هل تهمنا التفاصيل؟ نعم، تهمنا التفاصيل، هل جميعنا يسعى لمزيد من التفاصيل، سواء يعنيه الأمر، أو لا يعنيه؟ نعم، الجميع يسعى إلى ذلك، كنوع من «الحشرية» أليست التفاصيل مزعجة؟ بلى، في كثير منها مزعجة إلى درجة القلق، وقد نعاتب أنفسنا، على أننا ذهبنا بعيدا للحصول على تفاصيل لموضوع ما، ما كان ينبغي أن نسعى إلى معرفتها أكثر، وفي كل ما ورد أعلاه لا أذهب إلى المعرفة العلمية التي تتطلب الكثير من التفاصيل، بل الحرص على البحث عن التفاصيل لتحقيق المنهج المعلمي في البحث.
يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم..) ــ 101 المائدة ــ وهذا ما يؤكد أن الذهاب في البحث عن التفاصيل، قد يجر إلى كثير من المتاعب، والهموم، وليس فقط في جانبه الآخر، وهو الحصول على معرفة أكثر وضوحا، أو تيقنا، وسواء ذلك يحصل لرغبة الشخص عن التحقق عن موضوع عام «يهم المجموع» أو موضوع خاص، فكلا الأمرين يذهبان إلى جلب المتاعب النفسية، أكثر من الاطمئنان على الحقيقة، لأن الدائرة المتاحة للفرد أن يهتم في حدود دائرته المغلقة فقط، وليس متاحا له الولوج إلى دوائر الآخرين.
ولذلك فالتعامل مع العموميات، ربما، أكثر راحة للبال، والخروج من مأزق الوقوع في المتاعب النفسية، والفكرة ذاتها تذهب إلى النهي عن البحث عن تفاصيل الآخرين من خلال التجسس عليهم، وتكوين صورا نمطية تختزنها الذاكرة، لتستجلبها في مواقف معينة، فتبني عليها قرارات وقناعات، يكون في أغلبها خاطئة، أو الحصول على معلومات، ربما تجاوزت فترتها الزمنية،
ومع ذلك يسعى الفرد الذي حصل عليها على استخدامها كورقة ضغط «لي ذراع» لما يسعى إلى تحقيقه من الطرف الآخر، فهذه كلها أساليب ملتوية تجر الكثير من المتاعب « في نهاية الأمر» على الطرفين، وهذا ليس من الحكمة في شيء، وليس من أسس العلاقات بين الأفراد، التي يجب أن تبنى على الصدق، وعلى الاطمئنان، وقد جاء في النهج النبوي على صاحبه أفضل صلاة وسلام: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه» فالتربص بالآخر، لا يحدث إلا عندما يكون أحد الطرفين يملك أوراقا، يرى فيها ورقة ضغط على الآخر، فينزل نفسه منزلة المبتز لكي يحقق ما يريد.
يلعب كثير من الناس لعبة اصطياد التفاصيل، وقد تكون حالة نفسية متأصلة في نفوسهم، ليس فقط للإساءة إلى الآخر، وهي إحدى الوظائف لهذا الاصطياد، ولكن كنوع من المباهاة أمام الآخرين، وخاصة في المجالس العامة حيث يمسك أحدهم بزمام المجلس ليبدأ في نثر المعلومات، والأقاويل، عن فلان من الناس خاصة إذا كان هذا الفلان من الناس بينه وبين المتحدث المصطاد لتفاصيله عداوة ما أو موقف أخل بطرفي العلاقة لظرف ما، أو عدم تحقيق خدمة، أو رغبة جامحة لأمر ما،
هنا تعرض التفاصيل المهمة وغير المهمة على «الحضرة» فتنتشر من خلالها الأقاويل والإشاعات عن الناس، وفي مثل هذه المواقف، هناك من يمعن الإساءة أكثر، ولربما يراكم مع المعلومات المتداولة، معلومات أكثر، وقد تكون غير واقعية، ولعل وسائل التواصل الاجتماعي اليوم بيئة خصبة لذلك، والناس متماهون فيها بقصد وبغير قصد، مع أن محصلة ذلك خطيرة جدا، ليس فقط، في اللحظة الراهنة للأشخاص، ولكن لأننا مسائلون عن ذلك حيث سنحاسب على مثقال ذرة، إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، فهل هناك من عاقل لا يعي مسؤولية عواقب التفاصيل؟
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
خبراء: هوس الثروة السريعة يدمر طموحات الشباب ويقودهم للفشل
وفي هذا الإطار، تناولت حلقة (2025/8/8) من برنامج "خيال أم جد" تحذير خبراء من انتشار الظاهرة بين الشباب والتي تتمثل في البحث عن طرق الكسب السريع والثراء المفاجئ، مما يدفعهم إلى ترك مسارات العمل التقليدية والاستثمار في مشاريع وهمية تنتهي بالفشل والخسائر المالية الفادحة.
وتكشف هذه القضية من خلال قصص واقعية عن عمق المشكلة وتأثيرها المدمر على الجيل الجديد من الشباب العربي.
وأشار متخصصون إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي واجهها العالم خلال انتشار فيروس كورونا المسبب لجائحة كوفيد-19، إلى جانب أزمة التضخم المستمرة، دفعت الشباب إلى البحث عن مصادر دخل بديلة.
وجعل هذا الواقع المرير الشباب يقتل نفسه أسبوعيا في ساعات العمل الطويلة ليؤمّن قوت يومه، مما ولد لديهم قلقا مستمرا وهوسا غريبا بالثروة السريعة.
وعلى صعيد متصل، يتجه كثير من الشباب المتعلم لرفض الوظائف التقليدية، حيث يفضل خريجو الجامعات العمل كمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي أو منتجي محتوى رقمي بدلا من ممارسة تخصصاتهم في الطب أو الهندسة أو التدريس.
ويعكس هذا التوجه رغبة جامحة في تحقيق الشهرة والثراء السريع من دون بذل جهود طويلة المدى.
أساليب الثراء السريع
وبالتوازي مع هذا التوجه، تتنوع أساليب البحث عن الثراء السريع لتشمل التداول في الأسواق المالية والعملات المشفرة وتعدين الكريبتو والاستثمار في الرموز غير القابلة للاستبدال.
وتجذب هذه الأنشطة الشباب بوعود الأرباح الخيالية، لكنها في الواقع تؤدي إلى خسائر مالية كبيرة نتيجة عدم الخبرة والمعرفة الكافية بهذه الأسواق المعقدة، وفقا للحلقة.
وفي هذا السياق، كشفت القصص الواردة عن نماذج متكررة للفشل، حيث يبدأ الشباب باستثمار مبالغ صغيرة في التداول أو العملات المشفرة، ثم يخسرون كل أموالهم في غضون أشهر قليلة.
وتدفعهم هذه الخسائر إلى البحث عن فرص جديدة مماثلة أملا في تعويض ما فقدوه، مما يخلق دائرة مفرغة من الفشل المستمر.
إعلانومن ناحية أخرى، تستغل بعض الشركات والأفراد هذا الهوس لترويج منتجاتهم وخدماتهم من خلال ربطها بفكرة الكسب السريع.
وتعزز هذه الممارسات التسويقية المضللة الوهم لدى الشباب بإمكانية تحقيق الثراء من دون عمل حقيقي، وتسهم في انتشار الظاهرة بشكل أوسع.
وعلى الجانب الآخر، يواجه الشباب المتورطون في هذه المغامرات مشاكل مالية حقيقية، حيث يضطرون إلى طلب المساعدة من الأهل والأقارب لتغطية نفقاتهم الأساسية بعد خسارة مدخراتهم.
ويخلق هذا الوضع ضغوطا نفسية واجتماعية إضافية تؤثر على استقرارهم العاطفي والمهني.
وفي ما يتعلق بالحلول المقترحة، أكد خبراء ضرورة التوعية بمخاطر الكسب السريع وأهمية العمل الجاد والمثابرة لبناء مستقبل مهني مستقر.
كما دعوا لتعزيز الثقافة المالية بين الشباب وتعليمهم أساسيات الاستثمار الآمن بدلا من المقامرة في أسواق عالية المخاطر.
8/8/2025-|آخر تحديث: 21:37 (توقيت مكة)