بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..

في لحظة مفصلية من عمر العملية السياسية في العراق، جاءت الاستقالات المفاجئة لأعضاء المحكمة الاتحادية العليا كضربة قوية وغير متوقعة قد تعصف باستقرار البلاد الدستوري والسياسي. المحكمة، وهي أعلى سلطة قضائية دستورية، لا تمثل مجرد مؤسسة قانونية، بل صمام أمان للنظام الديمقراطي برمته.

ولذلك، فإن فراغها في هذه المرحلة الحساسة يُنذر بعواقب خطيرة تتجاوز إطار القضاء، لتمتد إلى مصير الانتخابات النيابية المقبلة، وشرعيتها، وتوقيت إجرائها، ومشروعية نتائجها.
أول الآثار المباشرة لاستقالة أعضاء المحكمة هو الشلل الدستوري الذي يصيب العملية الانتخابية. فالمحكمة هي الجهة الوحيدة المخوّلة دستورياً بالمصادقة على نتائج الانتخابات العامة، وهو إجراء أساسي لا يمكن تجاوزه أو استبداله. وبدون هذه المصادقة، لا يمكن لمجلس النواب الجديد أن ينعقد، ولا يمكن تشكيل حكومة، ما يعني الدخول في فراغ سياسي ودستوري شامل قد يمتد لأشهر وربما سنوات.
كما أن الاستقالات المفاجئة تُربك بشكل مباشر الجدول الزمني للانتخابات. فمن دون محكمة اتحادية كاملة العضوية، لا يمكن البت في الطعون والشكاوى الانتخابية، ما يجعل من إعلان النتائج أمراً مؤجلاً إلى أجل غير مسمى. وهذا الأمر قد يدفع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى تأجيل موعد الاقتراع، ما يعمّق أزمة الثقة بين الشعب والنظام السياسي، ويكرّس حالة اللايقين السائدة في البلاد.
الضرر الأكبر يتمثل في ضرب مبدأ استقلال القضاء. فعندما ينسحب القضاة في لحظة سياسية حرجة، فإن التساؤلات تتكاثر حول دوافع هذه الخطوة ،هل هي ضغوط سياسية؟ أم هي اعتراض على تدخلات خارجية؟ في كل الحالات، فإن صورة القضاء تهتز، وتتحول المحكمة الاتحادية من رمز للشرعية إلى عنوان للجدل والانقسام.

وتتسع آثار الأزمة لتشمل الأمن والسلم الأهلي، فغياب المرجعية الدستورية العليا قد يشجع أطرافاً متضررة من نتائج الانتخابات أياً كانت على رفضها، أو اللجوء إلى الشارع، أو حتى حمل السلاح تحت عنوان عدم وجود جهة دستورية تفصل في النزاع . وهكذا تنتقل الأزمة من المكاتب السياسية إلى ساحات المواجهة.
لذلك يتحمّل مجلس النواب مسؤولية تاريخية في التحرك العاجل لسد هذا الفراغ، سواء بإجراء تعديلات قانونية لتثبيت عضوية المحكمة أو بالتوافق السياسي على أسماء قضائية مستقلة ومؤهلة. فالعراق لا يحتمل الآن فراغاً دستورياً جديداً، بعد عقدين من الأزمات المتتالية.
إن ما جرى ليس مجرد استقالات إدارية، بل زلزال دستوري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وإذا لم يتم احتواء آثاره سريعاً، فإن الانتخابات التي ينتظرها الشعب العراقي بشغف لإحداث التغيير، قد تتحول إلى مجرد حلقة جديدة من سلسلة الفوضى السياسية التي أنهكت البلاد.

وفي النهاية، لا دولة بلا قضاء مستقل، ولا ديمقراطية بلا محكمة دستورية، ولا انتخابات شرعية دون مصادقة دستورية واضحة.

انوار داود الخفاجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات لا یمکن

إقرأ أيضاً:

فجر التحرير إرادة المقاومة

إلهام الأبيض

في زمن تتلاطم فيه الأمواج، وتتصاعد فيه نيران التحديات، تتجلى حقائقُ عميقة، تعيد رسم خارطة المواجهة بين إرادة الشعوب الصامدة ومخططات القتل والتفتيت التي يشنها الأعداء. فالعدوان الصهيوني المستمر يتجاوز حدود الاحتمال، ويفضح هشاشة المؤسسات الدولية، ويكشف في الوقت ذاته عمق تحالف القوى الاستعمارية مع أدواتها في المنطقة. هنا تبدأ شرارة مرحلة جديدة من الصراع، تظهر فيها معانٍ أسمى من مجرد ردود الفعل، لتحول المواجهة إلى معركة إرادة، ووقفات بطولية تصوغ مستقبل أمة تتوق إلى النصر والكرامة، مدعومة بعزائم أبطالها، ومعززة وعيها، رافعةً من شأن قضيتها.

