حرب روسيا الهجينة على أوروبا تدخل من بوابة الانتخابات
تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT
تحدثت السلطات في كل من رومانيا وبولندا اللتين جرت فيهما انتخابات رئاسية الأحد الماضي عن محاولات تدخل روسي عبر منصات التواصل الاجتماعي، بهدف التأثير على مجريات الاقتراع.
وكانت الانتخابات في رومانيا قد ألغيت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد الحديث عن تدخلات روسية أدت إلى تصدر مرشح موال لروسيا للانتخابات، وعاشت جورجيا 100 يوم من الاحتجاجات المتواصلة رفضا لنجاح حزب الحلم الجورجي الموالي لروسيا، وقبل ذلك شهدت مولدوفا صراعا انتخابيا مماثلا.
وبينما تشير هذه التدخلات -إضافة إلى الغزو العسكري لأوكرانيا والمخاوف في دول البلطيق من غزو مماثل- إلى أن شبح النفوذ الروسي يخيم من جديد على أوروبا الشرقية، يتحدث الخبراء عن حرب هجينة تشنها روسيا على الغرب عموما، لكن ميدانها الرئيسي هو الدول الأوروبية القريبة منها.
فما أهم أساليب الحرب الروسية الهجينة؟ وما مدى نجاعتها وفاعليتها في استعادة النفوذ الروسي في أوروبا الشرقية؟ وكيف تواجهها دول الغرب؟
شهدت رومانيا ماراثونا انتخابيا بدأ في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حين أجريت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ليتصدر نتائجها المرشح اليميني المقرب من روسيا كالين جرجيسكو، لكن الحكومة وبدعم من المحكمة العليا ألغت النتائج، متذرعة بتدخل روسي لمصلحة جورجيسكو قبل أن يصدر قرار آخر بمنعه من الترشح.
إعلانغير أن مرشحا يمينيا آخر يتبنى مواقف جوجيسكو هو جورج سيمون تمكن من جديد من تصدر الانتخابات المعادة في مارس/آذار الماضي، بنسبة فاقت 40% وبفارق كبير عن أقرب منافسيه (حوالي 20%)، إلا أن عدم نيله غالبية 50% استدعت إجراء جولة أخرى.
تحالفت كل القوى المدعومة من الغرب لقطع الطريق أمام سيمون، وبشق الأنفس تمكن عمدة بلدية بوخارست نيكوسور دان المعروف بمواقفه الداعمة للاتحاد الأوروبي من الفوز في اقتراع الأحد حسب النتائج المعلنة، لكن جورج سيميون رفض الاعتراف بالهزيمة واعتبر أن الانتخابات تم تزويرها، مما يعني أن الأزمة السياسية التي اندلعت منذ إلغاء انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني ستستمر.
وقد أصدرت وزارات الخارجية والداخلية والدفاع الرومانية بيانًا مشتركًا تحدثت فيه عن محاولات تدخل روسي عبر منصات التواصل الاجتماعي، من بينها تليغرام وتيك توك، بهدف التأثير على مجريات الاقتراع.
وكشفت السلطات عن تداول فيديو وصفته بالمفبرك يدّعي أن "قوات فرنسية ترتدي زي الدرك الروماني تنتشر في البلاد"، مؤكدة أن مصدره مرتبط بجهات روسية.
من جهتها، نفت روسيا تدخلها في الانتخابات الرومانية، ونقلت قناة روسيا 24 عن السفير الروسي في بوخارست فلاديمير ليباييف تأكيده وجود تدخل أجنبي في الانتخابات الرئاسية الرومانية، ولكن مصدره لم يكن روسيا بل الغرب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل خاص.
ونقل موقع "آ تي" الروسي عن المرشح الرئاسي الروماني المعارض جورج سيميون زعيم الحزب القومي "تحالف توحيد الرومانيين" اتهامه أيضا لماكرون بالتدخل المباشر في الانتخابات الرومانية، قائلا إن السفير الفرنسي تجول في مناطق مختلفة من رومانيا لحث المسؤولين ورجال الأعمال على دعم مرشح منافس.
