قافلة الصمود.. من الترحيب الحافل إلى التوقف القسري والعودة إلى تونس
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
شهدت قافلة “الصمود”، التي انطلقت من تونس بهدف كسر الحصار عن قطاع غزة، رحلة مليئة بالمتغيرات المتسارعة، بدأت بترحيب شعبي حار في غرب ليبيا، لتواجه بعدها توقفا قسريا وتحديات جمة قرب سرت، قبل أن تقرر العودة إلى نقطة انطلاقها.
انطلاقة حافلة وترحيب شعبي دافئ
دخلت القافلة، التي ضمت أكثر من 1500 مشارك وعشرات الحافلات والسيارات، إلى ليبيا قادمة من الأراضي التونسية في 10 يونيو، محملة بالآمال والدعم لغزة، وفور وصول الفوج الأول إلى مدينة الزاوية لاقت القافلة استقبالا مميزا وحفاوة بالغة.
حيث وصف المنسق الطبي للقافلة، محمد أمين بالنور، الاستقبال بأنه “كان مميزا وخرج الناس إلى الشوارع لتحية القافلة بينما كان رجال الأمن الليبيون يؤدون لها تحية رسمية”.
كما قدم الليبيون للقافلة “كل المساعدات من أطعمة وماء بارد وغيرها”، وهو ما أكدته شهادات عديدة للمشاركين الذين وصفوا الاستقبال في مناطق الغرب الليبي بـ”أجمل المفاجآت” و”بلسم معنوي”.
التوقف القسري
وفي 13 يونيو، واجهت القافلة منعا من التقدم على مشارف سرت، لتعلن التخييم مؤقتا، حيث أفاد الناطق الرسمي باسمها وائل نوار، بأن سلطات شرق ليبيا لم تتخذ قرارا نهائيا بشأن مرور القافلة، وطلبت قوائم بأسماء المشاركين.
وخلال اجتماع جمع وفدا من حكومة حماد مع تنسيقية القافلة، برر وزير الخارجية منع القافلة من التقدم داخل الأراضي الليبية بالقول إن الوصول إلى معبر رفح يجب أن يتم عبر “الآليات الدبلوماسية”، مشيرا إلى بيان وزارة الخارجية المصرية الذي يطالب أعضاء مبادرة الصمود بتقديم طلبات رسمية عبر سفارات بلدانهم.
وذكر بيان صادر عن حكومة حماد أن أعضاء تنسيقية القافلة “عبروا عن تفهمهم” لهذه التوضيحات. كما أكدت الحكومة التزامها بتقديم الدعم الإنساني والطبي للقافلة طيلة وجودها على الأراضي الخاضعة لسيطرتها.
تناقض في الروايات
من جانبها، وصفت “تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين”، الجهة المنظمة للقافلة، الاجتماع مع حكومة حماد بأنه كان “متشنجًا ولم يخل من نبرات التهديد”، وفندت ادعاء حكومة حماد بأن أعضاء القافلة قد “عبروا عن تفهمهم” لهذه التوضيحات.
وعلى النقيض، اتهمت تنسيقية القافلة سلطات شرق ليبيا بفرض “عملية حصار ممنهجة وصلت إلى درجة التجويع” على المشاركين العالقين، واعتبرت أن تدهور الوضع الإنساني والأمني كان “محاولة للضغط على القافلة وقيادتها كي ترضخ للشروط غير المعقولة لسلطات شرق ليبيا، ونظيرتها المصرية”.
حصار ممنهج
تحولت ظروف مخيم قافلة الصمود خلال ساعات إلى “حصار ممنهج”، حيث أفاد الفريق الإعلامي للقافلة بأن المخيم يفتقر إلى أبسط المقومات الأساسية مثل الخيام الكبيرة ومياه الشرب ودورات المياه المتنقلة.
وأشار المكتب الإعلامي للقافلة إلى قطع متعمد للاتصالات والإنترنت في محيط نقطة التخييم، ومنع وصول الدعم اللوجستي والمساعدات الإنسانية التي كانت تحاول “قافلة فزعة” الليبية إيصالها.
اتهامات بالانتهاكات والاعتقالات
تصاعدت حدة الأزمة مع اتهام “تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين” سلطات شرق ليبيا بفرض “حصار تجويعي مشين”، ومنع وصول الغذاء والماء والدواء لقرابة 1500 مشارك. كما تحدثت القافلة عن استخدام القوة، وتقسيم القافلة إلى ثلاثة أجزاء معزولة، وملاحقة واعتقال عدد من المشاركين، بينهم مدونون.
وذكر وائل نوار تعرضه شخصيا للاعتداء بالضرب والسحل وسرقة أغراضه الشخصية، كما تحدث مشاركون عن تهديدات مباشرة بالسلاح واقتحام خيام النساء، وممارسات “لا أخلاقية” شملت التحرش ببعض المشاركات، انتهاء إلى اعتقال أكثر من 15 شخصا من أفراد القافلة، بينهم 11 ليبيا، قبل أن يتم الإفراج عنهم على دفعات بعد أيام من المفاوضات، آخرهم أمس الثلاثاء.
قرار العودة
أعلنت “تنسيقية العمل المشترك لأجل فلسطين” بعد هذه التحديات الجسيمة، عن تراجعها عن استكمال مسيرة القافلة باتجاه معبر رفح، مؤكدة في الوقت ذاته أن هذا القرار جاء لتفادي مزيد من الانتهاكات، وأن القافلة قد حققت أهدافها الإستراتيجية.
أوضح بيان التنسيقية أن القافلة، على الرغم من عدم وصولها جغرافياً إلى غزة، قد نجحت في “خوض معركة الإرادة” وتوسيع “هامش الفعل الشعبي” خارج المعادلات الرسمية، كما أكدت أنها نجحت في تحويل تونس إلى “قاعدة متقدمة لدعم المقاومة” بحسب بيان.
وبدأت القافلة منذ يومين رحلة العودة إلى تونس، ومن المتوقع أن تصل الحدود التونسية الليلة، حاملة معها تجربة معقدة تؤكد التحديات التي تواجه أي تحرك شعبي يسعى لكسر الحصار على غزة.
المصدر: ليبيا الأحرار.
رئيسيقافلة الصمود Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0المصدر: ليبيا الأحرار
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي يوهان يونيسيف يونيسف يونغ بويز يونسيف رئيسي قافلة الصمود
إقرأ أيضاً:
الإخفاء القسري.. الانتظار القاتل لأسر الضحايا في عدن
عدن- في منزل متواضع بمدينة عدن اليمنية، يتكئ الحزن على أحد جدرانه كأنه واحد من أفراد العائلة، حيث عاشت منى صالح، والدة الشاب محمد العلواني، الذي ابتلعته السجون السرية قبل 8 سنوات، لتستمر محاولاتها في البحث عنه حتى أنهكها الانتظار، فرحلت كمدا دون أن تعرف ما إذا كان حيّا يُرزق، أم مجرد رقم في مقبرة مجهولة.
على الكرسي الخشبي الذي اعتادت الأم الراحلة الجلوس عليه، وضعت أسرتها شهادة تقدير من رابطة أمهات المختطفين والمخفيين، تكريما لصبرها وصمودها، وإلى جانبها، علّقت لوحة كبيرة تضم صورتها مع ابنها المخفي، وقد كُتب عليها: "بصوت الأم المظلومة، أم محمد العلواني، المختطفون أمانة في أعناق كل من يملك سلطة في هذا الوطن".
محمد العلواني، شاب في الثلاثين من عمره، والابن الوحيد بين 4 شقيقات، كان المعيل الوحيد لأسرته، وفي صباح 24 فبراير/شباط 2017، غادر منزله متوجها إلى عمله الحكومي كالمعتاد، لكنه لم يعد منذ ذلك اليوم، واختفت آثاره، لتنطلق والدته في رحلة شاقة مع الألم والبحث، إلى أن أنهكها الغياب وفتك بها الانتظار.
وتقول آلاء شقيقة العلواني للجزيرة نت "كانت أمي تنهار في كل مرة تعود فيها بلا خبر عن شقيقي"، وتضيف بصوت متهدّج يخنقه الحنين "ظلت أمي تحمل صورته يوميا، تطرق أبواب السجون وتبكي، لكن لا أحد يجيب، وبقيت على ذلك حتى أكلها القلق، وأنهكها المرض، وماتت قهرا بعد 3 سنوات من اختطافه".
قصة العلواني واحدة من مآسٍ كثيرة تعيشها أسر المخفيين قسرا في عدن، حيث تصاعدت هذه الانتهاكات منذ 2016، بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، وانتشار السجون السرية التي ابتلعت مصير العشرات دون تهمة أو محاكمة.
تعاني زينة أحمد (60 عاما) في حي التواهي بعدن من المأساة ذاتها، إذ أمضت 9 سنوات وهي تعيش على أمل اللقاء، جالسة على أعتاب الانتظار، تترقب أي خبر عن ابنها عماد العبادي، الذي فُقد قسرا منذ 17 سبتمبر/أيلول 2016.
إعلانوفي منزل متهالك، ترتسم ملامح الإنهاك على وجه زينة المتعب، بين وطأة الحزن وقسوة الفقر تكابد معاناة مضاعفة بعد وفاة زوجها، لتتحمّل وحدها عبء إعالة 9 أفراد من أسرتها.
بجانبها تتدلى شهادة وفاة زوجها، وتحتها صندوق صغير يحتوي أدوية لأمراض القلب والضغط والسكري، التي تسللت إلى جسدها المنهك منذ لحظة اختفاء ابنها.
تضيف زينة للجزيرة نت "هذا كل ما تبقّى لي منه"، بينما تمسح دمعة تسللت من عينيها وهي تمسك بصورة باهتة لابنها "زوجي مات قبل أن يعرف مصير ابنه، وأنا أخشى أن ألحق به قبل أن أحتضن عماد من جديد".
تؤكد العائلة أن عماد، وهو شاب في الثلاثين من عمره، اختُطف من أمام منزله على يد عناصر من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، أثناء خروجه لشراء دواء لوالده المريض، ومنذ ذلك اليوم، لم يُعرف له أثر، ولم توجَّه إليه أي تهمة.
قصة منى وزينة ما هي إلا مجرد فصل من مأساة جماعية، تصف أروى فضل زوجة مختطف آخر، وناشطة في رابطة أمهات المخفيين بعدن، الإخفاء القسري بأنه "أبشع من الموت"، لأنه "يقتل الأرواح ببطء، ويترك العائلات بين الخوف والخذلان، وسط صمت رسمي خانق".
وتؤكد أروى، في حديثها للجزيرة نت، أن الرابطة وثّقت وفاة 6 أمهات و3 آباء من ذوي المختفين في عدن، دون أن يتمكنوا من معرفة مصير أبنائهم.
وتضيف "الكثير من الأمهات يعانين أمراضا مزمنة من شدة الحزن والقهر، فضلا عن الفقر بعد فقدان المعيل، والتجاهل الرسمي المستمر".
أروى، التي تبلغ من العمر 40 عاما، تقيم في حي كريتر منذ اختفاء زوجها عادل حداد، الذي اختطف عند نقطة تفتيش تابعة للحزام الأمني في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بسبب وجود "لاصق عاكس" على زجاج سيارته.
تقول أروى: "اختلقوا له شجارا واعتقلوه أمام الجميع، ومنذ ذلك التاريخ لم نره"، ثم تضيف بصوت خافت: "ترعرع أطفالي بلا والدهم، وأصغرهم توفي العام الماضي قبل أن يراه، لا أحد يمكنه تخيل مدى معاناة هذا الغياب القاتل".
تواجه تشكيلات أمنية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن اتهامات متكررة من منظمات حقوقية بإدارة سجون سرية في عدن ومحيطها، يُحتجز فيها مئات الأشخاص دون محاكمات، كما وثّقت تقارير أممية حالات تعذيب وسوء معاملة داخل هذه السجون، أدّت بعضها إلى الوفاة أو اختفاء المعتقلين إلى الأبد.
وتصف المحامية اليمنية هدى الصراري، رئيسة مؤسسة "دفاع للحقوق والحريات" والحائزة على جائزة مارتن إينالز الدولية لعام 2020، قضية الإخفاء القسري بأنها "من أكثر مآسي الحرب المنسية، وأحد أعقد الملفات الإنسانية في اليمن".
وتؤكد الصراري في حديثها للجزيرة نت أن تقارير موثقة تشير إلى وجود أكثر من 150 حالة مؤكدة لمخفيين قسرا في عدن وحدها منذ عام 2016، بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، ووقوع هذه الانتهاكات على يد تشكيلات أمنية تابعة له.
أما على مستوى اليمن، فتقول إن عدد ضحايا الإخفاء القسري تجاوز 1400 حالة، تورطت فيها أطراف عدة، من بينها جماعة الحوثي، وبعض التشكيلات الأمنية الحكومية، والقوات المدعومة خارجيا.
إعلانوتضيف الصراري: "الانتهاكات لم تتوقف عند الإخفاء القسري فقط، بل وُثّقت أيضا حالات تعذيب شديد، انتهى بعضها بالموت أو الإعدام خارج إطار القانون".
وتختم بالقول "كما تعرضت أسر كثيرة للابتزاز المالي مقابل وعود بالإفراج عن أبنائها، لكنها لم تجد سوى المزيد من الخذلان والوجع".