جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-11@21:42:28 GMT

كيف نبني زواجًا ناجحًا؟

تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT

كيف نبني زواجًا ناجحًا؟

 

 

سلطان بن ناصر القاسمي

ليس الزواج مجرد ارتباط بين رجل وامرأة، بل هو قصة تبدأ من لحظة النية، وتُكتب فصولها كل يوم بالتفاهم، والرحمة، والالتزام. إنه ليس محطة عبور ولا تجربة عابرة، بل عقد مقدّس، وسكنٌ نفسي، وميثاق غليظ، كما وصفه الله في كتابه: ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ (النساء: 21).

الزواج ليس فرارًا من الوحدة ولا بحثًا عن متعة مؤقتة، بل هو بناء لحياة مشتركة، ومسؤولية متبادلة، ومشروع إنساني عظيم يقوم على المودة والرحمة.

قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21). ونحتاج أن نتساءل: ما الذي يجعل الزواج ناجحًا؟ كيف يمكن أن نصنع من هذه العلاقة حياة مستقرة، رغم تقلبات الأيام واختلاف الطباع؟ وما هي الخطوات التي تحفظ الحب وتحمي الاستقرار؟

أُولى اللبنات في بناء زواج ناجح تبدأ من النية الصادقة. حين يكون دافع الارتباط هو الرغبة في تأسيس بيت متين، وأسرة فاعلة في المجتمع، يصبح الطرفان أكثر استعدادًا لتحمّل المسؤوليات. أما إذا كان الزواج هروبًا من ضغوط أو مجرد نزوة عاطفية، فسرعان ما ينهار أمام أول خلاف.

من العقبات الشائعة التي تعترض طريق الاستقرار: الضغوط المالية والأنانية. فالمشكلات المادية تتفاقم غالبًا حين يغيب الحوار الصادق، وتُغفل الشفافية. ولا يمكن لبيت أن يقوم على الصمت في هذه الأمور الحساسة، إذ لابد من الاتفاق المسبق على أساليب الإنفاق، وتحديد الأولويات، والتفكير المشترك في المستقبل. أما الأنانية، فهي أشد فتكًا؛ حين يرى كل طرف نفسه الأحق دائمًا، ويغفل عن الطرف الآخر، يبدأ الحب بالذبول، ويخفت نور التفاهم.

وهنا، تلعب ثقافة الحوار الدور الأكبر في إنقاذ العلاقة. فالحوار ليس تبادلًا للكلمات فحسب، بل هو استماع، وتفهّم، وحرص على عدم إيذاء الآخر، مهما كانت حدة الخلاف. ولا شك أن الخلافات أمر طبيعي، لكن طريقة إدارتها تحدد مصير العلاقة: هل ستبقى أم تنهار.

وفي ظل المتغيرات الحديثة، قد تشعر بعض الزوجات بأن الزواج يُقيد من حريتهن، ويمنعهن من ممارسة نمط الحياة الذي اعتدن عليه. وهنا تظهر أهمية التهيئة النفسية قبل الزواج، من خلال توعية البنات بأهمية هذا الرباط، وضرورة التكيف مع مسؤولياته. كما أن الزوج بدوره مطالب بأن يدرك أنه لم يعد حرًّا كما كان، بل أصبح ربًّا لأسرة تتطلب منه عناية، واحتواءً، وتخطيطًا.

أما الأسس الشرعية لعقد الزواج، فهي ضوابط لا غنى عنها: صيغة الإيجاب والقبول، ووجود الولي، والشهود، وأهلية الطرفين. قال ﷺ: "لا نكاح إلا بولي وشاهديْ عدل" (رواه ابن حبان). وقال أيضًا: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإنَّ الزانية هي التي تزوج نفسها" (رواه ابن ماجه).

ومن الركائز الأساسية التي يقوم عليها الزواج الناجح:

•        الاحترام المتبادل: احترام لا يقتصر على الألفاظ بل يمتد إلى المشاعر، الوقت، الخصوصية، وحتى الغياب. وهو ما يرسخ الأمان النفسي.

•        احترام الأهل: تقدير أهل الطرف الآخر والتواصل معهم، يعزز الترابط ويُبقي المحبة قائمة.

•        الاهتمام بالمظهر: لا يعني التأنق المبالغ، بل الحفاظ على صورة لائقة تعكس تقدير كل طرف للآخر.

•        الصبر والمرونة: لا حياة زوجية بلا تحديات، لكن الصبر وحده يحوّل العثرات إلى فرص للنمو.

•        النسيان والعفو: قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (النور: 22)؛ فالعفو يبقي العلاقات نقية، ويمنع تراكم الجراح.

•        التواضع والاعتذار: لا كرامة تُهدر حين نعتذر، بل قلوب تُصان. والاعتراف بالخطأ فضيلة تحمي البيوت من السقوط.

ولا يمكن إغفال أهمية الثقة، فهي لا تُمنح بالكلمات، بل تُكتسب بالأفعال عبر الزمن. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (النساء: 58)، وهذه الأمانة تبدأ من الثقة المتبادلة بين الزوجين.

ولأننا لا نعيش في عالم مثالي، فلابد أن نتقبّل أن الحب وحده لا يكفي. نعم، هو الوقود الأول، لكنه لا يصمد وحده أمام متطلبات الواقع. لابد من تكامل في الدين، والفكر، والقيم، والكفاءة الاجتماعية والاقتصادية، كما أشار النبي ﷺ: "تُنكَح المرأةُ لأربعٍ: لمالِها، ولحسبِها، ولجمالِها، ولدينِها، فاظفَر بذاتِ الدِّينِ تربَتْ يداكَ" (متفق عليه).

ومن الأخطاء الفادحة الاتكال على المشاعر وحدها دون دراسة متأنية للشخص الآخر، دون استشارة أهل الرأي، أو حتى استخارة الخالق سبحانه، كما قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: 159)، وقال ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: 159).

والأنانية تظل العدو الأخطر للعلاقات، وهي التي تُفرغ الزواج من معناه، وتقود إلى الطلاق ولو بدت الأسباب الظاهرة مادية. قال الله تعالى في التحذير من تقديم النفس على المصلحة الجماعية: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (الحشر: 9)، وما أجمل أن يسري هذا المعنى في الحياة الزوجية.

لذلك، فإن الزواج الناجح هو ثمرة جهد متبادل، ورغبة صادقة في إنجاح العلاقة، مهما كلف الأمر من تنازلات؛ فكُل طرف لا بُد أن يكون داعمًا، مشجعًا، صادقًا، متواضعًا، لا ينتظر الكمال؛ بل يصنعه بالمحبة والوعي والتجدد.

وفي الختام.. الزواج لا يُبنى على المصادفة، ولا يقوم على المشاعر العابرة، بل على الإرادة الواعية، والتخطيط، والتفاهم، والاحترام. قد تمر الأيام الصعبة، وتخبو المشاعر أحيانًا، لكن ما يبقى حقًا هو صدق النوايا، وصفاء القلوب، ووعي كل طرف أن الحياة الزوجية ليست نزهة؛ بل مسؤولية.

إلى كل شاب وفتاة مقبلين على الزواج: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: 13)؛ فتسلّحوا بالحكمة، ولا تجعلوا أحلامكم تقودكم دون وعي. وازرعوا في بيوتكم حبًا صادقًا، واسقوه بالرحمة، وعضّوا عليه بالصبر. وحين يأتي الخلاف، تذكروا أن ما بينكما يستحق أن يُصان.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا في أب وأم لقتلهما ابنتهما بمكة المكرمة

مكة المكرمة

أصدرت وزارة الداخلية، اليوم، بيانًا بشأن تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا بجانيين في منطقة مكة المكرمة، فيما يلي نصه:

قال الله تعالى: “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا”، وقال تعالى: “وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”، وقال تعالى: “وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ”، وقال تعالى: “إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.

أقدم/ ضيف الله بن إبراهيم بن ضيف الله المنتشري الشمراني و/ سارة بنت دلمخ بن عبدالرحمن الشمراني -سعوديا الجنسية- على قتل ابنتهما تالا، وذلك بقيامهما بتعذيبها وإهمالها وحبسها، وخنقها وكتم أنفاسها؛ مما أدى إلى وفاتها.

وبفضل من الله تمكنت الجهات الأمنية من القبض على الجانيين المذكورين وأسفر التحقيق معهما عن توجيه الاتهام إليهما بارتكاب الجريمة، وبإحالتهما إلى المحكمة المختصة؛ صدر بحقهما حُكمٌ يقضي بثبوت ما نسب إليهما، ولشناعة جرمهما بحق طفلة صغيرة لا مغيث لها ولا ناصر ولا تستطيع الاستنجاد بأحد وتعذيبها المتكرر في أوقات مختلفة ولتأصل الإجرام فيهما فقد تم الحُكم بقتلهما تعزيرًا، وأصبح الحُكم نهائيًا بعد استئنافه ثم تأييده من المحكمة العليا، وصدر أمرٌ ملكيٌ بإنفاذ ما تقرر شرعًا.

وتم تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا بالجانيين ضيف الله بن إبراهيم بن ضيف الله المنتشري الشمراني و/ سارة بنت دلمخ بن عبدالرحمن الشمراني -سعوديي الجنسية – يوم الأحد 16 / 2 / 1447هـ الموافق 10 / 8 / 2025م بمنطقة مكة المكرمة.

ووزارة الداخلية إذ تعلن عن ذلك لتؤكد للجميع حرص حكومة المملكة العربية السعودية على استتباب الأمن وتحقيق العدل وتنفيذ أحكام الله في كل من يتعدى على الآمنين ويسفك دمائهم وينتهك حقهم في الحياة والأمن وتحذر في الوقت نفسه كل من تسول له نفسه الإقدام على مثل ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره.

واللّه الهادي إلى سواء السبيل.

مقالات مشابهة

  • نهى نبيل تمازح جمهورها عن زواج رونالدو: أرجع أجهز نفسي حتى بالفكس .. فيديو
  • قصة حب صنعت أسطورة.. كواليس زواج وانفصال نور الشريف وبوسي
  • دعاء الحر.. ردده الآن ليخفف الله عنك الموجة الحارة
  • الطلاق.. عَرض طبيعي أم ظاهرة؟
  • ختام ناجح للبطولة العربية الثالثة للحساب الذهني بالقاهرة |شاهد
  • تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا في أب وأم لقتلهما ابنتهما بمكة المكرمة
  • الجيش يفتح باب التجنيد لذكور من حملة توجيهي ناجح / تفاصيل
  • هل يجب على الزوجة طاعة زوجها حتى إذا لم يكن مسئولا؟.. انتبهن
  • الاعتراض على قدر الله بهذا الفعل.. يجعلك من المغضوب عليهم
  • تعلن محكمة باجل الابتدائية انه تقدمت اليها المدعية زهرة يوسف بدعوى فسخ زواج