سلاح المياه: لماذا يعتبر تعليق الهند لمعاهدة مياه السند تهديدا خطيرا؟
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
تجد معاهدة مياه السند (IWT)، وهي اتفاقية مرنة بشكل ملحوظ نجت من الحروب والتوترات الثنائية المستمرة بين الهند وباكستان لأكثر من ستة عقود، نفسها مرة أخرى تحت التدقيق. ففكرة تعليق هذه المعاهدة المصاغة بعناية أو إلغاؤها من جانب واحد، والتي غالبا ما يتم طرحها في لحظات الاحتكاك السياسي المتزايد، تمثل إغراء خطيرا.
وتنظم المعاهدة، التي تم التوصل إليها بوساطة البنك الدولي ووُقعت في عام 1960، تقاسم مياه نظام نهر السند، الذي يشمل أنهار السند، وجيلوم، وتشيناب. وقد خصصت الاتفاقية مياه الأنهار الشرقية (رافي، وبياس، وسوتليج) بالكامل تقريبا للهند، في حين حصلت باكستان على حقوق حصرية في الأنهار الغربية (إندوس، وجيلوم، وتشيناب). كما أنشأت المعاهدة لجنة دائمة لنهر السند لمعالجة أي نزاعات وتوفير آليات لحل الخلافات من خلال المفاوضات الثنائية والمصالحة، وفي نهاية المطاف التحكيم من قبل البنك الدولي.
ويكمن النجاح الدائم لمعاهدة مياه السند في نهجها العملي تجاه مورد حيوي ومثير للجدل في كثير من الأحيان، وقد أدركت هذه المعاهدة الحقائق الجغرافية والاعتماد التاريخي لكلا البلدين على حوض نهر السند. فمن خلال تحديد تقاسم المياه بوضوح وإنشاء آلية قوية لتسوية النزاعات وفّرت المعاهدة إطارا للتعاون، حتى في خضم فترات من العداء السياسي الشديد. وبالتالي، فإن تعليق هذه المعاهدة لن يؤدي إلى كشف هذا الإطار الذي تم إنشاؤه بعناية فحسب، بل سيطلق أيضا سلسلة من التداعيات السلبية.
إن إحدى الحجج الأساسية ضد تعليق معاهدة مياه نهر السند ترتكز على عدم جدواها كأداة للإكراه، فتدفقات المياه تخضع للجغرافيا والمناخ، وليس للإملاءات السياسية. وفي حين أن الهند لديها القدرة على بناء البنية التحتية لزيادة تخزينها واستخدامها للأنهار الغربية، فإن أي محاولة لإعاقة التدفق الطبيعي لهذه الأنهار إلى باكستان بشكل كبير ستكون مهمة معقدة للغاية ومكلفة وتستغرق وقتا طويلا، فتصميم البنية التحتية الحالية إلى حد كبير لتوليد الطاقة والري المحدود، وليس للتحويل على نطاق واسع. وعلاوة على ذلك، فإن أي إجراء أحادي الجانب من هذا القبيل من المرجح أن يواجه إدانة دولية شديدة وعواقب محتملة.
وعلاوة على ذلك، فإن التبعات القانونية المترتبة على تعليق المعاهدة كبيرة، فمعاهدة مياه نهر السند هي اتفاقية دولية ملزمة قانونا، ويضمنها البنك الدولي، وإلغاء أو تعليق المعاهدة من جانب واحد سيكون انتهاكا للقانون الدولي، وسيضر بمكانة الهند كجهة فاعلة عالمية مسؤولة، ويشكل سابقة خطيرة للمعاهدات الدولية الأخرى. ومن شأن أيضا ذلك أن يؤدي إلى تآكل الثقة وتقويض مصداقية الهند الدبلوماسية، مما يجعل من الصعب تأمين التعاون بشأن قضايا حاسمة أخرى.
وإلى جانب التحديات العملية والقانونية، فإن العواقب الدبلوماسية والسياسية المترتبة على استخدام معاهدة مياه السند كسلاح بعيدة المدى ومحفوفة بالمخاطر:
أولا، من شأنه أن تلحق ضررا كارثيا بالعلاقات الثنائية بين الهند وباكستان، وتدفعهما إلى مسار انعدام الثقة والعداء. فحوض نهر السند يعد شريان الحياة للاقتصاد الزراعي في باكستان ومصدرا حيويا للمياه لسكانها، وأي تهديد متصور لهذا الأمن المائي سوف يُنظر إليه باعتباره تهديدا وجوديا، مما يؤدي إلى تفاقم المشاعر المعادية للهند مع احتمال خطير لتأجيج الاضطرابات الداخلية. وقد يؤدي هذا إلى تقويض أي احتمالات للحوار والتعاون في المستقبل بشأن قضايا ملحة أخرى، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والأمن الإقليمي.
ثانيا، فإن تعليق معاهدة مياه نهر السند من شأنه أن يخلف عواقب إقليمية خطيرة. فأفغانستان، وهي دولة أخرى على ضفاف في حوض السند، لديها مخاوف خاصة بها بشأن حقوق المياه. إن الخطوة الأحادية التي تتخذها الهند لتجاهل معاهدة المياه طويلة الأمد من شأنها أن تشجع الدول الأخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار ترتيبات تقاسم المياه في جميع أنحاء المنطقة وخلق نقاط اشتعال جديدة، وهذا من شأنه أن يقوض الاستقرار الإقليمي ويعيق الجهود الرامية إلى زيادة الترابط والتكامل الاقتصادي.
ثالثا، من المرجح أن ينظر المجتمع الدولي إلى مثل هذه الخطوة بقلق بالغ، فكثيرا ما يشار إلى معاهدة مياه نهر السند باعتبارها نموذجا للتعاون الناجح في مجال المياه في ظل مشهد جيوسياسي معقد، وسينظر إلى تعليقها على أنها انتكاسة للقانون الدولي للمياه وسابقة خطيرة لحل النزاعات المائية العابرة للحدود. ومن المرجح أن تعرب القوى العالمية الكبرى والمؤسسات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي، عن رفضها الشديد، مما قد يؤدي إلى عزلة دبلوماسية وضغوط اقتصادية.
رابعا، إن استخدام المياه كسلاح قد يؤدي إلى عواقب داخلية غير مقصودة ومزعزعة للاستقرار في كلا البلدين. ففي الهند، قد يؤدي أي تلاعب محتمل بتدفقات المياه إلى إثارة المخاوف والاستياء في الولايات الشرقية التي تعتمد على الأنهار المخصصة. وفي باكستان، قد تؤدي ندرة المياه، التي تتفاقم بسبب أي عمل هندي متصور، إلى اضطرابات اجتماعية، وصعوبات اقتصادية، وعدم استقرار سياسي داخلي، مما يزيد من تعقيد الأمن الإقليمي.
أخيرا، من الأهمية بمكان أن ندرك أن المياه مورد مشترك يتطلب إدارة تعاونية، وليس سيطرة أحادية الجانب. إن تحديات تغير المناخ والنمو السكاني وزيادة الطلب على المياه تتطلب تعاونا أكبر بين الهند وباكستان في مجال إدارة المياه، وتعليق معاهدة مياه نهر السند لن يحل هذه التحديات؛ بل إنه بدلا من ذلك من شأنه أن يقوض الإطار الذي يسمح بالحوار وتبادل البيانات والجهود المشتركة لمعالجة هذه القضايا الملحة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء مياه السند الهند أنهار باكستان باكستان الهند مياه السند أنهار مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معاهدة میاه نهر السند معاهدة میاه السند البنک الدولی من شأنه أن یؤدی إلى قد یؤدی
إقرأ أيضاً:
على حافة الإفلاس .. ضربة قاصمة لـ باكستان في الصراع مع الهند
تعتبر باكستان الخاسر الأكبر في أي صراع مع الهند من الناحية الاقتصادية، بعد اجتيازها فترة صعبة للغاية. ففي عام 2023، وجدت إسلام آباد نفسها على وشك التخلف عن سداد ديونها. ومنذ ذلك الحين، تتلقى باكستان الدعم الحيوي من حلفائها: فقد قدمت لها المملكة العربية السعودية والصين والإمارات العربية المتحدة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار، وهو شرط أساسي لموافقة صندوق النقد الدولي على منح البلاد قرض بقيمة 7 مليارات دولار.
ووفقُا لتقرير نشره راديو فرنسا الدولي، فإن باكستان لا تزال هشة من الناحية الاقتصادية، ولا تزال حتى اليوم على حافة الإفلاس المالي: إذ هناك 60% من إيرادات الدولة تذهب إلى سداد الفوائد على الديون.
وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتماني قد حذرت في 5 مايو الماضي بالفعل من أن أي تصعيد عسكري مع الهند قد يؤثر سلبًا على النمو في باكستان ويعرض جهود الحكومة في تعزيز المالية العامة للخطر، وبالتالي تأخير تقدم البلاد نحو الاستقرار الاقتصادي الكلي.
ومن الممكن أيضا أن تؤدي التوترات بين البلدين إلى إضعاف قدرة إسلام آباد على الحصول على التمويل الخارجي وبالتالي الاتكاء على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، الذي يظل غير كافي لضمان سداد ديون باكستان الخارجية، لاسيما للصين، التي تعد المقرض المالي والمستثمر رئيسي في إسلام آباد.
حرب المياه
وعلى صعيد آخر، تعتمد باكستان بشكل كبير على الهند في الحصول على المياه. لكن في 24 أبريل الماضي، علقت الهند العمل بمعاهدة مياه نهر السند الموقعة بين البلدين عام 1960 والتي نصت على تقاسم المياه.
ووصفت السلطة التنفيذية الباكستانية هذا الإجراء بأنه "عمل حربي".
جدير بالذكر أن نهر السند يروي 65% من أراضي باكستان، بما في ذلك السهول الخصبة الشاسعة في البنجاب.
نهر السند، شريان الحياة في باكستان
وقال الباحث المشارك في مؤسسة البحوث الإستراتيجية، جيل بوكيرا، إن نهر السند هو شريان الحياة في باكستان؛ وروافده تروي البنجاب، حيث يُزرع الأرز البسمتي، وهو مصدر غذائي مهم ويعد من أهم الموارد المصدرة للبلاد.
وخلال التفجيرات التي وقعت في الأيام الماضية، ألحقت الهند كذلك أضرارًا بسد نيلوم-جيلوم الكهرومائي، الذي يستخدم لتوليد الكهرباء في كشمير، وهو بناء استراتيجي بالنسبة لباكستان.
وأوضح الباحث في مؤسسة البحوث الإستراتيجية، ألكسندر تايث، أن النمو السكاني في باكستان ازداد من 35 مليون نسمة في عام 1950 إلى 200 مليون نسمة حاليًا، أي أن البلاد تعتمد على مواردها، سواء في المياه أو في مجالات أخرى، وتحتاج إلى الطاقة الكهرومائية للتعامل مع انقطاعات التيار الكهربائي التي تستمر في بعض الأحيان لمدة تصل إلى عدة ساعات في اليوم.
وفي حال قيام الهند بتقليص أو قطع تدفق المياه إلى باكستان، كما هددت، فقد يكون ذلك بمثابة نقطة تحول في البلاد، وإذا تم اعتماد إلغاء معاهدة نهر السند، فسوف يدفع ذلك البلدين إلى حقبة من الغموض.