شبح الرجال الخضر الصغار يخيم على دول البلطيق
تاريخ النشر: 14th, May 2025 GMT
في عام 2016، قدم المخرج البريطاني غابرييل رانج فيلما وثائقيا صوَّر فيه سيناريو تخيليا لانتفاضة الأقلية الناطقة بالروسية في مدينة دوغافبيلس اللاتفية، بدعم من الكرملين، نتيجة سياسات التمييز الحكومي ضدهم، لتستخدم روسيا ذلك كذريعة لغزو لاتفيا.
استند الفيلم في بنائه الدرامي إلى سيناريو خيالي جاء بعد عامين فقط من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ذات الغالبية الروسية، وقبل الاجتياح الروسي الواسع للأراضي الأوكرانية في فبراير/شباط 2022 وضم نحو 20% من مساحتها حيث تعيش غالبية ناطقة باللغة الروسية.
واليوم، يتصاعد القلق في دوغافبيلس، ومدينة نارفا في إستونيا، ومناطق أخرى في ليتوانيا، من سيناريو حقيقي فوق أراضيها غير بعيد عما تكهن به غابرييل رانج في الفيلم الوثائقي "حرب عالمية ثالثة: داخل غرفة الحرب".
ولا تنحصر دوافع القلق تلك في مساعي إحياء الماضي السوفياتي أو في سعي موسكو لتوسيع رقعة الحرب في أوكرانيا واعتمادها سوابق تاريخية في المنطقة، بل تتعزز أيضا بفعل المناورات العسكرية الروسية-البيلاروسية المشتركة، وما يصاحبها من حشد مبكر، فضلا عن تزايد المخاوف بشأن "ممر سوالكي" الإستراتيجي.
رغم مرور عقود على تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، ما تزال موسكو تنظر إلى "تالين" و"ريغا" و"فيلنيوس" كجزء من الحديقة الخلفية، لكن وبحكم الجغرافيا والتاريخ لا تملك دول البلطيق خيار القطيعة الكاملة مع روسيا.
إعلانوتحتل الدول الثلاثة مكانة استثنائية بالنسبة لدائرة النفوذ الروسي لكونها من جهة إحدى دول الجوار المرتبط بالحزام السوفياتي القديم ومن جهة أخرى تمثل اليوم جزءا من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي وما يطلق عليها من قبل الكرملين بـ"الغرب الجماعي".
وتتنوع مظاهر النفوذ الروسي في المنطقة بين إستراتيجية الضغط والتأثير في المجالات العسكرية والاقتصادية والإعلامية والإنسانية، ليشمل على وجه الخصوص الأقليات الناطقة بالروسية، وهو ما ينسحب على دول البلطيق.
ويظهر هذا النفوذ عبر أحزاب سياسية -مثل "الاتحاد الروسي" و"الحزب الاشتراكي الديمقراطي" (هارموني) في لاتفيا، بالإضافة إلى حزب "الوسط الإستوني"- التي تقدم نفسها كخط الدفاع الأول عن الأقليات الناطقة بالروسية وعن الثقافة الروسية بشكل عام.
وتشير بيانات -جمعتها الجزيرة نت من عدة مصادر بحثية- إلى أن نسبة الأقليات الروسية من بين السكان في إستونيا ولاتفيا تعد أكثر من 24%، بينما لا تتعدى نسبة 5.6% في ليتوانيا، كما تعتبر الروسية اللغة الأولى لـ30% من سكان إستونيا و34% من سكان لاتفيا.
لكن الحضور الروسي كان طاغيا بشكل أكبر في إقليم دوغافبيلس في لاتفيا، الذي ينحدر 50% من سكانه من أصول روسية، وتمثل الروسية اللغة الأم لـ75% من سكان هذه المنطقة التي تشهد من حين لآخر توترا، كما تمثل مسرحا للدعاية الروسية.
