي، بعدما عجزت عن تحقيق نصر عسكري حاسم. وتضمّن الاتفاق حينها الإفراج الكامل عن مئات الأسرى من المجاهدين، في خطوة مثلت ضربة قاصمة لنظام صالح وأدواته من الخونة المحليين، الذين انخرطوا في العدوان بدوافع نفاقية بحتة.

وكما هي عادتهم، لجأ الخونة بعد تلك الهزيمة إلى تبرير موقفهم بترويج فرضية “المسرحية”، واعتبار الحرب مؤامرة استهدفتهم هم لا غيرهم، في محاولة بائسة للتنصل من نتائج الفشل. فاضطر كثير منهم إلى الرضوخ للمشروع القرآني، وقبوله كأمر واقع، فيما اختار آخرون الهروب بعدما أدركوا أن الحسم العسكري لم يعد مطروحاً، وأن المشروع القرآني لم يعد فكرة قابلة للإجهاض، بل أصبح واقعاً قائماً يتعذر تجاوزه.

واليوم، تتكرر مأساة الخونة، ولكن هذه المرة على نطاقٍ أوسع بكثير وأكثر فداحة. فلم يعد الخونة مجرد زعامات محلية أو شيوخاً مأجورين من أبناء صعدة، بل أصبحوا أنظمة بأكملها، يقودها حكام أغلب الدول العربية الذين باعوا قضايا الأمة في سوق الذل والتطبيع، وارتموا في أحضان العدو الصهيوني، ظنًّا منهم أن الولاء له يحمي عروشهم من السقوط. ومعهم، أيضاً، جحافل من الفصائل المسلحة المرتزقة، ممن ارتضوا أن يكونوا أدوات للعدوان وأذرعاً عسكرية تخدم أجندات الاستكبار العالمي.

هؤلاء الخونة، على اختلاف مواقعهم ومسمياتهم، وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف أمام حقيقة واحدة لا تقبل الجدل: أن المشروع القرآني الذي ولد من رحم المعاناة والتضحيات، لم يعد ظاهرة محلية أو حركة مقاومة محاصرة، بل تحوّل إلى قوة إقليمية عظمى، لها كلمتها ومشروعها وأهدافها، وتتمدد بثباتٍ في وعي الأمة وساحات المواجهة. لقد أدركوا – مكرهين – أن لا مفر من التعايش مع هذه القوة الجديدة، بل والخضوع لمعادلاتها، لأنها ببساطة باتت تمسك بزمام المبادرة وتفرض شروطها على الأرض، كما فعلت في اليمن، وفي البحر الأحمر، وعلى أبواب فلسطين.

فالمعادلة انقلبت، والمشروع القرآني بات في موقع المهاجم، لا المدافع، والمبادر، لا المنتظر. أما هم، فانتقلوا من موقع السيادة إلى خانة الترقب والارتهان، يحسبون كل صيحة عليهم، ويراقبون كل بيان، وكل عملية، وكل موقف، لأنهم يعلمون جيدًا أن هذا المشروع لا يعرف المهادنة مع الخيانة، ولا يقبل التعايش مع الاحتلال، وأن أول تحركاته الحاسمة – والتي بدأت فعلياً – هي فتح الطريق نحو تحرير فلسطين من دنس الصهاينة، وإعادتها إلى حضن الأمة، طاهرةً محرّرة، مرفوعة الراية.

إن ما جرى ويجري اليوم، ليس مجرد تحولات سياسية عابرة، بل هي دلائل قاطعة على اقتراب وعد الله لعباده الصادقين، وتبدل سننه في الأرض. فالأقصى اليوم أقرب من أي وقت مضى، والخونة، في كل مكان يعيشون أسوأ لحظات الانكسار والتهميش. لقد سقطت الأقنعة، وتكشفت النوايا، وباتت الأمة قادرة – بمشروعها القرآني – أن تصنع التاريخ بيدها، وأن تعيد العزّة والكرامة إلى ديارها، وما النصر إلا من عند الله.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: المشروع القرآنی لم یعد

إقرأ أيضاً:

محافظة صنعاء تشهد وقفات شعبية حاشدة تحت شعار “جهوزية واستعداد .. والتعبئة مستمرة”

الثورة نت /..

شهدت محافظة صنعاء عقب صلاة الجمعة، اليوم، وقفات شعبية حاشدة تحت شعار “جهوزية واستعداد .. والتعبئة مستمرة”.

ورددّ المشاركون في وقفات بعموم مساجد قرى وعزل مديريات المحافظة، هتافات التعبئة والجهاد والنصرة للشعب الفلسطيني، وشعارات منددة باستمرار جرائم العدو الصهيوني في غزة والضفة الغربية.

