مصر في إعلان نيويورك: المخاطر والخيارات
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
انتهى المؤتمر الدولي بشأن تسوية قضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، الذي استضافته نيويورك برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا، إلى "إعلان نيويورك"، حيث اتفق المشاركون على اتخاذ إجراءات جماعية لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتحقيق تسوية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، استنادا إلى تنفيذ حل الدولتين، يتضمن نزع سلاح المقاومة، وبناء دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
وبرغم ما قدمه هذا الإعلان من تنازلات جمة في سبيل حلحلة الموقف الأمريكي والإسرائيلي، فإنّ الولايات المتحدة وإسرائيل قاطعتا المؤتمر، ووصفته الأولى بأنه "حيلة دعائية"، فيما اتهمته الثانية بأنه "مهادنة للإرهابيين والقوى المتطرفة". كما يُتوقع أن يواجه مسار تنفيذ الإعلان تحديات جسيمة قد تعرقل وصوله إلى هدفه بإعلان حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين.
من اللافت أن يحظى هذا الإعلان، بما فيه من تنازلات مهينة، بإجماع عربي نادر الحدوث، حيث أجمعت دول الجامعة العربية على إدانة ما حدث في السابع من أكتوبر، والمطالبة بنزع سلاح المقاومة، وتحييد حركة حماس عن السلطة والحوكمة في غزة، ودعم مسار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.
يأتي الإعلان بعد عامين من حرب الإبادة على غزة، وسياسة التجويع الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني، واستمرار حملات توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، واقتحامات المستوطنين المتكررة لباحات المسجد الأقصى، في ظل إصرار صهيوني على تنفيذ مخطط التهجير بدعم أمريكي، دون وجود أي إجراء عملي حقيقي لمنع التهجير.
إنّ الإجماع العربي على التماهي مع الرؤية الأوروبية ومخرجاتها في "إعلان نيويورك" يمثل خطأ استراتيجيا في مسار دعم القضية الفلسطينية، ليس فقط على مستوى خذلان الأشقاء الفلسطينيين والتفريط في ثوابت القضية، وإنما أيضا على مستوى معادلات الردع وتوازنات القوى داخل منطقة الشرق الأوسط بجناحيها الشرقي (الهلال الخصيب) والغربي (شمال أفريقيا).
فالكيان الصهيوني يحتل موقعا يتوسط العالمين العربي والإسلامي، قاطعا خطوط التواصل والتحالف بين جناحيه الشرقي والغربي. وفي أهمية هذه العلاقة، قال هنري كيسنجر: "لا يمكنك أن تخوض حربا في الشرق الأوسط دون مصر، ولا يمكنك أن تصنع سلاما دون سوريا". تُبرز هذه المقولة أهمية الدور المحوري للبلدين في أي معادلة إقليمية، سواء في الصراع أو في السلام.
على الجانب الشرقي، وتحديدا في سوريا، دمرت إسرائيل ما بين 70 إلى 80 في المئة من القدرات العسكرية السورية بعد سقوط الأسد، من خلال أكبر عملية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي، شاركت فيها 350 مقاتلة في مهاجمة المواقع السورية من دمشق إلى طرطوس، ما قوض قدرة سوريا على الردع إلى حد بعيد، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من صراع متعدد المستويات يعيق ولادة الدولة السورية الجديدة.
ومع تراجع القدرات الردعية لسوريا، على الجانب الشمالي الشرقي من فلسطين، يتركز منحنى التهديدات باتجاه القدرات المصرية على المحور الجنوبي الغربي لفلسطين المحتلة، مما يجعل مخاطر تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقاومة تتجه -بنسبة كبيرة إن لم يكن بشكل كامل– صوب الدولة المصرية.
لا تنبع هذه المخاطر من الجغرافيا السياسية المصرية فقط، بل تتشكل من جذور متعددة المستويات: سياسية، وجغرافية، وشعبية، وعسكرية، وتاريخية، ودينية أيضا. تركيز معادلات الردع والاستجابة بين الكيان الصهيوني ومصر فقط، يجعل من المواجهة أو التصعيد المتعدد الجبهات بينهما احتمالا واقعيا أكثر من أي وقت مضى.
في هذا السياق، أشار مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة السفير أسامة عبد الخالق، في شباط/ فبراير 2025، إلى أن "مصر تخشى حدوث خطأ عسكري إسرائيلي يجبرها على الرد"، وقد جاء ذلك ردا على تساؤلات أطلقها مندوب إسرائيل الدائم داني دانون، حول سبب تسليح مصر لجيشها بهذه الوتيرة، في ظل "غياب التهديدات المباشرة".
إنّ المخاطر التي تتهدد الدولة المصرية من تداعيات "إعلان نيويورك" أكبر بكثير من تلك التي تواجه أي دولة عربية أخرى، وهو ما يفرض على مصر بناء مقاربة شاملة تراعي محددات الأمن القومي المصري، وخصوصية الموقف المصري في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة.
لا شك أن الدولة المصرية تعاني اليوم من تراجع كبير في قُدراتها الذاتية، ونفوذها الإقليمي، ووزنها النسبي في السياسة الدولية، نتيجة سوء التقدير الاستراتيجي في ملفات حيوية، واستبداد النظام الحاكم، وانغلاق المجال السياسي، وانتشار الفساد بمعدلات غير مسبوقة، فضلا عن تراجع تماسك المجتمع تحت وطأة الأزمات الاقتصادية المتراكمة.
إن تراجع قدرات المقاومة الفلسطينية، وتحييد سوريا عن معادلة الردع، سيؤدي إلى تراكم المخاطر التي تهدد الأمن القومي المصري، مما يجعل المواجهة بين مصر والكيان الصهيوني محتملة في غضون خمس إلى عشر سنوات. لذلك؛ فإن حماية القضية الفلسطينية، وتعطيل مسار التهجير، ووقف الحرب، وإنهاء سياسة التجويع ضد الشعب الفلسطيني، تدخل ضمن صميم محددات الأمن القومي المصري.
في ظل هذه المخاطر، ومع انحسار القدرات الذاتية للدولة المصرية تتقلص خيارات الدولة في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية. فلا يمكن أن يقتصر الاستعداد لهذه اللحظة على شراء الأسلحة، أو تضخيم المخزون من السلع الاستراتيجية، أو تشديد القبضة الأمنية على الشعب وترسيخ الحكم على أساس معادلة أمنية تتجاهل حقوق المواطنين في العدالة والكرامة والأمن.
إن مواجهة التهديدات الإسرائيلية في المرحلة المقبلة لا يمكن أن تُدار بالأدوات التقليدية وحدها، ولا بالرهان على ردود الفعل أو المعادلات الأمنية الضيقة. إن أحد أنجع الخيارات، وربما الوحيد المتاح أمام الدولة المصرية، هو الشروع في إعادة بناء منظومة حكم رشيد تستند إلى احترام المواطنين، وتمكين الكفاءات، ومحاربة الفساد، واستعادة الثقة المجتمعية.
فتعزيز عناصر القوة الذاتية يبدأ من الداخل، من خلال تنمية مدنية وعسكرية مستقلة، لا ترتبط بالمشاريع المستوردة أو الأجندات الخارجية. بهذه المقاربة الشاملة وحدها، يمكن لمصر أن تعيد تموضعها الإقليمي وتحمي أمنها القومي من التهديدات المتزايدة، وتستعيد دورها التاريخي كضامن لتوازنات المنطقة، لا كمتلقٍ لنتائجها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء فلسطين الإسرائيلي مصر مخاطر مصر إسرائيل فلسطين مخاطر قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة المصریة إعلان نیویورک
إقرأ أيضاً:
قائد الجيش الإيراني: التهديدات الإسرائيلية قائمة و قدراتنا جاهزة
نقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية أمير حاتمي قوله، اليوم الأحد، إن التهديدات من إسرائيل لا تزال قائمة.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء الرسمية (إرنا) عن حاتمي قوله "يجب اعتبار التهديد بنسبة 1% تهديدا بنسبة 100%، يجب ألا نقلل من شأن العدو وألا نعتبر تهديداته منتهية".
وأضاف حاتمي أن قوة الصواريخ والطائرات المسيرة للجمهورية الإسلامية "لا تزال جاهزة للعمليات".
وشنت إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو/ حزيران ضربات على منشآت نووية إيرانية خلال حرب استمرت 12 يوما، وردت طهران على إسرائيل بعدة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وفي الشهر الماضي، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من أن بلاده ستضرب إيران مجددا إذا تعرضت للتهديد.