قالت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية إن الشرق الأوسط بما فيه اليمن ودول الخليج العربي يقف على حافة حرب إقليمية شاملة جراء الحرب التي بدأتها إسرائيل، في 13 يونيو الجاري على إيران.

 

وذكرت المجلة في تحليل للباحثة نام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاتام هاوس"، وترجم أبرز مضمونه إلى اللغة العربية "الموقع بوست"  يتأرجح الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية واسعة النطاق.

بعد أن شنت إسرائيل حملة قصف متواصلة استهدفت البنية التحتية النووية الإيرانية، وقيادة النظام، ومستودعات النفط والغاز، في محاولة - على حد تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - "لإضعاف وتدمير وإزالة خطر" التسلح النووي الإيراني المحتمل.

 

وأضافت "ردّت إيران بوابل من الصواريخ الباليستية، وانسحبت من المفاوضات النووية مع واشنطن. كانت الدول العربية قلقة من الانجرار إلى حرب بين إيران وإسرائيل منذ أن بدأت الدولتان في المناوشات غير المباشرة قبل عام ونصف. ولكن مع اتساع رقعة القتال، ومع مرور الصواريخ بشكل روتيني فوق منطقة الخليج بأكملها، لا تتساءل الدول المجاورة الآن عما إذا كان الصراع سيصل إليها، بل متى".

 

وتابعت "لا تزال هناك فرصة ضئيلة لتجنب حرب شاملة. ولكن مع تراجع واشنطن، على ما يبدو، عن الدبلوماسية، يقع على عاتق دول المنطقة وقف الصراع. فالدول العربية وتركيا فقط، في نهاية المطاف، تتمتع بعلاقات عمل جيدة مع إسرائيل وإيران والولايات المتحدة".

 

ودعت على هذه الدول أن تطرح مقترحات لخفض التصعيد، وإطلاق مبادرة وساطة إقليمية تُمكّنها من التواصل مع الأطراف المتحاربة والعمل كوسيط بينها، وقالت "سيظلّ لزامًا عليها إشراك واشنطن، لكن لا يمكنها الاعتماد عليها".

 

وأكدت أنه في حال فشلت الدول العربية وتركيا، ستتّخذ الحرب طابعًا إقليميًا. وقد تواجه هذه الدول هجمات على بنيتها التحتية من قِبل إيران. وسينتشر الخوف وعدم اليقين بين شعوبها.

 

عالقون في مرمى النيران

 

"لسنوات، اعتبرت الحكومات العربية كلاً من إيران وإسرائيل دولتين مثيرتين للمشاكل. إنّ توسّع إيران الأيديولوجي، وتطوير برنامجها النووي، ودعمها للميليشيات التابعة لها في العراق ولبنان واليمن، بالإضافة إلى نظام بشار الأسد السابق في سوريا، جعلها تُشكّل تهديدًا لجيرانها منذ فترة طويلة"، وفق التحليل.

 

وحسب التحليل فإنه في عام 2019، راقب العالم العربي بقلق هجوم إيران، وفقًا لمحققين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والسعودية، على منشآت النفط السعودية. (نفت إيران تورطها لكنها رحبت بالضربات). لقد شعروا بالضيق عندما حولت طهران الحوثيين، الذين كانوا في السابق تمردًا محليًا في اليمن، إلى تهديد بعيد المدى ضرب في عام 2022 موقع بناء ومنشأة نفطية في أبو ظبي.

 

وقالت "لقد كانت علاقات دول الخليج مع إسرائيل أفضل، على الأقل في السنوات الأخيرة. لكن حرب إسرائيل المطولة والوحشية في غزة، ومعاملتها للفلسطينيين في الضفة الغربية، وتوسعها الاستيطاني، وعدم رغبتها في الانخراط في محادثات السلام أو الأمن بعد الحرب، أثارت مخاوف من أنها هي الأخرى قوة مزعزعة للاستقرار".

 

وطبقا للباحثة فقد حظيت إنجازاتها العسكرية، التي تشمل إضعاف قيادة حماس وحزب الله وبنيتهما التحتية، واستهداف القوات الإيرانية في سوريا، وتنفيذ ضربات عسكرية ضد إيران نفسها، بإعجاب هادئ في الأوساط الأمنية الخليجية.

 

وأشارت إلى أن الحكومات العربية مضطرة بشكل متزايد إلى مواجهة الغضب الشعبي الجماهيري إزاء حملة إسرائيل في غزة التي زادت من تعثر عملية التطبيع. كما تعارض هذه الحكومات استمرار الضربات العسكرية الإسرائيلية في سوريا ما بعد الأسد، مما أدى إلى مزيد من عدم الاستقرار في وقت يريد فيه معظم العالم العربي أن تعيش سوريا في سلام.

 

وتوقعت دخول الولايات المتحدة الحرب قريبًا نيابةً عن إسرائيل. وقالت "إذا حدث ذلك، فستكون إيران أكثر ميلًا لاستهداف الدول العربية، التي تضمّ قواعد عسكرية أمريكية متعددة".

 

"بالنسبة لدول الخليج، ستكون الهجمات الإيرانية على القواعد الأمريكية، أو البنية التحتية للطاقة في الخليج، أو السفن في مضيق هرمز بمثابة كارثة". كما تقول الباحثة.

 

وأضافت "ستُعرّض صادرات النفط للخطر، وتُدمّر ثقة المستثمرين، وتُخرّب اقتصاداتها المعتمدة على الكربون، وتُقوّض مساعيها الاقتصادية الأخرى، مثل مبادرة رؤية السعودية 2030. كما قد تُفاقم هذه الهجمات الصراع في اليمن، حيث من المرجح أن يستأنف الحوثيون المتمردون هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، ويوجهون ضرباتٍ مباشرة إلى دول الخليج".

 

وأردفت "سيعاني السكان العرب المدنيون من أي هجمات تُهدد إمدادات الغذاء، أو تُلوث المياه، أو تُؤدي إلى اضطراباتٍ إلكترونية. وإدراكًا منها للمخاطر التي تواجهها، تُصبح هذه الدول أكثر يأسًا لمنع امتداد الصراع".

 

الوسطاء

 

لتجنب التعرض للهجوم، وفق التحليل سعت الدول العربية جاهدةً إلى النأي بنفسها عن تصرفات إسرائيل. أدانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الحملة العسكرية الإسرائيلية. ودعا الأردن إلى خفض التصعيد. وأصدرت عُمان وقطر تصريحاتٍ شديدة اللهجة ضد الضربات الإسرائيلية، تعكس مخاوفهما من أن إسرائيل تُخرب عمدًا الجهود الأمريكية الإيرانية للتوصل إلى اتفاق نووي. وكانت تركيا على نفس القدر من الانتقاد، حيث عرض الرئيس رجب طيب أردوغان "بذل كل ما في وسع بلاده" "لمنع التصعيد غير المنضبط".

 

وقالت "ليس من الواضح ما الذي يقترحه أردوغان بالضبط. لكن الجهات الفاعلة الإقليمية تتمتع بمكانة فريدة ومصداقية ونفوذ كافٍ لوقف التصعيد بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. تحافظ دول الخليج على خطوط اتصال مباشرة مع كل من طهران وواشنطن. وتستضيف قوات أمريكية، وتتوسط في محادثات عبر قنوات خلفية، وتفهم الحسابات الأمنية لكلا الجانبين. كما أصبح لديها الآن سبلٌ للتحدث مع إسرائيل، علنًا أو سرًا. في هذه اللحظة الحرجة، يجب على الحكومات الإقليمية استخدام كل هذه الإمكانات ليس فقط لإدارة التداعيات، بل أيضًا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتمهيد الطريق للعودة إلى الدبلوماسية النووية والإقليمية الأوسع.

 

ولتحقيق ذلك، تقترح الباحثة على الحكومات الإقليمية إطلاق مبادرة دبلوماسية، ربما تحت رعاية جامعة الدول العربية أو مجموعة اتصال أصغر بقيادة خليجية، تستخدم معلومات استخباراتية موثوقة وقنوات خلفية دبلوماسية لإقامة محادثات غير مباشرة بين ممثلي إسرائيل وإيران".

 

 وقالت "يمكنها استخدام هذه الشبكة للدفع نحو فترة تهدئة بين إيران وإسرائيل، يتفق خلالها البلدان على الحد من الهجمات، وخاصة على المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية. وفي الوقت نفسه، يجب على الدول العربية وتركيا فتح قناة دبلوماسية منفصلة تركز على حماية البنية التحتية للطاقة والبحرية، بالإضافة إلى منع الأزمات البيئية والصحية التي قد تنجم عن الهجمات على المنشآت النووية.

 

ومن شأن هذه المبادرات العامة أن تُثبت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن خفض التصعيد والمفاوضات هما أفضل سبيل للمضي قدمًا، وهو ما تريده المنطقة. كما أنها ستمهد الطريق لمحادثات حول وقف إطلاق نار كامل واتفاق سلام دائم. كما تقول.

 

كما أكدت أن العمل الإقليمي المنسق ضروري لمنع وقوع كارثة أوسع. في البداية، قد يبدو من الصعب تخيّل موافقة ترامب على هدنة بوساطة حكومة أجنبية. لكن دول الخليج العربي كانت أول الدول التي زارها الرئيس الأمريكي بعد عودته إلى البيت الأبيض، وقد منحت زيارته قادة الخليج شعورًا متجددًا بأن واشنطن لا تستمع فحسب، بل تتوافق أيضًا مع مخاوفهم الأمنية الجوهرية.

 

واستدرك "قد تكون إسرائيل أكثر ترددًا من الولايات المتحدة في قبول اتفاقية سلام بوساطة خليجية. لكن دولتين خليجيتين، البحرين والإمارات العربية المتحدة، أصبحتا شريكتين اقتصاديتين واستراتيجيتين رئيسيتين لإسرائيل. كما ترغب إسرائيل في تطبيع العلاقات مع السعودية، ويدرك المسؤولون الإسرائيليون أن القيام بذلك سيكون أسهل بكثير إذا تراجعوا عن الحرب مع إيران.

 

وخلص تحليل الباحثة إلى أن تحقيق اتفاق سلام سيكون أمرًا بالغ الصعوبة. فإيران وإسرائيل مُتمسّكتان بمواقفهما. ويبدو أن الصراع يتصاعد لا يهدأ. ومع ذلك، فإن العالم بحاجة ماسة إلى جهد دبلوماسي جاد ومستمر لخفض التصعيد. يجب أن يشمل هذا الجهد إيران وإسرائيل، وأن تدعمه الولايات المتحدة. ولكن لا يمكن قيادته، أو على الأقل تحفيزه، إلا من قِبل دول المنطقة.

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن ايران اسرائيل دول الخليج الحوثي إیران وإسرائیل الدول العربیة دول الخلیج

إقرأ أيضاً:

الخليج الجديد

أسفرت أحداث القرن الحادي والعشرين عن تحولات كبيرة في خارطة عالمنا العربي؛ اختل ميزان القوى، وتحولت العواصم العربية المركزية التي تسيدت المشهد العربي مرحلة ما بعد الاستعمار في النصف الثاني من القرن العشرين، وبالتالي انزاحت مراكز الثقل العربية، واليوم نرى دول الخليج العربي في صدارة المشهد العربي. وقد عملت دول الخليج العربي على إضفاء مزيد من الثقل السياسي والاقتصادي على تصدرها العربي عبر أدوارها العالمية والإقليمية المختلفة، خاصة جهودها اللافتة لإحلال السلام العالمي، وانضمامها للمنظمات الدولية، وتحالفاتها مع الدول الكبرى، ومصالحها المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، هذا غير أدوارها الإعلامية الأخرى، خاصة استثمارات بعضها الضخمة تحديدًا في لعبة كرة القدم؛ فقد شهدنا استضافة قطر لكأس العالم 2022. واليوم نرى السعودية تتصدر المشهد الكروي عبر استضافات عديدة للعبة الشعبية الأشهر في العالم، وكل هذا وغيره يضفي الكثير من الثقل والبروز على هذه الدول. وكل هذا جيد وحسن في المقياس الدولي للسياسة العالمية، خاصة مع أخذ مشروعات إسرائيل في المنطقة بالحسبان، لكن ماذا عن الداخل؟ ماذا عن الناس والشعوب الخليجية نفسها؟

إن الشعوب تعرف بمقياس فاعليتها الثقافية داخلها وخارجها، وقد ظل الوضع الثقافي في الخليج لعقود طويلة محبطًا محاطًا بتنظيمه الفقهي التقليدي الذي يسهل التحكم به عبر شراء واستمالة رموزه، وبقي وضع المثقف الخليجي كما يصفه الناقد السعودي محمد العباس في كتابه الإنسان الخليجي: «كل من يفكر من المثقفين في إنتاج خطاب ثقافي مستقل يكون بشكل تلقائي عرضة للإقالة، أو الاستقالة، أو يدفع دفعًا لليأس، والتعفف عن ممارسة أي دور ثقافي». ص٥٢

هكذا ظل الوضع الثقافي راكدًا بما هو مؤشر موثوق على تلك الحال «الكلاسيكية»، لكن التغيرات بداية هذا القرن، خاصة بعد الربيع العربي فرضت واقعًا مختلفًا؛ فالتيارات الدينية الجديدة التي نشأت بداية ومنتصف القرن العشرين كانت قد نضجت، وأصبحت جاهزة فكريًا وماديًا بنسب مختلفة لاستيعاب التيارات الدينية الكلاسيكية القديمة، وتفعيل دورها المعاصر، وصولًا إلى سدة الحكم، وتلك كانت تجربة الثورة المصرية التي أوصلت الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، مع كل الكوارث والمجازر التي أعقبت ذلك، وبما أن التهديد بلغ مستوى تغيير النظم فقد دعمت بعض الدول الخليجية حركة مضادة، وهذه الحركة المضادة كانت بحاجة أكثر إلى حضور المثقف الحر غير الأيديولوجي في المشهد العام، أو يحبذ المثقف المضاد للتيارات الدينية بشكل عام. هكذا رأينا نماذج من المثقفين ترتفع أصواتهم هنا وهناك، ويجدون المنبر والمساحة للتعبير مع إدراكهم لطبيعة الأنظمة، وخطوطها الحمراء، فهم يقدمون خطابًا متوافقًا مع الخط العام، وفي أحيان كثيرة يقدمون خطابًا يخدم توجهات الأنظمة مع لمسة من النقد تكسبهم المصداقية أمام الجمهور. أما الوضع الثقافي الحر والحقيقي نفسه فما يزال الطريق أمامه طويلًا -كما يبدو- من أجل اكتساب المزيد من حريات التعبير، ومن إعادة الروح التي خربتها السياسات السابقة في سبيل إنتاج ثقافة حرة تدرك موقعها، وأدوارها، وواجباتها، ومسؤولياتها تجاه ثقافتها الذاتية والعربية والعالمية.

إن الأنظمة بدورها تحاول إنتاج صورة مؤطرة للإنسان الذي تحكمه، وهي بذلك تشارك في تأطير الإنسان الذي ينزع بطبيعته للتحرر من الأطر والقيود. وفي الواقع الخليجي؛ فقد جرى تأطير الإنسان في تصورات مختلفة تعبر عنها الأعمال الفنية المختلفة، ولعل أبلغها تأثيرًا ما تنتجه الأفلام والسينما والتلفزيون. واليوم نرى أن تلك المنتجات الفنية بدأت تنزاح -وإن ببطء تدريجي- عن الصورة الكاريكاتورية للعربي والخليجي التي تسيدت الشاشة لمدة طويلة سواء في الأفلام المصرية أو الأمريكي بعد أن كان الإطار القديم يضع الرجل الخليجي في إطار المترف العابث، والغني الشبق، والنساء الخليجيات في إطار المنقبات المقهورات اللواتي لا صوت لهن كما لا صوت لرجالهن. ويتتبع الشاعر والسينمائي عبدالله حبيب في سلسلة مقالاته في الصفحة الثقافية من هذه الجريدة حدود ذلك الإطار الكلاسيكي لصور الشيخ في السينما الأمريكية، ونحن بحاجة للمزيد من تلك الدراسات والبحوث في السينما العربية والمصرية والشاشة التلفزيونية كذلك، وكذلك في الصحف العالمية والعربية، ليس فحسب لأن تلك التصورات طبعتنا في نظر الآخرين، بل لأنها لربما تمكنت في التأثير حتى بتصوراتنا عن أنفسنا من دون أن نشعر.

من المؤكد من جهة أخرى أن تلك التصورات بلا شك أثرت في تصور الآخر لنا، وإذا كان لصوت ما أن يسمع في ظل تعميمات الصناعة السينمائية والإعلامية فهو الغرب نفسه الذي تم تجريده بنفس الآلية من طبيعته البشرية وسجنه في إطار مغلق لا يعبر عنه، وما زلت أذكر لليوم شابة بريطانية تتحدث بتأثر وانفعال عن الإطار والسجن الذي ظلت تنتجه السينما الهوليودية خاصة للنساء الغربيات بوصفهن نساء سهلات المنال وعابثات، وقد أثر ذلك الإطار على تصوراتنا نحن بالمقابل كذلك عن حقيقة الغرب، وفي الواقع بينما نشكو نحن من تغريبنا عن حقيقتنا فإن الغربي كذلك جرى تغريبه عن حقيقته؛ وبسبب تلك التعميمات التسطيحية وقعت كثير من الحوادث المؤسفة بشكل فردي وجماعي، ولا يمكننا في هذا السياق أن نغض النظر عن التصورات الدينية والعنصرية، والآثار السياسية لقيام إسرائيل على مجموع ذلك التصور الغربي.

أما اليوم فحسب اطلاعي البسيط كما ذكرت فإن تلك الأطر النمطية بدأت تحاول الانزياح، والتخلي عن عنصريتها وسطحيتها نحو صورة أقرب للواقع، وإن لم تفلح تمامًا في ذلك؛ فما زالت تأثيرات الأطر القديمة تفعل مفاعلاتها، وتؤثر على النتاج الكلي، لكن مجرد انزياح الصورة، وتقديم صورة أدق وأقرب هو دليل مبشر على بداية تفكك الإطار، ولكننا لا نستطيع الثقة كثيرًا بما أن النتاج البصري -خاصة السينمائي منه، والتابع للشركات الضخمة- يظل خاضعًا لتوجهات وتصورات المنتجين. واليوم نشهد الشبكات الكبرى التي تتسيد العالم كـ(نتفليكس)، و(HBO)، و(فوكس)، و(باراماونت) وغيرها، وفي العالم العربي الـ(MBC) كمثال، فهي التي تتحكم بالتالي في ذلك الإطار، وحدود حريته، وخطابه، لكن ماذا عن الواقع الحقيقي نفسه؟

في الواقع لا تختلف أوضاع الناس العاديين بكثير في الشرق والغرب، ولا شكواهم، ولا مخاوفهم، ولا رغباتهم وأحلامهم المهدرة في طاحونة المادة والسياسة. وفي هذا الوضع فإن الحال متشابه إن لم يكن متطابقا؛ بما أن البشرية والإنسانية واحدة، والسؤال المتجدد دومًا هو ماذا عن الإنسان؟

إن الإنسان مرجعيتنا جميعًا أينما كان موقعنا، وأيًا كانت قطعة الأرض التي نحبها في خارطة الكرة الأرضية، وكلما تقدمت الأزمنة بنا نجد أنفسنا مباشرة في مواجهة الإنسان. بالأحرى في مواجهة أنفسنا، وكأن هذا هو لب الأمر الذي علينا مراعاته، والتفكير فيه، وتأمله.

في النهاية؛ فإن التيارات تمضي إلى غاياتها مهما اعتقدنا العكس، وهذا ما يذكرنا به منظر الإطار وفيلسوف العلم كارل بوبر فهو القائل: «نلاحظ أنه حتى القمع يمكن أن يؤدي إلى تقدم»، لكنه يضيف ما نحتاج إلى تذكره ورفعه كشعار: «الفشل عائد إلى الدوغمائية والتعصب، ولكن ينبغي النظر إلى الأفكار الجديدة باعتبارها ثمينة، وينبغي خدمتها بعناية، خصوصًا إذا بدت على شيء من الجموح. وأنا لا أقصد أن نتلهف على قبول الأفكار الجديدة فقط لأنها جديدة، ولكن ينبغي أن نتحمس لعدم كبت فكرة جديدة، حتى إن لم تبد لنا عالية الجودة». كارل بوبر، أسطورة الإطار، عالم المعرفة، ت. يمنى الخولي.

مقالات مشابهة

  • تهديدات إرهابية تستهدف الإمارات.. وواشنطن ولندن تحذران أبوظبي .. إيران وحفائها في اليمن في قائمة المرشحين
  • الخليج الجديد
  • لماذا تغيب المظاهرات المناصرة لغزة عن بعض الدول العربية؟
  • مندوب فلسطين بالجامعة العربية: إسرائيل حولت مراكز المساعدات إلى مصائد للموت
  • مندوب فلسطين بالجامعة العربية: إسرائيل تسلط 60 منظمة إرهابية ضد شعبنا
  • مجلس الجامعة العربية يعقد اليوم دورة غير عادية لمناقشة سُبل التصدي لجرائم إسرائيل
  • ضغوط أمريكية وإقليمية لإحياء المفاوضات بين إسرائيل وحماس وسط تصاعد التوترات
  • جامعة الدول العربية تعقد اجتماعاً طارئاً لبحث احتلال إسرائيل الكامل لغزة
  • الدول العربية والإسلامية:خطة إسرائيل للسيطرة على غزة انتهاك صارخ ومحاولةً لفرض أمر واقع
  • كل شيء أو لاشيء.. أكسيوس: خطة أمريكية لوقف الحرب قبل تنفيذ تهديد إسرائيل باحتلال غزة