هل حديث واشنطن مع حماس والحوثي وطالبان هزيمة.. أم بداية الفهم؟ قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 16th, May 2025 GMT
في كتابه "التحدث إلى العدو: الإيمان، الأخوّة، وتفكيك الإرهاب"، يقدم عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي سكوت أتران قراءة جذرية لعقل الجماعات المتطرفة، بعيدًا عن الروايات الأمنية التقليدية.
من خلال أبحاث ميدانية معمّقة ومقابلات مع أعضاء من القاعدة، حماس، طالبان، والجماعة الإسلامية في إندونيسيا، يخلص أتران إلى أن ما يحرّك "الإرهابي" ليس بالضرورة العقيدة أو الفقر أو الاضطهاد السياسي، بل الروابط الاجتماعية والقيم المقدّسة التي يتقاسمها مع محيطه القريب: أصدقاء، عائلة، أو جماعة روحية.
يرى أتران أن التطرف ليس دائمًا فعلًا فرديًا نابعًا من عزلة، بل هو غالبًا نتاج ديناميات جماعية تعزز الولاء الداخلي والتماهي مع مجموعة صغيرة. فكما بيّنت تفجيرات لندن عام 2005، لم يكن المنفذون غرباء أو مجانين، بل شبابًا بريطانيين عاديين، يحتفلون ويعانقون بعضهم قبل تنفيذ الهجمات، مدفوعين بعاطفة الأخوّة والانتماء، لا بتعليمات من قادة القاعدة.
هذا التحليل يُفكك صورة "الخلايا النائمة" أو "العقول المغسولة"، ويقدم فهمًا جديدًا: إن من يقاتلون ويموتون، يفعلون ذلك من أجل بعضهم البعض، لا من أجل فكرة مجردة. الجماعات المتطرفة، كما يصفها أتران، ليست منظمات عسكرية هرمية، بل شبكات لامركزية، تتغير باستمرار، تتحرك بالفوضى المنظمة، وتبني قراراتها بناءً على التجربة والمشاركة العاطفية أكثر من التخطيط الاستراتيجي.
واشنطن تغيّر خطابها.. من القصف إلى التفاوض
في ضوء هذا الفهم، يبدو أن التحول الأخير في سياسة الولايات المتحدة، لا سيما في تواصلها مع جماعات مثل حماس والحوثيين، ليس مجرد اضطراب سياسي، بل تعبير عن إعادة نظر استراتيجية، حتى وإن كانت مدفوعة بحسابات انتخابية أو واقعية.
فمحادثات واشنطن مع حركة حماس من أجل إطلاق رهينة أمريكي، أو مع الحوثيين بعد وقف الضربات الجوية، لا تعبّر فقط عن براغماتية، بل قد تكشف إدراكًا ضمنيًا بأن القوة وحدها لا تحل معضلة الجماعات المسلحة. هذه الجماعات لا تنهار بقتل قادتها، بل قد تقوى بانهيار التسلسل الهرمي التقليدي، لأنها تتحرك أصلاً خارج منطق القيادة المركزية.
في ضوء هذا الفهم، يبدو أن التحول الأخير في سياسة الولايات المتحدة، لا سيما في تواصلها مع جماعات مثل حماس والحوثيين، ليس مجرد اضطراب سياسي، بل تعبير عن إعادة نظر استراتيجية، حتى وإن كانت مدفوعة بحسابات انتخابية أو واقعية.وهنا تبرز المفارقة: ربما فهم سكوت أتران ما فشل الأمنيون في إدراكه. حين تتحدث واشنطن إلى "العدو"، فهي لا تستسلم، بل تدخل أخيرًا إلى حقل الديناميات النفسية والاجتماعية التي تحكم هذا النوع من العنف. وهذا ليس ضعفًا، بل قد يكون بداية مرحلة جديدة: من النظر إلى "العدو" كمشكلة أمنية، إلى رؤيته كنتاج اجتماعي يمكن تفكيكه بالحوار، لا فقط بالقصف والعقوبات.
نورالدين لشهب: ترامب يتحدث مع الجولاني.. الحديث إلى العدو!
وفي هذا السياق، يُسهم الكاتب والإعلامي المغربي نورالدين لشهب بإضاءة سياسية لافتة، حيث كتب: "لقاء ترامب مع أبي محمد الجولاني والمفاوضات مع حماس.. إنه الحديث إلى العدو!! تتحدث أنباء صحافية شبه مؤكدة عن لقاء الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ـ المصنف على قائمة الإرهاب الدولي ـ غدًا في الرياض. ناهيك عن المفاوضات التي تجريها الإدارة الأمريكية مع حماس، والتي توّجت بإطلاق سراح أسير أمريكي من غزة. التصنيف على قائمة الإرهاب في المنظور الغربي يعني أن الإرهابي عدو وجب التخلص منه. لكن يرى الخبراء والمخبرون أن العدو يمكن الحديث والتفاوض معه".
ويتابع لشهب ربطه الواضح بكتاب أتران: "يركّز كتاب سكوت أتران حول فهم الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع الأفراد للانضمام إلى الجماعات المتطرفة، مثل القاعدة وحماس، ويجادل بأن الدوافع الأساسية ليست الفقر أو الجهل، بل الروابط الهرمية والاجتماعية القوية والقيم المقدسة. وفي سياق الحديث عن التواصل مع حماس أو هيئة تحرير الشام، يشير أتران إلى أن الحوار مع العدو ليس ضعفًا، بل ضرورة لفهم الديناميات النفسية والاجتماعية التي تحرك النزاعات. ويبرز أن الاعتراف بالقيم المقدسة للطرف الآخر يمكن أن يكون مدخلًا فعالًا لتقليل التوترات وفتح قنوات التفاوض".
ثم يختم لشهب بتساؤل نقدي لاذع: "هل قرأت الإدارة الأمريكية كتاب سكوت أتران؟! سؤال غبي.. الخبير والمخبر واحد في الدول الغربية."
من العدو الأيقوني إلى العدو المُعاش
تكمن خطورة قراءة أتران في أنها لا تبرّر العنف، بل تفضح ضيق الأفق الأمني والإعلامي في التعامل مع التطرف. الإعلام الغربي، والعربي أحيانًا، يختزل "الإرهابي" في صورة جاهزة: اللحية، السلاح، الشعار، دون أي فهم للسياق الاجتماعي الذي أنجبه.
من يحدد من هو الإرهابي، ومن هو المقاوم؟ ففي حين تصنّف قوى غربية جماعات مثل طالبان، حماس، الحوثيين ضمن لائحة الإرهاب، فإن هذه الجماعات نفسها، ومعها قطاعات واسعة من شعوبها أو من مؤيديها، ترى أنها حركات تحرر وطني، تقاوم الهيمنة الأجنبية أو الاحتلال، وتدافع عن سيادة بلدانها.لكن واقع الحال، كما يكشفه أتران، أن هذه الجماعات تنمو وسط المدارس، والأحياء، والمجتمعات المهمشة، بل أحيانًا على طاولة عشاء عائلي. هنا، تُصبح مقابلات واشنطن مع تلك الجماعات مؤشرًا على أن الخطاب الأمني لم يعد كافيًا، وأن العدو ليس دائمًا من خارجنا، بل مرآة لفشلنا الأخلاقي والسياسي.
الحديث مع العدو.. بداية فهم لا استسلام
إن بداية الفهم، كما يقترح العنوان، لا تعني المصالحة مع الإرهاب، بل المصالحة مع فشلنا في فهم شروطه الأولى. وهنا تكمن أهمية كتاب أتران، لا كدليل أمني، بل كمرآة سياسية وأخلاقية، تكشف أن الطريق إلى السلام لا يمر فقط عبر الحوارات عالية المستوى، بل عبر كسر الصور النمطية، وفهم ما يجعل فكرة الموت مغرية لشاب يشعر أن كرامته أُهينت.
العدو.. من هو؟ جدل المفهوم وسلطة التصنيف
وفي ختام هذا العرض، تبرز نقطة محورية لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن "الإرهاب" و"العدو"، وهي طبيعة التصنيف نفسه: من يحدد من هو الإرهابي، ومن هو المقاوم؟ ففي حين تصنّف قوى غربية جماعات مثل طالبان، حماس، الحوثيين ضمن لائحة الإرهاب، فإن هذه الجماعات نفسها، ومعها قطاعات واسعة من شعوبها أو من مؤيديها، ترى أنها حركات تحرر وطني، تقاوم الهيمنة الأجنبية أو الاحتلال، وتدافع عن سيادة بلدانها.
هذا التباين في المنظور يُعيد فتح النقاش حول الطبيعة السياسية لمفهوم "الإرهاب"، والذي لا يخضع فقط لمعايير قانونية أو إنسانية موحدة، بل يتأثر بسياقات القوة والمصالح والهيمنة. فـ"الإرهابي" في نظر طرف، قد يكون "مناضلًا" أو "مقاومًا" في نظر طرف آخر.
وإذا كان كتاب سكوت أتران يركّز على تفكيك الديناميات النفسية والاجتماعية وراء العنف، فإنه يلمّح أيضًا إلى ضرورة فهم السياقات المحلية والرمزية التي تتحرك فيها هذه الجماعات، بما في ذلك سردياتها حول الشرعية والعدالة والدفاع عن الذات.
إن إدراك هذه الفروقات لا يعني تبرير العنف، لكنه شرط أولي لفهمه، ومن ثم تفكيكه، بعيدًا عن الاختزال الإعلامي أو التصنيف الأيديولوجي. فربما تبدأ الحلول السياسية الحقيقية حين نعترف أن مصطلح "العدو" نفسه ليس دائمًا مفهوماً ثابتًا، بل هو انعكاس لصراعات أعمق في الرؤية والمصالح والتاريخ.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب كتابه الحوار العرض حركات تحرر امريكا كتاب حوار عرض حركات تحرر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النفسیة والاجتماعیة هذه الجماعات إلى العدو مع حماس
إقرأ أيضاً:
سلوك مغاير لـ ترامب تجاه المنطقة.. ما انعكاساتُه على غزة؟
يمانيون../
تغيِّرُ الولاياتُ المتحدة الأمريكية قواعدَ اللُّعبة والاشتباك بشكل لافت منذ اتّفاقِ وقف العدوان الأمريكي على اليمن وزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة.
لا أحد يصدِّقُ قصةَ الخلاف بين الأمريكيين وكيان العدوّ الإسرائيلي، لكن المؤشرات على الأرض توحي بأن ثمة شيئًا ما قد حدث، ومنها على سبيل المثال عدم زيارة ترامب إلى الكيان، والتدخل الأمريكي المباشر للمفاوضات مع حركة المقاومة الإسلامية حماس دون عِـلم المجرم نتنياهو، وما أسفر عن ذلك من إطلاق سراح الجندي الأسير الإسرائيلي-الأمريكي عيدان ألكسندر.
وفي السياق، كشف موقع “أكسيوس” أن المبعوث الأمريكي إلى المنطقة “ستيف ويتكوف” نجح في إقناع الحركة بعد عدة مراسلات بالإفراج عن ألكسندر “مجانًا”، وأن ذلك سيكون له صدىً قويٌّ لدى ترامب، وهو ما حدَثَ بالفعل.
وأشَارَ الموقع إلى أن المجرمَ نتنياهو وحكومته لم يعلموا بهذه المحادثات السرية حول ألكسندر، وأن الإدارةَ الأمريكية تعهَّدت بالدفع نحو وقف العدوان في قطاع غزة لمدةٍ تتراوحُ بين 70 إلى 90 يومًا، وهي مدةٌ أطولُ من العروض السابقة، مقابل الإفراج عن عشرة رهائن.
وحتى هذه اللحظة، لا توجد مؤشرات على وقف العدوان على قطاع غزة، ولم تبادر أمريكا بأي تطمينات في هذا الجانب، لكن حماس انطلقت من مبادرتها لتثبيت “حُسن النية” ومدى جديتها للدخول في مفاوضات تنهي جرائم الإبادة في القطاع، مع علمها بعدم التزام الأمريكيين والعدوّ الإسرائيلي بأية اتّفاقيات.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب الباحث في الشؤون الاستراتيجية الدكتور سائد عساف أن “ترامب بدأ يغيّر من ألوياته في المنطقة، فهو يطمحُ إلى عقد صفقات تجارية مع دول الخليج، في حين أن كيان العدوّ يريد تدميرَ المنطقة وجَــرَّها إلى الحرب، وتخريبَ كُـلّ جهود واشنطن فيها”.
ويضيف في حديثه لبرنامج “صدى الخبر” على قناة “المسيرة” إلى أن المجرم نتنياهو “يعمل كُـلّ ما في وِسْعِه لثني ترامب عن خططه الاقتصادية الطموحة، وأن هذا يثير غضبَ ترامب، ولهذا بدأ في المفاوضات المباشرة مع حماس”.
وأوضح أن “ترامب ينظُرُ إلى منطقة الخليج على أنها بقرةٌ حلوب، وفيها الكثيرُ من الاستثمارات، وكسب التريليونات، فيما الكيانُ يريد جَرَّ المنطقة إلى حربٍ تأكُلُ الأخضرَ واليابس، وتوريطَ أمريكا في هذه الحروب، كما حدث في العدوان على اليمن، ومحاولة الزجِّ بواشنطن للدخول في حرب مباشرة مع إيران”.
ويرى أن “المفاوضات المباشرة بين حماس والولايات المتحدة الأمريكية تعزِّزُ شرعيةَ المقاومة من جهة، وتساهم في عزل كيان العدوّ من جهة أُخرى، إضافة إلى مضاعفة الضغوط داخل كَيان العدوّ ما بين نتنياهو وخصومِه السياسيين”.
من جهته، يؤكّـد الكاتبُ والباحث السياسي الفلسطيني وليد محمد علي أن “حركةَ المقاومة حماس مرنةٌ جِـدًّا في التعامل مع أية مقترحاتٍ تسرِّعُ وقفَ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”.
وانتقد دور الوسيط القَطَري والمصري فيما يتعلق بالوضع في قطاع غزة، مُشيرًا إلى أن “الدولتين تمارسان الضغطَ على حماس لتقديم التنازلات، في حين لا تضغطان على الأمريكيين والإسرائيليين لتنفيذ ما تم الاتّفاق عليه”.
وأوضح أن “صمودَ المقاومة الفلسطينية وثباتَها في مواجهة العدوان الإسرائيلي يضعُ كيان العدوّ في موقف محرج دون تحقيق أي انتصار، وهو ما عجز عنه خلال أكثر من عام ونصف عام، إضافة إلى أن الموقفَ اليمني الصُّلب في مساندة غزة زاد من انكسار العدوّ وتراجعه”.
وفي سياق المتغيرات الأمريكية، تأتي زيارة ترامب إلى السعوديّة ودول الخليج، والتي تستمرُّ لمدة 4 أَيَّـام، حَيثُ يعلو الحديثُ الاقتصادي على أي صوت.
وخلال اللقاءات المنعقدة بين المسؤولين السعوديّين وترامب، لم يتم التطرُّقُ عن التطبيع مع كيان العدوّ، وإنما طغى الجانبُ الاقتصادي على كُـلّ المِلفات.
ويرى الكاتب والباحث السياسي اللبناني وسيم بزّي أن “الهدفَ من زيارة الرئيس الأمريكي لدول الخليج هو رفدُ الخزينة الأمريكية بمليارات الدولارات”، موضحًا أن “السعوديّة تعهَّدت بإجراء اتّفاقية استثمارات لعشر سنوات تُقدَّرُ بتريليون دولار”.
وقال بزّي في تصريح خاص لقناة “المسيرة”: إن ترامب يريد “إيصال رسالة لدول الخليج أن ما يدفعونه من مليارات الدولارات ليست مِنَّةً منهم، وإنما مقابل الحماية التي توفّرها أمريكا لهم”، مستندًا إلى تصريحات الزائر قبيل مجيئه لدول الخليج.
ويكشف بزّي عن نوايا أمريكية في إعادةِ ترتيبِ الوضع في المنطقة، وذلك من خلال قيامِ دول الخليج “بمهامَّ وظائفيةٍ تنفيذية تتعدَّى ما كانت تقوم به سابقًا من مهامَّ جوهريةٍ مركَزية”، مؤكّـدًا أن “المطلوبَ من دول الخليج هو الانضباطُ العام وفق المسار الذي تريده أمريكا دون أية خصوصية تتعلق بمصالح هذه الدول