استشاري صحة نفسية: من وهم الشهرة إلى اضطراب الهوية.. تيك توك يعيد تشكيل وعي المراهقين
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
في الوقت الذي يتصدر فيه تطبيق “تيك توك” قوائم الأكثر تحميلًا واستخدامًا حول العالم، يتزايد القلق بشأن تأثيره على سلوكيات وقيم الشباب، خاصة مع ما يشهده من ظواهر مثيرة للجدل، من أجل جذب الانتباه والحصول على متابعين.
فبين الطمع في الثراء السريع، والرغبة في الشهرة والاستعراض، وجد بعض المراهقين ضالتهم في تطبيق لا يكتفي بعرض المقاطع، بل أصبح، بحسب متخصصين، بيئة خصبة لتغذية الاضطرابات النفسية، واستدراج الفئات الهشة عبر مكافآت وهمية ومحتوى سطحي.
في هذا السياق، يكشف الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، خفايا الظاهرة من زاوية نفسية واجتماعية، محذرًا من تداعياتها، ومفسرًا الدوافع الخفية وراء إقبال الشباب على المشاركة في مثل هذه “الجوائز”، رغم ما تحمله من مخاطر قانونية ونفسية وسلوكية.
وليد هندي: تيك توك حول المراهقين من طلاب علم إلى صائدي جوائز وهميقال الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، إن تصاعد ظاهرة البلوجرز والمكاسب السريعة التي يحققونها عبر السوشيال ميديا، خلقت حالة من الإحباط والارتباك النفسي لدى قطاع كبير من الشباب، خاصة ممن يبذلون مجهودًا في الدراسة ولا يجدون العائد المادي أو المجتمعي المنتظر.
وأكد هندي أن رسائل من نوع “الشهادة للحيطة” و”التعليم ملوش لازمة”، التي تنتشر على ألسنة البعض، تعكس تدهورًا خطيرًا في منظومة القيم المرتبطة بالتعليم والعمل، وتغذي مشاعر العجز واليأس، خصوصًا في ظل قصص لبلوجرز يحققون شهرة وأموالًا دون مؤهل أو جهد أكاديمي.
وأشار إلى أن قضية الطالبة “سوزي” التي حققت شهرة رغم حصولها على 50% في الثانوية العامة، مثال واضح على تشوه المفاهيم لدى البعض، موضحًا أن شبابًا كثيرين أصبحوا يرون أن الاجتهاد لا يُكافأ، في ظل مناخ مجتمعي يحتفي بالتريند السطحي أكثر من التميز الحقيقي.
وأضاف: “نحن بحاجة لفكر مستنير يواجه هذه المفاهيم الخاطئة، ويرسخ لدى الشباب أن الإنسان يقاس بقيمته الإنسانية والعلمية، لا بعدد المشاهدات أو المتابعين.”
وأوضح هندي أن الشهادة الأكاديمية والعمل النظامي يمثلان استثمارًا طويل الأجل، قائلاً: “قد يقضي الإنسان سنوات في الحصول على الدكتوراه، لكنها تثمر احترامًا اجتماعيًا، واستقرارًا نفسيًا، وتأمينًا صحيًا ومعيشيًا لا يمكن مقارنته بمكاسب البلوجرز المؤقتة.”
ولفت إلى أن العمل النظامي يوفر للشخص احترامًا ذاتيًا ومجتمعيًا، ويساعده في تربية أبنائه على الكفاءة والانضباط، مضيفًا: “الوظيفة والشهادة هما ما يمنحان الأب أو الأم صورة إيجابية داخل الأسرة، ويجنبان الأبناء الانحراف بسبب غياب القدوة.”
وتابع: “البلوجر اليوم نجم تريند، وغدًا لا أحد يتذكره، التريند لا يصنع استقرارًا، ولا يبنى عليه مستقبل، والدليل أن كثيرًا من الوجوه المعروفة اختفت سريعًا، وبعضهم تضرر نفسيًا واجتماعيًا حين خرج من المشهد.”
وأكد أن مهنة البلوجرز لا تخضع لأي رقابة مهنية أو أخلاقية، موضحًا: “بخلاف الوظائف الرسمية، التي تخضع لقوانين ومساءلة ومظلة تأمينية، فإن البلوجر يفتقر لأي حماية حقيقية، وقد يتعرض لعقوبات قاسية بسبب زلة أو خطأ غير مقصود.”
وأضاف: “رأينا نماذج كثيرة لبلوجرز سقطوا في فخ الشهرة السريعة، وواجهوا السجن أو التنمر المجتمعي أو حتى الانهيار النفسي.”
وشدد على أن الظروف الصحية والسن أعداء طبيعيون لمهنة البلوجر، موضحًا أن البعض يلجأ لسلوكيات لا تليق بأعمارهم أو هيئاتهم لمجرد جذب الانتباه، قائلاً:“رأينا سيدات فوق الخمسين يصورن فيديوهات لا تليق، فقط لإبقاء المشاهدات مرتفعة، في مشهد مؤلم للكرامة والاحترام.”
وحذر هندي من أن المبالغة في الانجراف وراء “المكسب السريع” يزرع قيماً مادية سطحية في الأجيال الجديدة، تقوض احترامهم للتعليم والعمل.
وأوضح أن البلوجر لا يملك أفقًا حقيقيًا للسفر أو الحراك الاجتماعي، على عكس صاحب الشهادة، الذي يمكنه التقدم لوظائف محلية ودولية، ويملك “مسارًا مهنيًا مستقرًا”.
وتابع قائلاً “المستقبل الحقيقي لمن يعمل بجد ويبني نفسه علميًا ومهنيًا، الترند يرحل، أما التعليم والعمل فهما الباقيان، وهما الضمان الحقيقي لاحترام النفس والمجتمع.”
د. وليد هندي: التطبيق يستدرج الشباب بالجوائز.. ويغذي الطمع وحب الاستعراض والانقياد السهل
قال استشاري الصحة النفسية، إن تطبيق “تيك توك” أصبح واحدًا من أكثر التطبيقات تحميلًا واستخدامًا على مستوى العالم، مشيرًا إلى أنه يحظى بنحو 1.5 مليار مستخدم، منهم 190 مليون مستخدم شهريًا في الهند وحدها، ونحو 7.2 مليون شاب يستخدمونه شهريًا في مصر، أغلبهم من الفئة العمرية بين 13 إلى 17 سنة.
وأكد هندي أن الفئات العمرية الصغيرة هي الأكثر عرضة للغواية والاستدراج، لا سيما في ظل غياب الرقابة الوالدية أو وجود مشكلات داخل الأسرة مثل الانفصال أو الخلافات الزوجية، مضيفًا:"الشباب في هذه المرحلة يكونون سريعي الانقياد، ويبحثون عن إثبات الذات والمكانة بأي طريقة".
وأشار إلى أن بعض المستخدمين بدأوا ينجذبون لما يسمى بـ”جوائز تيك توك” باعتبارها وسيلة للربح السريع، قائلًا:"ما يدفع البعض لشراء الجوائز هو الطمع وحب الثراء السريع دون جهد، بجانب الكسل والاعتماد على الغير".
وأضاف هندي:"نحن نتحدث عن شخصيات اتكالية، تبحث عن المكاسب دون سعي حقيقي، وتغريها المغامرة والربح اللحظي، وهو ما يجعلهم عرضة لخداع الجوائز الوهمية".
وأوضح استشاري الصحة النفسية أن البعض ممن يقبلون على هذا النوع من الممارسات يعانون من اضطرابات نفسية، أو فقدان الشعور بالأمان النفسي، مشيرًا إلى أن اللجوء إلى الجوائز المالية السريعة أحيانًا يكون محاولة لتعويض هذا القصور الداخلي.
ولفت إلى أن الطموح المفرط أحيانًا، أو التعلق بمبدأ اللذة واللجوء إلى الاستعراض أمام الآخرين، من أبرز المحفزات التي تدفع الشباب نحو الإنفاق في مثل هذه التطبيقات، قائلًا:"بعض الشخصيات تعلي من قيمة الاستعراض، فيشتري جوائز ويشاركها مع أصدقائه ليثبت أنه قادر على الإنفاق والربح".
وأشار إلى أن نمط الحياة الاستهلاكي المنتشر حاليًا يسهم في تغذية هذا السلوك، قائلاً:"كل شيء أصبح يقاس بالمال.. فصار البعض مستعدًا للحصول عليه بأي طريقة، حتى لو من خلال جوائز وهمية".
كما نبه إلى تأثير المحتوى الثقافي والإعلامي على تشكيل وعي هذه الفئة، مشيرًا إلى أن بعض الشباب تربى على ثقافة “الفهلوة” والحلول الغيبية.
وأضاف: “نحن أمام شخصيات تملك خيالاً خصبًا، تقضي ساعات في تصور مشهد ما بعد الربح، مما يدفعها بقوة لخوض التجربة”.
واختتم هندي تصريحاته بالتحذير من خطورة ما وصفه بـ"وباء تيك توك"، قائلاً: “هذا التطبيق ما زال يجود بأفكار جديدة من أجل استدراج اصطياد مزيد من الشباب، ويجب أن ننتبه جميعًا إلى الأثر النفسي والاجتماعي والاقتصادي لهذا النوع من المحتوى”.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: تطبيق تيك توك تيك توك الصحة النفسية المراهقين استشاری الصحة النفسیة ولید هندی تیک توک إلى أن
إقرأ أيضاً:
خصوصية البسطاء ترف الهامش
يسعى الإنسان لدوائر الضوء جاهدا ليقين استحقاقه -عبر إنجازاته- بلوغ تلك الدوائر ومشاركتها في وسائل عديدة، وهي ظاهرة ليست طارئة ولا مستحدثة، لكنها نتيجة طبيعية لسعي المرء للتميز في مجاله عبر منابر جماعية وضعت تقديرا للتفوق والإبداع في مجالات عدة، ولمثل ذلك عرفت الحضارات المختلفة منابر الشعراء والأدباء والسياسيين وشيوخ الدين وحتى الأمراء والحكام الذين لم يكونوا أصلا بعيدين عن تلك المنابر ودوائر الضوء، لكن لتلك المنابر وتلك الأضواء ضريبة مرتبطة بوضع الإنسان المنبري (ساكن الضوء) محط أنظار العامة، ضريبتها التلصص على أخباره، تفاصيل يومه، علاقاته، وحتى أدق خصوصياته حول المأكل والمشرب والملبس، الهوايات والمشاعر والأحاسيس، طريقة المشي وأماكن التجول، وطالما كان الملوك والأمراء وأصحاب المناصب عرضة لهذه الهجمات من انتهاك الخصوصية مجتمعيا، سواء كان منطلق ذلك الانتهاك محبة أو فضولا أو حسدا مورثا استهدافا ممنهجا وعدائية مضمرة لا لشيء إلا لعبور أو تصدر دوائر الضوء ومنابر المجتمع، ورغم كل منظري وباحثي علم النفس والاجتماع واجتهاد القانونيين عالميا لحماية خصوصية الأفراد مهما كانت صفتهم إلا أنها ظاهرة تتسع وتتفشى حتى يصعب معها التفريق بين انتهاك الخصوصية ومتابعة الشخصيات العامة، ولعل أغرب المقولات في هذا السياق «أنت شخصية عامة، صرت ملكا للجميع» ولا عجب من تخيل ندم بعضهم على التحول لشخصيات عامة، وتمني ترف الهامش مع خصوصية البسطاء بعيدا عن تحول كل تفاصيل حياته إلى ملك مشاع وأحاديث عامة ومشاركة في قرارات حياتية لها تأثير بعيد أو توجيه مباشر.
وتأتي وسائل التواصل الاجتماعي مع طفرة تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتأتي على ما تبقى من إمكانية حماية الخصوصيات، كيف يمكن اليوم حتى لأفراد من العامة تصوير كل يومياتهم ومشاركة خصوصياتهم سعيا للتحول لشخصيات عامة، سواء كان ذلك السعي للتكسب المادي أو لبلوغ منزلة اجتماعية عامة؟! في حين يتمنى البعض القدرة على التقنع والتخفي هربا بخصوصياته من فضول العامة، كثيرا ما يمارس المجتمع حينها أو بعدها صنوفا من القسوة الاجتماعية والنفسية مهاجمة لخصوصية الشخصيات العامة دون أدنى احترام لذات تلك الشخصيات وارتباطاتها العائلية وتأثيرها النفسي والاجتماعي على دوائرهم الخاصة، في مثال قريب على كل ذلك تتناول هذه المقالة شخصية «فيروز» مطربة عربية قدمت فنها بسخاء لعقود من الزمن عرفها خلالها العرب عموما وحتى غير العرب (حتى زارها الرئيس الفرنسي في بيتها عام 2020 مقررا تكريم ما قدمت من فن) أيقونة للأرض والغربة والحنين، صوتا للحواريات الغنائية معبرة عن واقع الأرياف والقرى ومكامن الذات في علاقتها بالآخر عاطفيا واجتماعيا وحتى سياسيا أحيانا، منحت صوتها بسخاء للجميع ثم اختارت بعدها العزلة أيا كانت أسبابها، خلال العزلة عانت فيروز قسوة «التهميش» حدّ أن بعضهم اعتبرها ميتة! وهنا معنى آخر لتأثير دوائر الضوء والحضور المجتمعي على المرء، إذ يعاني حال التهميش المفاجئ والإقصاء المباغت بعد كل كثافة الحضور وانعكاسات الضوء، فيروز التي ظهرت مؤخرا لوقت محدد خلال جنازة ابنها؛ فلذة كبدها، ليهمل البعض من جمهورها حتى الحدث الرئيس وهو الفقد، وفاة ابن لأم مكلومة بفقد وليدها ليتساءلوا بكل قسوة: كيف مات ابنها وما زالت حية؟! لماذا كانت هادئة؟! مغزى كل التفاتة أو سكنة؟! حتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك متسائلا عن سر صفاء بشرتها وهي في التسعين من عمرها؟!
قلة هم أولئك الذين أخذهم التعاطف للتفكير في مكامن صمت هذه الأم المكلومة، المطربة الأيقونة التي تكرّست مكانتها بمرور الزمن، التسعينية التي عايشت مآسي لبنان تباعا، على امتداد ما يقارب القرن، فتقاطعت مآسي وطنها مع مآسيها الشخصية، من الحرب الأهلية، إلى رعايتها لابنها هلي (من ذوي الاحتياجات الخاصة) الذي قال لها الأطباء إنه لن يبلغ الثامنة، لكنه عاش ليتجاوز الستين في كنفها، رحيل زوجها عاصي الرحباني عام 1986، ثم وفاة ابنتها ليال عام 1988. ثم وفاة ابنها زياد بعد معاناة مع مرض تليف الكبد وقد بلغ السبعين من عمره، زياد الذي رافقها لا في الحياة وحسب، بل في رحلة الفن أعمالا ستبقى حتى بعد رحيله أو رحيلها، تبقى فيروز اليوم مع ابنتها ريما في زاوية من الحياة يطلبان الهدوء، تماما كما حاولت ريما خلال ساعات العزاء القليلة حماية مساحة والدتها من الفضول وقسوة المحبة في سياق لا يتجلى فيه إلا الأسى والسكينة.
ختاما، نعيش متناقضات عجيبة حين يسعى بعضنا للشهرة سعى البعض الآخر للعزلة والتخفي، وقد لا يدرك أحدنا حقيقة ما يملك ما لم يفقده، تحاول هذه المقالة التأكيد على ترف الهامش في حياة البسطاء بحماية الخصوصية من الانتهاك والتبذل، حماية روحك وعلاقاتك الخاصة من قسوة تدخل مدعي المحبة وشركاء المصالح، مع ضرورة الفصل بين دائرة الضوء المؤقتة المشاع للجميع والدوائر الشخصية والأسرية الخاصة بعيدا عن أعين الفضوليين وكاميرات المشاهير وتطبيقات التواصل الاجتماعي، ضرورة الخصوصية قبل الشهرة والإنسانية قبل الجماهيرية.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية