تشكل المبادرات الشبابية ركيزة أساسية لتقدم المجتمعات وتنميتها؛ فهي تجسّد طاقات الشباب وإبداعاتهم في معالجة قضايا المجتمع وتحقيق التكافل والتعاون، حيث تُعد استثمارًا ناجحًا في خدمة المجتمع، إلا أن هذه الأفكار والإبداعات تتطلب التمكين، كما تبرز العديد من التحديات التي تواجه هذه المبادرات، أبرزها غياب الدعم المادي، والقيادات المجتمعية المؤهلة والمتفرغة.

وفي هذا السياق، سلطت "عُمان" الضوء على أبرز المبادرات الشبابية على مستوى والولايات والمحافظات، والتحديات التي تواجهها، والحلول والمقترحات المطروحة.

فهم بيئة المبادرات

يفيد هارون بن ناصر العوفي من ولاية الرستاق، أنه من الضروري فهم احتياجات الوسط الذي يعيش فيه الشباب من أجل تصميم مبادرات ومشاريع تلبي تطلعات المجتمع وتعزز القيم، بحيث تحمل هذه البرامج والمبادرات رسالة تعبّر عن حرص الشباب على تماسك المجتمع، وتُظهر روح التكافل والتعاون التي تُوجد بيئة تستقر فيها العلاقات وتحقق الأمن والأمان الاجتماعي، مثل: المبادرات الثقافية في التعليم، ونقل الخبرات التقنية والتكنولوجية، والمبادرات الرياضية للناشئة والبراعم والكبار، وبرامج التطوع والعمل الخيري.

وأشار إلى أن الشراكة هي الضمان الأمثل لنجاح المبادرات والبرامج في أي مجتمع، ومتى ما نجح الشباب في تحديد الأطراف المؤثرة وبناء شراكة معها، فإنهم يضمنون بذلك تقبّل المجتمع وتفاعله مع هذه المبادرات، ولعل كبار السن والأعيان والوجهاء هم من الشخصيات المؤثرة والمجربة التي تُثري هذا التفاعل وتُطعم المبادرات بالجوانب المهمة لاستدامة النشاط الشبابي.

أبرز المبادرات

وحول أبرز المبادرات في الولاية، أشار العوفي إلى أن شباب الولاية نجحوا في تقديم مبادرات مميزة، قامت على أساس التعاون والتكامل مع أطراف المجتمع من الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني كالفرق الأهلية والجمعيات والفرق التطوعية، في المجالات الثقافية والرياضية والخيرية، ولعل أبرز تلك النماذج تمثلت في البرامج الرمضانية الثقافية، والملتقيات الشبابية، وأنشطة جمعية إحسان لكبار السن، بالإضافة إلى البطولات الرياضية لمختلف الفئات العمرية التي نجحت في جذب الكثير من المشاركين.

وقد نجحت القرى والتجمعات السكانية في بناء ودعم إنشاء المرافق العامة، كالمساجد والمجالس والملاعب وبعض المنتزهات، وكذلك الترويج للأعمال الخيرية في مواسم الأعياد والمدارس.

وحول أبرز التحديات، أشار إلى عدم وجود قيادات اجتماعية متفرغة ومؤهلة في التجمعات السكانية، بحيث تحرص على القيام بدور التكامل بين الشباب والأطراف المؤثرة، إضافة إلى الحاجة للدعم المادي للمبادرات والمؤسسات الاجتماعية لتقوم بدورها بصورة أفضل.

فجوة معرفية

وتشير سالمة بنت سالم الشكيلية من ولاية بهلا إلى وجود فجوة معرفية بين الشباب واحتياجات المجتمع المحلي، فغالبًا ما يكون أفراد الجيل الجديد غير مدركين للتحديات والظروف التي يواجهها مجتمعهم. وأوضحت أن اللوم لا يقع كله على الشباب في عدم إدراكهم لهذه الاحتياجات، فالعصر الحالي يتسم بالسرعة، وانشغال الأفراد ببناء حياتهم وتخطي العقبات الشخصية.

لذا، ترى أن من الضروري إشراك الشباب، باعتبارهم الفئة الأكثر حيوية ونشاطًا، في الأعمال التطوعية والخيرية، لما لهذه الأعمال من أثر كبير في بناء فهم أعمق لديهم حول مجتمعاتهم، وتمنحهم دافعًا قويًا للاستمرار في المساهمة الفعّالة.

وتؤكد الشكيلية ضرورة إشراك كبار السن والشخصيات المؤثرة في المجتمع لتحديد الاحتياجات بشكل دقيق، قائلة: "تعد فئة كبار السن الأكثر خبرة وفهمًا، ولديهم قدرة فائقة على تحليل المواقف وتقديرها بناءً على ما عايشوه من تجارب، لذلك فإن إشراكهم كمرشدين ومقيّمين في الفرق الخيرية والجهات التطوعية لا يضيف قيمة كبيرة للأعمال المجتمعية فحسب، بل يعزز أيضًا من تقدير المجتمع لجهودهم السابقة في خدمة الوطن وتقدمه".

أما بالنسبة لفئة الشخصيات المؤثرة، وهم روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، فترى أن لديهم انتشارًا واسعًا، وغالبًا ما تكون رسالتهم أكثر تأثيرًا لدى المجتمع، وعلى هذا النحو، فإن إشراك هذه الفئة في الأعمال التطوعية والخيرية يمثّل أهمية كبيرة في سرعة إيصال الرسالة لشريحة كبيرة من الجمهور، لكنها شددت على ضرورة اختيار الشخصيات المؤثرة ذات التأثير الإيجابي، نظرًا لحساسية الموضوعات الخيرية والتطوعية.

مبادرات شبابية في بهلا

وحول أبرز المبادرات التي قام بها الشباب في ولاية بهلا، أفادت الشكيلية بأن الشباب يقومون بجهود عظيمة وملموسة جدًا في الجانب التطوعي والخيري، كما أنهم يشاركون إعلاميًا في نقل الصورة ومعاناة المجتمع، وما يواجهه من صعوبات معيشية، وعن الحالات المعسرة التي تحتاج إلى التدخل السريع والعاجل لإعالتها. كما يشاركون في عمليات التنظيم والتخطيط للكثير من الفعاليات المجتمعية الخيرية، وغالبًا ما يكونون في الصفوف الأولى للفعاليات التي تهم المجتمع، ويقومون من خلالها بجمع التبرعات للمحتاجين في الولاية، وتوزيع المعونات الخيرية مع كل تفعيل للمبادرات.

التحديات

أما عن التحديات التي تواجه المبادرات، فأوضحت الشكيلية أن جميع الأعمال، بما في ذلك المبادرات الخيرية، تواجه تحديات قد تعيق تحقيق أهدافها، ومع ذلك يمكن تجاوزها من خلال العمل الجماعي، والتفكير المنهجي، والتخطيط المسبق الذي يتضمن توقع المشكلات المحتملة، مما يؤدي في النهاية إلى النجاح.

وأشارت إلى أن فريق بهلا الخيري، الذي يعمل تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية، يُعد مثالًا على ذلك، حيث يقوم الفريق بالعديد من المبادرات السنوية المصممة بعناية لتلبية احتياجات الأسر المستحقة المُسجلة لديه. ولكن لا تزال هناك بعض التحديات التي تواجه الفريق، وأبرزها طريقة تجميع التبرعات لإتمام أو إغلاق الحالات المعسرة، حيث تُعد هذه المسألة تحديًا كبيرًا لجميع المساهمين.

ومع وجود المشكلة، توجد أيضًا حلول متعددة، منها تكثيف النشر حول الحالة من قبل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرين بأسلوب مؤثر ليصل الخبر إلى شريحة كبيرة من الجمهور المستهدف. كما يُعد نقص المتطوعين تحديًا ملموسًا، خاصة مع تزايد الأعباء والمشاغل اليومية، ويكمن الحل في تكثيف المحاضرات واللقاءات في الجانب الخيري والتطوعي لزيادة وعي الأجيال الحديثة بأهمية التطوع.

فهم أولويات المجتمع

ويرى عامر بن حمد الهنائي أن فهم الشباب لأولويات مجتمعهم المحلي يُعد من الركائز الأساسية لبناء مستقبل مستدام ومتماسك، فعندما يدرك الشباب احتياجات مجتمعهم الفعلية، يصبحون جزءًا فاعلًا في تطويره.

وأوضح أن هذا الفهم يسهم في توجيه طاقات الشباب، حيث إنهم يمتلكون طاقات كبيرة وقدرات إبداعية، ويعزز الانتماء والمسؤولية والمواطنة، فعندما يدرك الشباب أولويات مجتمعهم مثل التعليم، والصحة، والبيئة، أو فرص العمل، يعزز ذلك لديهم الشعور بالمسؤولية والمواطنة، ويدفعهم إلى المساهمة الفعالة في إيجاد الحلول.

وأضاف أن هذا الوعي يساهم في بناء قيادات مستقبلية واعية بقضايا مجتمعها، قادرة على اتخاذ قرارات تعمل على تحسين الواقع المحلي، وتقليل الفجوة بين الأجيال من خلال الحوار الإيجابي مع كبار السن والمسؤولين، مما يعزز التعاون المشترك.

مبادرات ملهمة

وأشار عامر إلى أهم المبادرات الشبابية الملهمة والمتنوعة التي تعكس الأثر الإيجابي في التنمية المجتمعية والاقتصادية والثقافية في الولاية، ومن أبرزها معسكرات خدمة المجتمع، مثل: تنظيف المساجد، وترتيب المرافق العامة، وتشجير الولاية من خلال مشروع زراعة أشجار السدر المحلي، وتزيين المرافق العامة في المناسبات، وتنظيم فعاليات رياضية وتوعوية، كالمسيرات الرياضية السياحية، والبرامج الصحية، إلى جانب الملتقيات الثقافية والترفيهية، مثل برامج دعم ريادة الأعمال والابتكار.

وتحدث الهنائي عن أبرز التحديات التي تواجه المبادرات، والتي تمثلت في غياب الدعم، ووجود بعض التعقيدات القانونية، وضعف التعاون مع الجهات الرسمية أو مؤسسات المجتمع المدني، وصعوبة الحصول على دعم مالي مستدام، والاعتماد الكبير على التبرعات أو المنح المؤقتة، إلى جانب ضعف التخطيط، وغياب الرؤية الواضحة والأهداف المحددة في وضع خطط استراتيجية طويلة الأمد، وكذلك ضعف إيصال رسالة المبادرة إلى الجمهور المستهدف، وقلة استخدام وسائل الإعلام الرقمي بشكل فعّال، وعدم وجود مؤشرات واضحة لقياس النجاح، مما يُصعّب تحقيق الأثر طويل المدى ويُهدد استمرارية الدعم.

دعم وتمكين

ويُعرّف محمد بن مرهون المكتومي، المكلف بدائرة المبادرات الشبابية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، المبادرات الشبابية بأنها مشاريع أو أنشطة مجتمعية، فردية أو جماعية، يصممها وينفذها الشباب العُماني بهدف معالجة القضايا الاجتماعية والتنموية بأسلوب تطوعي غير ربحي، تعكس هذه المبادرات روح الابتكار والمواطنة الفاعلة، مع مراعاة القيم الثقافية والمجتمعية العُمانية.

التسهيلات المقدمة

وعن التسهيلات المقدمة للمبادرات الشبابية، أفاد المكتومي بأن وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ممثلة في المديرية العامة للشباب، تقدم ثلاث حزم من التسهيلات، وهي:

الدعم المعرفي: ويشمل التدريب، والاستشارات، والتأهيل في مجالات إعداد المبادرات وإدارتها.

الدعم اللوجستي: مثل توفير أماكن تنفيذ الأنشطة، وتسهيل المخاطبات الرسمية، والنقل.

الدعم المالي: لتمويل الأنشطة النوعية التي تتماشى مع أهداف الوزارة، وفق معايير محددة.

شروط الدعم

وحول الشروط الأساسية لاختيار المبادرات الشبابية المستحقة للدعم، حدد المكتومي مجموعة من الشروط، أبرزها: أن يكون القائمون على المبادرة من الشباب العُماني، وأن تكون المبادرة مسجلة في المنصة الإلكترونية الرسمية للدعم، وأن تكون هناك خطة عمل واضحة قابلة للتنفيذ ومرتبطة بأهداف محددة، وأن تكون المبادرة ذات طابع تطوعي غير ربحي تسهم في حل مشكلة أو تطوير قطاع يخدم الشباب والمجتمع، وألا تتعارض المبادرة مع القوانين والأنظمة أو توجهات الدولة، وألا يكون مقدم الطلب موظفًا في الوزارة أو أن تكون المبادرة مشروعًا تجاريًا.

