بوصلتك نحو قيادة الأعمال في السوق العُماني (2)
تاريخ النشر: 14th, May 2025 GMT
د. سلام محمد سفاف **
dr.salamsafaf@gmail.com
ماذا ستفعل لو انخفضت مبيعاتك 40% فجأةً؟ كيف ستواجه أزمة غير متوقعة كجائحة كورونا؟
في سوق عُمان الذي يشهد تحولات متسارعة - من تقلبات أسعار النفط إلى التغيرات الديموغرافية - لم يعد السؤال هل ستواجه أزمة؟ بل متى؟ وكيف ستكون استجابتك؟
في المقالة الأولى، ناقشنا كيف نبني تخطيطاً استراتيجياً فعالاً أما اليوم سنكتشف كيف نجعل هذه الخطة قادرة على النجاة حتى في أسوأ الظروف، ولابد من الاعتراف بأنَّ الشركات التي تزدهر في الأزمات لا تعتمد على الحظ فقط، بل تبني ما يُسمى بـ "الصمود الاستراتيجي" (Resilience)، فكيف تحول مؤسستك إلى منظمة لا تنجو من الأزمات فحسب، بل تخرج منها أقوى؟"
وبداية دعنا نجيب عن الإشكالية التالية: لماذا تفشل معظم الاستراتيجيات أثناء الأزمات؟
باختصار لأنها تعتمد على التخطيط للاستقرار وتمتلك بنية تنظيمية جامدة بشكل يُعارض السمة الرئيسية للأسواق العالمية والمحلية المتغيرة باستمرار، لذلك تجدها تعتمد ثقافة "إطفاء الحرائق" في مواجهة المتغيرات أو الأزمات كبرت أم صغرت، والحقيقة الصادمة أن الأزمات لا تعرف سوى قانونين:
1- الاستعداد للأسوأ ليس تشاؤمًا، بل استراتيجية.
2- الشركات التي تنتظر الأزمة لتتغير.. تنقرض.
ونحن نميز بين ثلاثة أنواع من المنظمات في إطار استجابتها للأزمات، وهي:
المنظمة الهشة (Fragile)، وهي تتفكك عند مواجهة الصدمات، وتفشل في التكيف بسبب عدم وجود خطط طوارئ، وهيكل صلب غير مرن، واعتماد كلي على ظروف السوق المستقرة، ولنا مثال في ذلك بعض شركات السياحة في صلالة خلال جائحة كورونا، لم يكن لديها سيناريوهات لمُواجهة تراجع معدلات الحجوزات الفندقية بطريقة مفاجئة، وكانت النتيجة أن عددًا منها واجه خطر الإغلاق بحلول عام 2021.
المنظمة المقاومة (Resilient)، وهي تنجو من الأزمات لكن دون تحسن أدائها عبر خطط طوارئ تفاعلية، وهيكل تنظيمي قابل للتعديل المؤقت، وقدرة على العودة للحالة الأصلية بعد انقضاء الأزمة، وتقع غالبية المصارف المحلية ضمن هذه المنطقة، خفضت تكاليف التشغيل بنسب محددة بشكل مؤقت وحافظت على الاستقرار خلال جائحة كورونا لكنها لم تطور خدمات رقمية جذرية.
أما النوع الثالث فهو محط اهتمامنا اليوم وهي المنظمة المضادة للكسر (Antifragile)، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المنظمات التي لا تصمد أمام الصدمات والتقلبات وعدم اليقين فحسب، بل تستفيد منها بالفعل وتتحسن نتيجةً لذلك، وتتمتع بالقدرة على التكيف والتعلم والنمو بقوة استجابةً للضغوط، فمثلًا تعرضت المطاعم لخسائر كبيرة خلال جائحة كورونا بسبب إغلاقها غير أن بعضها استجاب للأزمة بطريقة مغايرة حيث خصصت 20% من مساحتها لإنشاء مطابخ الظل (Cloud Kitchens)، وأطلقت تطبيق توصيل خاص بها، مما زاد مبيعاتها 25% عن فترة ما قبل الجائحة، ودخلت أسواقًا جديدة (التوصيل للمنازل)، وحافظت على هذه الخدمة حتى بعد انتهاء الجائحة.
في عالم معقد وغير متوقع، لا يكفي أن تكون المنظمة متينةً ومرنةً، بل يجب أن تسعى جادةً لتكون منظمة مضادة للكسر من خلال تقبل حالة عدم اليقين وتطوير الأنظمة والأدوات للتعامل معها كفرصة للنمو والتطور.
والآن، كيف تبني منظمة مضادة للكسر؟
أنشئ "فِرَق الأزمات" الدائمة بحيث تعقد اجتماعًا شهريًا لاختبار سيناريوهات الأزمات. استخدم مبدأ الحد الأدنى من التكيف القابل للتطبيق (Minimum Viable Adaptation) من خلال تخصيص 10% من ميزانيتك لمشاريع تجريبية خلال الأزمات. حوّل الموظفين إلى "كاشفي فرص" وقدم مكافأة للموظفين الذين يقدمون أفكارًا للاستفادة من الأزمات. نفذ اختبارات الضغط الاستراتيجي (Stress Testing) من خلال بناء ثلاثة سيناريوهات لأزمات محتملة، واختبر استجابة كل قسم لها، ثم عدل استراتيجيتك بناءً على النتائج. صمم نموذج "الهوية المرنة" (Flexible Core) من خلال الاحتفاظ بـ 80% من هويتك الأساسية مثل الجودة وتغيير 20% منها لتتلاءم مع الأزمات مثل قنوات التوزيع.مؤسسة الزبير: نموذج عُماني للريادة الاستراتيجية في الأزمات
نمت من شركة عائلية عام 1967 لمؤسسة عالمية تضم اليوم أكثر من 30 شركة في قطاعات الصناعة والطاقة والخدمات، وتصنف ضمن أكبر 5 مجموعات أعمال في عُمان حسب تصنيف فوربس الشرق الأوسط. وخلال نموها المضطرد واجهت أزمات كبيرة استجابت لها بذكاء وصمود استراتيجي، فأمام أزمة انخفاض أسعار النفط (2014-2016) عملت على زيادة الاستثمار في الصناعة التحويلية ودخول مشاريع الطاقة المتجددة، وكانت النتيجة نمو إيرادات القطاع الصناعي بنسبة 18% رغم الأزمة.
"الميزة التنافسية لمجموعة الزبير لم تكن في حجمها، بل في قدرتها على رؤية الفرص حيث يرى الآخرون مخاطر."
أخيرًا.. في عالمٍ مزدحم؛ حيث الأزمات ليست استثناءً؛ بل قاعدةً، تظهر الشركات الحقيقية ليس عندما تكون الرياح مواتية؛ بل عندما تَعصفُ العواصف. مؤسسة الزبير وغيرها من النماذج العُمانية الناجحة علمتنا أن المرونة الاستراتيجية ليست خيارًا؛ بل ضرورة وجودية، وأنها لم تصل إلى القمة بمحض الصدفة فالأزمات تصنع الفرص لمن يستعد لها.
"لا تنتظر العاصفة لتتعلم كيف تبني سفينة.. الأذكياء يبنونها أثناء الشمس".
*************
** سلسلة مقالات تحوّل المفاهيم النظرية إلى أدوات عملية، تنقلك من أساسيات التخطيط الذكي إلى فنون الصمود أمام العواصف الاقتصادية، وصولًا إلى استشراف المستقبل بجرأة، نقدم لك خلاصة الخبرة الاستراتيجية لتحول التحديات إلى فرص نمو واعدة.
نأمل أن تكون هذه المقالات دليلًا عمليًا لكل قائد يُريد أن يصنع مستقبله بيده في السوق العُماني الواعد.
** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم
** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دعوة لزيارة "قرية أوروبية" هاجر منها أجداد ترامب إلى نيويورك
وجّه المستشار الألماني الجديد، فريدريش ميرتس، دعوة رسمية للرئيس الأميركي دونالد ترامب لزيارة ولاية راينلاند-بالاتينات غرب ألمانيا، حيث تعود جذور عائلة ترامب إلى هناك، مؤكداً أنه سيلتقي به قريباً في واشنطن لمناقشة عدد من القضايا الدولية.
وقال ميرتس، مساء الثلاثاء، خلال مؤتمر اقتصادي نظمه "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في برلين، إنه "دعا الرئيس ترامب لزيارة باد دوركهايم، مسقط رأس أجداده"، مضيفا: "سأرافقه شخصيا في هذه الزيارة".
وأشار إلى أن هذه الدعوة جاءت خلال اتصال هاتفي أجراه مع ترامب الأسبوع الماضي، بعد يومين فقط من توليه منصب المستشار، واستمر قرابة 30 دقيقة. ولم يصدر تعليق علني من ترامب بشأن الدعوة حتى الآن.
أصول ألمانية
,تعود أصول عائلة ترامب إلى قرية كالشتات الواقعة ضمن منطقة باد دوركهايم، وهي قرية صغيرة معروفة بزراعة العنب على طريق النبيذ الألماني. وكان أجداد ترامب قد هاجروا من هناك إلى نيويورك في أواخر القرن التاسع عشر.
ويعرف ميرتس هذه المنطقة جيداً، حيث خدم هناك خلال فترة التجنيد العسكري في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما يضفي على الدعوة بُعداً شخصياً وتاريخياً.
وأكد المستشار الألماني أنه يعتزم السفر إلى واشنطن "قريبا جدا" للقاء ترامب، مشددا على أهمية الحفاظ على متانة التحالف بين ضفتي الأطلسي، لا سيما في ظل التحديات الجيوسياسية الحالية.
وأوضح ميرتس أن جدول أعمال اللقاء سيشمل ملفات رئيسية أبرزها دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى جانب بحث سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا وتعزيز الاستقرار الإقليمي.