في كتابه "الهوية الوطنية الروسية والسياسة الخارجية"، يربط عالم السياسة الروسي إيغور زفيليف علاقة موسكو الوثيقة بجوارها من دول البلطيق بالشتات الروسي أو "العالم الروسي" الذي يقوم على فكرة الهوية الذاتية كما يراها فلاديمير بوتين، وهو مجال النفوذ الثقافي واللغوي العابر للحدود الجغرافية والعرقية الروسية.
لكن من الناحية السياسية والأمنية، فإن الفكرة السائدة وفق زفيليف، هي جعل هذا الفضاء ما بعد الحقبة السوفياتية منطقة عازلة، ونظريا يمثل ممر "سوالكي" تجسيدا ممكنا لهذه الفكرة.
إعلان "سوالكي".. ثغرة الناتو في أوروبابالمقارنة مع دولتي إستونيا ولاتفيا، فإن ليتوانيا تعد الدولة الأقل ارتباطا بروسيا من بين دول البلطيق من حيث التركيبة الديمغرافية ومن ثم أيضا التأثير السياسي، حيث لا يمثل الناطقون بالروسية قاعدة انتخابية مؤثرة.
لكن خبراء يرون أن التهديد الروسي الرئيسي يتمثل في الخطر العسكري القادم من جيب كالينينغراد المجاور، وهو ما تؤكد عليه أيضا إدارة أمن الدولة في ليتوانيا في تقرير لها نشر في مارس/آذار عام 2023.
وجغرافيا، ترتبط منطقة كالينينغراد وبيلاروسيا بممر "سوالكي" الذي يبلغ طوله 65 كيلومترا وتقل فيه نسبة السكان، وهو يمثل في الوقت نفسه الحدود الفاصلة بين ليتوانيا وبولندا.
وتعني فرضية استيلاء روسيا على هذا الممر بكل بساطة فصل دول البلطيق تماما عن الاتحاد الأوروبي.
وتنقل مجلة "إكسبراس" الفرنسية في تقرير لها عن الجنرال بن هودجز الذي عمل قائدا سابقا للقوات الأميركية في أوروبا، أنه يتعين على أعضاء حلف الناتو الإدراك أن جميع نقاط ضعف إستراتيجية الناتو ووضعه العسكري تتجمع في ممر سوالكي، ومن هنا فإن القوات الروسية تهدد السلامة الإقليمية للحلف بأكمله.
يمثل هذا الممر الإستراتيجي ذو الأهمية البالغة مصدر توتر محتمل في المستقبل، ويعود ذلك إلى قرار اتخذته ليتوانيا عام 2022 على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، بمنع عبور البضائع الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي عبر أراضيها إلى مقاطعة كالينينغراد الروسية، وهو ما اعتبرته موسكو خطوة غير قانونية وحصارا للمقاطعة كما حذرت ليتوانيا من تبعاته الخطيرة وتعهدت برد عليه.
وينظر الآن الى حشد القوات الروسية في بيلاروسيا كتهديد مباشر لليتوانيا وباقي دول البلطيق.
يقوم الكرملين بحشد قواته في بيلاروسيا تمهيدا لمناورات "زاباد 2025" المشتركة مع جارتها وحليفتها، وتجرى هذه التدريبات كل 4 سنوات منذ عام 2009. وفي آخر تدريب شارك أكثر من 200 ألف جندي، وكانت المناورات الأكبر منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
إعلانوقد أعقب التدريبات الأخيرة اجتياح الجيش الروسي لأوكرانيا، لذلك تثير هذه التعزيزات العسكرية على مقربة من حدود حلف الناتو المخاوف من عدوان محتمل في المستقبل قد يشمل بولندا أو دول البلطيق، ولا سيما ليتوانيا.
