نجح باحثون من جامعة ولاية نيويورك في بينغهامتون الأميركية في تصميم بطارية مؤقتة قابلة للتحلل بالكامل وتعمل بـ "البروبيوتيك"، أي البكتيريا النافعة التي نستهلكها في الأغذية والمكملات الصحية. ويهدف هذا الابتكار إلى تمكين جيل جديد من الأجهزة الإلكترونية، القابلة للاستخدام لمرة واحدة دون ترك أثر ضار على الجسم أو البيئة.

هذا الابتكار العلمي جاء في إطار الجهود المتواصلة لتطوير ما يعرف بالإلكترونيات "المتحللة" أو "المؤقتة"، وهي أجهزة صُممت لتؤدي وظيفة محددة لفترة قصيرة، ثم تذوب تلقائيًا بطريقة آمنة بعد انتهاء مهمتها. وقد نُشرت الدراسة في دورية "سمول" المتخصصة في علوم وتقنيات النانو.

يقول سيخوين تشوي، مدير مختبر الإلكترونيات الحيوية والأنظمة الدقيقة بجامعة ولاية نيويورك في بينغهامتون، والمشارك في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "كان دافعنا الأساسي هو تطوير مصدر طاقة آمن وصديق للبيئة للأجهزة الإلكترونية المؤقتة".

صورة بالمجهر الإلكتروني الماسح للقطب الكهربائي بعد دمج خليط البكتيريا النافعة (سيخوين تشوي) التخلص من السمّية

عبر تاريخ تقنيات البطاريات الحيوية، ظل استخدام البكتيريا كمصدر للطاقة مرهونًا بخطرين رئيسيين؛ السُمية والمخاطر البيئية. غالبًا ما تعتمد البطاريات الميكروبية على بكتيريا مُعدلة وراثيًا أو سلالات مسببة للأمراض، مما يثير تساؤلات حول السلامة، خاصة عند استخدامها داخل الجسم البشري أو في الطبيعة.

لكن الدراسة الجديدة تتبنى توجهًا مختلفًا. يقول تشوي: "اتجهنا نحو البروبيوتيك، وهي بكتيريا مألوفة في النظام الغذائي البشري والميكروبيوم، مما أتاح لنا ابتكار بطارية غير سامة، ومتوافقة حيويًا، وقابلة للذوبان بالكامل".

يمثل هذا النهج طفرة حقيقية، إذ يعالج بشكل مباشر القيود التنظيمية والصحية التي منعت استخدام البطاريات البيولوجية في التطبيقات الطبية والبيئية. المثير في الأمر أن البطارية لا تعتمد على نوع واحد من البروبيوتيك، بل على مزيج مأخوذ من مكملات غذائية معروفة.

إعلان

يوضح تشوي: "تم اختيار خليط من 15 سلالة من مكملات بروبيوتيك تجارية ليعكس تنوعًا وراثيًا واسعًا. نعتقد أن التفاعلات الأيضية المتبادلة بين هذه السلالات المتنوعة تعزز النشاط التأكسدي والاختزالي. رغم أن البكتيريا موجبة الجرام عادة ما تملك قدرات ضعيفة لنقل الإلكترونات خارج الخلية، فإن تآزرها في بيئتنا المصممة هندسيًا يبدو كافيًا لتوليد تيار كهربائي مفيد".

تشير البيانات التجريبية إلى نجاح التعاون المعقد لمكونات هذا الخليط في توليد الكهرباء، إما عن طريق التخمير أو إفراز جزيئات ناقلة للإلكترونات.

اختبار سرعة تحلل وذوبان الجهاز في الماء مع إظهار الذوبان الكامل خلال 60 دقيقة (سيخوين تشوي) تقنية ذكية للاستجابة الحمضية

تتغذى البكتيريا النافعة على مواد موضوعة داخل البطارية، وخلال عملية الهضم (أو التخمير)، تطلق البكتيريا إلكترونات وهي الجزيئات نفسها التي تنقل الكهرباء في الأسلاك. تمر الإلكترونات التي تطلقها البكتيريا عبر سلك صغير أو مادة موصلة، لتوليد تيار كهربائي يمكن استخدامه لتشغيل جهاز بسيط مثل مستشعر صغير داخل الجسم.

في هذا السياق، فإن البطارية محمية بغشاء خاص لا يذوب إلا في بيئة ذات حامضية محددة، وعندما تدخل البطارية هذه البيئة، يبدأ الغشاء بالذوبان، مما يفتح الطريق أمام الماء والبكتيريا لتبدأ في إنتاج الطاقة. بعد أن تنفذ الطاقة أو تنتهي المهمة، تذوب البطارية بالكامل، ولا تترك خلفها أي مواد سامة أو بقايا، لأن كل مكوناتها تقريبًا قابلة للتحلل.

يشرح تشوي: "الإنجاز الأهم في بحثنا هو دمج الطاقة الحيوية المستندة إلى البروبيوتيك مع تصميم قابل للذوبان بالكامل. بطاريتنا هي الأولى التي تستخدم فقط مواد غذائية آمنة وبكتيريا غير ضارة في هيئة مدمجة وقابلة للذوبان بالكامل. الغشاء الحساس للحموضة يضيف طبقة من التحكم الذكي، مما يتيح تشغيل الجهاز فقط في بيئة حمضية مثل المعدة."

هذه التقنية تفتح الباب أمام استخدام البطارية في أجهزة طبية قابلة للبلع، مثل أجهزة قياس درجة الحموضة أو توصيل الأدوية الذكية، التي تعمل فقط بعد دخولها المعدة دون الحاجة لاستخراجها مرة أخرى.

يعلق تشوي: "بينما يستجيب غشاؤنا الحساس جيدًا لمستويات الحموضة في المعدة (1.5 إلى 3.5)، فإن التفاوت بين الأفراد قد يؤثر على الأداء. لذلك، نعمل على تطوير أغشية متعددة الطبقات أو مزج البوليمرات لتوفير تحلل متدرج وأكثر دقة. وفي التطبيقات البيئية، مثل مراقبة المياه الملوثة، قد نضيف محفزات مزدوجة مثل درجات الحموضة والحرارة لزيادة الانتقائية والموثوقية".

تحديات تواجه البطارية القابلة للذوبان

بحسب الباحثين، فالبطارية الجديدة ما زالت في مرحلة "إثبات المفهوم"، أي أن البطارية الحالية لا تزال تحتاج إلى تطوير قبل دخولها السوق. نحن أمام نموذج أولي من وحدة واحدة، في حين تحتاج التطبيقات الواقعية إلى بطاريات متعددة موصولة على التوالي أو التوازي لرفع الجهد والتيار.

يوضح تشوي: "نرى تطبيقات واعدة في التغليف الذكي للأغذية، حيث يمكن استخدام البطارية لتشغيل مؤشرات نضارة تتحلل مع العبوة. وكذلك في الأجهزة المستخدمة ميدانيًا في الجيش أو أثناء الكوارث، إذ قد يحتاج الجنود أو عمال الإغاثة إلى أجهزة تشخيصية قابلة للبلع ولا تحتاج إلى استرجاع".

إعلان

رغم هذه الإمكانيات الواعدة، فإن الفريق يقر بأن هناك تحديات أمام تعميم هذه التقنية، على رأسها زيادة كثافة الطاقة، وتمديد وقت التشغيل، وخفض تكاليف التصنيع، والحصول على الموافقات التنظيمية. ورغم اعتماد الباحثين على مواد آمنة بيئيًا، فإن مشروعهم لم يخل من بعض نقاط الضعف، مثل استخدام شمع البرافين في تصنيع البطارية، والذي لا يعد قابلاً للهضم.

ويعلق تشوي: "صحيح أننا استخدمنا شمع البرافين لما يتمتع به من سهولة التشكيل والاستقرار البنيوي، لكنه ليس قابلًا للهضم بشكل كامل. لذا، نبحث حاليًا عن بدائل مثل الكبسولات المصنوعة من الجيلاتين، أو الأغلفة متعددة السكريات، أو حتى أفلام الكيتوسان، التي توفر حماية ميكانيكية مماثلة وتذوب بأمان في البيئات المائية أو الحمضية".

تتجسد أهمية هذا الابتكار في قدرته على الجمع بين السلامة البيئية، والفعالية الحيوية، والتحكم الذكي. بطارية تُصنع من مواد غذائية، تعمل بالبكتيريا النافعة، وتتحلل تلقائيًا بعد أداء وظيفتها، وكأنها لم تكن. وربما بعد سنوات قليلة، عندما تبتلع جهازًا صغيرًا لقياس السكر أو تحليل مستوى الالتهاب في معدتك، لن تفكر كثيرًا فيما يحدث له بعد ذلك. فبفضل البكتيريا النافعة، سينهي مهمته، ويذوب في صمت.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات البکتیریا النافعة قابلة للذوبان

إقرأ أيضاً:

وطني، أم معادٍ للوطن؟!!هل تحتاج لإثبات وطنيتك؟

وطني، أم معادٍ للوطن؟!!هل تحتاج لإثبات وطنيتك؟

بقلم: د. #ذوقان_عبيدات

يقول علماء الجيولوجيا: إن الصخور، والجبال، وسائر الجمادات، تألَفَُ مكانَها، وتقاومُ بشدة أيَّ زحزحةٍ لها. فهي تحب “وطنها” أي مكانها! وقالوا: الحجر “بمطرحه قنطار، حتى الماء يرفض حين تحوّله عن مجراه قسرًا، وحين تجمعه في سدود! وقد يغضب ويفيض مدمّرًا
ويقول علماء النبات: إن النباتات تحب وطنها، وتألَفه، وتتأثر كثيرًا إذا نقلتها من موطنها إلى مكان آخر.؛ فشجرة الزيتون مثلًا تتوقف عن النمو إذا نقلتها من المزرعة لتُزيّن بها مدخل شرفتك!! ويلاحظ أن العنزة تهتم بوطنها وتنظفه، والدجاجة لا تنام إلّا في قُنّها!
وهكذا، لا يرفض “كائن” وطنه، بل يعشقه، ولا يحدث تبادل اتهام بينه وبين غيره على حب الوطن! فما بالك بالإنسان؟

(١)

مقالات ذات صلة كسر الإرادات بين ايران إسرائيل 2025/06/16

وهل الإنسان يحب وطنه؟

كأي كائن حي، أو جامد، فالإنسان يحب وطنه، ولا يتنازع الناس على حب الوطن، ولا يتبادلون التهم، في ذلك! ويقول علماء النفس: يلجأ الأفراد إلى حيَل سيكولوجية، كالتقمص، وردّ الفعل المعاكس، وإنكار الواقع، والادعاء، والتخيل لإثبات علاقتهم بالوطن! ولكن هذه تعدّ أساليب غير صحية في العلاقة بالوطن. فحب الوطن طبيعي وتلقائي! وما زاد عن حدّه
قد يكون غطاءً مغرضًا.
(٢)
هل نحن منقسمون؟

يقول علماء الاجتماع: إن المجتمعات التقليدية القديمة، تعاني من انقسام أفقي، فالناس نوعان: عرب، وغير عرب! وهما نوعان منفصلان: مسلمون، وغير مسلمين… إلخ. فالانقسام الأفقي حادّ، حيث تسوء العلاقات لدرجة الانفصال، و الاالتزام بالهوية الخاصة!
أما #المجتمعات الحديثة، فتنقسم عموديّا، حيث يحتوي كل عمود على مكوّنات العمود الثاني نفسه: أحزاب من مكوّنات متنوعة ، نوادٍ من جميع الفئات، …إلخ، ولا توجد هُوية
حاكمة لأفراد هذه الفئات؛ فقد ننتقل من حزب إلى حزب، أو من فريق إلى آخر! وهكذا تكون التفاعلات بين المنقسمين عموديّا عميقة بعكس تفاعل بين قومية، وأخرى، أو بين معتنق لدين، وغير مؤمن به!
فهل الموقف من الوطن يشكل انقسامًا أفقيّا حادّا، أم عموديّا؟
هل نختلف في الوطن، أم نختلف عليه؟ لماذا يصرّون على انقسام أفقي وهمي: محبو الوطن و”كارهوه” غير الموجودين!

(٣)

يحتكرون حبّ #الوطن!!

في الأردن، أو غير الأردن: ليس هناك اختلاف على حبّ الوطن!
فحبّ الوطن كما أسلفنا مُسلّمة عند جميع #الكائنات! فكيف بالإنسان؟
يقال: من حق الشاعر أن يتغنى بالوطن! ومن حق الفنان أن يرسم الوطن! لكن لم نسمع أيّا من المواطنين يحتكر حبّ الوطن! أو يسمي من لا يحبهم أعداء الوطن!
إذن؛ ما الذي يحدث في الأردن؟

(٤)

فِرَق الدفاع، وفِرَق الهجوم!

لا يتفاوت الأردنيون في حب وطنهم وجغرافيّته، واستقلالهم، ودستورهم، وتاريخ أجدادهم! ولا حاجة لهم بادّعاء ذلك! فمن يحب وطنه يبدي ذلك في سلوكه وعمله! وبعض الأقوال ربما كانت نفاقًا بهدف الكسب على حسابنا! يتقدمون بخطابٍ ظاهره وطني، وباطنه ذرائعي متكسّب!
ما الذي يدفع مواطنًا للإشادة الدائمة بوزير لم يفعل شيئًا، أو مدينة، أو مناسبة، أو حتى جامعة عادية، أو حزب مهندس، أو مدير لشركة وطنية توزع خيرات من دون حساب؟
كيف نقول: تشكل فريق للدفاع عن الوطن؟ وفريق للهجوم على أعداء الوطن؟ ذكّرني ذلك بهجوم
خارج خشبات المرمى؟

مَن هم أعداءُ #الوطن؟ ومَن شكل فريق سردية الوطن، وفريق دفاع الوطن؟ وفريق الهجوم على أعداء الوطن؟ من هو جمهور الوطن المشاغب الذي يحتاج إلى تأديب!
إذا كان الوطن فريقًا، فمن هم خصوم الوطن؟ وهل سيلعبون معه مباراة الكأس؟
لمن لا يعرف في الرياضة، مباراة الكأس، هي مباراة تنتهي بإقصاء الخصم!!
إن المسؤول حين يناقش مذيعًا، أو مذيعة أردنية يستطيع إسكاته
بسهولة! لكن حين يناقش مذيعًا في محطة خارجية، لا يجد لغة مناسبةً !
فهمت عليّ جنابك؟!!

مقالات مشابهة

  • سامسونج تواصل اختبار بطاريات جديدة رغم غياب التحديثات الواضحة بسلسلة Galaxy
  • «المرور» يحث على التأكد من عدم وجود مواد قابلة للتفاعل مع الحرارة بالمركبات
  • عاجل| مسؤول إسرائيلي: بطاريات ثاد الأميركية شاركت في عملية الاعتراض الأخيرة للصواريخ الإيرانية
  • رابطة علماء اليمن تنعي العلامة أحمد محمد الذماري
  • وطني، أم معادٍ للوطن؟!!هل تحتاج لإثبات وطنيتك؟
  • «لا بوبو المخيفة».. علماء النفس يكشفون سر هوس الأطفال بالدمية رغم «قبحها»
  • علماء من يبتكرون بطاريات “تتنفس” ثاني أكسيد الكربون… ثورة في عالم الطاقة النظيفة!
  • نجاح علماء روس في سد الفجوات في بنية الحمض النووي باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • علماء روس يتمكنون من سد الفجوات في بنية الحمض النووي باستخدام الذكاء الاصطناعي