وجددّ أبناء صنعاء، تفويضهم لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، والتأكيد على ثبات الموقف في نصرة المستضعفين وقضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

وأعلنوا الاستعداد والجاهزية العالية لمواجهة الأعداء وأذنابهم وعملائهم، والتصدي للمؤامرات الإجرامية التي تستهدف الوطن والأمة العربية والإسلامية.

وأكدوا استمرارهم في التعبئة والاستنفار الشعبي والالتحاق بدورات “طوفان الأقصى”، استعدادًا لمواجهة أعداء الأمة واليمن وفلسطين، والعمل وفق مقتضيات الهوية الإيمانية واستشعار المسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية نصرة لغزة وكل فلسطين.

وأوضح بيان صادر عن الوقفات، أن الشعب اليمني، يتابع مماطلة العدو الصهيوني وتنصله من التزاماته ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بهدف مفاقمة معاناة الشعب الفلسطيني المسلم.

واستنكر، منع الكيان الصهيوني المجرم، إدخال مواد الإيواء والإغلاق لمعبر رفح بالتعاون مع النظام المصري العميل مخالفًا بذلك ما تم الاتفاق عليه، خاصة مع دخول فصل الشتاء واشتداد المنخفضات الجوية.

وندد البيان، باستمرار جرائم العدو الصهيوني بحق الأشقاء في الضفة الغربية واستمرار تدنيس مغتصبيه لباحات المسجد الأقصى المبارك.

ولفت إلى أن العدو من خلال الحرب الناعمة التضليلية والإفسادية التي تُديرها الصهيونية العالمية، نجح في تطويع معظم أنظمة وشعوب أمتنا وإخضاعهم لإملاءاته، وحوّل ثروات الأمة إلى موارد لهم، والأوطان إلى قواعد عسكرية، وفرغوا شعوب الأمة من محتواها الإنساني والأخلاقي والإسلامي إلى مستوى الإفلاس والانسلاخ الإيماني.

وأكد البيان، ثبات الموقف المساند والمناصر لغزة ولحزب الله ولأحرار الأمة الإسلامية، لافتًا إلى أن المشاركين في الوقفات، خرجوا لتجديد ثبات موقفهم المساند لغزة ولحزب الله ولأحرار الأمة الإسلامية، وتأكيد وقوفهم إلى جانب السيد القائد في السعي لإقامة القسط ونصرة المستضعفين، وثقتهم بنصر الله وتأييده.

ودعا البيان، الجميع إلى مواجهة الحرب الناعمة التي ألحقت بالأمة أضرارًا تفوق ما تسببه الحروب العسكرية، وجعلتها تعيش حالة من التيه والذلة والتبعية العمياء لأعداء الأمة وأماتت الضمير الإنساني لدى الكثير من أبنائها، مؤكدًا أهمية رفع مستوى الوعي وتحسين المناعة الأخلاقية والفكرية للمجتمع.

كما أكد البيان، استمرار التعبئة بأنشطتها المختلفة، داعياً قبائل اليمن إلى مواصلة وقفاتها المسلحة والمشرفة، مثمنًا الجهود المباركة لكافة المشايخ والوجهاء والأحرار، في دعم الجبهة الداخلية والحفاظ على وحدة الصف الوطني.

وحث نساء اليمن والأمة الإسلامية عامة على الاقتداء بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، والسير على نهجها الإيماني الأصيل الذي رفع مكانة المرأة عاليًا.

مقالات مشابهة

  • الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة.. «فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً»
  • النقلات النوعية السبع في مشروع النهوض الحضاري
  • تطوير ميناء المخا.. رهان اقتصادي يعيد إحياء بوابة تجارة هامة في اليمن
  • وقفات حاشدة في ريمة نصرة لغزة وتأكيدًا على الجهوزية للتصدي للأعداء
  • الخواطر … بوابة إلى الوعي القرآني وسمو الروح
  • محافظة صنعاء تشهد وقفات شعبية حاشدة تحت شعار “جهوزية واستعداد .. والتعبئة مستمرة”
  • أبناء البيضاء يجددون دعمهم لغزة ولبنان ويدعون للنفير لمواجهة مخططات تمزيق الوطن
  • وقفات حاشدة في ذمار تأكيداً على الجهوزية واستمرار التعبئة
  • وقفات حاشدة في المحويت تؤكد جهوزية واستعداد والتعبئة مستمرة
  • وقفات حاشدة بصنعاء تحت شعار جهوزية واستعداد.. والتعبئة مستمرة