27 مايو، 2025

بغداد/المسلة: يحكم الفساد قبضته على مفاصل الدولة العراقية تحت غطاء سياسي متين، لا يُخترق إلا بثمن باهظ من الاستقرار والمساءلة، ويتمدّد كالأخطبوط داخل مؤسسات الدولة العراقية، حيث لا تبدو محاولات اجتثاثه سوى طعنات في الهواء.

وتهيمن شبكات مصالح متداخلة على المناصب والامتيازات، وتدير اللعبة السياسية بمهارة عبر تبادل المنافع بين قادة الكتل والأحزاب، مما يجعل كشف ملفات الفساد، مهما بلغت خطورتها، رهينة للتجاذبات لا للقانون.

واستمرت مؤشرات الفساد في التصاعد منذ 2003، ووفق تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2024، جاء العراق في المرتبة 162 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد، مما يكرّس صورة قاتمة عن واقع مؤسسات الدولة العراقية التي تحوّلت إلى ما يشبه الإقطاعيات الحزبية.

وارتفعت الأصوات مجددًا عقب انكشاف ملف “أمانات الضرائب” في أكتوبر 2022، والذي تم فيه نهب نحو 2.5 مليار دولار من الأموال العامة، وسط صمت سياسي، بل وتورط شخصيات نافذة، مما أعاد للأذهان ملف “صفقة القرن” عام 2015 المرتبط بعقود نفطية مزوّرة أُبرمت من قبل مسؤولين حاليين وسابقين.

وتكررت الظواهر ذاتها في السنوات الأخيرة، إذ شهد العام 2019 اندلاع موجة احتجاجات شعبية انطلقت من بغداد وامتدت إلى محافظات الجنوب، كان أحد أبرز مطالبها مكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين، لكن أيا من الرموز الكبرى لم يخضع للمساءلة.

واستنسخت الحكومات المتعاقبة ذات الأساليب في مهادنة الفساد عبر توزيع المناصب كحصص سياسية، إذ كشف عضو اللجنة المالية النيابية محمد الشبكي مطلع عام 2025 أن 70% من التعيينات في الوزارات تتم خارج معايير الكفاءة، وغالبًا لأسباب طائفية أو حزبية.

وتورّطت أكثر من 600 شركة وهمية في العقود الحكومية، بحسب تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير، في ظل غياب الشفافية والرقابة الفعّالة، ما يجعل أي استراتيجية لمكافحة الفساد من دون إصلاح سياسي هي أقرب إلى الوهم منها إلى التطبيق.

وتكررت الظاهرة في مشهد مشابه عام 2011، حين تم فضح ملفات فساد تتعلق بعقود التسليح الجيش العراقي، خاصة عقد أجهزة كشف المتفجرات المزيفة، الذي أودى بحياة الآلاف، ولم يتم محاسبة المتورطين الفعليين حتى اليوم.

وتمتد جذور هذا التواطؤ السياسي إلى بنية النظام السياسي القائم على المحاصصة، إذ تسعى كل جهة إلى تحصين حصتها داخل الدولة، لا إلى تعزيز دولة المؤسسات، مما يجعل الفساد ليس مجرد عارض، بل هو نتيجة بنيوية لهذا النمط من الحكم.

واستند الفساد إلى بيئة مشجعة تضم قوى نافذة تمتلك أذرع إعلامية وجماهيرية، تحول دون ملاحقتها قانونيًا، بل وتُجمّل صورتها عبر خطاب تعبوي يربط بين محاربة الفساد وبين استهداف طائفة أو مكوّن.

وتضرب هذه المنظومة بجذورها في كل اتجاه، ما جعل تقرير هيئة النزاهة الصادر في أبريل 2025 يؤكد أن 75% من قضايا الفساد الكبرى يتم إغلاقها دون الوصول إلى الأحكام النهائية بسبب “عدم كفاية الأدلة”، وهي عبارة يستخدمها القضاء لتجنب صدام سياسي مع المتنفذين.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

مراجعة تقرير اللجنة الاستشارية الليبية حول القضايا الخلافية

صُدِر في 5 مايو 2025 بطرابلس تقرير اللجنة الاستشارية لمعالجة القضايا الخلافية في الإطار الانتخابي والتي تشكلت بقرار من البعثة الأممية في ليبيا بتاريخ 4 فبراير 2025، وكان الهدف من تشكيل اللجنة تقديم مقترحات وخيارات فنية قابلة للتطبيق تهدف إلى معالجة القضايا الخلافية التي تُعيق إجراء الانتخابات، مع تحديد مهام وأولويات حكومة جديدة يتم التوافق على تشكيلها، والجذير بالذكر أن طابع اللجنة استشاري غير ملزم بل لمقرراتها أهمية في دفع حوار الأمم المتحدة قدما مع الأجسام الحالية: مجلس النواب ومجلس الدولة، لفترة محددة لا تزيد عن شهرين، يكون بعدها تجاهل لتلك الأجسام إن لم تصل إلى توافق.

البعثة الأممية اتخذت القرارات السابقة مرجعية لها والأجسام الصادرة منها لازالت تمثل الليبيين في الوقت الراهن، مثل الاتفاق السياسي والقوانين التي أعدتها لجنة 6+6، والتعديل الثاني والثالث عشر للإعلان الدستوري من مجلس النواب، وبذلك تواجه تلك الاقتراحات مشاكل عديدة وخلط عجيب ثم مناقشته خلال جلسات اللجنة التي تزيد عن 20 اجتماع في ثلاث أشهر، خلال الجلسات تم تقسيم القضايا الخلافية إلى ثلاثة أصناف:

قضايا مرتبطة بنص التعديل الدستوري الثالث عشر. قضايا مرتبطة بالقانونين الانتخابيين رقم (27) و(28) لسنة 2023. قضايا من خارج الإطارين الدستوري والقانوني.

نتائج التقرير تتحدث أولا عن الأسباب التي عرقلت قيام الانتخابات وإمكانية التغلب عليها، ثم اقتراح خارطة طريق للخروج من مختنقات المشهد الليبي، ويشير التقرير إلى القرارات المعيبة التي أصدرها مجلس النواب والتي تُعيق الانتخابات وتحول دون أي توافق وطني لتغيير الفاعلين الخمسة في المشهد الليبي، وهم المجلسين والحكومتين والرئاسي، ناهيك عن قيادة الكرامة التي هي ضمن تلك الأجسام، وكما هو واضح من عنوان التقرير أنه ليس اقتراح حلول للقضية الليبية، بل مراجعة أسباب تعطل الانتخابات، والفرق كبير بينهما.

من قراءة التقرير يتبين مدى التدليس والتزوير في القوانين الصادرة من مجلس النواب التي ساهمت في عرقلة الانتخابات والتي أفادت اللجنة بأهمية تعديلها وإلغاء البعض منها، وخاصة التعديل الثاني والثالث عشر للدستور، من هذه المواد التي لها تأثير سيء على الانتخابات ما يأتي:

التزامن بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية تبعا للمادة 30 للتعديل الثالث عشر، تقول اللجنة لا لزوم لذلك، بل أن التزامن يسبب عرقلة لوجستية واضحة، وأنه تزامن لشيئين مختلفين لا علاقة لهم ببعضهم في المضمون. إقامة الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية حتى وإن حصل أحدهم على 50+1 هذا البند تم تصميمه خصيصا لمزدوجي الجنسية، لأجل تنازلهم عن جنسيتهم الأجنبية بعد الجولة الأولى للانتخابات، وهو لا لزوم لذلك عند الفوز بأغلبية. قانون الانتخابات قام بتقسيم عدد النواب على الدوائر الانتخابية بطريقة مجحفة في بعض الدوائر خلافا للقاعدة نائب عن كل 30 ألف مواطن، تحتاج إلى مراجعة شاملة. تمثيل المكونات الثقافية بعدد 2 لكل منها قليل جدا، وكذلك تمثيل المرأة بـ20%، الأمر الذي يتوجب رفع تمثيل المكونات الثقافية إلى 15% والمرأة إلى 30%. يشترط فيمن يتقدم للانتخابات البرلمانية والرئاسية أن يكون مستقيلا من منصبه العسكري، ولمن لم يحالفه الحظ تقديم طلب بالعودة إلى عمله مرة أخرى بعد الانتخابات. يُعطى مجلس النواب ومجلس الدولة مهلة 6 أشهر من تاريخ تسلم تقرير اللجنة لتنفيذ التعديلات المقترجة والتوافق على حكومة جديدة لفترة 24 شهرا تكون مهامها محددة، وهي التحضير للانتخابات وإدارة مرافق الدولة. إن أخفق المجلسين في وضع التعديلات وتشكيل الحكومة ينتهي التعامل معهم وتبدأ مرحلة جديدة بحوار سياسي جديد من خلال تفعيل المادة 4 من الإعلان الدستوري وتطبيقا للمادة 64 من الاتفاق السياسي وبذلك يتم تشكيل لجنة حوار سياسي يوكل إليها إنشاء (مجلس تأسيسي) يضع دستور مؤقت وحكومة مصغرة وتوقيتات للانتخابات.

أخيرا من الواضح أن الأمم المتحدة لازالت تصر على إدارة الصراع بدلا عن صناعة السلام، فتغيير تلك النقاط سيواجه الكثير من الرفض من مجلس النواب برئاسة عقيلة، والتنازل عن حكومة توفر الأموال بالإقراض من المصارف وزيادة الدين العام أمر بعيد المنال إلا بتعيين دمية أخرى، أما إنشاء مجلس تأسيسي فهو البداية من الصفر الأمر الذي يُنذر بجولات من الاحتراب لا تنتهي لشعب تتحكم فيه القبلية والمناطقية وسيادة ثقافة ما قبل الدولة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • تركيا تعيد إنتاج نوع من الخبز يبلغ عمره 5000 عام
  • “مكافحة الفساد” تحيل متهمين جدد في قضايا غسل أموال إلى النيابة
  • تونس.. سجن وزراء ورجال أعمال في قضية فساد «البنك الفرنسي»
  • نائب:استحالة القضاء على الفساد بوجود حكومة وأحزاب وقضاء داعم له
  • “قمة الإعلام العربي 2025” تنطلق في دبي
  • مراجعة تقرير اللجنة الاستشارية الليبية حول القضايا الخلافية
  • تصريحات الإسلاميين ضد واشنطن تعيد إنتاج العزلة الدولية
  • العراق يرد على اتهامات عدم الالتزام باتفاق “أوبك+”
  • وزارة الإصلاح المؤسسي: ضرورة وطنية لإنقاذ الدولة السودانية