يا د. كامل إدريس: ليست هذه مهمتك، وما هكذا تُبنى حكومات الإنقاذ الوطني
تاريخ النشر: 21st, June 2025 GMT
يا د. كامل إدريس: ليست هذه مهمتك، وما هكذا تُبنى حكومات الإنقاذ الوطني
في لحظة مفصلية يمر بها السودان، وعشية تقدم القوات المسلحة والمقاومة الشعبية نحو تحرير ما تبقى من البلاد، خرج رئيس الوزراء د. كامل إدريس بخطاب متلفز مطوّل، أعلن فيه عن ملامح “حكومة الأمل المدنية”، محددًا شعارها ورسالتها ورؤيتها، ومفصلاً هيكلها الوزاري الذي يتألف من 22 وزارة، بالإضافة إلى عدد من الهيئات الجديدة التي تعكس توجهًا تنمويًا بعيد المدى.
لكن ما جاء في هذا الخطاب، وعلى الرغم من جمالية اللغة، يُعد خروجًا خطيرًا عن طبيعة المرحلة، وتجاوزًا واضحًا للتكليف الوطني الذي حاز عليه الرجل في ظل حالة استثنائية يعيشها السودان.
حكومة إسعاف أم برنامج دولة؟
د. كامل إدريس لم يُعيَّن لتدشين مشروع تنموي متكامل، بل كُلّف بمهمة محددة ومعروفة: إدارة مرحلة انتقالية حرجة نحو انتخابات وطنية جامعة بعد انتهاء الحرب، وضمان استمرارية الدولة في ظل خطر وجودي يهددها.
لكن بدلاً من ذلك، شاهدنا في خطابه ما يشبه حملة انتخابية رئاسية، بلغة شعاراتية تبدأ بـ”الرسالة” و”الرؤية” و”القيم الجوهرية”، وتغرق في تفاصيل هيكل إداري موسّع يليق بدولة مستقرة لا بوطن تحت الحصار.
من حكومة تكنوقراط إلى مسابقة توظيف مفتوحة!
الحديث عن “حكومة تكنوقراط غير حزبية تمثل الأغلبية الصامتة”، يبدو في ظاهره منسجمًا مع التطلعات الوطنية. لكن الوقائع تقول غير ذلك. فبدلًا من استخدام التفويض المتاح لتشكيل حكومة مصغرة متخصصة، أعلن رئيس الوزراء عن “فتح باب تقديم السير الذاتية”، لإنشاء “مخزون قومي من الكفاءات” لاختيار الوزراء من بينه.
أين الإجراءات المؤسسية؟ من يضع المعايير؟ من يقيّم؟ وأين عنصر الوقت الذي يُعد رأس المال الوحيد في هذه المرحلة؟
ما يجري هنا، للأسف، لا يختلف كثيرًا عن نموذج حكومات المحاصصة المغلفة بلغة “الاستحقاق الفني”، ويضعف من هيبة الدولة في لحظة تتطلب الحسم لا التجميل.
خطر إنشاء هياكل موازية بلا شرعية
في نهاية خطابه، أعلن د. إدريس نيّته مراجعة عشرات الهيئات “غير الضرورية”، ثم عاد ليقترح في المقابل تأسيس وحدات جديدة مثل: “هيئة النزاهة والشفافية” و”الجهاز القومي للاستثمار”….
لكن من فوّض هذه الحكومة المؤقتة لتأسيس مؤسسات دائمة؟ من منحها الشرعية لتغيير هيكل الدولة في لحظة انتقال سياسي لم يُحسم بعد؟
هذه الهياكل ليست من صلاحيات الحكومات الانتقالية، بل من مهام الحكومات المنتخبة التي تنال ثقة الشعب عبر صناديق الاقتراع.
التحدي الحقيقي: إنقاذ الدولة، لا بناء نموذج نظري
إنّ الغرق في لغة التنظيم الإداري الجميل، وتوزيع الوزارات كأننا بصدد مخطط خمسيني، يُعد انحرافًا خطيرًا عن بوصلة الأولويات الوطنية. السودان لا يحتاج اليوم إلى استعراض جمالي، بل إلى حكومة مقاتلة – متقشفة – مركّزة – سريعة التنفيذ – واضحة المهمة.
حكومة تتولى الآتي:
• دعم القوات المسلحة والمقاومة الشعبية في معركة التحرير
• إعادة الانتشار المؤسسي في المناطق المحررة
• إدارة الخدمات الحيوية كالصحة والتعليم والطاقة والبنية الأساسية
• التجهيز العملي للانتخابات العامة
• وقف استنزاف المال العام في الهياكل الثانوية
خاتمة: على رئيس الوزراء أن يعود إلى حدود المهمة
نقول بكل وضوح، وبعيدًا عن المجاملة: هذه ليست المهمة التي أوكلتم بها يا د. كامل إدريس. وظيفتكم اليوم ليست بناء دولة الأحلام، بل حماية ما تبقى من الدولة الواقعية، وتأمين الطريق أمام الشعب السوداني ليقرر مصيره بنفسه في انتخابات وطنية شاملة.
إن خطاب “حكومة الأمل” على جماله، أشبه ببرنامج انتخابي وليس بيان تكليف رسمي من حكومة طوارئ انتقالية. وعلى رئيس الوزراء أن يعيد تقييم خطابه ومساره، قبل أن يُعيد إنتاج الفشل السابق بقالب جديد وشعار مختلف.
فلنعد إلى الواقع، ولتُنجز المهمة.
ثم ليتحدث الشعب، لا النوايا وحدها.
د. وائل العطايا إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: رئیس الوزراء کامل إدریس
إقرأ أيضاً:
هل سيعود المصباح أبوزيد علي متن طائرة كامل إدريس ؟!
هل سيعود المصباح أبوزيد علي متن طائرة كامل إدريس ؟!
■زيارة رئيس الوزراء د. كامل إدريس إلي القاهرة اليوم ناجحة زماناً ومكاناً .. مصر تلعب حالياً أدواراً مهمة في قضية الحرب والسلام في السودان .. لأول مرة في تاريخها القريب تستشعر مصر خطورة أن يكون السودان مستهدفاً في وحدته وأمنه .. ولأول مرة في تاريخ مصر يعايش الشعب المصري الآثار المباشرة لحرب شاملة علي السودان .. ولهذا تكتسب زيارة د. كامل إدريس أهميتها من هذين البعدين .. الجيوسياسي والإنساني ..
▪️من حيث المضمون .. لاجديد في الزيارة ولا يتوقع أن تكون لها ثمار مباشرة علي راهن العلاقات الاقتصادية بين البلدين .. مصر الرسمية أرادت بهذه الزيارة أن تقف علي مسافة قريبة من رئيس وزراء السودان .. كيف يفكر .. مدي عمق رؤيته لقضايا المنطقة .. كيف يتعاطى مع تحديات بلاده .. قربه أو بعده من مصالح وهموم مصر إقليمياً ودولياً .. بالمجمل هي زيارة استكشافية ليس مطلوباً منها لمصر تحديداً أكثر من هذا ..
▪️ولأنها زيارة علاقات عامة أكثر من كونها زيارة لبحث القضايا والمشاكل العالقة فقد خلا البيان الختامي لمحادثات رئيسي الوزراء من الإشارة إلي أي قضية أو نقطة جديدة .. وإن كانت ثمة ملاحظة فهي عدم التحفظ من الجانب السوداني علي الإشارة إلي النهج الأحادي في قضية سد النهضة وهي لغة تعكس تمرير أجندة مصر من الزيارة الأولي لرئيس وزراء السودان ..
▪️نقطة الضعف الظاهرة في زيارة د. كامل إلي مصر هي تواضع وفده المرافق .. لاعذر للجانب السوداني أن يصل وفد كامل إدريس إلي القاهرة في ظل غياب وزير خارجية للسودان بسبب ( محركة ) رئيس الوزراء في خياراته للمنصب ومنها إصراره أن يتولي بنفسه حقيبة الخارجية لمدة 6أشهر بعد فشل خطة تعيين نورالدين ساتي بعد عاصفة الرفض الشعبي التي أطاحت أيضاً وزير الصحة الذي بات مؤكداً أنه لن يحضر إلي البلاد ولن يتقدم باستقالته!!
▪️ ينتظر السودانيون في مصر أن يكون رئيس الوزراء قد تطرق مع الجانب المصري إلي الملفات الساخنة التي تواجه السودانيين هناك .. التعليم العام والجامعي .. مصر الرسمية ( تنصّلت ) من إلتزاماتها بالرسوم الرمزية للطلاب السودانيين الذين يلتحقون بالجامعات المصرية حيث يواجه طلاب السودان هناك محنة الرسوم المتصاعدة بمتوالية هندسية ..
▪️هنالك فرصة آمل ألا تضيع من بين يدي الدكتور كامل إدريس قبل أن تقلع طائرته من مطار القاهرة في طريق عودتها إلي بورتسودان .. قبل سنوات تزامنت زيارة الرئيس المصري الشهيد د. محمد مرسي إلي السودان مع ضجة اعتقال جهاز الأمن السوداني يومها لصحفية مصرية تسللت إلي داخل السودان عبر الحدود الأثيوبية ضجّت وسائل الإعلام المصرية منددة بخطوة جهاز الأمن السوداني ..لم يغادر مرسي الخرطوم حتي تم إطلاق سراح الصحفية المصرية التي عادت علي متن طائرة الرئيس المصري إلي القاهرة ..
▪️سيكسب كامل إدريس كثيراً إن عاد وفي معيته قائد البراء المصباح أبوزيد ..
عبد الماجد عبد الحميد