لجريدة عمان:
2025-05-27@21:20:02 GMT

ترامب وإيرادات رسومه الجمركية

تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT

في بدايات القرن العشرين وقبل أن تَستحدِث أمريكا ضريبةَ الدخل كانت الرسوم الجمركية تسدِّد العديد من فواتير (نفقات) الحكومة.

الرئيس ترامب يريد إحياء تلك المقاربة. لقد طرح مرارا فكرة إنشاء الولايات المتحدة إدارة للإيرادات الخارجية تلغي بموجبها ضرائبَ الدخل وتعتمد بدلا عن ذلك على فرض الرسوم الجمركية عند الحدود بحيث يتولى الأجانب، نظريا على الأقل، تمويل الحكومة الأمريكية.

ذكر ترامب مؤخرا على منصته الاجتماعية أن الرسوم ستكون مصدر مال وفير وزعم أنها يمكنها القضاء تقريبا على كل ضرائب الدخل المفروضة على من يحصلون على أقل من 200 ألف دولار في السنة. (في 6 أبريل خاطب ترامب الصحفيين على متن طائرته الرئاسية بقوله: «لقد فرضنا الرسوم الجمركية بالفعل. وهي قيد التطبيق الآن. ستجلب لنا تريليون دولار في العام المقبل. بالإضافة إلى ذلك ستعود آلاف الشركات إلى الولايات المتحدة.»- المترجم.)

هنالك الكثير من الأشياء المكروهة في الرسوم الجمركية. فالاقتصاديون يشكُون من التشوهات التي تُلحِقُها بالتجارة. وهي في أحايين كثيرة لا تدفعها الشركات «الخارجية» ولكن يسددها المستهلكون المحليون.

في عام 2020 وجدت ميري أميتي الباحثة ببنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وزملاؤها أن كل الرسوم الجمركية تقريبا التي فرضها دونالد في فترته الرئاسية الأولى تحمَّلتها في نهاية المطاف الشركات الأمريكية في شكل هوامش ربحية أقل إلى جانب المشترين من خلال ارتفاع الأسعار. إلى ذلك قلصت الاتفاقيات مع بريطانيا والصين معدلات الرسوم المرتفعة الأخيرة. وهذا سيقود إلى خفض حصيلة إيراداتها. وسيستمر هبوط معدلاتها مع عقد الولايات المتحدة المزيد من الاتفاقيات.

مع ذلك ستحقق رسوم ترامب إيراداتِ كبيرة. لكن السؤال هو: كبيرة إلى أي حد؟ في العام الماضي جمعت الحكومة الفيدرالية 100 بليون دولار فقط من الرسوم الجمركية من جملة إيرادات بلغت 4.9 تريليون دولار. لكن تلك الحصيلة تزداد هذا العام. فالبيانات اليومية من وزارة الخزانة تظهر ارتفاعا. بحلول 13 مايو بلغ إجمالي المبالغ التي تم تحصيلها من الرسوم الجمركية 47 بليون دولار منذ بداية هذا العام وبزيادة حوالي 15 بليون دولار عن العام الماضي. من الصعب تحديد مقدار ما تم جمعه منها نتيجة للرسوم الأخيرة التي فرضها ترامب وما ترتب عن ارتفاع الواردات بسبب مسارعة الشركات لاستيراد السلع قبل فرض زيادات أخرى في معدلات الرسوم. والراجح أن الزيادة في حصيلة الرسوم الجمركية تعود إلى هذا العامل الأخير.

مع ذلك حاول عدد من الاقتصاديين التنبؤ بحصائل الرسوم الجمركية. يزعم بيتر نافارو المستشار التجاري للرئيس ترامب أن الرسوم يمكنها رفد الخزانة الأمريكية بأكثر من 6 تريليونات دولار خلال العقد القادم أو 600 بليون دولار سنويا. توصل نافارو إلى ذلك بحسبة بالغة البساطة. لقد فرض رسما جمركيا فعَّالا بنسبة 20% على قيمة الواردات السلعية في العام الماضي التي بلغت 3.3 تريليون دولار. (الرسم الجمركي الفعال هو متوسط معدل الرسم الجمركي على إجمالي قيمة السلع المستوردة. وهو يختلف عن الرسم الجمركي المفروض على كل سلعة على حدة - المترجم).

مثل هذه المقاربة تتجاهل القوى الأساسية المحركة للاقتصاد. فالرسوم الجمركية المرتفعة تقلل الطلب على السلع الأجنبية وتقلص القاعدة الضريبية. كما تخفِّض حصائل الضريبة على الدخل والرواتب بما يعادل 25% من المكاسب المتوقعة، حسب معظم التقديرات. وإذا وضعنا في الاعتبار الردود الانتقامية على الرسوم وتجنب سدادها ستشهد الإيرادات المتوقعة مزيدا من الانخفاض. تقديرات نافارو بتحصيل ما يصل إلى تريليون دولار من الرسوم الجمركية ترتكز على «وهم الثبات» أو بقاء الأمور على ما هي عليه بحيث يتجاهل المشترون والبائعون والشركاء التجاريون إشارات الأسعار.

التقديرات المستقلة لإيرادات الرسوم الجمركية أقل كثيرا. فنموذج «بن وارتون» للميزانية والذي يحلل الأثر المالي والاقتصادي للسياسات الحكومية المقترحة في الولايات المتحدة يقدِّر قيمة إيرادات الحزمة الكاملة للرسوم المقترحة بما في ذلك الرسوم «المتبادلة» والمجمَّدة حاليا بحوالي 290 بليون دولار سنويا خلال العقد القادم. ويضع النموذج في حساباته اعتبارا لضعف الطلب على الواردات إلى جانب الآثار التي تترتب على حصائل ضريبة الشركات والدخل والرواتب.

التقديرات الأخرى أقل كذلك. فمختبر الميزانية في جامعة ييل وهو مركز أبحاث غير حزبي يتوقع إيرادا سنويا بقيمة 180 بليون دولار. وتضع مؤسسة الضرائب «تاكس فاونديشن»، وهي مركز أبحاث أيضا، الرقم قريبا من 140 بليون دولار.

لكن هنالك غرابة في حساب هذه التقديرات. في الواقع، خفضُ الرسوم على السلع الصينية من 145% إلى 30% لا يغير كثيرا من نتائجها. فعند معدل 145% يكون الرسم الجمركي في الجانب السلبي أو المنحدر من ذروة «منحنى لافر». وهي النقطة التي يقلل عندها ارتفاع معدل الرسم الجمركي من حصيلته بدلا من زيادتها. فتطبيق هذا المعدل يقود إلى انخفاض حاد في الواردات القادمة من الصين. وهو ما سيعني أن الإيرادات الضريبية ستتدنى على الرغم من الارتفاع الشديد في معدلات الرسوم الجمركية على السلع التي يستمر تصديرها إلى الولايات المتحدة. وحسب نموذج «بن وارتون» سيحقق الرسم الجمركي عند معدل 145% على الواردات الصينية مبلغا يزيد بحوالي 25 بليون دولار فقط في العام عن حصيلة المعدل الجمركي الحالي الذي يبلغ 30%. وحتى مع هذه الفائدة الضئيلة لن تجعل رسوم ترامب من الممكن إجراء التخفيضات الضريبية الكبيرة التي يريدها.

في العام الماضي بلغت حصيلة ضريبة الدخل الشخصي في الولايات المتحدة 2.4 تريليون دولار وهو مبلغ من المتوقع أن يرتفع إلى 4.4 تريليون دولار خلال العقد القادم. تقدر مؤسسة الضرائب أن إسقاط ضرائب الدخل لمن يحصلون على أقل من 200 ألف دولار يكلف (خزينة الحكومة) 737 بليون دولار في العام الحالي أو ضعف إلى ثلاثة أضعاف الإيرادات التي من الممكن أن تحققها الرسوم الجمركية.

نظريا، يمكن أن يغطي الإحلال الضريبي المحايد (الذي لا يؤثر على حجم الإيرادات) إعفاء أولئك الذين يكسبون حوالي 80 ألف دولار أو أقل وتشكل مدفوعاتهم 10% فقط من حصائل ضريبة الدخل. لكن إسقاط الضرائب عن أصحاب الدخول المتدنية سيعني عمليا خفض أدنى معدل ضريبي «حدّي» سيسري مثل هذا الخفض على الشريحة الضريبية الأولى لكل دافعي الضرائب وبالتالي يفيد أكثر أصحاب الدخول المرتفعة. (مثلا إعفاء أول 10 آلاف دولار من الدخل سيسري على من يبلغ دخله 80 ألف دولار أو مليون دولار- المترجم.) اقترح الجمهوريون تشريعيا ضريبيا يشتمل على مزايا ضريبية أخرى بما في ذلك رفع حدود الشرائح الضريبية (بمعنى دفع ضريبة أقل على الشريحة الضريبية بعد تعديل حدها الأعلى). وهذا في حد ذاته سيقلل الإيرادات الضريبية بأكثر من الدخل المتوقع من الرسوم الجمركية.

كان باستطاعة الرسوم الجمركية تمويل الحكومة الفيدرالية في أوائل القرن العشرين لأن إنفاقها شكَّل 2% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي حيث اقتصر بقدر كبير على خدمة الدين والدفاع والبنية التحتية. اليوم هذه النسبة أعلى بحوالي عشرة أضعاف. وتشكل الواردات قاعدة ضريبية ضيقة ومتقلبة مما يجعلها غير ملائمة لتمويل الدولة الحديثة. والمفارقة هي أن الرسوم الجمركية ستجعل الإنفاق الأمريكي معتمدا على الإنتاج الصيني. وهذا هو السبب في أن معظم الساسة لا يحاولون العودة إلى مقاربة أوائل القرن العشرين. (عندما كانت الإيرادات الجمركية المصدر الأساسي لإنفاق الحكومة).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الرسوم الجمرکیة الولایات المتحدة تریلیون دولار العام الماضی بلیون دولار ألف دولار فی العام

إقرأ أيضاً:

اليابان تدعم شركاتها الصغيرة والمتوسطة بـ15.5 مليار دولار لمواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية

المناطق_واس

أعلنت الحكومة اليابانية اليوم, عن حزمة دعم بقيمة 15.5 مليار دولار لمساعدة الشركات اليابانية الصغيرة والمتوسطة الحجم على مواجهة تأثيرات الرسوم الجمركية.

وقال يوشيماسا هاياشي المتحدث باسم الحكومة اليابانية، في مؤتمر صحفي: “إن الخطة البالغة قيمتها 2.2 تريليون ين ستتضمن مساعدات تمويلية للشركات وتخفيف شروط الإقراض مع مؤسسة ائتمانية مدعومة من الدولة”.

أخبار قد تهمك اليابان تجدد طلبها للولايات المتحدة الأمريكية بضرورة إلغاء الرسوم الجمركية 23 مايو 2025 - 2:50 مساءً التضخم الأساسي في اليابان يسجّل أعلى مستوى منذ أكثر من عامين 23 مايو 2025 - 8:16 صباحًا

وأضاف هاياشي: “سنقدم دعمًا كاملًا للشركات الصغيرة والمتوسطة المتضررة من الرسوم الجمركية الأمريكية”.

وأعلنت الحكومة اليابانية أمس الاثنين, أنها اتفقت مع واشنطن على تسريع محادثاتهما؛ بهدف التوصل إلى اتفاق تجاري في يونيو المقبل.

مقالات مشابهة

  • تايمز: ما فهمه ترامب من مهندس الرسوم الجمركية
  • اليابان تدعم شركاتها الصغيرة والمتوسطة بـ15.5 مليار دولار لمواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية
  • ترامب يُؤجل 50% من الرسوم الجمركية للاتحاد الأوربي
  • ترامب يؤجل الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي إلى يوليو
  • ترامب يؤجل فرض الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي حتى 9 يوليو
  • تراجع الدولار وصعود اليورو بعد تأجيل ترامب فرض الرسوم الجمركية على أوروبا
  • ترامب يمدد مهلة فرض الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي حتى تموز المقبل
  • تراجع الذهب بعد تأجيل ترامب فرض الرسوم الجمركية
  • ترامب يعلق الرسوم الجمركية على واردات الاتحاد الأوروبي