وفي سياق متصل، أعلن مؤسس تليغرام، بافل دوروف، أنه تلقى طلبًا من "دولة غربية" لإغلاق قنوات سياسية محافظة في رومانيا، لكنه رفض ذلك قائلًا إن "تليغرام لن يقيّد حرية المستخدمين الرومانيين، ولن يحجب قنواتهم السياسية".
إعلان
بولندا.. تهديد روسي مستمر
وكان الأحد الماضي أيضا موعدا لانتخابات رئاسية أخرى في أوروبا الشرقية، هذه المرة في بولندا العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وكان شبح روسيا حاضرا أيضا.
وأسفرت الانتخابات عن جولة إعادة بين مرشح مؤيد لأوروبا هو رئيس بلدية وارسو رافال تشاسكوفكسي (31%) ومرشح قومي يعارض الحرب في أوكرانيا هو المؤرخ كارول ناوروتسكي (30%)، وستجرى جولة الإعادة في الأول من يونيو/حزيران المقبل.
وتظهر الأرقام حظا أوفر للمرشح القومي على اعتبار أن مرشحَين آخرَين محسوبين على اليمين المتطرف حصدا حوالي 22% من الأصوات، ويرجح -نظرا للتقارب في التوجهات- أن تكون تلك الأصوات لمصلحة كارول ناوروتسكي.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فقد ركزت خطابات الحملة الانتخابية في بولندا تركيزا كبيرا على السياسة الخارجية، لتكشف عن تباين في الرؤى بشأن طبيعة علاقة بولندا بالاتحاد الأوروبي والموقف من الحرب في أوكرانيا.
من جهته، اعتبر الباحث السياسي مارك جونينت، في تقرير لمجلة أميركية، أن المرشحَين الرئيسيين اللذين عبرا إلى الشوط الثاني لا يتفقان على الكثير، لكنهما يدعمان زيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة ما يعتبرانه تهديدًا روسيًّا مُستمرًّا.
وينقل المقال عن الأكاديمي بجامعة فيزينسكي في وارسو، بارتوش ريدلينسكي، أنه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بدت بولندا كأنها ستواجه مصير أوكرانيا، ولهذا السبب كان هناك إجماع سياسي شبه كامل على زيادة الإنفاق العسكري.
وأشار جونينت في تقريره إلى التأثير البيّن للدعاية الروسية في بولندا، حيث ازدادت المشاعر المعادية لأوكرانيا مؤخرًا، وصار البولنديون يتهمون مليون لاجئ أوكراني يعيشون في بولندا باستغلال بلادهم.
كما أظهر استطلاع رأي أُجري أواخر 2024 أنه لأول مرة تعتقد غالبية البولنديين أن الحرب في أوكرانيا يجب أن تنتهي حتى لو استلزم ذلك تنازل كييف عن جزء من أراضيها أو سيادتها.
إعلانوأظهر استطلاع رأي آخر أن 63% من البولنديين يعتقدون أن بولندا مهددة من دول أخرى. وتنطلق هواجس بولندا من روسيا من موقع البلاد الحساس فهي مُتاخمة لمنطقة كالينينغراد الروسية.
يعتبر الكاتب فيليكس كانينغهام، في مقال بصحيفة "موسكو تايمز"، أن للكرملين إستراتيجية واسعة النطاق لزرع بذور عدم الثقة والتأثير على الانتخابات في ما يعتبره دائرة نفوذه في أوروبا الشرقية، خصوصا في الدول التي تسعى إلى تقوية تعاونها مع الغرب.
