قصف منشآت إيران بطائرات B‑2:لحظة الانفصال عن المنطقة الرمادية
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
مشاركة بالعدوان الإسرائيلي على إيران، نفّذت الولايات المتحدة ضربة جوية مباشرة على ثلاث منشآت نووية إيرانية، مستخدمة قاذفات الشبح B – 2 وقنابل خارقة للتحصينات، في أول تدخل عسكري أمريكي مباشر منذ بداية التصعيد. جاء القصف ليلاً، واستهدف منشآت فوردو، نطنز، وأصفهان، غير أن تأكيد طهران على أخلائها المواقع المستهدفة مسبقاً، وأن اليورانيوم المخصب نُقل إلى مواقع آمنة، طرح عدداً من الأسئلة حول نجاح العملية الأمريكية، وعن رد الفعل الإيراني.
وبهذا الرد السريع، أرسلت طهران رسالة مفادها أن الضربة، وإن كانت مباشرة وقوية، لم تكن مفاجِئة ولم تستطع شل قدراتها، بل بدا أن طهران كانت تستعد للانتقال من “المنطقة الرمادية” إلى المواجهة المفتوحة، وبالتالي تحديد المسار التالي الذي ستتخذه الأحداث، خاصة وأنها تملك أوراقاً عدة ومختلفة على مستوى المنطقة.
ضمن حسابات الرد، لا يمكن تجاهل صنعاء، التي أكدت على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، الذي أعلن صراحة أن “دخول الولايات المتحدة الحرب ضد إيران سيؤدي إلى استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر”.
اليمن كان مختبراً حيّاً للذخائر الخارقة التي استخدمتها الولايات المتحدة في ضرب إيران، فعلى مدى سنوات، جُرّبت قنابل GBU-57 على المنشآت المحصنة تحت الأرض، واستُخدمت التكنولوجيا نفسها تقريباً. ومع ذلك، لم تنجح في كسر زخم الهجمات اليمنية، ولم تؤدِ إلا إلى المزيد من التكيّف والتطوير. بل توقفت العمليات الهجومية فقط عندما تم التوصل إلى اتفاق مباشر غير معلن بين صنعاء وواشنطن عبر وسطاء إقليميين، أدى إلى تهدئة مؤقتة.
واليوم، تعود اليمن إلى قلب المعادلة، لا باعتبارها فقط قاعدة خلفية أو ساحة اشتباك، بل كجزء من رد إقليمي منسّق. وإذا ما تم استهداف المصالح الإيرانية، فإن البحر الأحمر قد يتحول إلى مسرح اشتباك مباشر.
لأسابيع، واصلت إسرائيل ضربها المتدرج لإيران، معلنة أنها تهدف إلى تدمير البرنامج النووي بالكامل، وضرب القدرات الصاروخية الإيرانية، بل و”تغيير النظام”، وهذا ما بدأت تتراجع عنه تدريجياً. كما بدا واضحاً أنها تتراجع، سواء من حيث حجم الضربات أو سقف التصريحات. وهذه الاستراتيجية المحدودة في أثرها دفعت تل أبيب إلى تصعيد الضغط على واشنطن لتدخل مباشرة.
لذلك، جاءت الضربة الأمريكية لتُرمّم صورة الردع الإسرائيلي المتآكلة، ولتشكّل -بحسب البعض- ذروة استراتيجية “الضغط الأعلى” التي تعتمد على القوة العسكرية لا لهدف تدميري حاسم، بل من أجل التطويع السياسي وانتزاع اتفاق جديد. والغاية ليست محو البرنامج النووي، بل إجبار إيران على قبول صفقة: تراجعٌ نووي مقابل ضمانات بعدم التصعيد.
هذا التدخل الأمريكي لم يمر دون جدل داخل الولايات المتحدة نفسها، ففي أوساط الديمقراطيين وعدد من الجمهوريين، طُرحت تساؤلات دستورية حول مشروعية الضربة، إذ لم تُعرض على الكونجرس ولم تكن ضمن حالة دفاعية طارئة. صحيفة واشنطن بوست تحدّثت عن انقسام داخل الإدارة الأمريكية حول توقيت وجدوى الضربة، بينما وصفت رويترز ما جرى بأنه “مقامرة كبرى” يخوضها ترامب دون رؤية استراتيجية طويلة الأمد.
ثمة من وصف هذه الضربة بأنها شكلية في جوهرها: عمل عسكري مدروس يحقق مكاسب سياسية رمزية، دون جرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع الحرب.. إسرائيل تظهر بموقع القوة، ترامب يبدو حاسماً أمام قاعدته، وإيران “تُعاقب” دون أن تُستفز حتى نقطة الانفجار.