وبحسب المحلل المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، بيتر سوتشو، فإن هناك عدة مؤشرات ميدانية تشير إلى تحرك عسكري محتمل. وقد أوردت مجلة "ناشونال إنتريست" هذه المؤشرات في النقاط التالية:
رفعت موسكو إنفاقها الدفاعي إلى أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 3.6% قبل أن تشن غزوها لأوكرانيا قبل أكثر من 3 سنوات. زاد المجمع الصناعي العسكري الروسي من وتيرة الإنتاج، ووسع خطوط التصنيع، كما افتتح منشآت جديدة. الحشد العسكري الروسي لا يقتصر على بيلاروسيا، بل تعمل موسكو على توسيعه على الحدود مع فنلندا، العضو في حلف الناتو. تسارع وتيرة التوسع بشكل ملحوظ لا سيما في منطقة القيادة العسكرية في لينينغراد على حدود إستونيا ولاتفيا وفنلندا.وكانت الصحيفة حذرت نقلا عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الدانماركية في فبراير/شباط 2025 من هجوم روسي محتمل وواسع النطاق على دول البلطيق وبولندا في غضون 5 سنوات، إذا ما تراجعت قدراتها على الرد.
وقد يشمل ذلك، وفق المصدر ذاته، أنشطة شبه عسكرية في منطقة "نارفا" الحدودية شرق إستونيا، التي تضم عددا كبيرا من السكان من أصل روس، مثلما لا يستبعد خبراء أن يكون التحرك الروسي نحو منطقة دوغافبيلس في لاتفيا.
ويضع المحلل بيتر سوتشو احتمال أن يعيد الكرملين استخدام الإستراتيجية ذاتها التي اعتمدها في ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، عبر نشر قوات شبه عسكرية روسية تعرف باسم "الرجال الخضر الصغار".
في مارس/آذار2025، أعلنت ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا بالإضافة إلى بولندا مجتمعة عن نيتها الانسحاب من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، المعروفة باسم "اتفاقية أوتاوا"، بحجة تزايد التهديدات العسكرية للدول الأعضاء في حلف الناتو والمجاورة لروسيا وبيلاروسيا، وقد انسحبت ليتوانيا ولاتفيا بالفعل من الاتفاقية.
إعلانوستعمل هذه الدول على زيادة إنتاج الألغام الأرضية، حيث من المرجح حسب المراقبين، أن تستخدم هذه الأسلحة الفتاكة على طول المناطق الحدودية التي تشهد تحصينات متزايدة.
بخلاف ذلك تسارع دول البلطيق في اتخاذ عدة قرارات من أجل الوصول الى الجاهزية الكاملة لصد أي هجوم في المستقبل.
وفي هذا السياق، أصدرت الحكومة في ليتوانيا قرارا بإعادة الخدمة العسكرية الإلزامية لأول منذ عام 2008، ومن المقرر أن يبدأ العمل به العام المقبل مع زيادة عدد الشباب المدعوين إلى التدريب السنوي من 5 آلاف إلى 7 آلاف. وتريد أيضا توظيف المنظمات شبه العسكرية التطوعية مثل "اتحاد الرماة" العريق للتحايل على الكلفة المرتفعة لإعادة التسليح.
لكن ليتوانيا ستتمتع كذلك بدعم عسكري مهم يتمثل في بناء ألمانيا أول قاعدة عسكرية خارجية لها في هذا البلد، لتكون بذلك القاعدة العسكرية الأولى لألمانيا في الخارج منذ الحرب العالمية الثانية، بكلفة تعادل 1.1 مليار دولار، وفق ما ذكرت وزارة الدفاع في ليتوانيا.
ويأتي بناء القاعدة في إطار الاتفاق الألماني الليتواني في ديسمبر/كانون الأول عام 2023 الذي يقضي بنشر 4800 عسكري و200 موظف مدني ألماني كما ستضم القاعدة 2000 مركبة، حسب وزارة الدفاع الألمانية.