وفي ظل تصاعد العدوان الصهيوني المستمر، تتجلى علامات واضحة على مرحلة جديدة من المواجهة، حيث يتحول المشهد إلى ساحة معركة إرادة وصمود. بدايةً، يمكن ملاحظة أن الكيان المحتل بدأ يعوي ويتذمر، مظهرًا احتقاره للعجز المتواصل أمام صواريخ المقاومة التي تتجاوز دفاعاته، وتكشف عن خطوط حمره المزعومة، وتدمر تحصيناته المنهكة التي كان يظن أنها لا تُمس أو تُعرف.

هذه الموجات من الردع تشكل صفعة قوية للعدو، وتعيد رسم موازين القوى. في الوقت ذاته، يستمر في محاولة استدراج مواجهة أوسع، مستخدمًا الترسانة الإعلامية والدبلوماسية، مهددًا بحروبات لم يقترب منها بعد، وهو يتلقى ضربة تلو أخرى من مقاومة أبية تتصدى للأرض، وتختبر قدراتها، وتكرس مفاهيم جديدة للردع والتحدي.

وفي هذا السياق، تظهر قوة وثبات الجمهورية الإسلامية، التي ترد على التهديدات بثقة، وتُبرهن على قدراتها في صناعة الإنجازات، وإبهار العدو والمراقبين من خلال المناورة والابتكار في عملياتها، مع استمرار دعمها للمقاومة في فلسطين واليمن، اللتين تعتبران خطًا أحمر في مواجهة مشروع التفتيت والتقسيم.
أما الغرب، الذي يتخذ من دعم الكيان الإسرائيلي غطاءً استراتيجيًا، فإن حديثه عن تصاعد الدعم وتحميله مسؤولية استمرار العدوان يكتسي طابع الوقاحة، خاصة بعد أن انكشفت خيوط مؤامراته، وأصبح واضحًا أنه يشارك بشكل مباشر في صناعة الكارثة، من خلال توفير الغطاء السياسي والعسكري. وهناك حديث علني عن شراكته في تأسيس الكيان، واستمراره في العمل لصالحه، كما أشار أمس الأول مستشار ألماني، وهو تصعيد يعكس مدى الخبث والتآمر الذي يستهدف الأمة الإسلامية، ويهدف إلى إذكاء الفتنة وتأجيج الصراعات الداخلية.

على الجبهة الأخرى، يقف المقاومون في غزة واليمن، شامخين بموقفهم الثابت، ومصممين على الصمود والتصدي، رغم كل التحديات المريرة. ومعهم يقف قائد الأمة، الذي رسم خطوطًا واضحة، وحدد الرؤى الإستراتيجية، مُعبّرًا عن أن معركة الوعي والنهوض يجب أن تكون محورًا رئيسيًا للأمة، من أجل تحرير إرادتها من قبضة المحتل.

دعوتُه إلى كلمة السواء تتجاوز مجرد الخطاب؛ فهي دعوة لإعادة ترتيب الأولويات، والاستفادة من الحقائق الميدانية، والحقائق الواقعية التي تتجلى في أفعال المقاومة وانتصاراتها الصغيرة والمتنوعة. فالميدان لم يعد مجرد ساحة حرب، بل هو مدرسة للجهاد، وفلتر يميز بين من يعمل لرفعة الأمة، وبين من ينهش في جسدها.

وفي النهاية، يتهيأ الجميع لتحول نوعي، قد يغير موازين القوى، ويؤسس لنقطة فاصلة في المسيرة، حيث يُصبح التحرر من قيود الاستسلام، والتوحد خلف مشروع المقاومة، هو المخرج الوحيد من هذا النفق المظلم، الذي بدأت أرجاؤه تتلاشى. ليصبح العامُ القادم أمة على أعتاب معركة مصيرية، يقودها وعي الصحوة، ويقويها الإيمان بعدالة القضية، لتكتب أجيالٌ جديدةٌ تاريخًا يعبر عن عظمة إرادة الشعوب

مقالات مشابهة

  • عاجل | الأردن يدين بشدة العدوان الإيراني على قطر
  • مصدر قضائي ينفي استقالة رئيس المحكمة الاتحادية
  • لاقرار رسمي حتى الآن.. استقالة العميري من رئاسة المحكمة الاتحادية
  • استقالة جماعية لأعضاء المحكمة العليا بالعراق.. ما علاقة الكويت؟
  • الاختلاف يهدّد مصير الانتخابات النيابية... ويضع لبنان بمواجهة العواصف الخارجيّة
  • عاجل | الأردن يدين هجوم كنيسة مار إلياس في دمشق
  • أوكاسيو-كورتيز: قصف ترامب لإيران دون موافقة الكونغرس انتهاك دستوري
  • فجر التحرير إرادة المقاومة
  • مفوضية الانتخابات:استقالة أعضاء المحكمة الاتحادية ستؤثر على الانتخابات المقبلة