حتى اللحظة، لا تزال تفاصيل الخسائر الفعلية للضربة غير معروفة، وعلى الرغم من أن الرواية الأمريكية تقول إنها أصابت أهدافها بدقة، تؤكد طهران أن المواقع أُخلِيت مسبقا وأن “لا خسائر تذكر”.. الحقيقة على الأرجح بين هذا وذاك، لكنها في النهاية ستحدد شكل الرد الإيراني.. فكلما كان الضرر أكبر، كلما اقترب الرد من الطابع العنيف المباشر، وكلما كان محدوداً، ربما تتجه طهران نحو الرد المتناظر.
ما جرى خلال الـ48 ساعة الأخيرة ليس مجرد تطور في سياق التصعيد، بل يمثل خروجاً رسمياً من “المنطقة الرمادية” التي كانت تتحرك فيها إيران والولايات المتحدة.. الضربات الأمريكية حملت توقيعاً صريحاً، أما الرد الإيراني المرتقب فسيحدد ما إذا كنا أمام جولة مؤقتة من الاشتباك المحسوب، أم على أعتاب مواجهة مفتوحة متعددة الجبهات، تمتد من الخليج إلى البحر الأحمر.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ماذا بعد الضربة الأمريكية لإيران؟.. قراءة معمقة بتداعيات تصعيد بالشرق الأوسط
في فجر يوم مشحون بالتوترات، نفّذت الولايات المتحدة الأمريكية هجوما استهدف منشآت نووية إيرانية استراتيجية في فوردو ونطنز وأصفهان. لم تكن هذه العملية مجرد ضربة عسكرية اعتيادية، بل إعلان صريح عن دخول المنطقة في مرحلة جديدة من التصعيد الشامل، تُعيد رسم موازين القوى وتُظهر هشاشة الخطوط الحمراء التي طالما اعتُبرت ثوابت في اللعبة الإقليمية.
كسر استراتيجي للردع التقليدي: قرار أمريكي فردي في توقيت حرج
الضربة الأمريكية، التي نفذت في توقيت مفاجئ خلال عطلة الأسواق المالية، تشير إلى اتخاذ قرار سياسي منفرد على أعلى المستويات في واشنطن، وربما بعيدا عن المشاورات التقليدية مع المؤسسة العسكرية. وقد وصف بعض المحللين هذا القرار بأنه جاء في سياق استعراض عضلات على حساب التوازن الإقليمي، مع تجاهل التقديرات التحذيرية من انزلاق لا يمكن السيطرة عليه.
تجدر الإشارة إلى أن المنشآت المستهدفة في إيران تُعد من الأعمدة الأساسية لبرنامجها النووي، وتُشير تقديرات استخبارية إلى أنها تحتوي على مئات أجهزة الطرد المركزي عالية التقنية التي تُسرّع إنتاج المواد النووية، وهو ما جعل الضربة تبدو محاولة لقطع الطريق على إيران نحو السلاح النووي.
الرد الإيراني: دقة استثنائية واحترافية عسكرية
رد إيران على الهجوم لم يكن مجرد رد فعل عاطفي أو ناري، بل كان تعبيرا عن استراتيجية مدروسة بعناية عالية. أطلقت إيران حوالي 30 صاروخا باليستيا ضمن "الموجة العشرين" من عملية "الوعد الصادق 3"، استهدفت خلالها مطار اللد، ومراكز الأبحاث البيولوجية، وقواعد عسكرية أساسية داخل الأراضي المحتلة.
الأمر اللافت هو أن بعض هذه الصواريخ اخترقت منظومة "القبة الحديدية" الدفاعية الإسرائيلية، وسبق صافرات الإنذار، ما يعكس تفوقا تكنولوجيا واضحا في القدرات الإيرانية، وهو أمر قد يعيد حسابات تل أبيب، التي اعتقدت لسنوات أن دفاعاتها الجوية غير قابلة للاختراق.
وفقا لتقارير أولية، أصيب ما لا يقل عن 15 شخصا بينهم في حالة حرجة، في حين تعرضت منشآت حيوية لأضرار كبيرة، رغم محاولات الرقابة العسكرية الإسرائيلية تعتيما على حجم الخسائر.
إسرائيل بين القلق الداخلي وتقييم الواقع الجديد
في تل أبيب، يقف الجمهور والقيادة الأمنية في مواجهة حقائق مرّة. فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي طالما اعتبرت نفسها صاحبة المبادرة، وراعية الردع في المنطقة، وجدت نفسها في موقف دفاعي حرج، مع اعترافات داخلية بأن الضربة الأمريكية "أنقذت إسرائيل من مهمة شبه مستحيلة" كانت تتمثل في استهداف منشأة فوردو النووية الواقعة تحت الأرض.
هذه الاعترافات تُظهر هشاشة النظام الأمني الإسرائيلي، وتعكس ضعفا في الاستعدادات والتقييم الاستخباري تجاه التهديد الإيراني الجديد. كما أن استنفاد "بنك الأهداف" الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية بحسب الإعلام العبري يجعلها الآن في موقف التبعية والرد بدلا من المبادرة.
إيران.. بين الحنكة الاستراتيجية والصبر القانوني
حافظت إيران على خطاب دبلوماسي قانوني، حيث أكدت أن الرد قادم لكن "ليس انفعاليا"، مؤكدة أن المنشآت المستهدفة كانت "مفرغة من المواد النووية الخطرة"، ما يوحي بأن طهران كانت متوقعة للضربة، واستعدت لها بحذر متزن.
إضافة إلى ذلك، وجهت إيران تهديدا ضمنيا للولايات المتحدة بأن "كل مواطن أمريكي في منطقة الشرق الأوسط بات هدفا مشروعا"، في مؤشر واضح على رفع مستوى التصعيد في خطابها السياسي، مع محاولة للحفاظ على شرعية الرد على الساحة الدولية.
واشنطن بين التصعيد السياسي والتردد العسكري
يواجه البيت الأبيض أزمة داخلية بين حماسة ترامب لفرض وقائع جديدة على الأرض، وتوجس البنتاغون من تداعيات توسيع الصراع. هجوم كهذا -وصفه بعض الخبراء بـ"غير المحسوب"- يضع الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي مع خطر انزلاق غير مرغوب فيه نحو مواجهة طويلة الأمد، لا تخدم مصالحها.
كما أن توقيت الضربة خلال عطلة الأسواق يشير إلى محاولة تفادي اضطرابات اقتصادية، إلا أن الرد الإيراني السريع قد يعيد إشعال التوترات ويزيد من حجم المخاطر الاقتصادية الإقليمية والدولية.
السيناريوهات المستقبلية: تلاقي جبهات متعددة وتحولات إقليمية
في ضوء هذه التطورات، من المتوقع أن تتجه المنطقة نحو حرب استنزاف متعددة الجبهات تشمل:
- لبنان: حيث يحتفظ حزب الله بترسانة من الصواريخ والقذائف الدقيقة التي يمكنها تغيير قواعد الاشتباك.
- العراق: مع الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، التي أصبحت جاهزة للرد في حال تصعيد إضافي.
- غزة: التي قد تفتح جبهة جنوبية مفاجئة في ظل حالة الاستقطاب المتصاعدة.
هذا السيناريو قد يشمل عمليات سرية، واغتيالات، وهجمات سيبرانية، ومواجهات غير مباشرة، ما يطيل أمد الأزمة ويصعب التنبؤ بنتائجها.
تحولات عميقة في ميزان القوى الإقليمي
الضربة الأمريكية والرد الإيراني يكشفان عن انهيار "الردع النفسي" الذي سيطر على الشرق الأوسط لعقود، وتأكيد قدرة إيران على توجيه ضربات مباشرة داخل العمق الإسرائيلي، وهو ما يغيّر قواعد اللعبة الأمنية بشكل جذري.
كما أن إسرائيل تبدو اليوم أكثر رهبة من قدرة إيران على فرض نفسها كقوة إقليمية قادرة على الردع الاستراتيجي، بينما الولايات المتحدة تدخل في مأزق يصعب فيه المحافظة على استراتيجيات السيطرة التقليدية.
خاتمة: مواجهة لا هوادة فيها على مفترق طرق
الشرق الأوسط اليوم يقف على حافة تحولات غير مسبوقة، حيث لن تكون النزاعات مقتصرة على أطراف محلية أو إقليمية، بل دخلت في صراع دولي مباشر. الخيارات محدودة: إما طريق ضبط تصعيد جماعي وحذر، أو الانزلاق نحو مواجهة إقليمية شاملة تهدد استقرار المنطقة لعقود.
في ظل غياب خطوط حمراء ثابتة، وتفوق تقني عسكري إيراني جديد، يمكن القول إن القادم قد يكون أشد ضراوة وأعمق تداعيات، مع انعكاسات عالمية لا تخفى على أحد.
بيانات وأرقام داعمة (للتوثيق)
- وفق تقديرات استخباراتية، تمتلك إيران أكثر من 300 جهاز طرد مركزي متطور في منشآت نووية متعددة.
- أطلقت إيران خلال الرد الأخير 30 صاروخا باليستيا بدقة تفوق 85 في المئة في الإصابة المباشرة لأهدافها.
- تكاليف الأضرار المادية داخل إسرائيل تقدر مبدئيا بمئات الملايين من الدولارات، مع أضرار نفسية كبيرة في المجتمع المدني.