وفي إستونيا، اختارت الحكومة نهج الزيادة في الضرائب وتوسيعها لتشمل أيضا المتقاعدين من أجل تمويل خطط الدفاع عن البلاد، وهو ما سيوفر إيرادات بحوالي 800 مليون يورو وفق صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، ستوجه معظمها إلى القوات المسلحة، أي ما يعادل نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة مقارنة بنسبة 3.7% حاليا.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن "ضريبة الدفاع غير المسبوقة هذه، تشكل مثالا صارخا على الجهود المطلوبة للوصول إلى حالة الاستعداد للحرب".
تذهب عمليات الحشد داخل دول البلطيق إلى أبعد من ذلك مع دعوة صحيفة "آي كيو" في ليتوانيا دول البلطيق ودول الشمال الأوروبي إلى التفكير في تكوين حلف بديل عن "حلف شمال الأطلسي"، تحسبا لمواقف الإدارة الأميركية المتأرجحة والمشككة في سياسات الدفاع المشتركة.
إعلانوترى "آي كيو" أنه في ظل الانزلاق الواضح لحلف الناتو نحو التفكك بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن الحلف الجديد الذي أطلقت عليه "حلف شمال أوروبا"، سيكون أكثر قدرة على تقييم "التهديد الروسي بشكل مناسب".
يختلف التصور المؤسس لـ"حلف شمال أوروبا" عن فكرة "التحالف الطوعي" المفتوح الذي كان دعا له وزير الخارجية البريطاني كير ستارمر في مارس/آذار الماضي من أجل حشد الدعم العسكري لحماية أوكرانيا.
يضم الحلف الجديد المقترح علاوة على دول البلطيق الثلاث، دول فنلندا والسويد والدانمارك والنرويج وبولندا وألمانيا والمملكة المتحدة، بحجم سكاني يقدر بنحو 220 مليون نسمة وبناتج محلي إجمالي يفوق 10 تريليونات دولار.
وتقول الصحيفة الليتوانية "يمكن لحلف شمال أوروبا أن يكون قدوة في مساعدة أوكرانيا وأن يصبح حلا احتياطيا في حال انهار حلف شمال الأطلسي فعليا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاتحاد الأوروبی على دول البلطیق حلف شمال أوروبا فی لیتوانیا حلف الناتو أکثر من وهو ما
إقرأ أيضاً:
مطار القاهرة يخصص خدمات جديدة لدعم الأمهات والأطفال الصغار
كتب- محمد أبو بكر:
أعلنت شركة ميناء القاهرة الجوي توفير غرف حديثة ومجهزة بالكامل للأمهات في جميع مباني مطار القاهرة، لضمان الخصوصية والراحة أثناء رعاية الأطفال الرضع، ضمن جهود تحسين تجربة السفر للعائلات.
وأكدت الشركة، في بيان اليوم الأحد، أن الغرف مزودة بمقاعد مريحة وأجواء هادئة وآمنة، إلى جانب مناطق ألعاب مخصصة للأطفال داخل صالات السفر، توفر بيئة ترفيهية تساعد على تقليل التوتر خلال فترة الانتظار.
ويأتي ذلك في إطار خطة مطار القاهرة لتطوير خدماته بما يضمن أعلى مستويات الراحة والرفاهية لكافة الركاب، من الوصول وحتى الصعود إلى الطائرة.
اقرأ أيضا:
مفاجأة.. قانون العمل الجديد يتيح فصل العاملة بعد إجازة الوضع في هذه الحالة
نقيب الصحفيين يخاطب رئيس "النواب" لحذف عقوبة الحبس في النشر بقانون الفتوى
الحرارة تسجل 40 درجة.. نصائح مهمة من الأرصاد للمواطنين
أضاحي العيد 2025.. التموين تبدأ طرح الخراف الحية ابتداءً من 20 مايو
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
مطار القاهرة شركة ميناء القاهرة الجوي الأطفال الرضعتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
مطار القاهرة يخصص خدمات جديدة لدعم الأمهات والأطفال الصغار
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك