سيناريوهات الرد الإيراني على ضربة أمريكية: استهداف القواعد وإغلاق الخليج
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
د. حامد محمود
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بمركز العرب للدراسات الاستراتيجية د. حامد محمود مع تزايد الحشود العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وإعلان القوات الأمريكية أنها في حالة تأهب قصوى في قواعدها بجميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الإمارات والأردن والسعودية، بالإضافة إلى ترحيل أسر الموظفين والجنود الأمريكيين من الخليج، وبدء مغادرة الأمريكيين المقيمين في إسرائيل، وسحب بعض القطع العسكرية الحساسة من قطر والبحرين، يتداعى التساؤل حول أسباب تصاعد المخاوف من اندلاع حرب أوسع نطاقًا، وما طبيعة السيناريوهات المطروحة حال تعرض إيران لضربة أمريكية محتملة، ولا سيّما منشأة “فوردو” النووية التي يُجرى فيها التخصيب العالي لليورانيوم.
الحشد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط
أرسلت الولايات المتحدة نحو 30 طائرة للتزود بالوقود إلى أوروبا، يمكن استخدامها لمساندة الطائرات المقاتلة التي تحمي القواعد الأمريكية، أو لتوسيع مدى القاذفات المشاركة في أي ضربة محتملة على المنشآت النووية الإيرانية. وترافق ذلك مع قلق متزايد بين المسؤولين الأمريكيين من احتمال اندلاع حرب أوسع، في ظل ضغط إسرائيلي على البيت الأبيض للتدخل في الصراع مع إيران.
كما عززت الولايات المتحدة من وجودها العسكري بإعادة نشر طائراتها وسفنها الحربية في الشرق الأوسط وحوله، في خطوة تهدف إلى حماية إسرائيل من الهجمات الإيرانية.
ورغم أن الجيش الأمريكي لم ينفذ أي عمليات هجومية ضد إيران حتى الآن، فقد اقتصر على توجيه ضربات دفاعية لاعتراض الصواريخ الإيرانية التي تستهدف إسرائيل.
وذكرت مجموعة “أورورا إنتل”، المتخصصة في مراقبة المعلومات المفتوحة في الشرق الأوسط، في تقرير لها، أن سلاح الجو الأمريكي نشر طائرات للتزود بالوقود ومقاتلات في مواقع استراتيجية بأوروبا، تشمل بريطانيا، إسبانيا، ألمانيا، واليونان، استنادًا إلى بيانات من مواقع تتبع الطائرات.
كما تجري المقاتلات الأمريكية دوريات في أجواء الشرق الأوسط لحماية الأفراد والمنشآت، في وقت تم فيه رفع مستوى التأهب في القواعد العسكرية، واتخاذ إجراءات أمنية إضافية.
وشملت خطة إعادة تموضع القوات الأمريكية في المنطقة حاملات الطائرات “يو إس إس ذا سوليفانز” و”يو إس إس أرلي بيرك”، واللتين شاركتا في التصدي للضربات الصاروخية الإيرانية ضد إسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وقد انضمت السفينة “يو إس إس توماس هادنر” هذا الأسبوع إلى “ذا سوليفانز” في شرق البحر الأبيض المتوسط لمواصلة الضربات الدفاعية، بينما غادرت “أرلي بيرك” المنطقة. وتوجد حاليًا حاملة الطائرات “يو إس إس كارل فنسون” في بحر العرب، ترافقها أربع سفن حربية ضمن مجموعتها القتالية. ورغم أنها لا تشارك في العمليات الدفاعية عن إسرائيل، إلا أنها متمركزة لتوفير الحماية للقوات والقواعد الأمريكية في محيط خليج عُمان والخليج العربي.
وتشير التقارير إلى أنه من المتوقع أن تحل حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز” محل “كارل فنسون”، وهي تبحر حاليًا من منطقة المحيطين الهندي والهادئ باتجاه الشرق الأوسط.
كما تنتشر مدمرات أمريكية في البحر الأحمر، وأخرى متمركزة في غرب البحر الأبيض المتوسط، وتشارك في مناورات بحر البلطيق.
ولا توجد حاليًا أي قاذفات “B-2” في الشرق الأوسط، لكن قاذفات “B-52” متمركزة في قاعدة “دييغو غارسيا”، وهي قادرة على إطلاق ذخائر ذات أحجام أصغر. أما في حال تقرر استخدام “B-2”، فستلزمها رحلة ذهاب وإياب تستغرق 30 ساعة من قاعدة “وايتمان” الجوية في ولاية ميزوري، مع الحاجة للتزود بالوقود عدة مرات خلال الطريق.
⸻
سيناريوهات الرد الإيراني على ضربة عسكرية أمريكية
استهداف القواعد الأمريكية – ضرب حقول النفط – إغلاق مضيق هرمز
لن تحتاج إيران إلى تحضيرات كبيرة لمهاجمة القواعد الأمريكية في المنطقة، إذ يمتلك الجيش الإيراني قواعد صاروخية تقع ضمن نطاق استهداف سهل يشمل البحرين وقطر والإمارات.
وهكذا، تقف منطقة الشرق الأوسط أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة للرد الإيراني على الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية المحتملة.
⸻
السيناريو الأول: ضرب القواعد الأمريكية وإسرائيل بالصواريخ
إيران تمتلك آلاف الصواريخ متوسطة المدى القادرة على الوصول إلى القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة، بما في ذلك مواقع في العراق وقاعدة العديد الجوية في قطر.
في عام 2020، استهدفت إيران قواعد جوية في العراق تستضيف قوات أمريكية ردًا على مقتل الجنرال قاسم سليماني في غارة أمريكية بطائرة مسيرة. ورغم عدم وقوع قتلى بين الأمريكيين، فقد تم إخلاء القاعدة في الوقت المناسب بعد تلقي تحذيرات.
أي هجوم جديد قد يستهدف عدة قواعد في وقت متزامن، ويشمل مشاركة وكلاء إيرانيين في العراق واليمن، مما يصعّب مهمة اعتراض الصواريخ.
⸻
السيناريو الثاني: مهاجمة حقول النفط في المنطقة
ينتج الشرق الأوسط نحو 30% من إمدادات النفط العالمية، خصوصًا في السعودية والإمارات والكويت.
في عام 2019، أدى هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ على منشأة نفطية سعودية، قيل إنه تم برعاية إيران، إلى خفض الإنتاج السعودي للنصف مؤقتًا، مما تسبب بتوقف نحو 5% من إمدادات النفط العالمية.
ورغم حدوث تقارب لاحق بين السعودية وإيران، فإن طهران لم تستبعد استهداف منشآت نفطية إقليمية حال تعرض مواقعها النووية لهجوم.
ويكمن التحدي أمام إسرائيل والولايات المتحدة في تدمير أكبر عدد ممكن من بطاريات الصواريخ الإيرانية في الموجة الأولى، للحد من حجم الرد.
⸻
السيناريو الثالث: إغلاق الملاحة في الخليج العربي
الخليج العربي هو ممر رئيسي لشحنات النفط، إذ تمر عبره نحو 30% من الإمدادات العالمية.
وقد يؤدي أي تصعيد عسكري إلى توقف حركة الشحن البحري، وقد نصحت “وكالة التجارة البحرية في المملكة المتحدة” السفن بالإبحار بحذر في المنطقة.
⸻
في التحليل النهائي:
إذا انضمت الولايات المتحدة إلى الحملة الإسرائيلية وهاجمت منشأة “فوردو” النووية الإيرانية، فمن شبه المؤكد أن الحوثيين سيستأنفون قصف السفن في البحر الأحمر.
كما ستسعى الجماعات الموالية لإيران في العراق وسوريا إلى استهداف القواعد الأمريكية هناك.
وفي حال وقوع هجوم، قد تبدأ إيران بزرع ألغام بحرية في مضيق هرمز، في محاولة لإبطاء حركة السفن الحربية الأمريكية.
كما أن إيران أعدّت صواريخ ومعدات عسكرية أخرى لاستهداف قواعد أمريكية في الشرق الأوسط، خاصة تلك الواقعة في الدول العربية التي تشارك في أي هجوم عليها.
المصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: القواعد الأمریکیة فی الشرق الأوسط الأمریکیة فی أمریکیة فی فی المنطقة فی العراق یو إس إس
إقرأ أيضاً:
إعادة تشكيل الشرق الأوسط من وراء دخان الحرب الإسرائيلية- الإيرانية
لم تعد المواجهة القائمة بين إيران و"إسرائيل" مجرّد حلقة جديدة في مسلسل التصعيد العسكري الذي ألفته المنطقة؛ ما يجري اليوم أعمق من ذلك بكثير، نحن أمام تحوّل تاريخي في شكل النظام الإقليمي، ومعركة يراد لها أن تكون بوابة لشرق أوسط جديد يُعاد فيه ترتيب القوى، وتُرسم فيه خرائط النفوذ على نحو غير مسبوق منذ الحرب العالمية الأولى.
إنها ليست حربا تقليدية، بل مشروع استراتيجي شامل، تدور رحاه من طهران إلى غزة، مرورا ببيروت وبغداد وصنعاء. وفي قلب هذا المشروع، تسعى واشنطن وتل أبيب، بتنسيق مع عواصم أوروبية وعربية، إلى إعادة ضبط الإيقاع السياسي والعسكري في المنطقة، تحت عنوان جذّاب لكنه مُضلّل: "الاستقرار".
بين العزل الإيراني والتمكين الإسرائيلي
ليست حربا تقليدية، بل مشروع استراتيجي شامل، تدور رحاه من طهران إلى غزة، مرورا ببيروت وبغداد وصنعاء. وفي قلب هذا المشروع، تسعى واشنطن وتل أبيب، بتنسيق مع عواصم أوروبية وعربية، إلى إعادة ضبط الإيقاع السياسي والعسكري في المنطقة
ليست مصادفة أن يظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة عام 2023، حاملا خريطة جديدة للشرق الأوسط؛ خريطة تُهمّش إيران بالكامل، وتضع "إسرائيل" في موقع القيادة الإقليمية، محاطة بدول عربية مُطبّعة.
هذه الخريطة لم تكن مجرّد أداة دعائية، بل جاءت لتؤكد أنَّ هناك من يحاول إعادة تعريف حدود النفوذ والسيادة في المنطقة، وأن اتفاقية سايكس بيكو لم تعد المرجعية الوحيدة في رسم الجغرافيا السياسية.
أكثر من ذلك، فإن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب، التي قال فيها إنه يرى "إسرائيل صغيرة الحجم" ويطمح إلى "توسيعها"، لم تكن زلّة لسان، بل كانت إشارة مبكّرة إلى أن ثمة مشروعا يُصاغ في الكواليس، تقوده واشنطن وتنفذه تل أبيب، لإعادة تشكيل المنطقة على أسس مختلفة جذريا.
نهاية "الطائفية الوظيفية"
على مدى عقود من الزمن، استُخدمت الطائفية كأداة تفتيت ناعمة داخل المجتمعات العربية، واستفادت إيران بوضوح من هذا المناخ، مُدخلة خطابها المذهبي إلى عمق العراق وسوريا ولبنان واليمن. لكن يبدو أن هذه الورشة الطائفية قد وصلت إلى نهايتها، وأن الإذن الدولي باستمرار هذا النموذج قد سُحب.
المرحلة القادمة، كما يظهر، تسير نحو مقاربات جديدة تقوم على تحالفات المصالح المباشرة لا على الانتماءات المذهبية. وقد تكون إعادة تأهيل إسرائيل إقليميا جزءا من هذا التصور، لا باعتبارها "عدوا"، بل "شريكا أمنيا" في مواجهة إيران التي تُقدّم الآن كتهديد وجودي مشترك.
صراع على النظام لا على النفوذ فقط
يُخطئ من يعتقد أن المسألة تتعلق بمجرد تقليص نفوذ إيران، الحقيقة أعمق: نحن أمام صراع على هوية النظام الإقليمي نفسه. هل تكون دول المنطقة فاعلة في تقرير مصيرها، أم مجرّد ساحات يتقاطع فيها النفوذ الأمريكي والإسرائيلي؟
وهل تستطيع القوى العربية استعادة بعض من وزنها السياسي، أم أنها ستُدمَج ضمن معادلات تُكتب خارج حدودها، وتُفرض عليها كأمر واقع؟
الغرب لا يريد تفكيك الدول العربية هذه المرة، بل إعادة تعريف وظائفها: من مراكز قرار إلى محطات عبور للنفوذ والاقتصاد والسيطرة. ضمن هذا الإطار، يتم التعامل مع إيران كعقبة تجب إزاحتها، لا فقط بسبب طموحها النووي، بل لأنها آخر قوة إقليمية تعلن رفضها الصريح للمنظومة الجديدة.
من سيكتب مستقبل المنطقة؟
ما يُحاك خلف دخان الحرب اليوم، قد يُحدّد شكل النظام السياسي والأمني لعقود مقبلة، وإن لم نشارك في صياغته، فسيفرض علينا كما فُرضت حدود سايكس بيكو قبل قرن
السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم، ليس فقط: ماذا تريد واشنطن أو طهران؟ بل: ماذا نريد نحن كعرب؟ هل نملك الإرادة السياسية لصياغة موقع لنا في خريطة الشرق الأوسط الجديد؟ أم سنبقى مجرّد أدوات أو ساحات تصفية حسابات بين قوى أكبر؟
للأسف، يبدو أن كثيرا من الدول العربية قد تخلّت عن طموح الفعل، واكتفت بدور التكيّف مع إيقاع الخارج، سواء كان أمريكيا، إسرائيليا، أو حتى إيرانيا.
لكن المنطقة لا تحتمل هذا الترف بعد الآن، فما يُحاك خلف دخان الحرب اليوم، قد يُحدّد شكل النظام السياسي والأمني لعقود مقبلة، وإن لم نشارك في صياغته، فسيفرض علينا كما فُرضت حدود سايكس بيكو قبل قرن.
لسنا أمام مجرد حرب، بل أمام لحظة تأسيسية لنظام إقليمي جديد، لحظة ستُحدَّد فيها هوية الفاعلين، وحدود الأدوار، وأشكال النفوذ. وإيران ليست وحدها المعنيّة بالإقصاء أو التهميش، بل العالم العربي بأسره.
فإمّا أن نملك الشجاعة السياسية لنكون طرفا في صناعة هذا المستقبل، أو نبقى في الهامش، بينما يكتب الآخرون خرائطنا باسم "السلام والاستقرار".