وفي مقال مشترك بصحيفة فايننشال تايمز، حذّر رئيسا جهاز المخابرات البريطاني ووكالة المخابرات المركزية الأميركية من أن روسيا تُكثّف نهجها في الحرب الهجينة، مُحوّلةً تركيزها من الهيمنة العسكرية التقليدية إلى زعزعة استقرار الديمقراطيات من الداخل بنشر الأكاذيب والمعلومات المضللة المُصمّمة لإشعال الخلافات والفتن الداخلية.
ورغم أن روسيا نفت باستمرار التدخل في انتخابات الدول الأخرى، فإن الكاتب كانينغهام نقل في مقاله عن السفير الجورجي السابق لدى الولايات المتحدة والرئيس السابق لجهاز المخابرات الخارجية الجورجي باتو كوتيليا، أن إستراتيجية الكرملين تهدف للاستيلاء على الدول عبر تنصيب أوليغارشيين مُتحالفين مع روسيا وتكوين حكومات عميلة تبسط نفوذها عبر الممارسات الفاسدة وقمع المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة والمعارضة السياسية.
ففي جورجيا، يسيطر رجل الأعمال بيدزينا إيفانشفيلي على حزب "الحلم الجورجي" الشعبوي الموالي لروسيا والذي فاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو أغنى رجل في البلاد وقد جمع ثروته في روسيا.
وبدأ الحزب مسيرته كحزب ليبرالي مؤيد للاتحاد الأوروبي والغرب، لكنه في السنوات الأخيرة ابتعد عن النهج الليبرالي وازداد تقاربه مع روسيا.
إعلانوفي رومانيا، كان صعود جورجيسكو الموالي لروسيا مفاجأة كبرى، وهو ما عزته وثائق استخباراتية رومانية رُفعت عنها السرية إلى شن روسيا هجومًا "مختلطًا" ضد رومانيا من خلال هجمات إلكترونية ونشر معلومات مضللة.
كذلك أفادت الوثائق بأن حملة جورجيسكو الإعلامية نُسقت من قبل جهة حكومية يفترض أنها روسية دفعت لأكثر من 100 مؤثر على تيك توك لدعم حملته خلال الأسبوعين السابقين للانتخابات.
وترى المحللة الإستراتيجية في مركز لاهاي للدراسات الإستراتيجية، لورا جاسبر، أن هناك اختلافًا في أنواع السرديات المستخدمة من طرف الروس، فهم لا يُبدعون قصصًا، بل يُضخّمون الانقسامات القائمة بالفعل عبر توظيف قضايا مثل الهجرة والمشاكل الاقتصادية التي تشغل الرأي العام أكثر في دول أوروبا الغربية، بينما ينصبّ التركيز في الدول الشرقية التي تتجه نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي على زرع عدم الثقة بالمؤسسات الديمقراطية.
ظروف الحرب الروسية الهجينة
وحسب الكاتب كانينغهام، يقدر المسؤولون المولدوفيون أن موسكو ضخّت 100 مليون دولار ضمن جهودها للتأثير على نتائج الانتخابات في البلاد، وتولى إيلان شور -وهو رجل أعمال مولدوفي يعيش في موسكوـ تمويل عمليات بدعم من الكرملين عن طريق تحويل الأموال مباشرة إلى حسابات مصرفية لمولدوفيين مُموّهة على أنها "معاشات تقاعدية إضافية"، لضمان تصويتهم بـ"نعم" لمصلحة مرشح روسيا وبـ"لا" في استفتاء الانضمام للاتحاد الأوروبي.
وتحدث المقال عن حملة تضليل واسعة النطاق قامت بها جهات محسوبة على روسيا لإثارة مخاوف من اندلاع حرب في حال إقرار الاستفتاء، ونشر ادعاءات بأن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى غسل أدمغة الأطفال ليصبحوا مثليين أو متحولين جنسيا.
ويعتبر الكاتب أن روسيا على ما يبدو اعتمدت هذا النوع من الحرب الهجينة بشكل متزايد منذ انتشار التقارير عن مساعي موسكو للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016.
