في حضرة الكرامة نام الإقليم
تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT
هند الحمدانية
تتراقص الصواريخ فوق رؤوسنا
ويضحك القتلة من خلف الستار
نحصي القتلى...
ونحصي عدد القنوات ...
ونسأل: هل الحرب نار..
أم دخانٌ للفُرجة؟
تحفر غزة مجدها بين أنقاضها
ويصعد المقاومون من رحم الحصار
ونتدثر نحن بصمتنا
نبدل القناة...
ونورثُ أبناءنا عار السؤال:
متى نملك القرار؟
في حياة الأمم لحظات تتكشف فيها الحقائق، ويسقط الزيف، وتتجلى أمام النَّاس صورة أوطانهم كما هي، لا كما كانوا يتوهمون، هي هذه الأيام التي تعبث فينا ونحن في أوج هذا الصراع المُتصاعد بين إيران وإسرائيل؛ إذ يبدو فيها الإقليم كمن نُزعت عنه ثيابه فظهر عاريًا من قراره، هشًا يتردد بين الخوف والخذلان، لا يدري أهي حرب حقيقية تُدار من حوله أم مسرحية رُتبت من أجل إرهابه؟! والكارثة ليست في الأحداث ذاتها؛ بل في هذا العجز الذي سكن النفوس حتى صار مألوفًا، وهذا الصمت الذي اتُخِذَ عقيدة وفضيلة.
وإنني لأنظر اليوم في مجريات هذه الحرب التي لطالما توجسنا من اندلاعها، فأرى في كل ضربة وصاروخ رسالة إلى من يتوهمون أنَّ المال حِصن، وأن التحالفات دِرع، فإذا هم عُراةٌ من القوة، مجردون من القرار، يسيرون في ركاب غيرهم، يلعبون دور المُتفرج منتظرين النتيجة ليصفقوا للفائز أو ليواكبوا الغالب.
فما أشد أن يرى العربي وطنه رهينةً، لا يملك من أمره شيئًا إلّا ما يُملى عليه، ولا من قراره سوى ما يُوزَّع عليه من فتات الإرادة، وما أشد على القلب أن تصبح مجرد مُتفرِّج على مسرح يصنعه العدو ويصفق له الجاهل ويُبرِّرُه الخائف الجبان.
لقد باتت بعض دول الإقليم في موقع المُتفرِّج المُرتبك، تتساءل شعوبها في المجالس والدواوين: "هل ما بين إيران وإسرائيل حرب حقيقية، أم مسرحية تتقاسم أدوارها أجهزة الاستخبارات العسكرية؟"، وفي كلا الحالين نحن الخاسر الأكبر، فإن كانت مسرحية فهدفها إخافتنا، وإن كانت حربًا فويلٌ لنا من تداعياتها.
أما المسجد الأقصى.. ذلك الحرم الذي كانت تُشد إليه الرحال، وتسيل من أجله دماء الأولياء والصالحين، فصار اليوم صورة باهتةً في شريط أخبار يمضي كالماء فوق الحجر، لا يحرك في الصدور وجيبًا ولا في الجيوش زحفًا، ولا في القرار روحًا تُبعثر السكون وتُحيي الضمير العربي المُحتضِر.
العجب كل العجب، أن تظل غزة تلك البقعة الصغيرة التي لا تملك من خزائن الأرض شيئًا محاصرةً بين البحر والسياج، تقاتل وحدها عمَّا تبقى من نخوة العرب وتحمل وحدها عبء الكرامة المكسورة، تناضل بما بقي لها من حجارةٍ يتيمة، وتُشيع أبناءها العزل إلى قبورٍ جماعية ضيقة، وتبحث بين شظاياها عن موتٍ يتكرر. في غزة وحدها يحفر الفتية في جوف الأرض أنفاقهم، لا هربًا من الموت؛ بل بحثا عن حياة تليق بأحلامهم، يتنفسون الحصار كأنهم خلقوا لامتحان الصبر، ويقتاتون خيانة الأخ والقريب كمن اعتاد أن يكون وحده في ساحة الخُذلان، ويمضون بأقدامٍ حافية على دربٍ تعلموا أن الشرف فيه لا يُشترى ولا يُورث، هناك تحت الأرض تمسي الحياة سؤالًا عن معنى أن تبقى إنسانًا حين يتنازل الجميع عن إنسانيتهم، وعن سِر الكرامة، حين تُصبح عملةً نادرة في سوق الأوطان.
لقد آنَ أنْ نُقر بحقيقة مُرة، طالما تهربنا من مواجهتها، وهي أنَّ البلدان التي امتلأت خزائنها بالأموال، لم تعرف كيف تُقيم لنفسها كيانًا مُستقلًا يعتمد على سواعد أبنائه، فهُم ما زرعوا قوتهم، ولا أنتجوا دواءهم ولا صنعوا سلاحهم، فأصبحوا ألعوبة في يد من يملكون الغذاء والسلاح والإعلام، يتوهمون أنَّهم آمنون في قصورهم وبيوتهم، وأن ما يحدث من حولهم لن يصل إليهم ما دامت خزائنهم عامرة، وتحالفاتهم قائمة، وعلاقاتهم بالقوى الكبرى وثيقة، ونسوا أو تناسوا أنَّ الأمان لا يصنعه المال ولا تُحققه المعاهدات، ولا تمنحه الابتسامات في اللقاءات الثنائية، إنما الأمان يصنع بأيدٍ تصون الأرض والعرض، وبقلوب لا تخضع إلا لله، وبعقول تملك القرار قبل أن تطلب الإذن.
وإني لأتساءل، كما يتساءل كل من بقيت في صدره نفحةٌ من نخوة وغيرة: ما الذي سوف نتركه للأجيال القادمة وأولادنا من بعدنا، إذا كنَّا الآن لا نملك من أمرنا شيئًا؟ أي عار هذا الذي سنُوَرِّثه لأبنائنا؟! وأي ميراث هذا الذي سيحمله أولادنا على كواهلهم؟! ميراثٌ من الصمت والخوف والانقياد، فنحن قومٌ استطابوا الذُل وتوارثوه، يوصي به الجد لحفيده: أن الزم الصمت ولا تجهر بالحق؛ فالموت في الكلمة، والحياة في التبعية، فأي حياة تلك؟ وأي كرامة؟ وكيف يكون مصير الأبناء في أرض تحكمها يد الأجنبي وتدار فيها الأرزاق والمصالح من وراء البحار، وهل ترضى كرامة إنسان أن يرى أبناءه وأحفاده يكبرون في ظل ذلٍ صنعه آباؤهم بسكوتهم وخوفهم وطاعتهم العمياء؟
إنَّ التاريخ لا يرحم من وقف متفرجًا على اغتصاب أرضه، ولا يعذُر من كان له صوتٌ فصمت، وكان له سلاحٌ فركنه، وكان له قرارٌ فسلمه لغيره.
وغدًا- وإن طال الصمت العربي- سَيُسأَل الجميع: أين كنتم حين سُلب الأقصى وسُفك دم أهل غزة، وتحولت بلادكم إلى ملعبٍ للآخرين؟
فيا عرب، من لا يملك قراره لن يملك مصيره، ومن لا يزرع سيأكل من فُتات موائد الآخرين، ومن لا يُدافع عن عرضه وأرضه، سيأتي عليه زمان يُباع ويُشترى.
وسيبقى المسجد الأقصى يُناديكم، وستبقى غزة تُذكِّركُم أن الشجاعة لا تُقاس بعدد القصور، ولا بعقود النفط، ولا بحجم الاستثمارات؛ بل تُقاس بما يبقى في الأرض بعد أن يذهب المال والجاه، وسيبقى التاريخ شاهدًا على الجميع المقاومين والشجعان والخونة والمُتخاذلين.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
شهادات للجزيرة نت من قافلة الكرامة اللبنانية لكسر حصار غزة
بيروت – في مشهد إنساني وسياسي متداخل الأبعاد، انطلقت أمس السبت قافلة "الكرامة" التضامنية من مدينة حلبا في أقصى شمال لبنان.
انطلقت القافلة في مسار يمر بطرابلس ثم العاصمة بيروت، مرورا بمنطقة البقاع، قبل أن تتجه نحو الحدود السورية، عبر طريق دمشق وساحة الأمويين، ثم إلى الأردن عبر ميناء العقبة، حيث ستواصل رحلتها بحرا باتجاه الأراضي المصرية، تمهيدا لعبور معبر رفح نحو قطاع غزة.
الجزيرة نت تواكب القافلة في محطاتها اللبنانية، من بيروت إلى البقاع، وتنقل مشاهد حيّة من هذا التحرك الشعبي الذي يعكس نبض التضامن، مستعرضة شهادات المشاركين ودوافعهم ومشاعرهم في مسيرة تهدف إلى إيصال رسالة دعم إنسانية إلى أطفال غزة المحاصرين.
كما تبرز القافلة في ظل تصاعد الدعوات العربية والدولية لإنهاء الحصار المفروض على القطاع، الذي يعاني أزمة إنسانية غير مسبوقة.
وأوضح منسق القافلة الشيخ أحمد يحيى للجزيرة نت أن الهدف من "قافلة الكرامة" هو كسر الحصار الجائر وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين بغزة، لا سيما الأطفال الذين يواجهون خطر الموت جوعا ومرضا بسبب نقص الغذاء والدواء.
وأكد الشيخ يحيى أن الغاية الأسمى من المبادرة هي المساهمة في وقف الحرب، ومحاولة إحياء الضمير الإنساني الذي "مات"، في ظل الصمت الدولي على المجازر التي ترتكب بحق الأبرياء. ودعا المسؤولين في سوريا والأردن ومصر إلى تسهيل عبور القافلة ودعمها حتى تتمكن من بلوغ هدفها الإنساني.
إعلانوقال إن القافلة تحمل طابعا سلميا وإنسانيا خالصا، ولا ترفع أي شعارات حزبية أو طائفية أو سياسية بل تنقل رسالة إنسانية صادقة إلى أطفال غزة المحاصرين، مضيفًا "نتمنى أن تصل القافلة إلى غايتها، وأن نعود وقد ساهمنا ولو بقدر بسيط في إطعام أطفال غزة وسد رمقهم".
حسين ناصر، أحد المشاركين في قافلة الكرامة، قال للجزيرة نت "نشارك اليوم من أجل رفع الحصار الظالم عن مدينة غزة وأهلنا هناك". وأضاف أن مشاعره "تعكس مشاعر كل إنسان عربي يشعر بواجبه تجاه إخوانه في غزة، نأمل أن نتمكن من إيصال صوتنا وأن تكون السلطات متفهمة ومتعاونة معنا".
من جانبها، أكدت منى، القادمة من مدينة صور، للجزيرة نت، مشاركتها في قافلة الكرامة ضمن جهود فك الحصار عن أهالي غزة، الذين وصفتهم بـ"الشعب المظلوم والمذبوح"، وأعربت عن أملها في تحقيق القافلة لأهدافها الإنسانية.
وقالت منى "هذه الحملة حركت مشاعرنا بقوة لا يمكن للكلمات أن تعبر عنها فهي تحمل الألم والغضب والتعاطف مع ما يعيشه أهل القطاع من معاناة".
ووجهت رسالة إلى أهالي غزة قالت فيها "أنتم شعب الجبّارين نسأل الله أن يمن عليكم بالصبر والثبات، أنتم لستم وحدكم فقلوبنا ودعواتنا ترافقكم في محنتكم".
أما مجاهد دهشة، وهو فلسطيني من مخيم عين الحلوة، فقال للجزيرة نت "انطلقنا اليوم في قافلة تضامنية استجابة لنداء إخواننا من عكا ومجد عنجر وطرابلس، بهدف الوقوف مع أهل غزة، باعتبارنا فلسطينيين ولبنانيين يعيشون على أرض لبنان".
وشكر مجاهد جميع المشاركين في القافلة، معبرا عن أمله في أن يغفر لهم أهل القطاع أي تقصير، ومؤكدا أن القافلة تبذل قصارى جهدها لدعم أهله، واصفا ذلك بأنه أقل واجب يقدمونه تجاه شعبهم.
من جهته قال عمر المير، رئيس بلدية مرتومة في عكار، للجزيرة نت "نشارك في القافلة لكسر الحصار المفروض على أهلنا وأطفالنا ونساء غزة، هذه المسيرة واجب على كل مسلم وكل عربي المشاركة فيها، فأهلنا في غزة محاصرون لأكثر من عامين محرومون من الغذاء والشراب وكل مقومات الحياة".
إعلانوأضاف المير "بصفتي رئيس البلدية، وأمثل نفسي، أعلن انخراطي في هذه القافلة، متوكلا على الله لتحقيق كسر الحصار عن أهلنا في غزة. هذه القافلة قافلة سلام وشرف لنا، وتجسيد حقيقي لشعور ينبع من أعماق القلب".
ودعا رئيس بلدية مرتومة جميع رؤساء البلديات والمسؤولين إلى المشاركة في هذه "الحملة العظيمة التي يصعب وصف عظمة أهدافها وأثرها، فهي انبثاق من مشاعر إنسانية صادقة".
وختم بالتأكيد على أن المشاركين في القافلة سلميون، لا يهددون أمن أي دولة، وإنما هدفهم رفع الحصار الجائر عن أطفال غزة ونسائها وشيوخها وأهلها، وقال "لقد نفدت قدرتنا على تحمل ما يجري في غزة، وجئنا مدافعين عن الإنسانية والسلام، ومن أجل كسر الحصار المفروض عليهم".