عُمان تتميز بأجواء العيد
تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT
د. خالد بن علي الخوالدي
الإنسان بطبيعته يتعود على النِّعم التي يملكها، وقد يضرب بها وبأهميتها عرض الحائط، وقد يتأفف ويتضايق و(يتقمقم) يعني يكلم نفسه بصوت عالٍ، ومن بين هذه النعم التي أصبح البعض يتضايق منها (نعمة فعاليات العيد في المجتمع المحلي)؛ حيث تتميز سلطنة عُمان عن غيرها من الدول العربية بأجواء فريدة خلال عيدي الفطر والأضحى؛ حيث تحافظ على تقاليدها العريقة وتجسد روح التواصل الاجتماعي والفرح الجماعي، فمنذ صباح أول أيام العيد وحتى نهايته، تتنوع الفعاليات والطقوس التي تجعل العيد في عُمان تجربة لا تنسى، يغبطنا عليها الكثيرون من خارج السلطنة.
يبدأ صباح العيد في عُمان بصلاة العيد؛ حيث يتجمع المصلون في المصليات والساحات الكبيرة مرددين التكبيرات، مُعلنين بداية أيام الفرح، بعد الصلاة يتوجه الجميع إلى منازلهم ليجتمعوا في تجمع عائلي كبير حول مائدة العرسية أو العرسي، وهو الطبق العُماني التقليدي الذي يحضر من اللحم والأرز والبهارات المميزة، ليشكل وجبة دسمة ترمز إلى الكرم والتواصل الأسري.
بعد الوجبة تبدأ جولات السلام على الجيران والأرحام؛ حيث يتبادل الأهالي التهاني والزيارات، مما يُعزز أواصر المحبة والتكافل الاجتماعي، هذه العادة الجميلة تجعل الجميع يشعرون بأنَّ العيد مناسبة للجميع، وليس لفرد أو أسرة بعينها.
مع حلول المساء تبدأ الاستعدادات لتحضير اللحوم للمشوي والتنور؛ حيث يجتمع الرجال حول النار لتجهيز التنور، كما يعملون على تجهيز (الخصف) ووضع اللحم به مع ما يُصاحب ذلك من تعليقات وسوالف جميلة، بينما النساء يعملن على تجهيز اللحم بالبهارات المميزة، هذه الأجواء تُعيد إحياء روح التعاون بين أفراد المجتمع، وتجعل من العيد فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية.
في اليوم الثاني من العيد تبدأ الاستعدادات لتحضير المشاكيك، وهي قطع اللحم المشوية على الفحم، والتي تقدم مع الأرز والخبز العُماني، كما تقام في المساء العروض الفنية الشعبية مثل الفنون التقليدية كالرزحة والعازي، والتي تعكس الهوية العُمانية الأصيلة.
وتستمر فعاليات العيد أو ما يعرف محلياً بالعيود طيلة أيام العيد؛ حيث تنظم المسابقات والألعاب الشعبية، مما يجعل الأجواء مليئة بالبهجة والنشاط، ورغم أن هذه الفعاليات قد تكون مُتعبة للشباب الذين يشاركون في تحضيرها، إلا أنهم يجدون فيها متعة حقيقية وفرصة للتواصل مع الأهل والأصدقاء.
الكثير من العرب الذين يعيشون خارج عُمان يُعبرون عن تمنيهم قضاء العيد في السلطنة؛ حيث يشعرون بالفرق الكبير بين الأجواء العُمانية المليئة بالحيوية، وأجواء العيد الخالية من الفعاليات في بعض الدول الأخرى؛ ففي عُمان، لا ينتهي العيد بعد الصلاة، بل يتحول إلى مناسبة اجتماعية وثقافية ممتدة.
ومع ظهور أصوات تنادي بأنَّ الجو حار وأننا نريد التخلي عن هذه العادات، يأتي صوت العقل لينادي بأن على الجميع أن يحافظوا على هذه التقاليد العريقة، وأن يقاوموا أي محاولات للتخلي عنها تحت ذرائع التطور أو الكسل، فما يُميز عُمان هو تمسكها بهويتها وتراثها، وهو ما يجعلها نموذجا يحتذى به بين الدول العربية.
إن أجواء العيد في عُمان تختلف من محافظة إلى محافظة، ولكنها تتفق جميعها بأنها تمثل تراثاً حيًّا يعكس قيم المجتمع العُماني الأصيل، ومن واجب الأجيال الحالية والمقبلة الحفاظ على هذه التقاليد، لتبقى عُمان متميزة بفرحتها وتراثها العريق.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المراكز الصيفية ومهارات المستقبل
يتشكل مستقبل التعليم حسب (التوجهات التي تشكِّل التعليم لعام 2025)، من مجموعة من المتغيرات التي تؤثر على المجتمعات وتنعكس بالضرورة على التعليم باعتباره أساسا فكريا ومهاريا، يُسهم في التنمية البشرية، ويزوِّد المتعلمين بالمهارات اللازمة لمواجهة التحديات المتزايدة والتربية على مفاهيم المرونة والقدرة على التكيُّف وتجاوز الصعوبات.
ولأن الذكاء الاصطناعي يُعد أحد تلك التوجهات التي تشكِّل التعليم والتعلُّم وبناء مهارات المستقبل فإن معظم ما يُقدَّم اليوم في مجالات التعليم والتدريب المهاري قائم على برامج تلك التقنيات، إضافة إلى ما تقدمه برامج الواقع الافتراضي من مجالات واسعة للتعليم، الأمر الذي وجَّه أنماط التعليم في بلدان العالم إلى تأسيس أشكال جديدة من التواصل مع المتعلمين بُغية الوصول إلى رؤى تكيفية لتلك التوجهات تتوافق مع مستقبل التنمية وآفاق التطوير المجتمعي.
فهذه التوجهات كما تشكِّل التعليم والتعلُّم فإنها تعيد تشكيل سوق الأعمال، وأتمتة المهام الوظيفية، وتوسيع قدرات الآلات الذكية، لذا فإن تهيئة أنماط التعليم وتقديمه بكيفية تتناسب وتلك التوجهات، تجعل منه أداة مهمة للتغيير الإيجابي وتهيئة القدرات البشرية لمواكبة المتغيرات، إضافة إلى المساهمة في تحديد الاحتياجات التي تدعم تلك التوجهات وتعزِّز مجالات الاستفادة منها في المستقبل.
ولأن التعليم والتعلُّم يقوم على تلك التوجهات والتغيُّرات التي تكشف عن مسارات جديدة لحياة المجتمعات ومستقبلها، فإن الحاجة إلى التركيز على أنماط أكثر حيوية من الفصول الدراسية داخل أروقة المدارس والجامعات، دفعت المجتمعات إلى تأسيس المراكز الصيفية، بُغية الاستفادة من العطلات الصيفية الطويلة، وملء فراغ الناشئة والشباب بالمفيد والشائق والماتع من ناحية، وتقديم بيئات أكثر انفتاحا وأكثر مرونة في التعامل مع المحتوى والمهارات المقدمة.
فالمراكز والمخيمات الصيفية تُعد بيئة فاعلة للناشئة والشباب لتطوير مهاراتهم وبناء علاقات إيجابية مع الأقران والمجتمع، وتعزيز الثقة بالنفس، ودعم قيم تحمُّل المسؤولية والتنظيم وحل المشكلات، إضافة إلى التدريب والتأهيل وتنمية القدرات المهارية القائمة على البرامج التقنية الحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تعزِّز إمكانات الإبداع والابتكار لديهم.
إن هذه المراكز لا تزوِّد منتسبيها بالمهارات التقنية وحسب، بل أيضا بأخلاقيات التعامل مع تلك التقنيات ومسؤوليات حُرية الرأي والإبداع والابتكار بما يتوافق مع مبادئ المجتمع وعاداته، إضافة إلى الأخلاقيات الإنسانية التي تُراعي الصدق والأمانة والنزاهة ومسؤولية الكلمة؛ ذلك لأن هذه التقنيات بما تحويه من برامج وتطبيقات تحتاج إلى وعي ودراية كافية للتعامل معها، لذلك فإن أنشطة المراكز الصيفية تُعد فرصة لتعزيز هذه القيم وتدريب الناشئة والشباب بشكل خاص وأفراد المجتمع عامة على مهارات التعامل مع دهاليز هذه البرامج والتطبيقات.
والحق أن عُمان واحدة من تلك الدول التي تعتني عناية فائقة بالمراكز الصيفية؛ حيث تنتشر في المحافظات وولاياتها، تقدِّم لمنتسبيها العديد من المناشط والفعاليات ذات البُعد الترفيهي التعليمي الاجتماعي، القائم على تعزيز التعلُّم ودعم الصحة النفسية والرفاهية، إضافة إلى بناء بيئة اجتماعية إيجابية تحفِّز مبادئ التعاون والتشارك وحل المشكلات. إن المراكز الصيفية في عُمان تسعى إلى أن تكون امتدادا أكثر انفتاحا ومرحا، وتعلُّما مرنا أكثر مما هو عليه في أروقة المدارس والجامعات.
فما تقدمه وزارة التربية والتعليم والمؤسسات الثقافية في كافة المحافظات، من برامج صيفية تهدف إلى تحقيق التوازن بين التعلُّم والترفيه من ناحية، وبناء مهارات أفراد المجتمع وتطوير قدراتهم بما يتوافق مع المعطيات التقنية والاجتماعية المتغيِّرة من ناحية أخرى، تُسهم جميعها في دعم مهارات المستقبل، وتهيئ منتسبيها للاستفادة من تلك المعطيات في إنتاج أنماط إبداعية وابتكارية جديدة.
إن هذه المراكز فرصة ليست للناشئة والشباب وحسب بل أيضا لأفراد المجتمع، من خلال برامج التدريب والتأهيل القائمة على ما يُسمى بـ (محو الأمية الرقمية)؛ ذلك لأن الدولة تتوجَّه إلى التحوُّل الرقمي، ونحن نجد الكثير من الخدمات التي يمكن إنجازها عبر التطبيقات الذكية، لذا فإن الحاجة إلى تدريب أفراد المجتمع ممن لا يستطيعون التعامل مع تلك التطبيقات ضرورة أساسية، لضمان مبادئ الخصوصية وتحقيق أهداف التحوُّل الرقمي، وكذلك تطوير مهاراتهم في التعامل مع البرامج العامة خاصة، ووسائل التواصل الاجتماعي التي يلجها الكثير من أفراد المجتمع دونما الوعي بمخاطرها وتبعاتها الاجتماعية الأخلاقية والقانونية، وبالتالي تأصيل ما يُسمى بـ (الأمن الفكري) للأفراد.
إضافة إلى ذلك فإن التدريب على التقنيات والبرامج الرقمية والإلكترونية، يشمل أيضا التوعية بأشكال الاحتيال الرقمي الذي يقتنص الناشئة والشباب وحتى أفراد المجتمع عموما، فما تقدمه الدولة من خلال المؤسسات المعنية من توعية مستمرة، يحتاج إلى تعزيز أيضا من خلال هذه المراكز باعتبارها بيئة خصبة للتعلُّم والتدريب، بما توفِّره من آفاق اجتماعية تتسم بالمرونة والتكيُّف، خاصة وأنها تشهد إقبالا لافتا من قبل فئات المجتمع المختلفة.
ولعل ما تقدمه المخيمات الصيفية من أهداف مرتبطة ارتباطا مباشرا بالتنمية الجسدية والفكرية ومهارات حل المشكلات والمرونة وبناء الشخصية، يمثِّل شكلا من أشكال تلك الآفاق التنموية القائمة على الاستثمار في أفراد المجتمع، وتنمية مهاراتهم بما يُسهم في بناء وطنهم ويعزِّز مشاركتهم الفاعلة في تحقيق الأهداف الوطنية؛ فاللقاءات والمخيمات والمعسكرات والبرامج التي تقدِّمها مؤسسات الدولة بالتعاون والشراكة مع القطاعات الخاصة والمدنية، تسُم جميعها في دعم أهداف تلك التنمية.
إن اللقاء الصيفي الدولي للجوالة 2025، والمخيمات الكشفية المتعددة، والمعسكرات المتنوعة، إضافة إلى برنامج (الانضباط العسكري) الخاصة بالطلاب؛ تقدِّم نماذج مهمة من نماذج التنمية البشرية للناشئة والشباب، من خلال تعزيز مهاراتهم القيادية المختلفة، إذ تُعد رافدا من روافد التنمية البشرية التي تتواصل خلال العام، إلاَّ أنها تنشط خلال الإجازات الصيفية، بُغية الاستفادة من طاقات الناشئة والشباب بشكل خاص، وتوجيهها نحو ما يعزِّزها ويدعم مهارات التعلُّم والتفكير الناقد والاستعداد لمواجهة التحديات والصعوبات، بما يعزِّز روح المواطنة الإيجابية.
وعلى أهمية تلك المراكز والمخيمات فإنه لابد من تعزيز الاستفادة منها ليس على مستوى المهارات الأساسية التي يعرفها المنتسبون، والتي قد تتوَّفر لهم في الحياة اليومية أو حتى عبر الوسائط التقنية المختلفة التي يمارسونها بشكل يومي، بل يجب التركيز على مهارات المستقبل وآفاق الرؤى التقنية والثقافية والاقتصادية والبيئية التي تُسهم في تمكينهم وتهيئتهم، وتنمي قدراتهم، وتفتح أمامهم مداخل جديدة غير مرئية، فالمكرور والمُعتاد لا يقدِّم معرفة ولا يضيف إلى هذه الأجيال المتطلِّعة التي تسعى دوما نحو الجديد المختلف.
إن المراكز الصيفية والمخيمات بكافة أشكالها تُعد بيئة خصبة للتعلُّم واكتساب المهارات، ولذلك فإنها مختبرات علمية وفكرية واجتماعية وثقافية، تمكِّن أفراد المجتمع عامة، والناشئة والشباب بشكل خاص من تحقيق العديد من الأهداف على مستوى التنمية البشرية وتوسِّع مداركهم وآفاق معارفهم ليكونوا متطلعين نحو المستقبل، وهذا لن يتحقَّق سوى بالتعلُّم والتدريب على كل ما هو جديد في المجالات المعرفية المختلفة.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة