انتهت، الجمعة الماضي، الجولة الخامسة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بشأن البرنامج النووي الإيراني، والتي عقدت في العاصمة الإيطالية روما، وأكد وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي، أنها أحرزت «تقدماً غير حاسم».

وكانت الجولة الخامسة قد شهدت حوارًا صعبًا، خصوصاً بعد تأكيد المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في 18 مايو، على أن تخصيب إيران لليورانيوم يشكل «خطًا أحمر» للولايات المتحدة، مستبعدًا قبول تخصيب محدود، في موقف يعكس تشدداً أمريكياً مقارنة بإشارات سابقة.

في الوقت الذي أكد فيه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، رئيس الوفد الإيراني في المفاوضات، أن المحادثات مع الولايات المتحدة معقدة وتتطلب المزيد من الجولات لاستكمالها، لكنه أشار إلى وجود إمكانية للتقدم من خلال المقترحات التي تقدم بها الوسطاء العمانيون.

ووضع «عراقجي» شرطًا إيرانيا واضحا بقوله: «عدم وجود أسلحة نووية يعني وجود اتفاق، عدم التخصيب يعني عدم وجود اتفاق حان وقت اتخاذ القرار».

التخصيب يحسم المفاوضات:

ويُجمع المراقبون على أن موقف الطرفين من تخصيب اليورانيوم ومدى ما يقدمانه من تنازلات في هذا الشأن هو ما سيحسم نتائج المفاوضات فشلًا وانتهاء بالحرب، أو اتفاقًا ورفعًا للعقوبات الأمريكية عن إيران، حيث أجمعت تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين على أن وقف تخصيب اليورانيوم في إيران شرط أساسي لأي اتفاق نووي جديد.

وشدد مسؤولون أمريكيون على أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق يتيح لإيران الاستمرار في التخصيب، حتى للمستوى المنخفض، إلا في ظل ضمانات جديدة قد تشمل نقل المخزون المخصب إلى الخارج.

كما وصفت إسرائيل برنامج طهران النووي بأنه تهديد وجودي، ودعت إلى إلغاء نشاطات التخصيب بالكامل.

في المقابل تمسكت طهران بحقها في التخصيب لأغراض سلمية، حيث قال وزير خارجيتها عباس عراقجي: إن مطالبة أمريكا والغرب بإلغاء التخصيب جملةً وتفصيلاً أمر «غير مقبول تماماً» وسيقابل بالرفض.

وطرحت مصادر غربية عدة اقتراحات بديلة لتزويد إيران بالوقود النووي دون الحاجة لمعاملها الداخلية، ومن الأفكار المطروحة تكوين «اتحاد إقليمي» لإثراء اليورانيوم يضم دولاً خليجية وإيران، بحيث تستورد إيران الوقود المخصب من هذا الاتحاد بدلاً من تخصيبه بنفسها.

كما أكد مسؤولون أمريكيون أن إيران بإمكانها في إطار أي اتفاق جديد الاعتماد على واردات اليورانيوم المخصب من الخارج لتشغيل مفاعلاتها المدنية.

وذكر ضمناً أن دولاً مثل روسيا أو حتى بنك الوقود النووي للوكالة الذرية في كازاخستان قد تلعب دوراً في توريد الوقود، رغم أن موسكو لم تؤكد تعاونها في هذا الخصوص.

بعبارة أخرى، تتمحور الخطط المقترحة حول نقل المخزون الحالي لإيران إلى دولة ثالثة، والسماح لطهران بشراء وقود منخفض التخصيب من السوق الدولية بدلاً من عودتها للتخصيب محلياً.

استعدادات إسرائيلية لضرب المفاعلات النووية:

أوردت وسائل إعلام غربية معلومات استخباراتية أمريكية تفيد بأن إسرائيل تقوم بتحضيرات لضرب المنشآت النووية الإيرانية، حيث أفادت شبكة CNN الأمريكية، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، بأن فرص حصول إسرائيل على موافقة داخلية للقيام بضربة عسكرية على منشآت إيرانية قد زادت مؤخراً.

ويرى هؤلاء الخبراء أن الهدف من التسريب هو توجيه رسالة ضمنية لطهران مفادها أن فشل المفاوضات سيقابله رد إسرائيلي عسكري، قد لا تتمكن واشنطن من منعه بالكامل.

وهددت طهران مراراً باعتبار واشنطن شريكاً في أي هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية، وأكد وزير الخارجية ورئيس الوفد الإيراني المفاوض عباس عراقجي أن «أي ضربة إسرائيلية لأي من مواقع إيران النووية سينظر إليها على أنها مدعومة من الولايات المتحدة، والتي يجب أن تتحمل المسؤولية الكاملة لها.

وكرر الحرس الثوري التهديدات نفسها، فلوح بأن إسرائيل ستحظى برد «مدمر وحاسم» إذا اعتدت على أي منشأة في إيران.

بعبارة أخرى، حذرت إيران إدارة ترامب ضمنيًا من أنها ستعامل أي ضربة إسرائيلية في طهران وكأنها قامت بها واشنطن نفسها، وقد تتخذ طهران إجراءات رداً على ذلك ليس فقط ضد إسرائيل بل ضد القوات الأمريكية في المنطقة.

وأبلغ قائد «مقر خاتم الأنبياء» التابع للحرس الثوري الجنرال غلام علي رشيد في تصريحاته أنه في حال وقوع اعتداء إسرائيلي على إيران، فإن هجوماً إسرائيلياً واحداً سيعتبر مدعوماً بالكامل من قبل أمريكا، وأنه سيستهدف القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة.

وأضاف رشيد أن قوات الحرس ستضرب قواعد أمريكية «إذا ما تعرضت إيران لهجوم إسرائيلي».

وذكر أيضاً أن «مصدر العدوان والإمكانات والقواعد المساعدة لإسرائيل في المنطقة» ستكون هدفاً مباشراً في حالة أي اعتداء.

وقد رفعت نسبة التأهب في قواعد الحرس والطيران الإيراني بعد هذه التصريحات، مما يعكس جدية التهديد وتأكيد أن ضرب منشآت إيرانية سيُقابل برد يستهدف الوجود الأمريكي في المنطقة.

وفي رد حاسم ضد التهديدات الأمريكية الإسرائيلية، شددت إيران على أن مسألة تصنيع السلاح النووي ليست مستبعدة مستقبلاً إذا شعرت بتهديد وجودي.

وأقر مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى بقدرة البلاد التقنية على إنتاج سلاح نووي، ولكن نفوا أي نية فعلية لذلك، إذ يقول رئيس منظمة الطاقة الذرية محسن إسلامي: إن «إيران لديها القدرة الفنية على صنع قنبلة نووية ولكن هذا ليس على جدول الأعمال».

ونوه بأنه مثلما ذكر مستشار خامنئي كمال خرازي، فإن لديهم الإمكانات لكنهم «لم يتخذوا أي قرار لصنع قنبلة».

وهذه التصريحات تعكس موقف النظام الرسمي بأن إيران «ملتزمة سلمياً» في برنامجها النووي، وأن امتلاك القنبلة غير مطروح حالياً.

وسعت طهران إلى تعزيز قدراتها الصاروخية والجوية مؤخراً، ففي أوائل مايو 2025 كشفت إيران رسمياً عن صاروخ باليستي بالوقود الصلب من طراز «الشهيد حاج قاسم» بمدى يصل إلى 1200 كلم، مزود برأس متفجر جديد وأنظمة ملاحة متقدمة للتحايل على أنظمة الدفاع الصاروخي.

كما عرضت طهران نسخة مطورة من منظومة الدفاع الجوي Bavar-373 خلال مناورات عسكرية، يتضمن راداراً جديداً قادراً على تتبع أهداف عدة ويعمل بالتنسيق مع بطاريات S-300 الروسية لتحسين الدفاع على ارتفاعات عالية.

وذكرت تقارير إيرانية أن منظومات صواريخ سطح - جو جديدة (كـ«صياد ۳») يتم تركيبها على مدمرات بحرية (مثل المدمرة "سهند")، لزيادة دفاع السفن ضد الطائرات والصواريخ.

ويمكن القول: إن إيران تركز على تحديث منظوماتها الصاروخية الصلبة قصيرة ومتوسطة المدى، ورفع كفاءة دفاعاتها الجوية، بينما تتبنى تكتيكات التعتيم لإخفاء قدراتها.

الحوثيون على خط النار:

ونظرًا للترابط المعروف بين الحوثيين وإيران، فإن أي ضربات إسرائيلية على المفاعلات الإيرانية سيدفع بالضرورة الحوثيين إلى الاستمرار في استهداف المدن الإسرائيلية من ناحية، وحاملات الطائرات الأمريكية من ناحية أخرى.

ويمتلك الحوثيون ترسانة كبيرة ومرنة من الصواريخ والطائرات المسيرة بعيدة المدى، التي يعززها بشكل كبير الدعم الإيراني المستمر، حيث تمكنهم هذه الترسانة من ضرب عمق الأراضي الإسرائيلية، كما أن مرونتهم الملحوظة في مواجهة العمليات المضادة الأمريكية والإسرائيلية الواسعة، تضمن استمرارهم كتهديد.

وفي حال وقوع هجوم إسرائيلي (وربما أمريكي) على المنشآت النووية الإيرانية، فمن المؤكد أن يتم تفعيل الحوثيين كعنصر رئيسي في استراتيجية إيران الانتقامية، وسيكون دورهم الأساسي هو فتح «جبهة ثانية» ضد إسرائيل، مما يجهد دفاعاتها الجوية، ويخلق ضغطا نفسيا مستمرا، وهو ما من شأنه أن يفرض تكاليف كبيرة على إسرائيل ويعقد حساباتها الاستراتيجية.

ويبقى رهان إيران على الدعم الحوثي فقط بعد التدمير شبه الكامل الذي لحق بحزب الله اللبناني، وأصبحت عودته للعمل العسكري شبه مستحيلة لقتل جميع قادته، وتدمير قواعده، وطرد ما تبقى من قواته من الجنوب اللبناني.

وعلى الرغم من الشراكة الدفاعية بين إيران والصين، فإن غالبية المراقبين يستبعدون تحركا عسكريا صينيا مساندا لطهران في حال الاعتداء عليها، ودخولها في حرب شاملة مع إسرائيل وأمريكا.

ووفقًا للأداء الصيني وسياقه التاريخي في هذا الشأن فإن الصين ستفضل دعم إيران دبلوماسيا وفي المحافل الدولية دون التقدم خطوة واحدة نحو الدعم العسكري لها.

وهكذا يبدو أن إسرائيل تفاوض حماس تحت خط النار في الوقت الذي تفاوض فيه أمريكا إيران تحت التهديد بضرب منشآتها النووية ولكن عبر إسرائيل وبزعم أنها ترفض السماح بذلك حتى تتجنب ضرب قواعدها العسكرية التي تجاوزت 57 قاعدة موزعة على معظم الدول العربية وخاصة في منطقة الخليج وسوريا والعراق.

اقرأ أيضاًأسرار الانتفاضة الأوروبية ضد الجرائم الإسرائيلية

جيش الاحتلال الإسرائيلي: اعتراض صاروخ باليستى ثانٍ أطلق من اليمن في غضون ساعات

«المبعوث الأمريكي»: إسرائيل وافقت على اقتراحي بشأن صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار في غزة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إسرائيل إيران البرنامج النووي الإيراني وزير الخارجية الإيراني وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي برنامج طهران النووي أمريكا تفاوض إيران إيران والولايات المتحدة الأمريكية الشرق الأوسط ستيف رئيس الوفد الإيراني فی المنطقة على أن

إقرأ أيضاً:

الرئيس الإيراني يحذر من جفاف سدود تزوّد طهران بالمياه

حذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الخميس، من احتمال جفاف السدود التي تمد العاصمة طهران بالمياه خلال الأشهر القادمة، في حال لم يتم خفض الاستهلاك.

وقال بزشكيان خلال زيارته إلى زنجان في شمال غرب إيران: "إذا لم نتمكن من إدارة الوضع في طهران، وإذا لم يتعاون الناس ولم نتمكن من ترشيد استهلاك المياه، فلن يتبقى ماء خلف سدودنا".

وأضاف أن الاحتياطيات قد تنفد بحلول شهر أكتوبر عندما تُفتح المدارس عادة وتزداد الحاجة إلى المياه قبل بداية موسم الأمطار.

ووفقا لرسم بياني نشرته وكالة الأنباء الرسمية "إرنا"، فإن خزانات المياه التي تخدم طهران تحتوي حاليا على 20 بالمئة فقط من طاقتها.

ويبلغ متوسط مستوى خزانات المياه على الصعيد الوطني 44 بالمئة فقط.

ووفقا لشركة إمدادات المياه في محافظة طهران، تراجعت مستويات الخزانات إلى "أدنى مستوى لها منذ قرن".

وحثت السلطات السكان على تركيب خزانات مياه ومضخات لمواجهة انقطاع الإمدادات، حيث أبلغ العديد من المنازل عن انقطاعات متكررة في الأسابيع الأخيرة.

وأفادت صحيفة محلية بأن "حوالى 86,5 بالمئة من موارد المياه في البلاد تُستهلك في الزراعة"، في حين "يتهم المسؤولون المستهلكين ظلما بأنهم سبب أزمة المياه".

ولم تُتخذ أي إجراءات رسمية لتقنين استخدام المياه. في الأثناء، يتم قطع التيار الكهربائي لمدة لا تقل عن ساعتين يوميا في بعض الأحياء في البلاد. كما قال مسؤولون أنه تم قطع التيار الكهربائي أكثر من مرة في اليوم في بعض المناطق لتخفيف الضغط على الشبكة.

والأسبوع الماضي، قال محمد علي معلّم، مدير سدّ كرج (أحد المنشآت الرئيسية التي تزود طهران بالمياه) لوكالة مهر للأنباء "رغم أن محطة الطاقة الكهرومائية تعمل حاليا، فمن المحتمل خلال الأسبوعين المقبلين أن ينخفض مستوى المياه إلى حد يجعل إنتاج الكهرباء غير ممكن".

مقالات مشابهة

  • الهند تتحدى أمريكا.. تشتري النفط الروسي رغم تهديدات ترامب
  • ضربة تقضي على النووي .. مخاوف من عودة الحرب بين إيران و إسرائيل
  • الرئيس الأمريكي: علينا الحذر من التهديد النووي
  • ترامب عقب تصريحات رئيس مجلس الأمن الروسي: النووي سيكون التهديد النهائي
  • ترامب : علينا أن نكون حذرين من النووي لأنه التهديد النهائي
  • الرئيس الإيراني يحذر من جفاف سدود تزوّد طهران بالمياه
  • أي دور لأوروبا في الملف النووي الإيراني؟
  • إيران تطالب ترامب بتعويضات عن خسائر حرب الـ 12 يوما قبل استئناف مفاوضات النووي
  • طهران تطالب واشنطن بالتعويض قبل استئناف المحادثات النووية
  • عراقجي: إيران لن تقبل بأن تمضي الأمور كما كانت عليه قبل حرب الـ12 يوم مع “إسرائيل”