البلاد – العلا شكّلت طرق الحج عبر العصور شريانًا روحيًا وتاريخيًا، يربط قلوب المسلمين بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وشهدت هذه الطرق تحولات كبرى، انتقلت فيها الرحلة من مشقّة الصحراء ومخاطر الطريق إلى راحة الوصول وأمان المسير في ظل عناية المملكة بضيوف الرحمن. ففي الماضي، كانت قوافل الحجيج القادمة من مختلف الأقطار تمر عبر مسارات شاقة، كدرب الحج الشامي والمصري والعراقي واليمني، تعبر من خلالها الجبال والصحارى، وتواجه تقلبات الطبيعة وندرة الماء، فضلًا عن احتمالات انقطاع الإمداد أو التعرض للخطر.

وكان الطريق يستغرق شهورًا، ويعتمد الحجاج على محطات الاستراحة والآبار المنتشرة على طول المسار، بالإضافة إلى جهود الأهالي والقبائل في تأمين الغذاء والمأوى.

ورغم كل تلك التحديات، كانت هذه الرحلات تمثل تجارب إيمانية عميقة، يتجلّى فيها الصبر والتوكّل، وتُسجّل في مدونات التاريخ بروايات الرحالة والمؤرخين، الذين وصفوا تفصيلًا مشقّة الطريق وأحوال الحجيج. ومع توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بدأ فصل جديد من التغيير الجذري في مسارات الحج، حيث أُنشئت شبكات طرق برية وخطوط سكك حديدية وموانئ ومطارات، رافقها تطوير منظومة النقل والخدمات اللوجستية، حتى أصبحت الرحلة التي كانت تستغرق شهورًا لا تتجاوز اليوم بضع ساعات، محاطة بأعلى معايير السلامة والرعاية. وفي إطار هذه النقلة النوعية، شهدت المملكة توسعًا كبيرًا في شبكات المطارات المنتشرة في جميع مناطقها، حيث أصبحت بوابات جوية متكاملة على مدار العام، تستقبل مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين من مختلف أنحاء العالم. وقد خضعت هذه المطارات لتحديثات شاملة، شملت التوسعة، ورفع الطاقة الاستيعابية، وتطوير مرافقها بما يواكب الزيادة المستمرة في أعداد الزوار. كما اعتمدت منظومة الحج على أحدث الحلول الرقمية والتقنيات الذكية، التي سهّلت الإجراءات بشكل غير مسبوق، من خلال أنظمة إلكترونية متكاملة تُدار بذكاء اصطناعي، تتيح تتبع حركة الحشود، وإصدار التصاريح، وتقديم الخدمات التوعوية واللوجستية بمرونة وسرعة، عبر تطبيقات ذكية متعددة اللغات. ومن أبرز المبادرات الرائدة في هذا السياق، مبادرة “طريق مكة”، التي أطلقتها المملكة لتيسير إجراءات الحجاج من بلدانهم، إذ يتم استكمال كافة إجراءات الدخول من المطارات في الدول المستفيدة، بما في ذلك التحقق من الوثائق، إصدار تأشيرات الدخول، تسجيل الخصائص الحيوية، والتخليص الجمركي، لتصل أمتعة الحاج مباشرة إلى مقر إقامته في المملكة، في تجربة تُجسّد التكامل التقني والخدمي من نقطة الانطلاق حتى الوصول.

وعلى الصعيد الإنساني، عززت المملكة خدماتها بحضور تطوعي واسع، بمشاركة آلاف المتطوعين في الميدان، لتقديم الدعم والإرشاد والمساندة، مما يعكس روح العطاء والتكافل، ويُجسّد القيم السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، وتوفير تجربة حج استثنائية ترتقي إلى تطلعات القيادة الرشيدة. واليوم، تواصل المملكة تقديم نموذج متقدم في إدارة شؤون الحج، من خلال رؤية المملكة 2030، التي وضعت خدمة الحجيج في صدارة أولوياتها، عبر تطوير البنى التحتية والمرافق الذكية في المشاعر المقدسة، وتيسير التنقل بين المواقع بوسائل حديثة، تشمل القطارات، والحافلات الترددية، والطرق السريعة، إلى جانب أنظمة إلكترونية تسهم في تنظيم الحشود وتيسير الإجراءات. ويؤكّد هذا التحول الشامل التزام المملكة الراسخ بخدمة الإسلام والمسلمين، ويجسّد رسالتها في توفير أجواء آمنة ومريحة لحجاج بيت الله الحرام، ليؤدوا مناسكهم بطمأنينة، مستشعرين عمق الرسالة ومهابة المقصد. وتبقى طرق الحج، من الماضي إلى الحاضر، شاهدًا حيًا على تطور هذه البلاد المباركة، وسعيها المستمر لجعل الرحلة الإيمانية أكثر رحابة وسلامًا.

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

قطارات المملكة تواصل استعدادها لخدمة ضيوف الرحمن خلال موسم الحج

تسهم قطارات المملكة، وفي مقدمتها قطار المشاعر المقدسة وقطار الحرمين السريع، في دعم خطط تنقل الحجاج خلال موسم حج 1446هـ، عبر خدمات نقل متقدمة تُسهم في تحقيق الانسيابية، ورفع كفاءة الأداء التشغيلي.
ويُتوقّع أن ينقل قطار المشاعر المقدسة أكثر من مليوني حاج بين منى ومزدلفة وعرفات، من خلال 17 قطارًا مجهزًا بكامل المواصفات الفنية والتشغيلية، بما يضمن توفير تجربة تنقل آمنة وفعّالة لضيوف الرحمن، كما يشهد القطار تنفيذ أكثر من 2000 رحلة خلال موسم الحج، تشمل خمس حركات تشغيلية في عدة مواقع، بإشراف مباشر من أكثر من 7500 موظفٍ من الكوادر الوطنية المؤهلة.
ويرتبط القطار بتسع محطات موزعة في المشاعر المقدسة، عبر مسار حديدي يبلغ طوله 18 كيلومترًا، بطاقة استيعابية تصل إلى 72 ألف راكب في الساعة لكل اتجاه، فيما تصل سرعته التشغيلية إلى 80 كيلومترًا في الساعة، وتستغرق الرحلة بين منى وعرفات نحو 20 دقيقة.
وفي السياق ذاته، يُنفذ قطار الحرمين السريع نحو 4700 رحلة خلال موسم الحج، بسعة تتجاوز مليوني مقعد، مسجّلًا زيادة تفوق 400 ألف مقعد مقارنة بالموسم الماضي.
ويعد القطار من أبرز وسائل النقل الحديثة في المملكة، حيث يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة مرورًا بمحطة جدة المركزية، ومطار الملك عبدالعزيز الدولي، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، وفق منظومة تشغيلية متقدمة تلبي احتياجات الحجاج، وتسهم في تعزيز جودة الخدمة المقدمة.
وتأتي هذه الجهود في إطار التكامل بين منظومة النقل في المملكة، وتحقيق مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، من خلال توفير وسائل نقل مستدامة وصديقة للبيئة، تدعم حركة الحجاج، وتسهّل أداءهم لمناسكهم في بيئة آمنة وموثوقة.

مقالات مشابهة

  • “الداخلية” تحذّر من حملات الحج الوهمية والمكاتب غير المرخصة لخدمة الحجاج
  • “الجوازات”: وصول 1.18 مليون حاج من خارج المملكة
  • اكتمال دخول حجاج سلطنة عُمان عبر المسار البري إلى المملكة العربية السعودية
  • محافظ قنا يودّع وفد الحجاج في أجواء روحانية
  • مفتي المملكة يوصي الحجاج بإخلاص الحج واتباع السنة
  • “الإسلامية”: إطلاق برنامج بـ”اليوتيوب” لتوعية الحجاج
  • "وصلوا المملكة".. موريتانيا تنفي سقوط طائرة حجاج في البحر الأحمر
  • قطارات المملكة تواصل استعدادها لخدمة ضيوف الرحمن خلال موسم الحج
  • عاجل || أورنج الأردن تدشّن أحدث مراكز البيانات في المملكة بمعايير الاستدامة والأمان