تحضر الفكرة هنا إلى النظر في مفهوم السيادة الوطنية، وهذه السيادة تذهب إلى بعدين مهمين؛ أحدهما مادي، وهو السيادة الجغرافية، وما تتطلبه هذه الجغرافيا من استحقاقات: عسكرية، أمنية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وثانيهما؛ معنوي، وهو ما يتمخض في الذات الوطنية لأفراد الوطن، من مسؤوليات، ومشاعر، وتمكين ذاتي يستشعره الفرد في المجتمع، ويرى فيه أمنه واستقراره، وأنه بدون ذلك عليه أن يبحث عن وطن بديل يحقق له ما يفتقده في وطنه الأم، وهذا الخيار الأخير ليس مسوقا بلحظة انفعال،
أو ردة فعل غير محسوبة العواقب، وإنما يأتي انعكاسا بشعور يجد فيه الفرد أنه محبط، وأن مجموع التفاعلات حوله تذهب إلى غير ما هو متوقع ومأمول، وما يجب أن يكون عليه الحال؛ في ظل تحديات كثيرة مجتمعية، ودولية،
وإقليمية؛ يستشرفها المتأمل على أنها سوف تزيد الأمر صعوبة، ويقينا؛ أنه لن يصل إلى الشعور؛ أي فرد في المجتمع، حيث تظل نسبة ضئيلة هي من تتلقى هذا الشعور وتلتحم معه، وبالتالي فتموضع مثل هذه المناخات فيها خطورة كبيرة على مستقبل الأوطان، التي إن تراهن؛ فإنها تراهن على أبنائها دون غيرهم، وإن تزاحم في تحقيق إنجازاتها؛ فإنها تزاحم بجهود أبنائها المخلصين،
ولذلك فهناك معترك شديد أو حالات من المخاض لدى من يساورهم القلق؛ حتى يسفر عن نتيجة معينة، ليستقر عليها القرار فيتخذوه متكأ، ويبنوا عليه قرارهم المصيري.
والفكرة هنا أيضا لا تذهب إلى الحديث عن هذا الخيار الأخير، إطلاقا؛ وإنما تبحث في مفهوم السيادة الوطنية، وهل هذه السيادة تكفيها حمل شعارات الهوية فقط أم أن المسألة أبعد من ذلك؟ لأنه؛ وحسب الواقع؛ فإن صور الهوية تظل في أحسن أحوالها صورا شكلية يتمثلها الناس عبر ممارسات اختيارية وليست إجبارية، وهذه الصور تشير إلى عناوين كثيرة بعضها لا تثير الانتباه؛ أصلا؛ كالعادات والتقاليد، وبعضها يقف الناس عندها، ويولونها الكثير من الاهتمام، وفق قناعات معنية كالدين، واللغة،
وبالتالي فهذه العناوين معرضة للتشويه، فاللغة على سبيل المثال هي هوية قومية لدى كل الأقوام في أوطانهم، ولكنها تتعرض لكثير من التشوية، لعوامل التأثير والتأثر، والدين كذلك، والقيم كذلك، وبالتالي فتعدد الهويات هي حالة معاشة في كل الأوطان، والقياس عليها في مسألة السيادة، لن يكون مقياسا مطلقا، أو تأخذ حكما مطلقا للقياس، وأنه بوجود هذه الهويات تتحقق السيادة الوطنية، ولذلك يأتي التعريف العلمي للهوية القومية على أنها: «نظام سياسي واجتماعي واقتصادي،
يتميز بتعزيزه مصالح أمة معينة، وخاصة بهدف الكسب والحفاظ على الحكم الذاتي، أو السيادة الكاملة، على وطن الجماعة، وبالتالي فإن الأيديولوجية السياسية ترى أن على الأمة أن تحكم نفسها؛ بعيدا عن التدخل الخارجي غير المرغوب فيه، وترتبط بمفهوم تقرير المصير» - انتهى النص - واستحضارا للفهم الذي تشير إليه الجملة الأخيرة: «أن على الأمة أن تحكم نفسها بعيدا عن التدخل الخارجي غير المرغوب فيه، وترتبط بمفهوم تقرير المصير» هي لب السيادة الوطنية، التي لا تقبل المناورة مهما كانت، سواء تأتي هذه المناورة من أفراد في الوطن، أو مؤسسات، أو تلميحات عابرة قد يشير إليها من ليس له علاقة بالوطن - كمثل حكم الزائر.
ولذلك يضرب النظام السياسي بيد من حديد على كل من تسول له نفسه اللعب بمقدرات السيادة الوطنية بأي شكل من الأشكال، تحت أي ذريعة كانت، فالأمم لا تصان إلا من خلال سيادتها وتسيدها على كل مقدراتها الوطنية، بدءا من ذرة التراب المشكلة لجغرافية الوطن، وانتهاء بـ «لمبة» النور التي تضيء الدروب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیادة الوطنیة
إقرأ أيضاً:
وزير التموين: الاحتياطي الاستراتيجي آمن.. ولدينا وفرة تكفي لستة أشهر وأكثر
قال الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، إن الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية في مصر آمن ومستقر، ويغطي الاحتياجات لفترات تتجاوز ستة أشهر في معظم السلع، مؤكدًا أن الدولة اتخذت إجراءات حاسمة لتعزيز المخزون وتأمين السوق.
وأضاف فاروق، في تصريحات خاصة لقناة "إكسترا نيوز" عقب اجتماع الحكومة الأسبوعي بمقر مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة، أن السلع الأساسية مثل القمح والسكر والزيت واللحوم - سواء المجمدة أو الحية - متوفرة بكميات كافية، مشيرًا إلى أن موسم القمح هذا العام كان جيدًا، حيث تم توريد نحو 4 ملايين طن من الإنتاج المحلي، ما ساهم بشكل مباشر في دعم المخزون الوطني وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
وأكد وزير التموين أن المجمعات الاستهلاكية التابعة للوزارة وشركاتها تواصل عملها بشكل طبيعي، ولا يوجد ما يستدعي ضخ كميات استثنائية من السلع، موضحًا أن جميع احتياجات المواطنين متوفرة، والسلع الأساسية متاحة بالكميات المطلوبة دون تغيير في آلية التوزيع أو الأسعار، ما يعكس استقرار الأسواق.
وأشار فاروق إلى استمرار التعاون الكامل مع اتحاد الغرف التجارية، من خلال عقد اجتماعات دورية للتنسيق، إلى جانب تفعيل مبادرة "سوق اليوم الواحد" التي نُظّمت في أكثر من 300 موقع بالمحافظات، موضحًا أن المبادرة مستمرة في مرحلتها الثانية منذ 20 مايو، وتهدف لدعم المنتج المحلي وصغار التجار، مضيفًا: "هذا جهد يومي ومستمر لضمان استقرار السوق، سواء في وقت الأزمات أو دونها".