برامج داعمة

وأفاد المكتومي بأن من ضمن برامج الوزارة لتمكين المبادرات الشبابية: برنامج دعم المبادرات الشبابية السنوي لتقديم الدعم المالي واللوجستي والمعرفي، وحاضنة المبادرات الشبابية كبرنامج تدريبي وتأهيلي لتطوير مهارات المبادرين، وملتقى المبادرات الشبابية الذي يُنظّم في محافظة مختلفة كل عام، وتُعرض خلاله المبادرات وتُنفذ أنشطة تفاعلية، إلى جانب جائزة الإجادة للمبادرات الشبابية، التي تُمنح ضمن احتفالية "يوم الشباب العُماني" لأفضل المبادرات التي تحقق أثرًا مجتمعيًا ملموسًا.

وأكد المكتومي أن الوزارة تعمل على تعزيز منظومة العمل الشبابي التطوعي من خلال خطوات مستقبلية، تشمل إطلاق نسخة مطورة من التدريب، وتطوير المحتوى، والتركيز على جودة المخرجات وربطها بأولويات التنمية الوطنية، مع دعم لامركزي يتناسب مع خصوصيات كل محافظة.

وأوضح أن وزارة الثقافة والرياضة والشباب تواصل دعمها الفاعل للمبادرات الشبابية النوعية التي تلامس احتياجات المجتمع، وتنسجم مع مستهدفات "رؤية عُمان 2040"، خصوصًا في مجالات الابتكار والاستدامة والتنمية الاجتماعية. كما تسعى إلى إشراك الشباب في تطوير أفكارهم عبر برامج تأهيلية واستشارات تخصصية ومنصات تفاعلية، في إطار سياسة الوزارة الهادفة إلى تعزيز الشراكة مع المجتمع المدني، وتمكين الشباب من لعب دور ريادي في مسيرة التنمية الوطنية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التحدیات التی تواجه المبادرات الشبابیة أبرز المبادرات الشباب فی کبار السن أن تکون من خلال الذی ی

إقرأ أيضاً:

مستشار شيخ الأزهر للوافدين: مسؤولية الفتاة في العصر الحالي جسيمة

واصل مجمع البحوث الإسلامية فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلامية الخامس عشر» الذي تنظمه الأمانة العليا للدعوة بالمجمع، بالتعاون مع جامعة عين شمس، تحت شعار «الشباب بين مقاصد الدين ومحاولات التغريب»، وذلك برعاية من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وإشراف وكيل الأزهر الدكتور محمد الضويني،  والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد الجندي؛ حيث عُقد اليوم اللقاء الثاني بكلية البنات جامعة عين شمس، تحت عنوان: «محاولات استقطاب المرأة وسبل مواجهتها»، بمشاركة نخبة من علماء الأزهر، وبحضور عدد من قيادات وأعضاء هيئة التدريس بالكلية.

البحوث الإسلامية يستهلّ فعاليات أسبوع الدعوة الإسلامية الـ ١٥ بندوة عن «التغريب» الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية: الأحداث المؤسفة تنذر بخلل قيمي

وفي مستهل الندوة، تقدمت الدكتورة أسماء زعزع، وكيل كلية البنات بجامعة عين شمس، بالشكر والتقدير إلى الأزهر الشريف على جهوده المبذولة من أجل الحوار مع الشباب لأجل صيانة هويتهم، والوقوف على التحديات والقضايا التي تواجه المرأة، وبخاصة أن المرأة هي حجر الزاوية في بناء المجتمع، وأن تحصينها الفكري هو خط الدفاع الأول ضد الأفكار الوافدة التي تسعى لـ "تذويب" دورها الأصيل، مشددة على ضرورة التفريق بين الدعوات المشروعة للتنمية والتمكين، وبين أجندات التغريب التي تخالف قيمنا وتخدم مصالح غير وطنية.

فيما أكدت أ.د. نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، أن الإسلام رفع شأن المرأة وخصها بمكانة سامية تفوق ما منحته إياها الحضارات الأخرى، فالتكريم الإلهي للمرأة وتصويرها في أحسن صورة في القرآن والسنة يغنيها عن الحاجة إلى تبني مظاهر الحضارات الأخرى لتكتمل، ولو أدركت المرأة جوهر هذا التكريم، لعلمت أنها في غنى عن أي مداد خارجي، مشددة على أن فهم المرأة لذاتها يتحقق بالاطلاع على كتاب الله، الذي سميت فيه سور باسمها، والتعمق في فهم نماذج النساء الفضليات اللاتي أشرقن في التاريخ الإسلامي بجوانب متعددة، مستندات في تفوقهن إلى الفهم العميق لرسالة المولى سبحانه وتعالى لا إلى أفكار الحضارات الدخيلة.

وأوضحت أ.د. نهلة الصعيدي أن إدراك المرأة لمسؤوليتها هو الركيزة التي تقوم عليها الحياة المتفاهمة، ويمكنها من اتخاذ قرارات حكيمة في حياتها، فلا تخدعها المظاهر المادية البراقة، واستشهدت بالقدوة التاريخية للسيدة "بوهيسة" التي استطاعت بحكمتها البالغة أن تنهي حربًا استمرت أربعين عامًا من خلال زواجها، مؤكدة على ضرورة أن يكون نظر الفتيات موجهًا نحو الجوهر الثابت لا الشكل الزائل، وأشارت إلى أن التمسك بمنهج أمهات المؤمنين والنساء الصالحات اللاتي ساهمن في بناء الحضارة العظيمة هو الأساس المتين، مشددة على أن الذمة المالية المستقلة التي كفلها الإسلام للمرأة لا ينبغي أن تكون سببًا للاستعلاء أو الخلاف داخل الأسرة، بل قد تكون مصدر عطاء وإنفاق كما فعلت كثير من نساء التاريخ دون ادعاء فضل.

من جانبها قالت أ.د. هالة رمضان، مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن المرأة تمثل الركن الأساسي في بناء المجتمع، نظرًا لدورها الجليل في التربية وتكوين الأجيال، وبما أنها تحمل هذه المسؤولية المحورية، فإن كثيرًا من التحديات والمشاكل التي تواجه المجتمع، وكذلك المحاولات الخارجية للنيل من استقراره، تكون موجهة بشكل رئيس نحو المرأة، وأشارت إلى أن تكريم ومكانة المرأة في ثقافتنا وقيمنا يجعلها هدفًا لأعدائنا الذين يسعون إلى استهداف وعيها وتشويه صورتها، لأن أي تأثير سلبي عليها سينعكس بالضرورة على بنية المجتمع ككل ووحدته الثقافية والقيمية.

كما سلطت الضوء على مجموعة من التحديات التي تهدد الهوية الأصيلة للمرأة، بدءًا من الانسياق وراء ثقافة الشكل والمظهر تحت ذريعة الموضة، مشيرة إلى أن ظاهرة الإفراط في عمليات التجميل وتغيير الشكل غير الضرورية، والتي لا تتسق مع هويتنا، ورصد المركز القومي للبحوث الجنائية العديد من المشاكل المترتبة على اللجوء المبالغ فيه لهذه العمليات، بالإضافة إلى ذلك، رصد المركز استشراء الإفراط في الاستهلاك غير الضروري بين بعض النساء، وفي سياق آخر، رصد المركز مشكلة تدهور لغة الحوار و"القاموس المصري الأصيل"، الذي يعكس هويتنا الثقافية، وهي ظاهرة بدأت تنتشر بين الشباب عموماً.

وأضافت الدكتورة هالة ومضان أن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية رصد  تحولًا سلبيًا في الذوق الموسيقي للشباب، حيث أصبح هذا الذوق مخالفًا للهوية الثقافية ويتضمن رسائل تتعارض مع قيم المجتمع، كما لوحظ تراجع مستوى اللغة العربية بين الشباب نتيجة الميل إلى لغات أخرى بدافع التقليد غير المبرر للغرب، بالإضافة إلى قضاء أوقات الفراغ في أنشطة ضارة أو خطرة، مشددة على أن الزواج رباط مقدس وشراكة كاملة يجب أن تتجرد من الصراع والعنف، وأن يكون مبنيًا على القيم لا على المظاهر المادية والخداع، وأشارت إلى أن الإفراط في وضع معايير مادية أو شكلية للزوج هو أحد أسباب تأخر سن الزواج بين الفتيات، كما رصد المركز أن تدخل الأهل يلعب دورًا كبيرًا في زيادة حالات الطلاق المبكر.

من جانبه أكد الدكتور حسن يحيى، أمين اللجنة العليا للدعوة، على أن المرأة ثروة غالية لا تقدر بثمن، فهي تمثل الركائز الأساسية للمجتمع: الأم، والأخت، والبنت، والزوجة، انطلاقًا من هذه المكانة المحورية، تبرز ضرورة صيانتها وحمايتها من أي تأثيرات سلبية تأتي تحت مظلة التغريب، لأن أبرز أهداف التغريب هو العبث بفطرة المرأة السوية، ومحاولة وصفها بأوصاف قد تبدو براقة في ظاهرها، لكنها في جوهرها لا تتناسب مع طبيعتها ودورها الحقيقي.

وذكر أمين اللجنة العليا للدعوة أن نظرة الإسلام للمرأة هي نظرة تكريم وتقدير، فهو لم يحرمها من شيء أساسي في الحياة الاجتماعية أو العلمية أو الاقتصادية، بل قام الإسلام بتوجيهها نحو الأدوار التي تتناسب مع طبيعتها واهتماماتها الفطرية وقدرتها على تحقيق التوازن في المجتمع والأسرة، ولو نظرنا في التاريخ الإسلامي، نجد أدوارًا عظيمة قامت بها المرأة، منها على سبيل المثال لا الحصر، موقف الخنساء وتحفيزها لأبنائها ليلة موقعة القادسية، مما يوضح الدور الكبير والتأثير العميق الذي يمكن أن تحدثه المرأة في صناعة الرجال والأجيال.

وأضاف فضيلة الدكتور حسن يحيى أن المرأة هي من تشكل المجتمع بأكمله؛ لكونها القاعدة والأصل الذي نخرج منه جميعًا، لذلك، يجب الحذر الشديد مما يقدم على أنه نماذج للمرأة العصرية، بينما هي في حقيقتها نماذج لا تتناسب مع هويتنا الإسلامية والعربية الأصيلة، مشددًا على أهمية التزام الفتيات بالزي الذي يناسب ثقافتنا الإسلامية وقيمنا، وعدم الانصياع وراء الدعوات الزائفة التي يروج لها بدعوى "تحرير المرأة"، هذه الدعوات هي في الحقيقة قيود جديدة توضع فيها المرأة بهدف واضح هو فك ارتباطها بتراثنا الإسلامي الذي لطالما صانها وحفظ كرامتها، وهذا التراث ليس مجرد عادات، بل هو ترجمة للوحي الإلهي الذي جاء من عند الله، وهذه الدعوات المطلقة لحرية المرأة هي دعوات مغرضة، لأن المرأة لم تكن يومًا مقيدة في الإسلام، بل كانت مكرمة،  وقد أكد المنهج القرآني على التزام المرأة بالعفة والستر، ومن ذلك قوله تعالى: "ولا يُظهرن زينتهن"، مما يعكس حرص الشرع على حماية المرأة والحفاظ على كرامتها وكيان الأسرة.

ومن المقرر أن تستمر فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلامية خامس عشر» والذي يحمل شعار «الشباب بين مقاصد الدين ومحاولات التغريب»، بخطة شاملة على مدار خمسة أيام تبدأ من الأحد ٧ ديسمبر وحتى الخميس ١١ ديسمبر، في مختلف كليات جامعة عين شمس، بمجموعة من المحاول تشمل: «التغريب مظاهره ومخاطرة وسبل مواجهته»، و«محاولات تغريب المرأة وسبل ومواجهتها»، و«أزمة الشباب بين التطرف والانحلال»، «الحفاظ على الوطن في ظل موجات التعريب»، و«بناء الشخصية السوية ودوها في مواجهة التغريب».

 

مقالات مشابهة

  • تعرف على أبرز الشخصيات التي واجهت التحريض الإسرائيلي خلال 2025؟
  • "ملتقى مؤسسات المجتمع المدني" يناقش أثر المبادرات التطوعية وتعزيز الاستدامة المالية
  • السيدة الجليلة.. دور مجتمعي بارز لدعم مسارات التنمية
  • أبرز الأمراض التي تهدد مرضى القلب خلال فصل الشتاء
  • مستشار شيخ الأزهر للوافدين: مسؤولية الفتاة في العصر الحالي جسيمة
  • تواصل فعاليات ملتقى المبادرات الشبابية بنزوى
  • إنطلاق فعاليات الأسبوع البيئي التاسع بجامعة سوهاج لدعم التمكين من أجل الاستدامة
  • 300 من ذوي الهمم في قنا يستفيدون بمشروع تمكين المجتمع المدني
  • انطلاق القافلة المجتمعية المتكاملة التاسعة بمركز التنمية الشبابية في مطروح
  • التعليم مفتاح التمكين.. والقومي للإعاقة يدعو المجتمع للاعتراف بقدرات أبنائه