لجريدة عمان:
2025-08-04@20:48:58 GMT

تمويل المناخ العادل يستلزم إصلاح الديون

تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT

عندما اجتمعت الوفود من مختلف أنحاء العالم في بون، ألمانيا، الشهر الماضي للمشاركة في الدورة الثانية والستين لهيئات الأمم المتحدة الفرعية المعنية بتغير المناخ (SB62)، كان شبح الديون السيادية يلوح ضخما في الأفق. في البلدان الأفريقية، على وجه الخصوص، لم تعد الديون مشكلة تتكشف بالتوازي مع الصدمات المناخية المتصاعدة والعجز الإنمائي المتزايد، بل أصبحت العقبة الرئيسية التي تحول دون تنفيذ الاستجابات الفعالة للأزمات.

إن إصلاح الديون وتمويل المناخ وجهان لعملة واحدة.

وفقا لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، بلغت ديون البلدان الأفريقية الخارجية 655 مليار دولار أمريكي، وتضاعفت مدفوعات خدمة الدين منذ عام 2010 إلى أكثر من ثلاثة أمثالها، مدفوعة بارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملة. وفي هذا العام، ستبلغ فاتورة خدمة ديون القارة في مجموعها 79 مليار دولار أميركي. في عام 2023، تجاوز إنفاق 34 دولة أفريقية على خدمة الديون مجموع إنفاقها على الصحة أو التعليم، ناهيك عن الإغاثة من الكوارث أو البنية الأساسية الخضراء. يشكل إلغاء الديون بشكل شامل شرطا أساسيا لإحراز أي تقدم في التنمية المستدامة. لكن هذا ليس سوى البداية.

ذلك أن الهيكل المالي العالمي، الذي شكلته ديناميكيات القوة الاستعمارية، مصمم عمليا لترسيخ التفاوت. فعند إصدار قروض للاقتصادات النامية، تفرض مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي غالبا شروطا تقيد الحيز المالي المتاح لهذه البلدان وترسخ التقشف في السياسة المحلية. وبالتالي، تأتي الإغاثة في الأمد القريب مصحوبة بأغلال بعيدة الأمد.

يعتقد كثيرون أن حشد الاستثمارات الخاصة هو السبيل إلى سد فجوة تمويل العمل المناخي. وتأتي «إزالة مخاطر» تمويل العمل المناخي واجتذاب رؤوس الأموال الخاصة بالاستعانة بأدوات مثل السندات الخضراء والتمويل المختلط بين أولى أولويات مجموعة العشرين. على نحو مماثل، يؤكد القرار بشأن الهدف الكمي الجماعي الجديد بشأن تمويل المناخ، الذي اتُّـخِذ في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في باكو العام الماضي، على أهمية مشاركة القطاع الخاص.

وقد كررت جنوب أفريقيا، التي تولت رئاسة مجموعة العشرين في ديسمبر 2024، هذا النهج. على سبيل المثال، في اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين في فبراير، دعا رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا القطاع الخاص، بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية، إلى تنفيذ «آليات تمويل وتأمين مبتكرة» الهدف منها زيادة التمويل للوقاية من الكوارث وإعادة البناء بعد الكوارث.

لكن القطاع الخاص كافح طويلا للمشاركة بفعالية في المفاوضات بشأن المناخ أو تحديد المشاريع القابلة للتطبيق التي تخدم أهداف المناخ والتنمية والأهداف التجارية في آن واحد.

ولأن مشاريع البنية الأساسية اللازمة لتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ تنضج على مدار فترة تتراوح بين عشرين وثلاثين عاما، تحتاج البلدان إلى القدرة على الوصول إلى التمويل الطويل الأجل على نحو يمكنها التعويل عليه.

لكن أسواق الائتمان تعمل على آفاق زمنية تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، وهذا يعني أن المقترضين تنتهي بهم الحال غالبا إلى التدافع للحصول على مزيد من رأس المال، وقد تكون هذه الحال عامرة بانعدام اليقين ومكلفة.

وفقا لحملة ONE، بلغ متوسط سعر الفائدة على السندات للبلدان الأفريقية في عام 2021 نسبة 5.78%، مقارنة بنحوـ 1.14% على القروض من البنك الدولي. سوف تدفع هذه البلدان 56 مليار دولار في هيئة فوائد إضافية على مدار عمر القروض المتعاقد عليها في الفترة 2017-2021، مقارنة بما كانت لتدفعه لو اقترضت بأسعار فائدة البنك الدولي. الواقع أن نموذج «التمويل المختلط» هذا الذي يحظى بقدر كبير من الدعاية والترويج لا يحل هذه المشكلة، لأنه غالبا ما يجمع بين الأموال العامة والخاصة بطرق تجعل البلدان معرضة لمخاطر أسواق الائتمان.

تكمن المشكلة الحقيقية في تحيز التمويل الخاص بنيويا ضد بلدان الجنوب، ويرجع هذا جزئيا إلى عيوب جوهرية في تقييمات المخاطر السيادية. وإذا كان للقطاع الخاص أن يساعد في سد فجوة تمويل العمل المناخي دون أن يوقع البلدان النامية في دورات من السداد والتبعية، فيتعين علينا أولا أن نعكف على حل أوجه عدم تناسق المعلومات التي تمكن وكالات التصنيف الائتماني والمؤسسات الاستثمارية من تعريف «المخاطر» بطرق تعاقب الاقتصادات النامية.

وينبغي لرامافوزا ــ الذي أعرب عن دعمه لإصلاح أنظمة التصنيف الائتماني العالمية ــ أن يساعد في قيادة هذه العملية. ولكن في الوقت ذاته، يجب أن ندرك حدود رأس المال الخاص، خاصة عندما يتعلق الأمر بتمويل التكيف والخسائر والأضرار. ولا بديل عن التوسع بدرجة كبيرة في الـمِـنَح والتمويل العام. تقع مسؤولية معالجة التحيزات في النظام المالي العالمي على عاتق المجتمع الدولي بأسره ــ وبشكل خاص الاقتصادات المتقدمة التي تخفض الآن ميزانياتها المخصصة للمساعدات في مجال العمل المناخي.

ومع ذلك، يتعين على البلدان الأفريقية أن تتحمل قدرا أعظم من المسؤولية عن قيادة التغيير. في كثير من الأحيان، فشلت أفريقيا في اتخاذ نهج موحد في التعامل مع القضايا العالمية وتعظيم قدرتها التفاوضية الجماعية.

من ناحية أخرى، تسعى بلدان أفريقية عديدة إلى إبرام صفقات ديون ثنائية بمعزل عن بعضها بعضا، بينما تتورط بلدان أخرى في عمليات إعادة هيكلة مبهمة ومطولة مثل إطار مجموعة العشرين المشترك لمعاملات الديون. المطلوب الآن أن تعكف البلدان الأفريقية على بناء الإجماع حول أجندة مشتركة تربط بين مؤتمر الأطراف الثلاثين ومجموعة العشرين.

ويجب أن تشمل الأولويات الإلغاء الشامل لديون البلدان المعرضة للتأثيرات المترتبة على تغير المناخ؛ وإصلاح أنظمة التصنيف الائتماني وهياكل التكاليف الرأسمالية التي تعاقب الاقتصادات الأفريقية بصورة غير عادلة؛ وزيادة استخدام الأدوات غير المرتبطة بالديون مثل الـمِـنَـح لتمويل العمل المناخي. من الأهمية بمكان أن يُـطرَح على الطاولة أيضا نظام ضريبي عالمي قادر على استخدام الإيرادات لتمويل القدرة على التكيف في الاقتصادات النامية. ينبغي لهذه الجهود أن تستند إلى المبادرات والمقترحات القائمة، مثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المقترحة بشأن الديون السيادية، والتي من شأنها أن تقدم نهجا جديرا بالثقة، وتعاونيا، وقائما على الحقوق لإصلاح الديون.

وسوف تشكل قمة المناخ الأفريقية التي ستنعقد في أديس أبابا في سبتمبرمن هذا العام لحظة مهمة لترسيخ التقدم والتحدث بصوت موحد قبل انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين. إلى جانب جنوب أفريقيا، ينبغي للاتحاد الأفريقي ــ الذي أصبح الآن عضوا دائما في مجموعة العشرين ــ أن يضطلع بدور رائد في هذه العملية، وأن يوجه المناقشات العالمية نحو إنشاء نظام مالي يعكس حقائق اليوم المتعددة الأقطاب، وليس الديناميكيات الاستعمارية التي كانت سائدة في الماضي. هذه مسألة عدالة وليست صَدَقة.

ومع وجود الاقتصادات النامية على خطوط أزمة المناخ الأمامية، من غير الممكن أن يكون الموقف أشد إلحاحا مما أصبح عليه الآن.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تمویل العمل المناخی البلدان الأفریقیة مجموعة العشرین

إقرأ أيضاً:

المالية العراقية تطلق تمويل رواتب المتقاعدين وتوضح سبب التأخير

المالية العراقية تطلق تمويل رواتب المتقاعدين وتوضح سبب التأخير

مقالات مشابهة

  • الأهلي يتحرك بعد اتفاق الزمالك مع اتحاد الكرة على جدولة الديون
  • المالية العراقية تطلق تمويل رواتب المتقاعدين وتوضح سبب التأخير
  • رئيس كوردستان يثمن جهود مؤسسة بارزاني الخيرية في ذكرى تأسيسها العشرين
  • تصاميم ذكية لمواجهة تحديات المناخ في الجامعة الكندية
  • دعاء السحر لقضاء الديون الكثيرة .. 24 كلمة قبل الفجر وبعده
  • أمريكا.. القبض على رجل بتهمة تمويل تنظيم داعش
  • اليابان تسجل أعلى درجة حرارة منذ العام 1898 في يوليو
  • محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال إصلاح خط الغاز الطبيعي .. صور
  • دعاء اليوم 8 صفر للرزق وقضاء الديون.. يارب بحق من حقه عظيم