العقوبات الأمريكية على السودان … السيناريو المكرر
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى سيناريو فرض العقوبات على السودان مرة أخرى، وهو ما بدأته منذ ثمانينات القرن الماضي، بأن تسن عقوبات اقتصادية بدوافع سياسية.
وأمس الخميس قالت الولايات المتحدة أنها ستفرض عقوبات على السودان بدعاوي استخدامه أسلحة كيماوية عام 2024 وأشارت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس في بيان إلى أن “الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على السودان تشمل قيودا على الصادرات الأمريكية إليه وعلى الوصول إلى خطوط الائتمان الحكومية الأمريكية”.
ومنذ بداية الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع قامت أمريكا بحزمة من العقوبات ذات الطبيعة الاقتصادية على قيادات الجيش السوداني ففي يناير الماضي أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بدعاوي انه “اختار الحرب على المفاوضات” لإنهاء الصراع المستعر في السودان.
وعدد بيان وزارة الخزانة الأميركية وقتها ما اعتبره “تكتيكات الحرب التي ينتهجها الجيش السوداني تحت قيادة البرهان” وقال إنها شملت عدداً من الانتهاكات التي عددها البيان.
وقبل أسبوع من فرض العقوبات على قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان فرضت عقوبات على قائد “قوات الدعم السريع” محمد حمدان دقلو بعد أن اعتبرت واشنطن أن قواته “ارتكبت إبادة جماعية”، فضلاً عن الهجمات على المدنيين.
وفي يونيو الماضي فرضت الولايات المتحدة الامريكية عقوبات على شركات تتبع للدعم السريع، قبل أن تفرض عقوبات أخرى في سبتمبر على القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم حمدان دقلو، وفي مايو أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على مسؤول العمليات في قوات الدعم السريع عثمان حامد.
وبدأت واشنطن سلسلة عقوباتها على السودان منذ العام 1988 بسبب تخلفه عن سداد الديون. وأدرجت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ردا على استضافته زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 1991، قبل أن يغادر الخرطوم عام 1996، تحت وطأة ضغوط أميركية على السودان.
وفي العام 1997و بقرار تنفيذي من الرئيس الأميركي بيل كلينتون، تم فرض عقوبات مالية وتجارية على السودان، تم بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأميركية له، وألزمت الشركات الأميركية، والمواطنين الأميركيين، بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي
مع السودان.
وقصف سلاح الجو الأميركي وبأمر من الرئيس كلينتون مصنع الشفاء لللادوية، ، بحجة تصنيعه أسلحة كيميائية في العام 1998، و فرض الكونغرس الأميركي عقوبات ضد من أسماهم “الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”، في العام 2006 بالإضافة إلى قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بحظر ممتلكات عدد من الشركات والأفراد السودانيين، شملت 133 شركة وثلاثة أفراد.
وفي يناير 2017 أعلن البيت الأبيض رفعاً جزئياً لبعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم، وقال إن ذلك نتيجة للتقدم الذي أحرزه السودان، لكن الإدارة الأميركية أبقت السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب.
ووصفت وزارة الخارجية السودانية الاتهامات الأمريكية الأخيرة، التي تضمنها بيان وزارة الخارجية الأمريكية بأن الجيش السوداني قد استخدم أسلحة كيميائية في تصديه لحرب العدوان والغزو التي يتعرض لها السودان، بالمزاعم غير المؤسسة.
و عبرت الخارجية السودانية عن استنكارها للإجراءات التي أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستتخذها ضد السودان بناء على هذه الإدعاءات الباطلة.
وأبدأت الخارجية استغرابها للنهج الذي اتبعته الإدارة الأمريكية في هذه المسألة، إذ قالت أنها بدأت بتسريبات مجهولة المصدر للصحافة الأمريكية قبل شهور تحمل هذه المزاعم، لكنها تجنبت تماما أن تطرحها عبر الآلية الدولية المختصة والمفوضة بهذا الأمر؛ المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية، بلاهاي، والتي تضم كلا البلدين في عضويتها، بل أن السودان يتمتع بعضوية مجلسها التنفيذي.
و أضاف بيان صدر عن الوزارة (الجمعة) أن المنظمة المعنية تنظم الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية، وكلا البلدين موقع عليها، بشكل يحدد إجراءات التعامل مع مثل هذه المزاعم والشواغل. ولم تقم الولايات المتحدة بالخطوة الأولوية الضرورية في هذه الحالة، وهي إخطار المنظمة بشأن ما ذكرته من مزاعم، رغما عن إدعائها أن الاستخدام المزعوم كان في العام الماضي.
ويرى الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي، دكتور خالد التيجاني إن العقوبات لها علاقة وثيقة بجلسة الكونغرس التي عقدت قبل يومين، والتي أثير فيها موضوع الإمارات وعدم بيعها أسلحة أمريكية بسبب استخدامها في حرب السودان، وتعرض فيها وزير الخارجية الأمريكي لانتقادات حادة.
وأشار التيجاني في حديثه مع “المحقق” إلى أن القرار قد يكون له علاقة بالصفقة المليارية التي عقدتها أبوظبي مع الأمريكيين.
وأوضح أن العقوبات ذات طابع اقتصادي، ولكن السودان خضع لعقوبات أمريكية منذ عام 1997 وتم رفعها في عام 2017، كما تم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لاحقًا، ولكن ذلك لم يؤدِ إلى علاقات اقتصادية طبيعية مع البلدين، كما لم تتغير المعاملات المصرفية بشكل كبير رغم رفع العقوبات.
ولفت إلى أن جزءًا من العقوبات يتعلق بأمور مؤسسية، مثل تطبيع علاقات السودان مع النظام المصرفي العالمي. وأشار إلى أن العقوبات لم تصدر بشكل رسمي بعد، وإنما هناك إشارة إلى أنها ستبدأ في 6 يونيو القادم.
وقال إن الغرض من القرار هو وقف الصادرات الأمريكية للسودان والتبادل التجاري، ولكن الولايات المتحدة تحتاج إلى الصمغ العربي، ولا توجد صادرات أمريكية إلى السودان ذات قيمة كبيرة، وبالتالي ليس للعقوبات جدوى أو تأثير كبير.
وأضاف أن العقوبات متعلقة بالائتمان، لمنع وصول السودان إلى المصارف الأمريكية، ولكن هذا الأمر غير موجود أصلاً. واعتبر أن العقوبات ذات طابع سياسي وليس لها تأثير اقتصادي كبير.
وتابع قائلاً: “أعتقد أن القرار هو مجاملة دبلوماسية لطيفة من إدارة ترامب لدولة الإمارات، على ضوء موقفها الاستثماري في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد انزعاج أبوظبي من إثارة اسمها مرة أخرى في محكمة مثل الكونغرس.”
وبدوره، أكد الخبير الاقتصادي د. محمد تورشين أن العقوبات الأمريكية على السودان تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد، نظرًا لأن هذه العقوبات لها انعكاسات كبيرة على الوضع الاقتصادي في البلاد.
وأشار في حديثه لـ”المحقق” إلى أن السودان قد خاض تجربة العقوبات خلال فترة حكم نظام الإنقاذ، حيث عانى الاقتصاد والمواطنون بشدة، وتأثر الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير.
وأكد أن السودان يحتاج حاليًا إلى تفاعل بنّاء مع المجتمع الإقليمي والدولي والمنظمات الدولية.
وحذر تورشين، من أن استمرار العقوبات دون رؤية واضحة من الحكومة قد يؤدي إلى عواقب كارثية وتأثيرات سلبية على أمن واستقرار السودان، حيث يلعب الاقتصاد دورًا محوريًا في تأمين مصالح البلاد. ومن المتوقع أن تكون انعكاسات ذلك سلبية للغاية. وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي خالد التجاني أن قرار فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على السودان هو قرار سياسي، حيث برز فجأة في هذا التوقيت.
المحقق – نازك شمام
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: عقوبات على السودان الولایات المتحدة الجیش السودانی فرض عقوبات على الدعم السریع أن العقوبات فی العام إلى أن
إقرأ أيضاً:
العقوبات الأمريكية على السودان- لحظة محورية أم تعميق للمأزق؟
zuhair.osman@aol.com
في 22 مايو 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية فرض عقوبات جديدة على الحكومة السودانية، في خطوة وصفتها دوائر دبلوماسية بأنها تمثل "أعلى مستويات التصعيد" منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد في أبريل 2023.
وجاءت هذه الإجراءات عقب اتهامات باستخدام أسلحة كيميائية في دارفور، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، كما وصفها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بقوله:
"العدالة تقتضي أن تتحمل الجهات المسؤولة تبعات أفعالها، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام خروقات فظيعة لحقوق الإنسان".
هذه العقوبات لا تأتي في فراغ، بل تُشكّل تطورًا نوعيًا في سياق دولي ظلّ حذرًا ومتردّدًا في تجاوز الإدانة الخطابية إلى الفعل التنفيذي. ومع تفاقم الكارثة الإنسانية وانهيار مؤسسات الدولة، تُطرح تساؤلات جدّية حول ما إذا كانت هذه العقوبات ستغير شيئًا في المعادلة، أم ستزيدها تعقيدًا.
أثر العقوبات: بين الرمزية والفعالية
رغم أن أثر العقوبات على توازن القوى العسكرية في المدى القريب قد يكون محدودًا، بالنظر إلى وجود مصادر دعم وتسليح متنوعة لطرفي النزاع، فإن الأثر الأهم يتجلى في المجال السياسي والدبلوماسي، حيث تهدف واشنطن إلى عزل الحكومة السودانية
وحرمانها من الشرعية الدولية، في تمهيد واضح لمحاسبة قانونية لاحقة، أو إعادة ترتيب شروط أي تسوية مستقبلية.
وبينما يذكّرنا تاريخ العقوبات على السودان، خاصة خلال التسعينيات، بآثارها المؤلمة على المدنيين أكثر من النخب، فإن الصيغة المستهدفة لهذه العقوبات الجديدة – التي تطال قطاعات محددة وأفرادًا نافذين – تمثّل تطورًا يعكس تعلمًا من التجارب السابقة.
لكن يبقى هناك سؤال مفتوح حول ما إذا كانت العقوبات تستثني المساعدات الإنسانية، إذ أن غياب هذه التفاصيل قد ينذر بتضييق جديد على المدنيين، في بلد يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية والصحية في العالم.
التحالف الإقليمي في مأزق الخيارات
أبرز ما تكشف عنه هذه العقوبات هو الإحراج المتزايد الذي تواجهه الدول العربية الداعمة للجيش السوداني، والتي استند دعمها في السابق إلى دوافع استراتيجية تشمل كبح النفوذ الإسلامي، وحماية مصالح أمنية وتجارية على البحر الأحمر
واستثمار الفراغ الجيوسياسي في شرق إفريقيا.
لكن مع تلويح واشنطن – عبر تصريحات مسؤولين في وزارة الخزانة – بأن العقوبات قد تشمل شركاء يدعمون "المنتهكين للقانون الدولي"، بدا وكأن باب العقوبات الثانوية قد فُتح. وهكذا، يجد التحالف الإقليمي نفسه مضطرًا إلى مراجعة خياراته
في توازن دقيق بين الإبقاء على نفوذه في السودان وعدم خسارة العلاقة الحيوية مع واشنطن.
حتى الآن، اختار التحالف الصمت، وربما المراقبة، بانتظار ما إذا كانت هذه العقوبات خطوة مؤقتة أم بداية لسلسلة أشمل من الإجراءات.
الصوت المدني... الغائب الحاضر
في كل هذا، يظل الصوت المدني السوداني الأكثر تغييبًا والأكثر حاجة للدعم.
الحركات المدنية التي حملت راية الثورة السودانية في 2019 لا تزال في حالة تشرذم، إذ أن التنافس بين مكوناتها، وغياب مشروع سياسي موحّد، قد أفقدها فاعليتها. ومع ذلك، تواصل لجان المقاومة والمنظمات المحلية نضالها على الأرض،
في ظروف قاسية، دون غطاء دولي كافٍ.
إن الرهان الحقيقي لإنهاء الحرب لا يكمن في العقوبات وحدها، بل في بناء بديل سياسي مدني قادر على ملء الفراغ، وتقديم مشروع جامع للسلام والمواطنة والعدالة الانتقالية.
احتمالات المستقبل: بين التدويل والانهيار
تمثّل العقوبات الأمريكية اليوم عتبة محتملة لتدويل أوسع للصراع، قد يشمل لجان تقصّي حقائق دولية، أو طرح الملف أمام مجلس الأمن. لكن الانقسامات الدولية – خاصة بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى – تجعل هذا المسار
محفوفًا بالعراقيل.
في المقابل، الاقتصاد السوداني المنهار هو الطرف الأضعف في هذه المعادلة. فالعملة المحلية تفقد قيمتها يوميًا، والتضخم بلغ مستويات قياسية، والمجتمع يرزح تحت الفقر وانعدام الأمن. وقد يؤدي هذا الانهيار إلى فرض تنازلات من الأطراف المتقاتلة
لكنه يحمل أيضًا خطر تحلل الدولة بالكامل، بما لا يبقي شيئًا للتفاوض عليه.
نظرة نقدية: بين الادعاءات والمساءلة
يجب على المجتمع الدولي أن يتعامل بحذر مع الاتهامات بخصوص استخدام الأسلحة الكيميائية، عبر تحقيقات مهنية وشفافة. إذ أن عدم إثباتها بشكل قاطع قد يُحوّل العقوبات إلى أداة سياسية مثيرة للجدل، ويُضعف موقف الولايات المتحدة أخلاقيًا في عيون البعض.
كذلك، فإن أية عقوبات لا تترافق مع ممرات آمنة للمساعدات، ودعم واضح للجهود الإنسانية والديمقراطية، قد تُنظر لها كعقاب جماعي، لا كوسيلة ضغط سياسية عادلة.
الحل سوداني أولًا - تمثل العقوبات الأمريكية لحظة فارقة في تاريخ الصراع السوداني، وتضغط على اللاعبين الإقليميين والدوليين لإعادة التفكير في تموقعاتهم.
لكنها ليست عصا سحرية، ولن تنهي الحرب وحدها. بل هي فرصة – إن أحسن السودانيون قراءتها – للانتقال من معادلة الحرب إلى معادلة الحل السياسي.
وفي نهاية المطاف، السلام الدائم لا يُفرض من الخارج، بل يُبنى من الداخل، عبر مشروع وطني جامع يُنهي عهد الانقلابات والميليشيات، ويؤسس لدولة عادلة، مدنية، ومزدهرة.