مؤلم وشاق العثور على موقف وسلوك عربي رسمي، باستطاعته لجم فاشية صهيونية تتصاعد في غزة وبقية مدن فلسطين المحتلة، طوال عشرين شهرا من العدوان والجرائم والعربدة الإسرائيلية. لم يطرأ تغيير يقلب المشهد، تُنسف مربعات سكنية ويتكرر تدمير القطاع الصحي وحرق المستشفيات وتقصف خيام النازحين ويُستهدف آلاف المتجهين للبحث عن مساعدات، والسياسة العربية ثابتة في طلبها من "الغير" (المجتمع الدولي) بضرورة التحرك، تعفي نفسها من هذه الأولوية وضرورة التحرك، وفق قناعة تكبيل القدرة الذاتية بعدم الانتماء لمجتمع دولي، وتأثيرها ناجع فقط في حدود سيطرتها على مجتمعات عربية.
ومن السهولة تحري مواقف غربية ودولية، تستجيب لنداء ومطالب شعوبها الغاضبة من سياسات إسرائيل ومن جرائم الحرب وضد الإنسانية، فحشود المظاهرات من روما ولندن ومدريد ولاهاي وباريس وغيرها من مدن حول العالم، المطالبة بوقف العدوان وتحقيق العدالة لفلسطين وقطع العلاقة مع الاحتلال والغاضبة من مشاهد جرائم الإبادة في غزة، تعني أن تغييرا ما طرأ في رفض السردية الصهيونية، وصعوبة بهضم وتبرير فاشية الاحتلال على شعبٍ يكافح للتحرر منه، ويرفض محاولة نزع الصفة الإنسانية والوطنية عنه.
بالتزامن مع هذا الرفض، تعيد سلسلة بشرية ضخمة محاصرة البرلمان البريطاني وتطالب بفرض عقوبات على إسرائيل وبوقف تصدير السلاح لها، وسفينة أسطول الحرية "مادلين" التي تقل نشطاء دوليين، تبحر من ميناء كاتانيا في جزيرة صقلية، جنوبي إيطاليا في محاولة لكسر الحصار المفروض على غزة، رغم التهديد الذي تعرض له المركب ومن فيه من جيش الاحتلال الذي سيطر عليه ومنع وصوله، إلا أن الخطوة والسلوك والشجاعة والإخلاص لمبدأ الوقوف إلى جانب الضحية لم يكن سلوكا عربيا.
فقد سبق كل ذلك سلسلة من مواقف وتحركات ومظاهرات غضب من إسرائيل، لم تتوقف عند حرم الجامعات حول العالم، فالتعاطف مع غزة وشعب فلسطين بوصلة إيمان بعدالة قضية وكرامة وحق شعب بحريته من الاحتلال، ورفض لسياسات الفصل العنصري التي ندد بها مؤخرا وزير خارجية فرنسا السابق جان إيف لودريان.
لم يعد غريبا على المطلعين والمهتمين ببعض المواقف الدولية من جرائم الإبادة الجماعية في غزة، أن يلاحظوا تطورا كبيرا في بعض المواقف من جهة وصف سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة بالفصل العنصري، أو التنديد بجرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة، ونعت هذه السياسة بالمخزية. لم يتوقف الأمر هنا، بل كانت هناك إجراءات من بعض العواصم والمدن الغربية، بقطع العلاقة مع إسرائيل ناهيك عن الضغط الذي تقوم به شعوب حول العالم، لدفع حكوماتها للضغط على الاحتلال لوقف جرائم إسرائيل ومحاكمة قادتها عن جرائم الحرب والتطهير العرقي. لكن الغريب استمرار الصمت والعجز العربي المخزي والمهين في كل شيء، وإذا تعمق الإنسان العربي فيما يتفوه به نتنياهو وبن غفير وسموتريتش منذ عشرين شهرا، باستعارة عبارات وشعارات تلمودية صهيونية تدعو للقضاء على العرب وتنفيذ الإبادة الجماعية، ورسم خطط الاستيطان والتهويد وضم الأرض وتهجير سكانها وتدمير شمال الضفة وخطط هدم الأحياء العربية في القدس، فلا يجد في المقابل العربي أي رد سوى استمرار العلاقة والتطبيع مع هذه المؤسسة الصهيونية وعقليتها الفاشية.
في كل ذلك، يغيب الفاعل العربي، حتى في خطوة ورمزية السفينة "مادلين" لمحاولة كسر الحصار، فهي لم تنطلق من موانئ عربية قريبة من غزة، والنشطاء على متنها "دوليون"، بغض النظر عن أصول بعضهم، والمساعدات أيضا. لا يذكر الشارع العربي ولا يحفظ كل الكلام العربي الذي قيل عن فلسطين عموما، ولا يأبه بكل القرارات التي اتخذت في القمم والاجتماعات التي لم ينفذ منها شيء بخصوص غزة وإنقاذها من الإبادة، فالعربي يدرك مصير آلاف شاحنات المساعدات المكدسة على حدود غزة، وقد أصابها التلف وانتهت صلاحيتها مع مسرحية إسقاط مساعدة عربية بالمظلات قبل أكثر من عام.
تغيب أيضا حالة الغضب في الشارع العربي، فالأحزاب والقوى السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والنخب وغيرها؛ فاعليتها تتطابق تماما مع سلوك أنظمتها المطبعة أو الخانعة للأوامر الأمريكية، لا بل إن العديد من الأصوات والمواقف العربية الرسمية تؤكد على "فائدة" استسلام الشعب الفلسطيني والتخلي عن المقاومة باعتبارها سبب بلاء الفلسطينيين لا المشروع الصهيوني، والخضوع له كخلاص منتظر لإسرائيل والنظام العربي.
التعويل على مواقف دولية لوقف الإبادة -رغم أهميتها- لا يكفي، ما لم يكن مقترنا بإسناد عربي وفلسطيني رسمي، فتسليط الضوء على مواقف غربية من إسرائيل، وحفظ شوارع عربية ما يقوله رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز والموقف الذي اتخذه بلده من الاحتلال، كذلك مواقف أيرلندا وبوليفيا ونيكاراغوا وكولومبيا وتشيلي ومملكة بليز، التي سارعت كلها لقطع العلاقة مع الاحتلال ووصفت سلوكه بالإجرامي، مع تقدير موقف جنوب أفريقيا في محكمتي العدل والجنائية الدولية، وما تعرب عنه نخب سياسية وفنية وثقافية ورياضية وأكاديمية حول العالم؛ من رفض لسياسات إسرائيل الاستعمارية، وانهيار سردية الخوف من كذبة معاداة السامية.. كل ذلك لم يدفع باتجاه بلورة مواقف عربية وبخطوات تسجل في تاريخ المذبحة الفلسطينية من باب الإنصاف للضحايا وللقضية وللمشتركات العربية، على الأقل منها إنسانيا وأخلاقيا لتنسجم وتكمل مواقف دولية.
وعلى ما يبدو، أن شرط التضامن العربي مع غزة والموقف من جرائم إسرائيل لم يستوف بعد، وإجرام المحتل ووضوح فاشيته نابع من موت الصلابة العربية والفلسطينية وسقوط شروط بديهية، وجلال موت البشر جوعا وقصفا وتحطيم كل حياتهم لم يبدل قاموس البلادة العربي بمواجهة جرائم الإبادة الجماعية وتحديات التطهير العرقي في غزة وبقية فلسطين. فمن يشهد مأساة غزة لأكثر من 600 يوم، وما أفرزته من نتائج أفصحت بوضوح عن مكنونات صهيونية فاشية، يمكنه القول إن إسرائيل حققت قسطا من أهدافها بالعدوان والجرائم، وأسقطت شرط التآزر العربي الرسمي والشعبي الفعلي لإسناد غزة ورفع الحصار عنها والضغط لوقف جرائم الإبادة الجماعية ومنع مشروع التهجير. وليس القصد من إثبات ما قدمناه الإيحاء بأن عوامل الفعل والقوة والتأثير على إسرائيل هي غربية وأمريكية فقط، بل القول بأنها صارت كذلك بفعل تخل عربي وفلسطيني رسمي عن ثقل ووزن قدراتهما وتأثيرهما، ورهن كل ما لديهما لصالح أمريكا وأمن المحتل بشروط يتم استيفاؤها من النظام العربي، وتتعلق بمفاهيم وفوائد متبادلة مع المحتل على حساب القضية الفلسطينية.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء عربي غزة فلسطين التضامن فلسطين غزة تضامن عرب ابادة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد صحافة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة جرائم الإبادة حول العالم فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما القمر العملاق الذي يُنير سماء العالم العربي غدا؟
في ليال قليلة كل عام، يبدو القمر أكبر وأكثر سطوعا من المعتاد، كأنه خرج من الأساطير ليذكرنا بقدَمه الأبدي في سماء البشر، هذا هو ما سيحدث في مساء السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ويستمر طوال الليل.
هذه الظاهرة تعرف باسم القمر العملاق، وهي مزيج بين علم الفلك الدقيق والانبهار الإنساني القديم بالضوء الفضي الذي يسبح فوقنا منذ ملايين السنين.
القمر يدور حول الأرض في مدار بيضاوي الشكل، لا دائري تام، هذا المدار يقترب من الأرض في بعض الأحيان، ويبتعد عنها في أحيان أخرى.
يعني ذلك أن المسافة بين القمر والأرض تختلف خلال الشهر الواحد، وعندما يكون القمر في نقطة الحضيض (أقرب نقطة له إلى الأرض) ويحدث في الوقت نفسه أن يكون في طور البدر الكامل، نراه أكبر وأكثر إشراقا، وهذه هي لحظة القمر العملاق.
تكون المسافة بين الأرض والقمر في هذه الحالة نحو 360 ألف كيلومتر فقط أو ما حول ذلك، أي أقل بنحو 25 ألف كيلومتر من متوسط المسافة المعتادة.
خلال ظاهرة القمر العملاق، يكون حجم القمر أكبر بنسبة تقارب 14% وأكثر سطوعا بنسبة 30% من القمر المعتاد، هذه الفروق تدرك بوضوح عند وجوده قريبا من الأفق، حين يتعزز تأثير خداع القمر البصري الذي يجعله يبدو أضخم مما هو عليه فعلا.
لاحظ أن القمر لا يبدو في الواقع عملاقا كما يظهر في الصور المنتشرة على الإنترنت، إذ إن تلك الصور تلتقط بتقنيات محددة، حيث يكون المصوّر بعيدا مسافة كافية عن المنازل أو الجبال ثم يلتقط الصورة.
أما القمر فمهما كان عملاقا، فلا يزال بإمكانك أن تغطيه بإصبع يدك، لأن مساحته في السماء هي 0.5 درجة فقط، ويمكن لك تجربة ذلك في أي ليلة.
هل له أي تأثير على الأرض؟تحدث ظاهرة القمر العملاق 3 إلى 4 مرات سنويا في العادة. والسبب هو اختلاف طول الشهر القمري (29.5 يوما) عن الفترة المدارية الكاملة للقمر حول الأرض (27.5 يوما).
إعلانوقد سُجلت حالات نادرة تزامن فيها القمر العملاق مع الكسوف الكلي للقمر، فتحدث ما تعرف بظاهرة القمر العملاق الدامي، حيث يُلقي ظل الأرض على القمر لونا نحاسيا أحمر نتيجة لتشتت الضوء في الغلاف الجوي. آخر هذه الأحداث كان في مايو/أيار 2022، وستتكرر الظاهرة في أكتوبر/تشرين الأول 2032.
لطالما ربط الناس بين القمر العملاق والكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين، لكن الدراسات الجيولوجية والفلكية تؤكد أن هذه الارتباطات لا تستند إلى دليل علمي.
صحيح أن اقتراب القمر يزيد من قوة الجذب على المحيطات، مما يسبب ما يُعرف بالمدّ الحضيضي، بيد أن تأثيره لا يتجاوز بضعة سنتيمترات في ارتفاع الموج مقارنة بالمدّ العادي، ولا يسبب أي "إجهاد جيولوجي" كما يُشاع.