إعلانويرى كانينغهام أن السياق الآن مناسب جدا لموسكو، إذ تشهد أوروبا صعود الشعبويين اليمينيين الذين يُبدون تعاطفًا أكبر مع روسيا بشكل عام، إلى جانب الفتور أو التوتر في علاقات دول الاتحاد الأوروبي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وموقفه الرافض لاستمرار الحرب في أوكرانيا، وهي ظروف مواتية لروسيا تسمح بزيادة التدخل في أوروبا وتعميق الانقسامات.
وفي عام 2023، أعلنت روسيا عن تبني إستراتيجية جديدة في مجال السياسة الخارجية تقدّم الولايات المتحدة تحديدا والغرب عموما على أنهما مصدر "تهديدات وجودية" لموسكو، في ظل أجواء الخلافات المتفاقمة بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبررا تبنّي الخطة الجديدة إن "الاضطرابات على الساحة الدولية" تجبر بلاده على "تكييف وثائق التخطيط الإستراتيجي الخاصة بها".
ومن جانبه، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين بأنهم هم من يشنون "حربا هجينة" على موسكو، مضيفا أن إستراتيجية السياسة الخارجية الروسية الجديدة تقوم على مبدأ أن "الإجراءات المعادية لروسيا التي تتخذها الدول غير الودية ستواجه باستمرار، وبقسوة إذا لزم الأمر".
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة (@aljazeera)
تضاعف الهجماتفي دراسة لمركز الدراسات الإستراتيجية الدولية الأميركي بعنوان "حرب الظل الروسية على الغرب"، يعتبر الباحث سيث ج. جونز أن روسيا تشن -بقيادة المخابرات العسكرية الروسية- حملة تخريب متصاعدة وعنيفة ضد أهداف أوروبية وأميركية في أوروبا تُكمّل حربها التقليدية الوحشية في أوكرانيا.
فقد تضاعف عدد الهجمات الروسية في أوروبا 3 مرات تقريبًا بين عامي 2023 و2024، بعد أن تضاعف 4 مرات بين عامي 2022 و2023.
وحسب الدراسة، استهدفت حوالي 27% من الهجمات أهدافًا في قطاع النقل مثل القطارات والمركبات والطائرات، و27% أخرى أهدافًا حكومية مثل القواعد العسكرية والمسؤولين، و21% أهدافًا حيوية في البنية التحتية مثل خطوط الأنابيب وكابلات الألياف الضوئية البحرية وشبكة الكهرباء، و21% استهدفت قطاعات صناعية مثل شركات الدفاع.
إعلانواستخدمت روسيا في هذه الهجمات مجموعة متنوعة من الأسلحة والتكتيكات، وكان أكثرها شيوعًا (35%) هو المتفجرات والمواد الحارقة، كما شملت أدوات حادة (27%) مثل المراسي المستخدمة لقطع كابلات الألياف الضوئية البحرية، ومثلت الهجمات الإلكترونية نسبة 15% وتسليح المهاجرين غير الشرعيين 8%.
وحسب التقرير، يقوم جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي بهذه الهجمات، إما بشكل مباشر من قبل ضباطه أو بشكل غير مباشر من خلال عملاء مُجنّدين من ضمنهم عناصر محلية لتخطيط مهام التخريب وتنفيذها.
ترى الباحثة في مركز لاهاي للدراسات الإستراتيجية جاسبر أن الدول الغربية تعتمد حتى الآن على ردة الفعل في تعاملها مع الهجمات الروسية وتفتقر إلى تدابير هيكلية ناجعة مسبقة وشفافة.
وتعتبر الباحثة أن "التفجر" المستمر في حرية التعبير على منصات التواصل الاجتماعي، مثل إكس وفيسبوك، يعقد الجهود المبذولة للتصدي للتضليل الإعلامي وحملات التأثير الأجنبية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الانتخابات الرئاسیة الحرب فی أوکرانیا الاتحاد الأوروبی أوروبا الشرقیة فی الانتخابات فی رومانیا فی بولندا فی أوروبا أن روسیا
إقرأ أيضاً:
هل تنجح هجمة أوروبا على إسرائيل في وقف الحرب؟
"يسعدني أن هناك اليوم عددًا متزايدًا من الأميركيين الذين سيفهمون ما فعلت، وربما يرونه أكثر الأفعال عقلانية"، هكذا عقّب إلياس رودريغيز على عملية إطلاق النار التي نفذها ضد موظفي السفارة "الإسرائيلية" في الولايات المتحدة، والتي يرى الكثيرون أنها أتت في سياق رأي عام غربي يتصاعد في رفضه حرب الإبادة، ويترافق مع مواقف رسمية أوروبية ضاغطة على "إسرائيل" مؤخرًا.
مواقف مستجدةشهدت الأسابيع الماضية تصعيدًا ملحوظًا في خطاب ومواقف أوروبية ضد "إسرائيل" على خلفية استمرار عدوانها على غزة وبشكل أكثر دقة بسبب منعها دخول المساعدات للقطاع على مدى ما يقرب من ثلاثة أشهر.
فقد أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني بيانًا مشتركًا هددوا فيه بعدم الوقوف "مكتوفي الأيدي" إزاء ما عدّوه "أفعالًا مشينة" ترتكبها حكومة نتنياهو، ملوّحين باتخاذ "إجراءات عقابية ملموسة" ضدها، إذ لم توقف العملية العسكرية وتسمح بإدخال المساعدات فورًا وبكميات كافية.
كما طالبها وزراء خارجية 22 دولة، في مقدمتها ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، "بالسماح بدخول المساعدات بشكل كامل وفوري" تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، في رفض علني ومباشر الآليةَ التي اقترحتها بالتعاون مع واشنطن.
إعلانكما وصف وزير خارجية بريطانيا الحصار المفروض على غزة بأنه "غير أخلاقي ولا يمكن تبريره"، معلنًا تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرّة مع "إسرائيل"، وفرض عقوبات على منظّمات ومستوطنين متورّطين بالعنف في الضفة الغربية.
وفي تصعيد أوروبي غير مسبوق، بدأ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مناقشة دعوات قدّمتها عدة دول لتعليق اتّفاقية الشراكة بين الاتحاد و"إسرائيل"، في ظلّ أحاديث عن دعم أغلبية الأعضاء.
كما أكّد ماكرون أن "كل الخيارات مطروحة" للضغط على "إسرائيل" لوقف الحرب وإدخال المساعدات، مع التلويح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. ووصف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز "إسرائيل" بـ "دولة الإبادة"، رافضًا التعامل التجاري معها.
قبل ذلك، كانت ست دول أوروبية، هي أيرلندا، وإسبانيا، وسلوفينيا، ولوكسمبورغ، والنرويج، وآيسلندا، قد أصدرت بيانًا مشتركًا عدّت فيه مساعي "إسرائيل" لتهجير سكان غزة "ترحيلًا قسريًا، وجريمة بموجب القانون الدولي"، منتقدة تعمّد منع دخول المساعدات.
على الجانب الآخر من الأطلسي، تواترت تصريحات أميركية بأن ترامب "يريد وقف الحرب"، في خلاف شبه علني مع نتنياهو، كما أجّل وزير الدفاع الأميركي زيارة كانت مقررة لـ "إسرائيل"، وأكد أكثر من مصدر أميركي أن إدارة ترامب مستمرة في تواصلها المباشر مع حركة حماس، رغم اعتراض نتنياهو، فضلًا عن خلافات علنية بين الجانبين بخصوص المفاوضات الأميركية – الإيرانية وطريقة التعامل مع الحوثيين.
يضاف كل ذلك إلى الحركة الطلابية في الجامعات الأميركية التي ما زالت عالية السقف ضد الحرب، وضد ترهيب الطلاب المتضامنين مع الفلسطينيين.
ويرى الكثيرون أن العملية التي نفذها رودريغيز تأتي في سياق الرأي العام الغاضب من استمرار الإبادة والتجويع، لا سيما أنها أتت من شخص غير عربي أو مسلم، فضلًا عن تعليمه وثقافته واطّلاعه على القضية الفلسطينية وحرب الإبادة بكامل تفاصيلها، وحديثه الملموس عن "المسؤولية الإنسانية"، و"تواطؤ الحكومة الأميركية"، واستمرار دعمها حكومة الاحتلال.
إعلان الدوافعلا يمكن النظر للمواقف الأوروبية على أنها مواقف مبدئية مع الفلسطينيين وقضيتهم، فقد تبنّت معظم هذه الدول سردية الاحتلال بخصوص هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأيدت ما أسمته "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". بيد أن أكثرَ من سنة ونصفٍ من حرب الإبادة المستمرة، قد راكمَ عدة دوافع وأسباب ساهمت في بلورة الموقف الأوروبي – الغربي المستجد.
في المقام الأول، ليست حرب الإبادة مما يمكن تأييده، تحديدًا بشكل علني ورسمي، لا سيما بعد أن تحوّلت منذ أشهرها الأولى إلى إبادة وحصار وتجويع للمدنيين، ثم تواترت التصريحات الرسمية، ولا سيما من وزير المالية سموتريتش، بضرورة إعادة احتلال القطاع وتفريغه من سكانه.
هنا، تتبدّى رغبة أوروبية بالتنصّل من حرب الإبادة وتبعاتها، ولا سيما في البعد الإنساني، وبشكل أكثر دقة بخصوص قتل الأطفال واستهداف المدنيين بشكل مكثف ومتكرر ومقصود. حيث أكدت وزارة الصحة العالمية أن غزة تواجه "إحدى أسوأ أزمات الجوع عالميًا"، مما يتسبب بوفاة عشرات الأطفال بسبب "الحرمان المتعمّد من الغذاء".
ينطلق ذلك من رغبة أوروبية في تأكيد "المنطلق الأخلاقي" في النظر للقضايا، وكذلك استشعار المسؤولية الأوروبية عن أفعال "إسرائيل" التي نُظر لها لعقود على أنها ممثلة الغرب المتحضر في قلب الشرق الأوسط، فضلًا عن الحقائق التاريخية بخصوص دور أوروبا في إنشائها بالأساس.
إضافة إلى ذلك، يتابع القادة الأوروبيون التغير الكبير في الرأي العام في بلادهم من "إسرائيل" والقضية الفلسطينية، ولا سيما بين الأجيال الجديدة، وهو ما يخشون ارتداده عليهم بشكل سلبي، وخصوصًا في الاستحقاقات الانتخابية، وقد كانت الانتخابات البريطانية العام الفائت مثالًا حيًا على ذلك.
وكمثال يمكن تعميمه بدرجة أو أخرى، فقد أوضح استطلاع للرأي أُجري في يونيو/ حزيران من العام الفائت، أن 54% من الشباب البريطاني (18-24 عامًا) يرون أن "إسرائيل لا ينبغي أن توجد"، بينما رأى نصفهم أنها هي المسؤولة عن الحرب وليس الفلسطينيين.
إعلانكما أن الاعتداءات "الإسرائيلية" في مجمل المنطقة، في لبنان رغم وقف اتفاق إطلاق النار، وضد سوريا دون أي خطر منها، والتهديد المتكرر لإيران واليمن، تعمّق عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي تسير عكس اتجاه السياسات الأوروبية وعلى النقيض من مصالحها. ولعل حادثة إطلاق النار على دبلوماسيين أوروبيين وعرب في جنين يظهر إلى أي مدى فقدت "إسرائيل" عقلها.
وأخيرًا، قد تكون المواقف الأوروبية في جزء منها مناكفة أو ردًا ضمنيًا على سياسات الرئيس الأميركي غير المرضية بالنسبة لها، ولا سيما ما يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية.
أي تأثير؟السؤال الأكثر إلحاحًا الآن هو إلى أي مدى يمكن أن تؤثر المواقف الأوروبية والغربية الأخيرة على استمرار الحرب.
بالنظر إلى توجهات حكومة الاحتلال، والدعم الأميركي المستمر، والمواقف الإقليمية الرسمية، والوضع الميداني في غزة، لا يمكن انتظار تأثير أوروبي مباشر يؤدي لوقف الحرب. لكن ذلك لا يعني أن الخطوات الأوروبية بلا أثر بالمطلق.
فقي المقام الأول، ثمة موقف عابر للدول يكاد يشمل معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي ومعهم بريطانيا، برفض استمرار الحرب وضرورة إدخال المساعدات، وهي الدول الأكثر دعمًا لـ"إسرائيل" تقليديًا. يعني ذلك أن الأخيرة تفقد بشكل ملحوظ رصيدها الداعم لها في الغرب ليس فقط على صعيد النخب والشعوب، ولكن أيضًا على الصعيد الرسمي.
كما أنّ الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لدولة الاحتلال، وبالتّالي فإن مضيّه في مسار تعليق اتفاقية الشراكة وغيرها من العقوبات الاقتصادية المحتملة، قد تكون له آثار سلبية وربما كارثية على اقتصاد الحرب في "إسرائيل" المتراجع أصلًا.
من جهة ثالثة، فإن تواتر المواقف الدولية الضاغطة على نتنياهو وحكومته يشكل دعمًا كبيرًا وتحفيزًا للمعارضة الداخلية ضد نتنياهو على الصعيدين؛ الشعبي والسياسي، وهو ما لاحت بعض إشاراته في الأيام القليلة الأخيرة.
إعلانفقد حذر رئيس الحزب الديمقراطي "الإسرائيلي" يائير غولان من تحول "إسرائيل" إلى دولة منبوذة دوليًا لأنها "تقاتل المدنيين، وتقتل الأطفال كهواية، وتعمل على ترحيل السكان".
وقال رئيس الوزراء السابق إيهود باراك إن الهدف الحقيقي لما أسماه "حرب الأشرار" هو "ضمان بقاء نتنياهو، لا أمن إسرائيل"، داعيًا إلى الإطاحة به. كما دعا رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت إلى سحب الجيش من غزة وإنهاء الحرب، طالبًا "مساندة المجتمع الدولي للتخلص من بن غفير وسموتريتش ونتنياهو".
في المحصلة، فإن المواقف الأوروبية والغربية الأخيرة تشكّل ضغطًا كبيرًا على نتنياهو وحكومته، خارجيًا وداخليًا، وهو ما يمكن أن يساهم مع عوامل أخرى إضافية في وقف الحرب مستقبلًا. بينما قد يكون تأثيرها المباشر والسريع المتوقع هو السماح بإدخال المزيد من المساعدات للقطاع استجابة للضغوط كما حصل مؤخرًا.
وتبقى الحرب الحالية الخالية من أي أهداف عسكرية وبرنامج سياسي لما بعدها عبئًا على الأطراف الداعمة للاحتلال، ويبقى ملف الأسرى عامل ضغط إضافي في المدى المنظور، ما يعزز إمكانية وقف الحرب لاحقًا إذا ما توفرت عوامل ضغط إضافية.
وهنا تتبدى مسؤولية منظومة العمل العربي والإسلامي الرسمي، بشكل مباشر، وكذلك من خلال العلاقات مع الإدارة الأميركية التي أثبتت مرارًا أن ترامب قابل لتغيير المواقف وحسم القرارات إذا توفّرَ ما يقنعه و/ أو يغريه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline